يوفال .. تاريخ وجيز للمستقبل

آراء

في هذا الكتاب للمؤلف يوفال نوح هراري، يطرح المؤلف أسئلة ربما لم تكن جديدة في حذافيرها، ولكنها مدهشة في جرأتها الأسلوبية، مذهلة في طرحها الغائص في أتون الفكرة الجدلية منذ زمن نيتشه، وأسبينوزا، وسواه من حداثيي القرن الثامن عشر، هؤلاء المفكرين الذين أنسنوا الواقع البشري، وخرجوا بمهمة الولوج في القدرات الهائلة لكائن تميز عن سواه من المخلوقات، بالخيال الخصب، وعمق الدخول في طبيعة كانت ولأزمنة طويلة تعتبر مخبأ للأفكار الغامضة، والمخيفة في كثير من الأحيان.

لقد قال مارتن هايدجر، بأن الإنسان راعي الكون، ثم عاد وصرح بأن الإنسان أصبح ترساً في الآلة، وهذه سيرة كل فيلسوف عظيم فهم المغزى من الوجود، ولم يخرج يوفال عن الطريق، بل لم يزل، ولم يخل، ولم ينو قط أن ينزلق في جليد حياتنا السالفة، ولا الراهنة، وإنما هو متابع حذق دورة الحياة، ولتسلسل الانتخاب الطبيعي التي فسر محتواها تشارلز داورن، ومن بعد كل الفكرة تاجاً من المعرفة عالم الانثروبولوجيا، جيبون، حتى عثر أوشو الفيلسوف الهندي العظيم على الجين الوراثي للنفس البشرية، وفي فحواها نجد حلم البشرية في الخروج من الأنا البوهيمية إلى الأنا الواعية التي تختزل معاناة الإنسان في وعيه بذاته، وحلمه الزاهي المنقى من درن العشوائية، وغشاوة اللاشعور.

بعد كتابه المهم «الإنسان العاقل، يخرج يوفال بكتابه الختامي (الإنسان الإله) ليعطي القارئ نزهة عقلية، بأسلوب منتقى، ولغة تعمق المعنى وتصف الإنسان بذلك الكائن الخارج من بوتقة اللا عقل إلى باحة مشرقة بمؤثرات صوتية جهورية فذة، ولكنها مفزعة إلى درجة أنها قد تعطي القارئ أن الإنسان امتلك زمام أمره بمفرده ومن دون مقدمات، ولا تسلسل للطبيعة الجبلية التي جاء منها، ومنها تطور ليكون راعياً حقيقياً لكون مزدحم بالتناقضات، المهيبة، والغريبة، والعجيبة، والملفتة للنظر إلى درجة الدهشة، إلى حد الجزع.

ما يطرحه يوفال هراري، يحتاج إلى تأمل في الخريطة البشرية، كما يحتاج إلى درس واف في معاينة ما يجري في ذلك الأنا البشري المثير للجدل حتى نفهم ما يعينه هذا الكتاب، وحتى نتقبله كمنجز لا بد وأن نقرأه حتى نعرف من أين جئنا، وإلى أين نحن ذاهبون.

شكراً لمشروع «كلمة»، على أسئلته الفياضة، شكراً لدائرة الثقافة التي تمنحنا المزيد من علامات الاستفهام، شكراً لكل للمحبين وعشاق الإضاءات في شعابنا، وصحارينا التي تحتاج إلى مثل هذه المصابيح.

المصدر: الاتحاد