الجمعة ١١ يونيو ٢٠٢١
شاعر الفجر والماء، هو بعينه كما ينبغي على الفجر أن ينسرب في النفوس، وما على الماء أن يسيل في الجهات، وبماذا يصلح للماء إذا استحال جسداً وقلباً ولغة، سوى أن يتخلّق في ذلك الكائن الروحاني.. محمد العلي، أو بصفته وشهرته الرقيقة «شاعر الماء»! من اقترب من شاعر الماء قليلاً، قليلاً فقط، سيغمره بغيمةٍ واعية وإنسانيةٍ خالصة.. ولن يصدق أبداً أن هذا «العلي» يوشك أن يلامس عامه التسعين، لن يصدق، لأنه لا أحد يقول له «هيّا» إلى أي دربٍ جميل، إلا ويجد هذا الرجل المسن، يثب وثباً كالطير.. كأنه يخاف أن يكون في الطرقات حياةً فاتنةً، لم تقع عيناه عليها، من قبل. كأنه يشعر أن النداءات التي يسمعها ليست مجرد كلمات، وإنما هي حياةٌ كاملةٌ ومصير.. فلا تسألوا «محمد العلي» عن حياته، ولا عن الماء. يكفي فقط أن تنظروا إلى ملامحه. إنه ذلك النوع من الرّجال النادرين، الذين يحملون أيامهم وكل خطواتهم على جباههم، ووسط أحداقهم، وبين حواجبهم، وفي تجاعيد أصداغهم.. والفجر يوم جاء أول مرة كان قد بذر الشعراء كحبات القمح في كل ناحية، فكان محمد العلي أشبه ما يكون بالفجر وكلماته كقامات السنابل! لمحمد العلي: «يقولون كنت هنا من أول فجر، وآباؤنا بذروا فيك أحلامهم بذرونا - ولما نزل في الأماني - على الموج، وكنا حقول الهوى فوق زرقتك…
السبت ١٧ أكتوبر ٢٠٢٠
كانت المرة الأولى التي أرى فيها، رأي العين، حقيقة الإهانة والإذلال وكسر الكرامة، الذي تواجهه المرأة، في حادثة قديمة وقعت أمامي بأبها. والقصة: بأيام الجامعة، منذ أكثر من ربع قرن، وفي حديقة تشبه اسمها، تدعى «أبوخيال» كنت وصديق قديم جالسين عصراً، وحدث أن جاءت عائلة، امرأتان كبيرتان، وفتاة شابة، كانت في نفس عمرنا، أنا وصاحبي، أو أكبر بقليل، ومعهم مراهق صغير، وبالعادة حينها فقد بدا واضحاً أنه «مَحْرَم العائلة، حيلة الخروج لنزهة صغيرة، في حديقة عامة. (تذكير: «محرم» تسمية، تعني الوصاية المطلقة على حياة وحقوق النساء الراشدات كافة، بوصفهن في حكم القاصر، وناقصات العقل والأهلية، وقد يكون هذا المحرم/الوصي أحياناً في سن الطفولة، أو طيش الصبيان وعنف الشباب. كان يحدث مثلاً أن ترى أمهات وأخوات وبنات، لا يمكن إحداهن أن تتعلم أو تسافر أو تسكن، بل وأن تجري أية عملية علاجية أو معاملة إدارية.. الخ، إلا بإذن هذا الصبي، والذي تربيه وتنفق عليه هذه الأم والأخت، في الأصل! وما منا إلا ويعرف إحدى حكايات القهر وسلب المصائر والأموال والأحلام، قبل أن تقرّ هذه الحقوق نظامياً، في سنوات تحولنا العالية هذه!) عوداً للقصة.. جاورتنا تلك العائلة على بعد مسافة، وبينما البنت الشابة تنحني لتفرش البساط وقع غطاء وجهها، وسارعت تلقائياً لتلتقطه بلمح البصر، لكنها وقبل أن تدّس وجهها تحته مجدداً، كان…
الجمعة ١٩ يوليو ٢٠١٩
«ميتتان لرجلٍ واحد».. هذا عنوان الرواية الصغيرة الأخاذة، للبرازيلي الكبير العجيب، جورج أمادو. الرواية بصفحاتها التي لا تبلغ التسعين، تضربك وكأنها بتعبير أمادو؛ لكمة وحشيةً في الصدر! إنها عمل يضعك وجهاً لوجه أمام العمق الرهيب والمخيف ببساطة متناهية، أمام شجاعتك إزاء الحقيقة وماهيتها وخيارات الحياة والموت، هل حقاً اخترت ما تريده في حياتك؟! هل الحياة المنمطة، التي تمليها عليك العائلة والمجتمع والملابس الأنيقة والوظيفة والسمعة والأيام المتلاحقة، شديدة الشبه ببعضها، هي ما اخترته فعلاً؟ وإذا ما تجرأت وخرجت من هذا كله، فهل ستكون قادراً على احتمال العالم والتعايش معه؟ ليس فيما ستدفعه من الثمن في حياتك فقط، بل وفي مصيرك النهائي؛ الموت! «كينكاس هدير الماء»، الرجل الذي مات مرتين، في ميتته الأولى المصنوعة من النمط الاجتماعي، وبينما هو ممدد في تابوته.. يكتب أمادو: (إنها ضحكة كينكاس هدير الماء المعهودة، وكل تفصيلٍ فيها يحمل إهانةً صريحةً، متلاشيةً في الصمت الجنائزي الذي فرضه الموت، خيل لـ «فندا» أنها تسمع عبارة «حية قذرة»، فخافت وبرقت عيناها، كما كان يحصل مع أوتاسيليا، حتى شحب وجهها ومال لونه إلى البياض. إنها شتيمته المألوفة، ولطالما قذفها في وجهيهما كلما سعيتا إلى إقناعة بالعودة إلى هدوء المنزل وعاداته القديمة، واحتشامه المفقود). في الليلة نفسها، من ميتته الأولى، وحين خلا به أصدقاؤه، قام كينكاس ليذهب إلى الميتة التي…
الأحد ٠٧ يوليو ٢٠١٩
حتى اليوم ومحمد علي كلاي، أسطورة الضربة القاضية، هو اللاعب الوحيد الذي فاز ببطولة العالم للوزن الثقيل ثلاث مرات، في عام 1967 رفض الانضمام للجيش الأمريكي والمشاركة في الحرب على فيتنام، فسحب اللقب العالمي منه، ومنع من المشاركة في أية مسابقة، في طول أمريكا وعرضها، إضافة لمنعه من السفر خارج البلاد، واستمر ذلك حتى منتصف 1970. خوسيوس كلاي كان يملك الخطابة والإرادة والسرعة والروح والثقة الكاملة، وقبضتين أشد من بعضهما، كان يقال إن ضربة منهما بوسعها أن تحرك شاحنة. «الأبطال لا يصنعون في الحلبات، الأبطال يصنعون من شيء عميق في داخلهم، مثل الرغبة والحلم والرؤية»، قال هذا كلاي، وهو لم ينتصف المشوار، في طريقه نحو التتويج برياضي القرن 1990. حسناً ما هي الإصابة في مقتل في حياة كلاي؟ كان يمكن أن يموت فعلياً بطل كهذا في حادث سيارة، أو بالسقوط من فوق بناية، أو حتى بطعنة في شجار شوارع، ولم يكن كل هذا يرقى لصبغه بهذا الوصف. لقد بقي حياً حتى عام 2016 ولكنه في النصف الأول من الثمانينيات بدأ يشعر ببعض الآلام الغريبة، أخيراً قال له الأطباء بأنه مصاب بشلل الرعاش، وهذا ما تعنيه كلمة الإصابة في مقتل بالضبط، القبضتان اللتان تسحقان كل شيء لم يعد أمامهما الكثير من الوقت حتى يفقد السيطرة عليهما تماماً، فبعد سنوات قليلة من…
الخميس ١١ أغسطس ٢٠١٦
من يعرف ماذا يدور برأس جيمس كاميرون؟ يقول إنه منذ كان طفلا وهو يحلم بفيلم خيال علمي يقلب فيه فكرة الحرب "أفاتار"، لكن تصوره عما يريد تقديمه لم يكتمل حتى عام 1997 حينها كتب القصة في ثمانين ورقة، وأيضا لم يبدأ العمل، إذ لم تكن تقنيات التصوير السينمائي حينها تفي بما يطمح إليه. بعد أن رأى فيلم "ملك الخواتم" عام 2002 وجد أن الوقت حان، فحضر للفيلم في 2005، وبدأ تصويره في 2006 وتم عرضه في عام 2009 وماذا؟ حقق الفيلم إيرادات تجاوزت المليارين دولار، ورشح لتسع جوائز أوسكار، أحرز منها ثلاثا. الحلم الذي راود الطفل جيمس كاميرون، وهو يتابع أفلام الخيال العالمي، أصبح واقعا في الفيلم، وسيصبح واقعا آخر، خارج الشاشات وصالات السينما، في عام 2017، حيث تعاقدت شركة ديزني العملاقة مع المخرج، لتصميم كوكب "باندورا" مماثل في مدينة الألعاب الشهيرة، وهو نفسه سيشرف على بناء الكوكب، ليكون مطابقا لما بدا عليه في الفيلم، وسيتمكن أي أحد من زيارة الكوكب السحري ورؤية الجمال الخارق الذي دار برأس هذا الرجل. "أفاتار" قدم فكرة مناهضة للحرب، للآلة العسكرية الأميركية، حطم أنف الجندي الذي لا يقهر، وانتصر لسكان الكوكب الأصليين، والذين تمكنوا في النهاية من هزيمة الغازي. جندي البحرية المعاق، والذي كان قد فقد قدميه في حرب الفيتنام "جيك سولي" يتم اختياره…
الجمعة ٠٤ سبتمبر ٢٠١٥
قام شاب أميركي بتجربة صادمة، أراد أن يكشف للآباء خطورة هذه الأجهزة بأيدي صغارهم، والتي قد تنتهي بهم إلى مصائر فادحة. سجل بحساب منتحل في "الفيسبوك"، وضع صورة مزيفة لمراهق، وعمرا افتراضيا خمسة عشر عاما، ثم قام بمراسلة ثلاث بنات في سن الطفولة، أعمارهن اثنتا عشرة وثلاث عشرة وأربع عشرة سنة، وفي أيام معدودة نجح في مواعدتهن. رتب القصة مع آبائهن الذين كانوا إلى آخر لحظة غير مصدقين أنهن سيفتحن الباب لغريب، أو سيخرجن من المنزل. الصدمة أنه وعبر الرسائل كنّ ينتظرن نوم أو مغادرة آبائهن. أولاهن خرجت وقابلت الشاب في حديقة مجاورة للبيت، الثانية فتحت الباب للشاب كي يدخل، والثالثة ركبت معه السيارة. الحديث عن أطفال لم تتجاوز أعمارهن الرابعة عشرة، استجبن للقاء شخص مجهول، لا يعرفن عنه سوى مراسلات الفيسبوك. هذا لا يحدث فقط في أميركا، بل يحدث في كل مكان، بطرق مختلفة. الأمر كارثة بالفعل، لأنه لا يتوقف فقط عند احتمال الاعتداءات الجنسية، أو الانزلاق في عوالم فاسدة يصعب الخروج منها، لا سيما في هذه السن المبكرة، بل لأن الأمر يمتد إلى تجنيد مراهقين ومراهقات لصالح جماعات متطرفة، وهذا ما يحدث بالفعل. ما الحل؟ أبدا ليس حرمانهم من الأجهزة، ولا حجب هذه المواقع، بل على الوالدين أن يكونا قريبين من صغارهما، وأن يعرفا ما يدور بعالمهم، قبل…