السنوات المجيدات للنساء السعوديات!

آراء

كانت المرة الأولى التي أرى فيها، رأي العين، حقيقة الإهانة والإذلال وكسر الكرامة، الذي تواجهه المرأة، في حادثة قديمة وقعت أمامي بأبها.

والقصة: بأيام الجامعة، منذ أكثر من ربع قرن، وفي حديقة تشبه اسمها، تدعى «أبوخيال» كنت وصديق قديم جالسين عصراً، وحدث أن جاءت عائلة، امرأتان كبيرتان، وفتاة شابة، كانت في نفس عمرنا، أنا وصاحبي، أو أكبر بقليل، ومعهم مراهق صغير، وبالعادة حينها فقد بدا واضحاً أنه «مَحْرَم العائلة، حيلة الخروج لنزهة صغيرة، في حديقة عامة. (تذكير: «محرم» تسمية، تعني الوصاية المطلقة على حياة وحقوق النساء الراشدات كافة، بوصفهن في حكم القاصر، وناقصات العقل والأهلية، وقد يكون هذا المحرم/الوصي أحياناً في سن الطفولة، أو طيش الصبيان وعنف الشباب. كان يحدث مثلاً أن ترى أمهات وأخوات وبنات، لا يمكن إحداهن أن تتعلم أو تسافر أو تسكن، بل وأن تجري أية عملية علاجية أو معاملة إدارية.. الخ، إلا بإذن هذا الصبي، والذي تربيه وتنفق عليه هذه الأم والأخت، في الأصل! وما منا إلا ويعرف إحدى حكايات القهر وسلب المصائر والأموال والأحلام، قبل أن تقرّ هذه الحقوق نظامياً، في سنوات تحولنا العالية هذه!)

عوداً للقصة.. جاورتنا تلك العائلة على بعد مسافة، وبينما البنت الشابة تنحني لتفرش البساط وقع غطاء وجهها، وسارعت تلقائياً لتلتقطه بلمح البصر، لكنها وقبل أن تدّس وجهها تحته مجدداً، كان أخوها قد رفسها بمنتصف ظهرها بكل قوته، وأمام من في الحديقة قاطبة. صاحت البنت صيحة المغدور، وسقطت تتلوى وتبكي. وأنا وجميع من رأى وسمع تلك الصيحة مبهوتون! الأم انكبت على بنتها، وراحت تتحسّب الله على هذا الهمجي العاق!

ويا للأسف، فلم تكن هذه الحادثة سوى شقفة من الجحيم المختبئ خلف الأبواب والجدران! الحديث عن النساء، وخطفة عين على شيء مما مررن به، في عالمهن المخفي والصامت.. هذا كي لا ننسى، والسعوديات الكريمات في احتفاليتهن، وهنّ للتو، في هذه السنوات القريبة، تلتقط أيديهن طرف قاطرة الحقوق، عربة الإنسان والعصر الحديث.

من جهة أخرى أتذكر تربيتنا المنزلية، فمع أنني خرجت من بيت صارم وشديد المحافظة، ثم تلقف – ككل البيوت – تديّن الصحوة، أو بالأحرى تشويهها، إلا أن أكبر شناعة كانت عند والدي، أمد الله بعمره، وهو الذي خُلق من صلابة القرى وعناء الدهر، هي أن يضرب أحدنا الآخر، نحن الإخوة، أما من يضرب إحدى البنات فقد جاء بإحدى نوائب الدهر، وليس لها عند أبي من غفران ولا رحمة. أخواتي العظيمات أربع، أصغرهن الآن تقارب الأربعين، ولم يحدث يوماً أن لُمست إحداهن بطرف إصبع، ولو مزاحاً!

أعود مرة أخرى لمشهد الفتاة وصيحتها، تلك العشية البائسة، وبعد هذه السنين من انهيار الخديعة، ومع هذه التحولات الكبيرة، أفكر بغبن الناس؛ من أين ظهرت تلك المخلوقات، وكيف تمكنت منا، وزورت علاقاتنا وبيوتنا ومجتمعنا! من فكّ حبال تلك الضباع، وأطلقها علينا!

كان التوّحش قد تفاقم، حتى عمّ كثيراً من البيوت، تذكرون مثلاً – وكل هذه الأمثلة قد نشرتها الصحف – ذاك الذي تربص بأخته عند مقر عملها، التي كانت قد هربت منه لدار الرعاية، ليرديها قتيلة بطلق ناري! تذكرون من حاولن إنقاذ بناتهن من حريق مدرسة بمكة، وتذكرون من وقفوا عند الباب، يحولون بينهم وبين أرواح صغيراتهن! تذكرون حادثة المراهقين الذين استدرجا أمهما للمستودع، ثم تعاقبا على طعنها بالسكاكين! تذكرون من قذفوا الكاشيرات والممرضات وأهاليهم بالعهر والدياثة، ومن حملوا كل بهتان على المبتعثات، ثم اكتشفنا أن بناتهم وأبناءهم في طليعة البعثات، وبأرقى جامعات الغرب! تذكرون هول مآسي المعنفات، وألف ألف جريمة، لا يطيقها ضمير ولا عقل! صحيح أن العدوان والجنايات لم تنته، ولن تنتهي، لكن الحقوق الآن في حراسة القانون، وتحت مظلته!

كنا نقول إن واقعنا بحاجة لمهمة إنقاذ، تشبه المعجزة، وقد حدثت، لذا فمن حق الناس أن يفرحوا، النساء بالأخص! لهنّ أن يرقصن بكل ما في وسعهن تحت أشجار الأمل!

أخيراً، ما مشكلة المزايدين مع فضيلة الاعتراف بالشكر؟ نعم ودائماً ألف شكراً لكل رؤية وخطة وهدف ينحاز لحق، أما من يولول ويعارض ويؤلب، فاسمع وتعلم الدرس جيداً: كان هذا سيحدث، طال الزمن أو قصر، وسيحدث في مستقبل الأيام ما هو أكثر! افهم وتعلّم الدرس: لا تقف بوجه حق مستحق، كي لا تكون بصف الظالمين، وكي لا تدهسك دواليب خزي التاريخ!

شكراً..

المصدر: مجلة اليمامة