عبد الرحمن الراشد
عبد الرحمن الراشد
إعلامي سعودي

اكتشاف جمهورية إيران السرية

الثلاثاء ٢٤ أكتوبر ٢٠١٧

كلنا نفهم إيران، النظام الطموح للهيمنة والنفوذ، لكننا في الحقيقة لا نعرفه جيداً. عنده الغاية تبرر الوسيلة، من بيع السجائر إلى تزوير العملات، والمتاجرة بالمخدرات، وغسل الأموال. جمع وتوجيه أموال الخُمس الدينية لأغراض حربية، وتأسيس شبكات معقدة من الشركات في أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا، من إرسال رجال الدين المحملين بطلب الولاءات إلى مدربي القتال على السلاح. هذه نشاطات الإمبراطورية الإيرانية التي لا تظهر على السطح، تحاول تسخير كل ما تضع يدها عليه لخدمة غاياتها. وهي من خلال الخلايا، وشبكات التهريب السرية، بنت مشروعها النووي ولا تزال تفعل. ومع أن بث النزاعات هوايتها الرسمية فإنها لا تحارب بنفسها. آخر حرب خاضتها القوات المسلحة الإيرانية كانت أمام العراق، وانتهت عام 1988. في تلك الحرب، رمى النظام الجديد بما تبقى من قوات الشاه المهزومة للتخلص منها. بعد الثورة صار الجيش النظامي الإيراني يقاد من قبل آيات الله المرتابين فيه، الذين لا يعترفون بالرتب العسكرية، ولا يحترمون إلا التراتبية الدينية. بعدها أصبحت كل معارك نظام طهران توكل إلى الخلايا والشبكات والمندسين؛ «حزب الله» لبنان، «حزب الله» العراق، «أنصار الله» اليمن، «الفاطميّون» الأفغان، وعشرات غيرها نشرت في أنحاء المنطقة تحارب من أجل رفعة دولة آية الله. إيران لم، وربما لن، تخوض مواجهات عسكرية بالبوارج وأسراب المقاتلات، فهي، رغم بنائها، الذي لا يكل، لأسطولها البحري والبري…

بين رفض الانفصال وإلغاء الأكراد

السبت ٢١ أكتوبر ٢٠١٧

كان لا بد لرئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني من أن يجرب مرة حظ مواطنيه؛ أكراد العراق، في طرح حلمهم التاريخي، وهو الانفصال وإقامة دولة مستقلة. وكانت أكثر الاحتمالات تنبئ بفشل المشروع. لماذا فعلها بارزاني؟ ربما لو لم يحاول لكان سيلام مستقبلاً، ويتهم بخذلان شعبه، خصوصاً أنه من تولى مهمة العمل المشترك مع حكومة بغداد عسكرياً وسياسياً في السنوات الماضية، وهو من تعاون مع المجتمع الدولي في محاربة التنظيمات الإرهابية، وسالت دماء الأكراد في سبيلها. لكن مسعاه للاستفتاء، الذي نتيجته مضمونة بأن الأكراد يريدون تحقيق حلمهم التاريخي؛ جمهوريتهم المستقلة، كان خاطئاً، لأنه لا توجد دولة إقليمية واحدة مستعدة لدعمه، نظراً لأن الانفصال يهدد الجميع. وهو أمر ينطبق على جنوب اليمن، وغيره من مشاريع الانفصال في المنطقة، التي لا يكفي لتحقيقها تصويت أغلبية أهالي الإقليم لها، بل الأهم الاعتراف الدولي بنتائج الاستفتاء. لهذا التقت السعودية وتركيا وإيران، على اختلاف سياسات هذه الدول الإقليمية الكبرى، وعارضت مشروع انفصال إقليم كردستان، أو بعبارة دبلوماسية؛ أعلنت أنها مع وحدة كامل العراق. وساندتهم بهدوء القوى الدولية الكبرى أيضاً. في الوقت نفسه، هناك رسالة مهمة وراء إفشال مشروع انفصال إقليم كردستان العراق. الرسالة أنه لن يسمح للقوى المحلية أو الإقليمية بتغيير الأوضاع الداخلية، وهذا لا يخص فقط الأكراد؛ بل حتى الجماعات المحسوبة على إيران في المنطقة؛ سواء…

التكتل الجديد ضد طهران

الثلاثاء ١٧ أكتوبر ٢٠١٧

الحقيقة فاجأتنا التحولات بسرعتها. فمنذ إعلان واشنطن قرارها ضد حكومة إيران، بدلت بريطانيا وألمانيا موقفهما، من الإصرار على الوفاء بالتزامات الاتفاق النووي إلى الإعلان عن تأييد مشروع ترمب بمواجهة نظام طهران في منطقة الشرق الأوسط. ويبدو الأمر واضحاً، فالمشكلة ليست في الاتفاق على النشاط النووي بقدر ما هي في الحروب التي تديرها إيران إقليمياً. لا يعقل ترك النظام طليقاً في المنطقة ينشر الفوضى ويهدد الأنظمة، ويهيمن على العراق وسوريا ولبنان واليمن، وذلك مكافأة له على تقليص تخصيب اليورانيوم! بريطانيا وألمانيا انتقدتا الممارسات الإيرانية، وأعلنتا انضمامهما إلى الولايات المتحدة في مواجهة سياسة طهران. موقف يفشل مسعى إيران التي حاولت وضع الاتفاق كحزمة واحدة، وفرضه على الجميع دون التمييز بين منع النشاط النووي الذي يؤهلها للتفوق العسكري، وبين ممارسات النظام الخطيرة المستفيدة من الاتفاق النووي نفسه. ولا بد أن نعترف بأن البيت الأبيض أدار المعركة بذكاء مع حلفائه الأوروبيين الذين كانوا يرفضون تماماً التراجع عن الاتفاق، وكل ما يؤدي إلى توتر العلاقة مع طهران. لكن الرئيس دونالد ترمب وضعهم أمام خيارين؛ تصحيح الأخطاء التي صاحبت الاتفاق أو إلغائه كله، مصراً على رفض الاستمرار في الوضع السابق. وهو موقف ينسجم مع موقف الحزب الجمهوري، وبالطبع أيده أركان حكومته. وستبدأ العجلة تدور من جديد في الضغط على نظام طهران الذي سيكون مسؤولاً عن الأزمة…

السعودية: سياسة التسلّح

الثلاثاء ١٠ أكتوبر ٢٠١٧

السؤال الذي يفترض أن يسبق الحديث عن موضوع الصفقتين العسكريتين اللتين رافقتا زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لموسكو الأسبوع الماضي: لماذا تبدو الرياض أكثر رغبة في استيراد صفقات من السلاح، من السابق، نوعاً وكماً؟ في الواقع لم تبلغ الأخطار الخارجية المحتملة ضد المملكة كالتي تواجهها اليوم، نتيجة عاملين؛ الخطر الإيراني ازداد، والتزام أميركا بالدفاع عنها تراجع. زاد خطر إيران على كل حدود السعودية؛ شمالاً تمكنت من مد نفوذها على العراق وسوريا، وجنوباً تهددها وعلى حدودها مع اليمن. وكانت ستطبق على المنطقة لو دام حكم تنظيم الإخوان المسلمين تحت رئاسة محمد مرسي في مصر. والسبب الآخر انحسار مظلة الحماية الأميركية. ففي عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، عبّر بلا مواربة بأنه لم تعد توجد مبررات التفاهم القديم الذي كان يعتبر «أمن السعودية من أمن الولايات المتحدة»، في إطار حماية مصالح أميركا القومية العليا. لهذا بقيت أمام القيادة السعودية طريق وحيدة، تعزيز قدراتها الدفاعية. بالنسبة إلى الحكومات الغربية دائماً هناك علاقة لصيقة بين مبيعات الأسلحة والسياسة الخارجية، تربط الصفقات بشروط، وقد تقيّدها لاعتبارات سياسية. فقد سبق لإدارة أوباما أن أوقفت تزويد المملكة بالذخيرة وحرمتها من التعاون الاستخباراتي بسبب خلاف على حرب اليمن. وليس غريباً اعتراض بعض مؤسسات الدولة الأميركية، وبعض أعضاء الكونغرس، على صفقة السعودية أو غيرها من الدول،…

البعض لم يتعلم من حرب أكتوبر

السبت ٠٧ أكتوبر ٢٠١٧

خسرت الدولة اليهودية نحو ثلاثة آلاف جندي قتيل، وأكثر من ثمانية آلاف مصاب، وألف دبابة وآلية مدمرة ومعطوبة، ومائة طائرة حربية. خسرت أكبر الأراضي التي استولت عليها قبل ست سنوات في حرب سهلة وخاطفة. هذه قصة مختصرة لحرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 كبيرة بالنسبة لدولة متفوقة. الحروب هي نشاطات سياسية وليس الهدف منها فقط هزيمة العدو. ومكاسب تلك الحرب أنها بدلت المفاهيم على ضفتي قناة السويس. فإسرائيل دولة قوية، متطورة، ذات مشروع عسكري وتوسعي خطير، كانت تعيش شعوراً بالتفوق الدائم والمضمون، منذ أن كسبت الحرب في عام 1967، إنما معظم عناصر هذه المعادلة غيرتها حرب أكتوبر. منذ ذلك اليوم وإلى اليوم، صار مشروع إسرائيل حماية ما تبقى من مكاسبها في حرب الأيام الستة. إسرائيل تعلمت الدرس، وكذلك مصر، لكن هناك من العرب ما لم يستفد منها إلى اليوم. وهم الذين ترونهم في قطر وإيران وبقايا الأنظمة البائدة في سوريا والعراق. ربما ما كان لسيناء وقناة السويس أن تعودا لولا حرب 1973، وربما ما كان لشهية إسرائيل أن تتوقف عن المغامرات التوسعية لولا تلك الهزيمة. حرب أكتوبر علامة فارقة أحدثت فارقاً كبيراً في العلاقات بين الجانبين بتعديل منظور ميزان القوى، بعدها عرف الجانبان أنه لا توجد انتصارات مضمونة. أسقطت كثيراً من المسلّمات في داخل الدولة اليهودية، لكنها في الوقت نفسه فشلت…

إصلاح بغداد لوقف تفكك العراق

السبت ٣٠ سبتمبر ٢٠١٧

أعطوا الأكراد حصة حقيقية في الحكومة في بغداد، حينها سيتوقفون عن فكرة الانفصال. حالياً يُقلدون مناصب فخرية بلا صلاحيات، وكذلك حال العديد من مكونات الدولة العراقية التي بُنيت، بعد الغزو، على نظام برلماني تشاركي. كل دول المنطقة تقريباً ضد فكرة انفصال أي إقليم، ولهذا لن يكون انفصالهم سهلاً. والخشية تزداد من نشوب حرب تشنها السلطة العراقية المركزية، مع إيران وتركيا، ضد «الدولة الكردية»، بعد أن أيد 92 في المائة من أكراد إقليم كردستان الانفصال عن بلدهم العراق. فالانفصال طريق سياسي وعر طويل وخطر، فيه مواجهات عسكرية وحصار اقتصادي أليم. في الوقت نفسه، فإن الأكراد عازمون، ولو تراجعوا مؤقتاً الآن سيعاودون الكَرّة لاحقاً. مشروعهم مقلق لأن بقية أقاليم العراق ومحافظاته تتنازعها أفكار انفصالية ستؤدي في الأخير إلى نهاية العراق الذي نعرفه منذ عام 1920، كما رسم حدوده البريطانيون والفرنسيون. الحلول موجودة، إن وجدت النية الصادقة لوقف الانفصال الذي يهدد بتدمير العراق والمنطقة. على القوى السياسية في بغداد أن تمنح الأكراد الصلاحيات والضمانات بأنهم شركاء في الحكم، وليسوا مجرد صورة تذكارية، لو تحقق ذلك ستنتهي المبررات. فالأكراد، مثل بقية القوى العراقية التي قام عليها مشروع العراق الجديد، تم تهميشهم والقضاء على وجودهم من قبل شركاء الحكم، من أفراد وأحزاب عراقية أخرى، وذلك بعد خروج الأميركيين الذين كانوا الضامن للمشروع السياسي. بغداد هي…

أكثر من قيادة السيارة

الخميس ٢٨ سبتمبر ٢٠١٧

إنها أيام سعيدة، وأيام تاريخية في المملكة العربية السعودية. تغييرات إيجابية ما كانت تخطر على بالنا بعد أن غلب شعور باليأس. وعلى مدى عقود كانت كل عقبة تزال من أمامها تدور عليها معركة اجتماعية وسياسية، من التعليم إلى التوظيف والرياضة والإعلام. إنما أم المعارك هي معركة منح المرأة حقها في قيادة السيارة، وبتدخل من الملك سلمان بن عبد العزيز، تبناه ووقعه باسمه، به تكون قد سقطت أكبر السدود وأصعبها. قرار الملك قرار شجاع وحكيم، سيذكره التاريخ طويلاً، به أنهى حقبة وبدأ حقبة جديدة. وسيُذكر معه الأمير محمد بن سلمان، ولي عهده، الذي يتولى ملف التطوير، وهو مهندس «رؤية» الدولة الجديدة ومستقبلها التي منذ إعلانها، أمطرت القرارات التي كنا نظن، إلى فترة قريبة، أنها لن تحدث أبداً بسبب الدوران في حلقة مفرغة عجزنا عن الخروج منها لعقود طويلة. الرسالة التي نستشفها، أننا أمام مملكة جديدة حديثة تجد مكانتها بين الأمم المتحضرة، بمقاييس أرحب تتسع للجميع، تبني جيلاً جديداً مؤهلاً فاعلاً، رجالاً ونساء، في ظل اقتصاد حقيقي يقوم على مقومات إنتاج حقيقية. لقد صدرت العديد من القرارات واستحدثت العديد من النشاطات التي فاجأت المجتمع السعودي، وكانت شبه مستحيلة إلى فترة قريبة. هي مجتمعة تعبر عن مشروع الانتقال، يلحظه الذي يشاهد الصورة كاملة. رأيي أنه، ورغم أهمية تمكين المرأة من قيادة السيارة بعد…

دخول الصناعة البحرية

الإثنين ٢٥ سبتمبر ٢٠١٧

دولة كالسعودية تحيط بها البحار، طبيعي أن تفكر في الخدمات والصناعات البحرية. تطل على نحو 2600 كيلومتر من الشطآن الطويلة جداًً، من رأس الخفجي في الخليج إلى خليج العقبة في البحر الأحمر. وهذه هي المرة الأولى التي تتجه فيها السعودية للاستفادة منها، يبرر ذلك موقعها البحري المجاور للقارات الثلاث، آسيا وأفريقيا وأوروبا، وأسواقها الكبيرة. وبإعلان «أرامكو»، أنها ستقود تحالفاً من شركات دولية لإنشاء مجمع الملك سلمان العالمي للصناعات والخدمات البحرية، تكون قد انتقلت إلى وظيفة أخرى جديدة، إضافة إلى نشاطاتها البترولية. ووفق وعودها فإن المجمع سينهي أول مرحلة بنهاية العام المقبل، ومقره سيكون مدينة رأس الخير على ضفاف مياه الخليج. المشروع يدشن باب الوعود الكبيرة في «رؤية 2030» بتعزيز الموارد والدخول في مجالات جديدة ذات علاقة باقتصاديات المملكة. والذي يهمني، أيضاً، معرفة الترابط بين هذه المشاريع العملاقة، وبين روافدها. فالمشروع يعد بثمانين ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، يفترض أن نسبة كبيرة منها ستذهب للأيدي العاملة المحلية، وطالما أن المشروع سينجز على مراحل، تكتمل قدراته الإنتاجية بعد خمس سنوات من الآن، فإننا نفترض أنه يمكن تكليف بعض المؤسسات التعليمية المحلية، بما فيها المتخصصة في الهندسة والعلوم البحرية، أن تركز في دراساتها على خدمة هذا المشروع تحديداً بما يرضي توقعات الموارد البشرية. بعد إنجازه خلال خمس سنوات، لا يمكن تبرير عدم…

حكاية الغزو السعودي الإماراتي لقطر!

الخميس ٢١ سبتمبر ٢٠١٧

إحدى الوكالات الإخبارية نسبت للبيت الأبيض قوله إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب نجح في منع هجوم عسكري سعودي إماراتي على دولة قطر، ولم تمضِ ساعة حتى أصدر الرئيس الأميركي بياناً يكذب الحكاية. ثم ظهر خبر آخر يقول، إن ترمب وبخ أمير قطر، الشيخ تميم، عندما التقاه في نيويورك، وأظهر له معلومات سرية، تؤكد أن قطر لا تزال تمول الإرهاب، رغم أنها وقعت تعهداً مع الأميركيين قبل أسابيع بأن تكف عن ذلك! يتم ترديد كثير من الحكايات لأغراض سياسية، في حين هناك منطق ينفيها. فطبيعة الأزمة، وكذلك تحصن قطر المبكر بالقواعد الأميركية والأحلاف العسكرية الدولية يحول دون التفكير في ذلك. لكن قطر لجأت إلى هذه الدعاية منذ يونيو (حزيران) الماضي، لاستدرار التعاطف، مثلاً في الكويت، وتصوير الدول التي هي على خلاف معها كدول شريرة. الحقيقة هي عكس ذلك. قطر تعمل منذ سنين على إضعاف واستهداف، وبالتالي إسقاط، أنظمة مثل السعودية والبحرين، وكذلك مصر. فاستهداف دولة البحرين ليس سراً بدعمها المعارضين الذين يعلنون عزمهم إسقاط الحكم. وهي منذ التسعينات، ولا تزال إلى هذا اليوم، تمول المعارضة السعودية الدينية المتطرفة في لندن، التي لا تخفي رغبتها في إسقاط الحكم السعودي، ومتورطة في محاولة اغتيال الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز. أما مصر فتكفي مشاهدة وسائل إعلام قطر لليلة واحدة، لسماع الدعوات الصريحة…

قطر داخل قدر الضغط

الثلاثاء ١٩ سبتمبر ٢٠١٧

من مسار الإجراءات التي تتخذها الدول الأربع، التي قررت إنهاء الحالة القطرية، تتعزز التوقعات بأنها ستنجح في الأخير مهما قاومت حكومة الدوحة. ولقاءات نيويورك السياسية هذا الأسبوع تسلط الضوء على الأزمة وفي أي اتجاه ستسير. فإن قبلت قطر بالتنازلات المطلوبة فإنها ستنجح أخيراً في الخروج من قدر الضغط الذي تطبخ فيه. وإن سعت للمساومة بالقبول ببعضها والمماطلة في بقية الشروط فإن الأزمة ستستمر إلى العام المقبل. العالم كله مستفيد من مواجهة قطر. هذه دولة صغيرة، بفوائض مالية ضخمة، وشهية كبيرة لخلق الفوضى في المنطقة وما وراءها، وقد تسببت في كثير من الخراب. لقد تخلصت منطقة الشرق الأوسط، تقريباً، من كل الأنظمة الممولة والمحركة للفوضى إلا من اثنتين؛ قطر وإيران. وبإنهاء الدور القطري ستتقلص المشكلات، وتتقزم الجماعات الدينية المتطرفة، وتبقى إيران وحيدة. على مدى عقدين كانت قطر مسؤولة عما يجري من فوضى، وتطرف، وحتى إرهاب جزئياً. ولم يقم أحد بالتصدي لها في البداية وذلك تقليلاً من شأنها وتأثيرها، وعندما كبرت وتعددت الأزمات التي تدعمها قطر أصبحت تختبئ خلف التحالفات. إنما اتفاق أربع دول عربية فاعلة على التصدي لها قلب اللعبة وجعل قطر هي المحاصرة. قطر، دون أن توضع تحت الملاحقة، هي دولة خطيرة، تملك من فائض مداخيل الغاز والبترول ما يجعلها تمول كل التنظيمات المتطرفة في العالم وتسعى لقلب أنظمة الحكم…

لماذا الجميع ضد استقلال كردستان العراق؟

الثلاثاء ١٢ سبتمبر ٢٠١٧

شبه متأكد من أن غالبية العرب، خارج العراق، يتعاطفون مع رغبة الأكراد بالاستقلال وإقامة دولة لهم. وقد عزز ذلك رئيس إقليم كردستان، مسعود البرزاني، في حملته ومقابلاته الصحافية، التي تعبر عن وجهة نظر الإنسان الكردي «العراقي»، ورغبته في الاستقلال، التي قاتل من أجلها منذ الستينيات. من ناحية شخصية، أنا أميل مع الغالبية في حق الأكراد العراقيين في إقامة دولتهم، ومن الناحية السياسية العقلانية، أرى أنه لا بد لهذه الرغبة أن تستوفي اشتراطات قبل إقامتها. لا يكفي تأهيل الإقليم الكردي شرطاً ليكون دولة، بل أيضاً لا بد من تأهيل الدولة العراقية نفسها لتعيش بدون إقليمها الكردي، ولا تتعرض للانهيار أو الحروب. الأرجح أن خروج كردستان من منظومة الدولة، سيهدد فوراً التوازن الديموغرافي الطائفي في العراق، وقد يتسبب في حروب داخلية جديدة. ففي ظل طغيان الطائفية السياسية التي هيمنت بعد سقوط نظام صدام الشمولي، صار العراق مقسوماً تقريباً ومحكوماً بتوازن نسبي، نحو نصف البلاد شيعة ونصفه سنة، على الرغم من الجدل حول هذه الإحصاءات القديمة. والسنة نصفهم عرب ونحو النصف الآخر أكراد. وبدون إصلاح النظام السياسي، سيعرض خروج الأكراد، العراق إلى قلاقل جديدة، بسبب تبدل النسب. فنظام الحكم العراقي برلماني، يعتمد على التمثيل الفئوي. خروج الأكراد السنة سيخل بالمعادلة، وقد يؤثر سلباً في مسارات السياسة، في ظل وضع مشوه، أما بعودة الاحتراب…

التحدي: من يضمن قطر؟

الأحد ١٠ سبتمبر ٢٠١٧

معضلة الدول الأربع العربية، التي قررت التصدي لقطر، ليس في إجبارها على تلبية مطالبها الثلاثة عشر، بل في مصداقية قطر، في ضمان ما تقوله، وتوقع عليه، وتتعهد به. نحن لا نعرف أن قطر وقعت على اتفاق واحترمته. وحتى بوساطة شخص مهم ومؤثر، كالرئيس الأميركي، لا يستغرب إن نقضت لاحقاً ما ستتعهد به، بأن تكف عن التدخل في شؤون جيرانها، وتنهي دعمها للجماعات المتطرفة، والمسلحة، وغيرها. نقض العهود، والتحايل عليها، هي سياسة حكومة الدوحة، تعتبرها ذكاء للتخلص من الضغوط والتهرب من المواجهة المباشرة. مثال ذلك أنها عندما وافقت على الذهاب للرياض عام 2013، ووقعت بضمان الوسيط أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، كانت تريد فقط تهدئة غضب العاهل السعودي، الملك عبد الله، رحمه الله، بعد شكاوى كثيرة من تدخلاتها. وقعت وتعهدت وبعد بضعة أشهر اكتشفت السلطات السعودية أن قطر لم تتوقف عن دعم الجماعات التي تستهدفها، والتحريض الداخلي عليها. وبعد عرض البراهين على فريق قطر التفاوضي تحجج بأن الاتفاق لم يشمل مثل هذه التفاصيل وساءت الأمور. توسط أمير الكويت لأمير قطر الذي كرّر موقفه موقعاً بحضور قادة الخليج في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2014. الوثيقة السرية سربتها قناة «سي إن إن»، وفيها تعهد أمير قطر بألا يدعم المعارضات في دول الخليج، ولا يؤوي المعارضين، ولا يمنحهم جنسيات قطرية، ويكف عن…