الإثنين ٢٠ يوليو ٢٠٢٠
الإمارات اليوم في خطوة استثنائية مشرقة تفتح دفاتر التاريخ ليقرأ العالم أجمع الرؤية الواضحة والصريحة وليتهجى العالم حروف النهوض الحقيقي باتجاه سياسة إنسانية لا تفرق ولا تمزق ولا تحرق، وباتجاه اقتصاد كوني يضع الإنسان في مقدمة أولوياته ويقدم الحرية على كل البديهيات. وبهذا الحضور المشرق، يبقى مسبار الأمل رسالة الإمارات التي تجوب العالم شرقاً وغرباً لتحرك مكامن القلوب وتفتح الدروب، وتكسر حاجز الصوت من أجل صوت واحد يلهج بالألفة والمحبة، والتآلف والتكاتف والتضامن ضد كل ما يعكر المياه الكونية، وكل ما يفسد الأحلام الجميلة. وبهذا الحضور المشرق، يتسع فضاء الحكمة القيادية في الإمارات باتساع الرؤية، وصبوة الفرسان على جياد الخير، رافعين راية السلام من أجل عالم يتحد من أجل الحب، والعطاء، ويتقد من أجل إشعال شمعة تنير الكون وتضيء التضاريس. وبهذا الحضور المشرق، الطموح الإماراتي يسرج خيل المحبة باتجاه دول العالم إحقاقاً للحق بأن تكون الإمارات رائدة في هذا المجال بما تحمله من مقومات وطاقات إبداعية في فن السياسة وما يتضمنه تاريخها الإنساني وإرثها الاجتماعي من وشائج القربى مع جميع دول العالم وشعوبها المحبة للسلام. وبهذا الحضور المشرق، يصل العرب إلى المريخ، وتبقى قائمة التواصل متصلة، متأصلة في ضمير كل فرد من أفراد هذا الشعب النبيل. المصدر: الاتحاد
الإثنين ١٥ يونيو ٢٠٢٠
ليل يذهب، وفجر يطل، وعالم يستيقظ على بؤرة خطر، تنبه فيه الحاجة إلى مصل يرتب وجدان السياسة، ويزيل عن كاهلها غبار العصاب، ويفتح نافذة لاتحاد عالمي ضد كارثة لم تفرق بين يمين أو يسار، ولا بين شرقي أو غربي، فالجميع في المصاب سواسية وهذه هي سنة الطبيعة، إنها لا تميز، ولا تتحيز، فهي الطلقة التي تذهب إلى حيث يكمن ضعف الإنسانية، وجهلها بأهمية الاصطفاف حول كلمة سواء، والخروج من تأتأة الارتياب والشك، والريبة، واضطراب المشاعر، وتفجر الأنا بحيث تصبح أشد ضراوة من الوباء نفسه. في آونة المصاب الجلل الذي حلّ بالبشرية، تكشفت كريات دم ضعيفة أصابت الجسم البشري بالعجز، في مواجهة وباء العصر، وصار لزاماً على الجميع وضع سماعة جس النبض على القلوب، لتحاشي أي انزلاق في هبوط ضغط الدم، وفقدان السيطرة على التوازن الأخلاقي، وانحسار الضمير البشري، والإصابة بعد ذلك بفقدان الوعي. نحن اليوم بحاجة إلى التضامن أكثر من وقت مضى، نحن بحاجة إلى التخلص من الأنا، والإمساك بقوة بال (نحن) والسير معاً إلى المستقبل متكاتفين، متعاونين، متحدين، متخلين عن العنجهية، والتزمت، والتعنت، والتفتت، والدخول في غرفة العمليات، معاً لمراقبة ما يحدث، ومعرفة أسباب ما حدث، ومن البحث عن الدواء الذي يشفي المرض، وتنتهي البشري من هذه الأسئلة الوهمية، والتي لن تعود إلا بالضرر على الجميع، وبعدها لن يفيد…
السبت ٢٥ أبريل ٢٠٢٠
الأزمات تحكي قصة معادن الرجال، وتفصح عن جوهر الذين يخبئون في الكينونة نفائس الإنسان الصادق، ويبرزون المعنى في حب الآخر. في الفترة التي تمر بها الدولة، كما هي سائر الأوطان، وفي حمى الكفاح من أجل الظفر بعافية الناس جميعاً، شعرنا أن هناك قوة مثالية، ونموذجية، تستحق أن نقول عنها، إنها جيشنا الأبيض الذي وضع الأيدي على زناد الإرادة، واستطاع أن يقف نداً قوياً في مواجهة الوباء اللعين، وأن يعلن هذا الجيش العرمرم، تصديه للقوة الغاشمة، بكل بسالة وتحد، وأن تقف مؤسستنا الطبية، وقفة رجل واحد، والدفاع عن صحة الإنسان، والحفاظ على حياته، بجرأة الشجعان، فعندما نرى أولئك الناس الأوفياء، رجالاً ونساءً، يحومون حول مرضاهم، كما هي الفراشات الحميمة، ويقدمون أرواحهم فداء لمن ناموا على أسرة الألم ينتابنا الفزع، والخوف على أرواح أطبائنا والممرضين والممرضات، أكثر من غيرهم، لأنهم في الحقيقة يقومون بفعل جهادي، وفدائي حقيقي، كون هذا الوباء يحمل في طياته من الفيروسات الفتاكة، والتي من الممكن أن تتشبث بحسد أي إنسان يقترب من مصاب، ولكن أبناء المهنة الرحيمة يقومون بالواجب بقلوب مؤمنة بأن الحياة لا تقبل أنصاف الحلول، فإما أن نكون أو لا نكون، ولن نكون إلا بتعاضدنا وتراحمنا وتضحياتنا، من أجل مجتمع صحيح معافى من درن كل ما يعيق صحة الناس أجمعين. هذا المشهد الخيالي يثير في النفس…
الجمعة ٢٠ مارس ٢٠٢٠
الإمارات بإمكانياتها البشرية والمادية جاهزة لأن يصبح فيها مركز أبحاث طبية. الإمارات رائدة في كل مفاصل الحياة، ولديها القدرة على الريادة في مجال البحوث الطبية، وهي أساسية، وضرورية، لبلد أصبح في المواجهة لكل ما يعتري العالم من ملمات، ومفاجآت، تأتي من الطبيعة، ترهب، وتعذب، وتطيح بالفرح الإنساني. نطرح هذه الفكرة ونحن على ثقة من أن بلادنا قادرة وبكل قوة على صناعة مستقبل يملك مقومات النجاح، والظفر بمكتسبات تضيف إلى انتصار الإنسان على كثير من العقبات، انتصاراً جديداً يتمحور في تقصي محدثات الدهر، ووضع الكوابح التي تمنع الضرر عن البشر. الإمارات قادرة على فعل ذلك، وبإمكانها مفاجأة العالم بقدرات مدهشة، لأن لديها العقول اللامعة الأذهان الصاحية، والإرادة القوية. اليوم ونحن نواجه وباء الكورونا، أثبتت كوادرنا الوطنية أنها تملك مخزوناً معرفياً هائلاً، ما يؤهلها لأن تقيم مركزاً بحثياً يسمع العالم بأن هنا في الإمارات مخزناً للإبداع، ومرفقاً ثقافياً يستطيع أن يصبح في المستقبل موئلاً للخبرات العالمية، وقبلة لكل من يريد أن يستزيد من معارف تفيد البشرية. نثق بهذا الدور الذي من الممكن أن تتبوأه الإمارات، طالما وجدت على دفة المركب قيادة تبذل النفس والنفيس من أجل خدمة الإنسانية، والارتقاء بها إلى مصاف النجوم، وعند تخوم السحابات الشامخة. الإمارات قادرة على فعل ذلك، وهي بحاجة إلى هذه الصروح التي تقدم ما ينفع، وتدرأ…
السبت ٢٢ فبراير ٢٠٢٠
الشخص المستبد، مستمد قوته من ضعفه، ومن الزجاجة المهشمة في داخله. عندما تجد شخصاً يقتل آخر بدم بارد، ويفتح شدقيه بابتسامة واسعة، تقول إن هذا الشخص شجاع إلى حد الصرامة، قوي إلى حد الحزم، حازم إلى حد الجزم. ولكن عندما تتأمل وجه هذا القاتل، وتتقصى التجاعيد على جبينه، ثم تتعرف على تاريخه الشخصي، تكتشف أنه إنسان مكتنز بمشاعر أشبه بنثار الغبار، أشبه بحثالة قهوة باردة، أشبه بنخالة بذور تالفة. القاتل يعاني من تشوهات تربوية، ومن شروخ في الوجدان، ومن طفح في الذاكرة ومن نتوءات في الثقافة، ومن بثور في الأحلام. هذا الشخص مثبت عند مرحلة مأساوية في حياته، هذا الشخص يواجه مأزقاً أخلاقياً، وأزمة معتقد. لا يقدم على القتل إلا من واجه قتلاً في تطلعاته، وطموحاته، إنه شخص مكبوح، وقد غطست أجنحته في بقعة زيت هيضت قدرته على الطيران، ومسخت قدرته على التحليق. هذا الشخص واجه في مرحلة من مراحل العمر، كتلة صخرية، أصابته بالدوار، مما جعله يسير في العالم بلا بوصلة توازن فهمه للعلاقة مع الآخر. هذا الشخص محتقن بصدمة نفسية قاسية، جعلت أفكاره مثل فرائس فرت من قسورة، جعلت من قناعاته مثل رمال متحركة، جعلته خائفاً لا يستطيع أن يثق بنفسه ولا بالآخر، مما يضطره إلى التخلص من الآخر، وكلما أقدم على جريمة نكراء، كلما انتابته قشعريرة الفوز،…
الخميس ٢٠ فبراير ٢٠٢٠
يقول فولتير: «من يجعلك تؤمن بالسخافات والخرافات، يستطيع أن يجبرك على ارتكاب الفظائع». فلا نستغرب أبداً عندما نرى كائناً بشرياً يقوم بتفجير نفسه، وسط حشد من الناس الأبرياء في سوق أو مركز تجاري. لا نستغرب في أن يقدم وحش بشري على طعن امرأة مسنة، لا ذنب لها إلا أنها مرّت في الطريق الذي يكمن فيه هذا الوحش. الخرافة تجعلك مثل الجهاز المسيّر بالريموت كونترول، تجعلك تمضي في الحياة مثل عربة بلا فرامل، تجعلك الخرافة في اليقين الأعمى، فتقتل لأن المقتول لم يرق إلى مزاجك، أو أنه يخالف فكرتك، أو أنه جلس إلى جوارك من دون أن يحييك بابتسامة تريحك، أو أنه نسي أن يفسح لك مكاناً في الحافلة! الخرافة كاميرا قديمة، تصور الوجوه، والأشياء على غير طبيعتها، فتبدو هذه شائهة، لا تروق للخرافي. الخرافة ترسلك إلى العالم مثل طائرة ورقية، توهم الناس بأنها طائرة، ولكنها ليست بطائرة. الخرافة تبرز في الوجود عندما يختفي المنطق في جلباب قديم، مرقع بالأفكار الشائهة. الخرافة تأتيك عندما تكون معمماً بخرقة الجهل! الخرافة تستولي عليك عندما تكون في قفص الكبت، وحولك ببغاوات تردد ما قاله مدع كذاب، ومعتد أثيم، ومشّاء بزنيم! الخرافة لا تسكن إلا في بيت مؤثث بكومة من النفايات، وبقايا كائنات نافقة، وصناديق معدنية صدئة، ودواليب خشبية عاثت في أضلاعها الرمة. الخرافة يسوقها…
السبت ٠٨ فبراير ٢٠٢٠
البعض يعتقد أن النوايا الحسنة، سذاجة، أو ضعف، أو هوان. لذلك ذهب غاندي ضحية نواياه الحسنة، فاغتيل ظلماً وبهتاناً. لماذا؟ فقط لأنه أراد أن تكون الهند العظيمة ملكاً للهنود وليس للطائفيين، والمتقوقعين عند «الأنا» المتعجرفة. قتل غاندي على يد أحد من طائفته الهندوس، فقط لأن غاندي تجاوز نفسه، ودخل في المحيط، واستطاع بوعيه أن يعبر بحيرة التزمت والتعنت، واختار الخروج من محارة التعصب الديني. وهو هكذا فعل كما قال ابن رشد، إن الأديان كلها صحيحة إذا عمل الإنسان بفضائلها. ولم يكن روسو خارج هذه السماء الواسعة حين أكد أن الأفكار المسبقة مفسدة للعقل. وقد أبدى بروتاغوراس، وعياً بأهمية سعة الإدراك، حين قال: «إذا كان العقل مستبداً، فالصحوة مستحيلة». اليوم وبعد أن قطع العقل البشري ردحاً من الزمن، لم يزل البعض يغط في سبات العقل المستبد، والوعي الضحل، لأن الرثاثة تتشبث بالأنا، وتقبض على مرفق العقل إلى درجة أن إنسان اليوم «المتحضر»، يحمل في ثناياه، بقايا عصر الغاب، كما قال سيجموند فرويد. عندما يستأنف الإنسان حياته بالانقباض، وتتحكم في تصرفاته ذات مستلبة، لا تستطيع التنفس إلا من دخان الأنانية، ولا يستطيع التحرك، ألا تحت سطوة أغلال الأنا المتأزمة. في ظل هذا التسرب المستمر للأخلاق، يبقى الإنسان أسير سوء النية، ويبقى عداؤه مستمراً ضد كل ما هو مخالف للونه أو عرقه ودينه،…
السبت ٠٩ نوفمبر ٢٠١٩
متى يحدث التواصل؟ عندما يختفي الخوف، وتصبح الأرواح مثل النهر الصافي، تحل طيور المحبة على صفحاته، وتتسرب في الماء بوعي الكائنات النبيلة. الخوف أساسه نفسي، ونحن الذين نحيك قماشته في ضمائر الصغار، ليصبح بعد حين من الدهر ملاءة رثة برائحة الغبار، ودخان الآهات الحارقة. نحن الذين نصنع من الخوف آلهة شر تلاحق ظلنا، وتلتصق بأرواحنا مثل بقع الزيت، وتستمر في غثاثتها، حتى تصيبنا بالدوار، وتملأ حلوقنا بالغثيان. نحن الذين نملأ جدران بيوتنا بصور الخوف، وهياكله العظمية المرعبة، ونستمر في تغذيتها بالمصطلحات العجيبة والمريبة، ونحن الذين نعلم أطفالنا الخوف من كل شيء نحن لا نريده، ومن كل شيء نحن نشأنا على كراهيته. الخوف كائن مجسد في ضمائر الذين فقدوا الوعي بأهمية ألا نخاف من الأوهام، والخوف سلعة رخيصة يصدرها لنا أناس خائفون من اللاشيء، أناس ترجفهم كلمة لا، فتجعلهم مثل أسماك ملقية على الرمل، تجعلهم مثل أرانب مذعورة من صوت خارجي مبهم، لا أحد يعرف من أين مصدره، ومن أي جهة يأتي. لا نستطيع التواصل مع الآخر ونحن نحمل في داخلنا هذه الكتلة من الجحيم، تحرق أوراق وعينا، وتخترق ألبابنا، وتمارس ضدنا، ما يفعله اللهيب في الأخشاب الجافة. الخوف كائن خرافي، نبتت أشواكه منذ أن فتح الإنسان عينيه، ورأى العواصف كيف تطيح الأشجار الواقفة، ثم تطور وكبر في عقولنا، ليصبح خوفاً…
السبت ١٩ أكتوبر ٢٠١٩
«نحن الدولة الأسرع نمواً في عدد المشاريع». حقيقة نسافر إلى دول، ونقطع مسافات، ونحل ضيوفاً على شعوب وعوالم، وعندما نقارن هذه الدول وما أنجزته من مشاريع حضارية خلال قرون، نجد أنفسنا قد أنجزنا في غضون عقود من الزمن ما يفوق قدرة هذه الدول، وإمكانياتها الخدمية. نجد أنفسنا كمن امتطى صهوة خيل جامح، بينما الآخرون يسيرون إلى المستقبل على ظهور سلحفاة. ليست هذه مقارنة عجفاء، بل إن واقع الإمارات يشير ببنان واضح إلى هذه النتائج المبهرة، إنها معجزة العقول التي فكرت، والتي رأت وتبصَّرت، وتأنَّقت بذكاء وسخاء، واستطاعت أن تسابق الزمن في لحظة تأمل حقيقية، لما يتطلبه الإنسان الحقيقي من مقتضيات الحياة الكريمة. هذه هي الإمارات اليوم، تسخو، فتفيض بمشروعات، أذهلت، وأدهشت، وأيقظت في الروح نوازع الفرح، لأن الذين سهروا على ترتيب معانيها هم أناس أحبوا الحياة فأحبتهم، وأعطتهم وسخت في عطائها، وأكرمت، وأمعنت في تهذيب المشاعر، وتوضيب الإحساس، وتوظيف الوعي في إقامة صرح بدا قلعة وارفة الظلال، يستظل بظلها كل من لديه طموح الارتقاء بمفاهيمه، عن معنى أن نكون إنسانيين في هذه الحياة، وأن نكون حضاريين في الوجود، وقد قال الفيلسوف الألماني «الإنسان راعي الوجود». ومن هذا المنطلق العرفاني، فإن الإمارات بفضل قيادتها الواعية، استطاعت أن تشق الطريق إلى المجد، بكل جدارة ومهنية اقتصادية، وأن ترتقي سلم الحياة بقدرات فائقة،…
الأحد ١٣ أكتوبر ٢٠١٩
نحن لدينا إرث المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، نستطيع به، وعلى إثره أن نضع أقدامنا على ضفة النهر، ونغتسل من العذوبة، ونرتوي حتى تعشب قلوبنا بسنابل الوعي، ما يجعلنا نكتسي بسندس الحضارة من دون إفراط ولا تفريط. نحن الشعب الوحيد في العالم الذي يمكنه أن يتجاوز مراحل التهور، بسلام لأنَّ ما قدمه المغفور له الشيخ زايد، من منظومة أخلاقية تجعلنا مكتفين ولا نريد المزيد، ما آمن به زايد هو الحب، وبالحب ترقى الشعوب، وتتعافى من كل مكروه وخبث وعبث. وهنا نستدعي مقولة الفيلسوف الدانماركي سورين كيركجارد بقوله «من لا يستطيع أن يكشف عن نفسه لا يستطيع أن يحب، ومن لا يستطيع أن يحب فهو أتعس إنسان على الإطلاق». ومن هو أعظم من زايد في الحب، وعشق الحياة، والتفاني من أجل الآخر؟ من هو أنبل من هذا القائد الذي رسخ الوضوح في حياته، كما هو النهر، في الفيافي، وكما هو القمر في الليالي المدلهمة. عندما تتخلص من عواهن عقد وتكون واضحاً متصالحاً مع نفسك، فإنك لا تحتاج إلى التقليد، ولا تحتاج إلى اللهاث خلف المبهرات من المظاهر ولا تحتاج إلى المساحيق، كي تضيء وجهك. ولا تحتاج إلى الأساور كي تخرخش في معصمك، لإسماع الآخرين أنك حاضر في المشهد. نحن نستطيع أن نواكب المسيرات العالمية الكبرى…
الأربعاء ٠٩ أكتوبر ٢٠١٩
اليوم وخلال العشرين سنة الأخيرة، حدث ما يشبه الحلم. حدث شيء يثير الصدمة الاجتماعية، حدث تغير في النسيج، حيث القماشة الاجتماعية تغيّرت في سمكها ولونها، وهذا أمر طبيعي يحدث لأي مجتمع انتقل من مرحلة الطفولة الثقافية إلى النضج. ولكن خلال هذه الرحلة حدث ما يشبه القفزة فوق حبل يربط جدارين عاليين حدث انصهار قيم، وبروز قيم أخرى، وحدث اغتراب في المفاهيم، والمصطلحات، والعادات، والتقاليد، والسلوك الجماعي. حدث خلال هذه الرحلة انبعاث أشعة فوق بنفسجية، غيرت من الرؤية، ومن المزاج، والمذاق أيضاً. بدءاً من الملبس، والمأكل، والمشرب مروراً بالعلاقة بين الأفراد، في مجال الأسرة، والعمل، والصداقة، ثم انتهاء بحزمة من الاستخدامات اليومية للغة، وثقافة عامة، نتجت في خضم الانتقالة السريعة، من منطقة الماضي، إلى الحاضر، ويبدو أن العربة الاجتماعية تمر سريعاً على الكثير من القيم، وتتجاوزها، ولا يتم الالتفات نحوها، لأنه ما من فرصة، ولا وقت يسمحان بالتريث، فالعقل منشغل كثيراً بالمستقبل، والقلب متخم بالمشاعر الجديدة، والعين يغبشها النور الساطع، ولا شيء يتوقف في هذه الحالة، بل إن المسافة ما بين الماضي والحاضر على الرغم من قربها زمنياً، إلا أنها نفسياً تبدو أبعد من المسافة ما بين الشمس والقمر. سنوات ضوئية قطعت خلال العشرين سنة، لم تستطع شعوب غيرنا قطعها خلال قرون من الزمن. المجتمع حظي بمميزات تفوق التخيل من خلال…
الإثنين ٠٧ أكتوبر ٢٠١٩
هذا الإرث، وهذا النث، وهذا البث، وهذا الحث، وهذه المنظومة الأخلاقية، التي شعت، واتسعت، ومدت، وامتدت، في المدى شراعاً ويراعاً واتساعاً، وفاضت من فيض، وروض ومنحت الحياة نسقاً معرفياً، بدا في الوجود قامة ومقامة واستقامة، بدا في الوطن سحابة هيابة، تظلل وتهطل زخات ورفرفات، لها تنيخ الركاب شجوناً، ولحوناً، وتسود الأطيار، وتترنم الأشجار، وتميل الأغصان طرباً وصخباً. هذا العرف القمي سكن القلوب، فاستكانت هدأة وطمأنينة، وازدهرت أماناً وسكينة، وبدت التضاريس مروجاً وبروجاً، وصارت البيداء فيحاء على ربواتها تحلم النوق، وتتألق الجياد، وتتدفق الوهاد عشباً يلون التراب بأخضر اليفوع ورونق الينوع، وتتباهى العيون ببريق أنيق رشيق والناس في فيافي الوطن، يرتلون آيات الحب، لوطن زرع الحب أصولاً وفصولاً، ومنح الأحلام بياض السليقة، ونصوع الخليقة. هذه منظومة زايد الأخلاقية، أكسبت الوطن قامته وشامته وعلامته ووسامته وجزالته وأصالته ونبله وخير سبله، هذه المنظومة ألهمت الوطن إبداعه وبلاغته وفصاحته، وحصافته وقدرته على صناعة المجد بكل براعة ونبوغ ومنحت الناس الوجاهة والبهجة ونهج التسامح والتصالح والخروج من شرنقة التقوقع والاختزال، والانفصال عن باقة الزهور والعطور هذه المنظومة، رسمت صورة البهاء والصفاء والنقاء والوفاء والانتماء إلى الوحدة البشرية، وتكامل الموجود هذه المنظومة هي في البدء حلم، ثم صارت علماً وعلماً، صارت في الكون نجوماً ترصع السماء بقلائد وفرائد وقصائد، وتنسج في الأرض خيوط الحرير، لشراشف الدفء…