الأربعاء ٢١ مارس ٢٠١٨
عاصمة النور تضاء بصرح من صرح النور على لسانه، بأبهى الصور، وأجمل العبارات، وأنبل القيم، وأكمل الشيم، ومن تسامت الكلمات وهي ترسم للوطن صورة المثال والنموذج المحتذى، والقدوة التي تمضي نحوها الأوطان. عاصمة النور، تبتهج بصرح مد للمدى مداد القصيدة، فامتد يمد الخطى باتجاه الأفق، يرنو إلى العالم بحدق الصفاء، وروح الوفاء للأرض، للإنسان، لبيان القدرة الإلهية التي منحت هذا الشعب قائداً جعل من الوطن محيطاً تسبح في أعماقه أرواح المحبين، وتعزف الموجة لحن الانتماء إلى كون نحن فيه فراشات تهتف باسم الخالق العلي القدير. عاصمة النور، تخلد صرحاً فيه البيان والبنان والتبيين، فيه خصال النجمة، وطبع الغيمة، وسجايا النعمة، وثنايا القيمة، فيه الجلال والجمال وشيم الوصال، فيه سحر البدايات التي انبثقت منها لحظة الانبهار والازدهار والإثمار والإعمار، ونبوغ المسار وبلاغة الوعي في العلاقة ما بين الإنسان والإنسان، وما بين الإنسان والأرض. عاصمة النور، تفتح مصابيح الحياة على صرح مد للصروح آفاقاً وأطواقاً وأعناقاً وأشواقاً، وفتح للإنسان ينابيع الأمل، ومنح للصحراء أوراق الينوع واليفوع، وأهدى الطير أنشودة التغريد، لتصبح الإمارات اليوم واحة، وأبناءها قصائد معلقة على جدر المجد، ويصير البحر مراكب سفر محملة بالأحلام الزاهية، والأمنيات المزدهرة بثراء الواقع. عاصمة النور، تزهر اليوم بصرح زايد، وتزدهر بذكراه المعبقة بمنجزات ومكتسبات أذهلت وأدهشت وأسعدت، وجعلت القلوب مثل بساتين تفوح بعطر…
الأحد ١٨ مارس ٢٠١٨
شهداؤنا، تنظر في عيون آبائهم، فترى الكبرياء مثل جبال شم مكسوة بعشب الانتماء. تنظر في عيون أبنائهم، فترى الوطن يتألق شعاعاً مثل أهداب الشمس، تنظر في عيون أحبتهم فترى الحب زاهياً يرفل بأثواب الاعتزاز والتقدير، بذلوا النفس رخيصة في سبيل كرامة الإنسان وعزته وحريته، ومن أجل إعادة الأمل لشعب عانى من ويلات الغبن والحقد والطائفية. شهداؤنا هؤلاء هم الذين رووا بدمائهم أرض اليمن، لأجل أن تنبت أشجار الحياة، وأن تترعرع أعشاب الأمل في قلوب أطفال تشردوا ونساء ثكلى، ولأجل أن يستعيد اليمن عافية النهوض، وتشرق الشمس على صنعاء؛ لتغسل أدران من عاثوا بالقيم فساداً، وسادوا بباطل وتسيّدوا برذيلة. شهداؤنا بدمائهم الناصعة أضاؤوا طريق من أطفئت في دروبهم أنوار الحلم، ومن ناخت بهم إبل الفجيعة عندما وجدوا أنفسهم بين أفكاك شريعة لا تعرف ذمة، ولا تنتخي لأخوة، ولا تعنى بوطن. شهداؤنا في اليمن سجلوا أروع ملاحم البطولة، وأنصع الصور القتالية في مواجهة وغد تجبر، وحاقد تكبر، وناقم تبختر، ووحش تضور، وكاهل انحدر في أسفل السافلين، وحوّل اليمن إلى مستنقع تعيث فيه الضواري، وتعبث فيه مخالب الشيطان، وتستغل شططه قوى الدعاية العبثية. شهداؤنا هناك رسل محبة وسلام لمن يريد لليمن الخير، ورصاصة الرحمة لمن يعاني أمراض الكراهية الخبيثة. شهداؤنا هناك هم من مثّلوا وجدان الإنسان الإماراتي، وهم من أتقنوا صيانة الأمنيات، في…
الإثنين ١٢ مارس ٢٠١٨
في عفرين، وفي الغوطة الشرقية، في سوريا كلها، يحضر العالم بكل غضبه ونفاياته التاريخية ولا يحضر العرب، هناك يستمر الحِنث والخبث والعبث، وهناك يحضر الدمار والاندثار والغبار والسعار، ويغادر العرب إلى مكان قصي، حيث يمكث النسيان والسلوان والهجران، والشعب السوري وحده يواجه الجحافل بصدور عارية، إلا من الأمل المكسور والويل والثبور، لأن العرب خبؤوا العزيمة خلف غيمة الفشل، واستراحت جيادهم عند شجرة اليأس والقنوط، وظلوا متفرجين على المشهد، والغابة تحترق، والغزلان تسوطهم الأجندات والمغامرات والمداهمات والخيانات، استسهالاً لضرب الجسد الميت سريرياً. هدنات هنا، ومراوغات هناك، ولا شيء يبرز في الأفق لأن النوايا رزايا، ولأن الصدق دفن مع غثيان الحقيقة، ولأن الحقيقة غشيتها موجة من الوهم والحزن الأسطوري، الذي لم نسمع به إلا في الروايات البوليسية، وما أخفته صدور الذين علقوا مشنقة سوريا على مشاجب الكذب والافتراء، والتصريحات الأشبه بالزبد ورغوة الصابون المقلد. رجال ونساء وأطفال، يحملون الأتفه من زاد الدنيا، ويقفون خلف الممرات الملتهبة، لعل وعسى تطفو على السطح قشة تحملهم إلى ما بعد الحصار، ولكن لا جدوى لأن المتقاتلين لا يزالون يحملون في جعبهم من الحقائب السرية، ما يجعلهم يخفقون بوضع الأيدي على الزناد، ومن تسول له نفسه بمغادرة الغوطة الشرقية فالحتف المأساوي في انتظاره، والقناصون يتربصون مثلما تفعل الضواري، ولا حياة لمن تنادي. قالت المرأة السورية وامعتصماه، والمعتصم…
السبت ١٠ مارس ٢٠١٨
هكذا هي الحضارات العظيمة مثل النهر لا تتوقف عند صخرة، بل تتعداها لتصل إلى الحقل. هكذا هي الأمم النبيلة، مثل الوردة، فعطرها لا يميز، ولا يتحيز، بل هو منثور في الأرجاء لتشمه الفراشات من كل مكان. هكذا هي الأفكار الكبيرة لا يسعها حيّز، بل هي الحيّز كله، هي كل الوجوه، وكل الاتجاهات، هي في الوجود مركز الكون. عندما بزغت الحضارة اليونانية في العصور القديمة، لم تكن أثينية، وإنما وصل فكر الأولين من سقراط إلى أرسطو إلى كل أرجاء أوروبا، ومن ثم العالم لأنها حضارة العالم، واليوم العالم قد لا يرى في اليونان غير هؤلاء الذين صنعوا مجدها، وأضاؤوا سماء الدنيا بالفكر المستنير، والعطاء الذي لم تحده جغرافيا ولا تاريخ. وعندما يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، إن تجربة الإمارات مفتوحة على العالم، لأن سموه على يقين من أن التجارب الواسعة لا تضيق بالعالم، وإنما تزداد اتساعاً كلما انهمرت أمطارها على مزيد من البقاع. ولا يستطيع أحد أن يقول، إن تجربة الإمارات، محصورة في مكانها الجغرافي، لأن بلادنا أصبحت اليوم مآلًا لكل الطيور الراغبة في بناء أعشاشها على هذه الأرض أو الاستفادة من التجربة ونقلها إلى أماكن أخرى، فهذه التجربة أصبحت اليوم، مثل الشمس لا تنبئ شعاعها تحت شرشف الغيم، بل تطل من خلال الغيمة لترسم لوحة شفافة…
الأربعاء ٢١ فبراير ٢٠١٨
زايد بن حمدان بن زايد آل نهيان، النهر الذي فاض، وأعطى، وبذل من الدم ليروي إرادة شعب، ويخصب أحلام أمة، باستدعاء الذاكرة لصور البطولات، وفرسان الشجاعة وبسالة الشجعان، وهو المثال الجلي لنخوة الذين يمتطون جياد التضحية من أجل نصرة وإعانة الملهوف، وردع الظلم ورفع الضيم عن إخوة لنا في الدين والدم والتاريخ. زايد بن حمدان، وإخوته على أرض اليمن ضربوا مثالاً للتضحية، وسطروا في صفحات التاريخ كلمات من نور، وحروفاً من ذهب، هؤلاء هم أبناء الإمارات، عيال زايد الخير، قصائدهم تكتب بالدماء الطاهرة، وعباراتهم تنسج من حرير انتمائهم للحقيقة، وتطلعاتهم هي من بريق الأماني النبيلة، كي يصبح اسم الإمارات راية مرفوعة على شفة القمر، وسارية تخفق بمشاعر الحب لكل شبر من أرض العروبة، وتخليصها من براثن الطائفية والأحزان التاريخية، وباطنية المزملين بالحقد والكراهية، والذين في قلوبهم يكمن جحيم العدوان على كل جميل وأصيل في هذه الحياة. زايد بن حمدان وإخوته من رجالنا الأشاوس المرابطين عند خطوط النار، والذين واجهوا ربهم بأفئدة تفيض بالإيمان، ورغبة راسخة بأن الحقوق لا تسترجع إلا بالتضحيات الكبرى وتقديم النفس والنفيس، ولا يزهق الباطل إلا بالصد والرد، وكبح جماح العاصفات النواسف، وقهر الراجفات الكواسف، ودحر، وردع المدلهمات الخواسف. زايد بن حمدان، وإخوة له لونوا أحلام الوطن بالفخر الزاهي، وعطروا أمنيات شعب بعبق الاعتزاز، وساروا بنا نحو…
الأربعاء ٣١ يناير ٢٠١٨
ذلك الرجل، يقطف من شجرة حياته ثمار البقاء، لصغار فتحوا أفواهاً، في انتظار ما يأتي به النهار، وتعود به اليد المعروقة، كداً وتعباً، وفي المساء، وربما قبل ذلك يهطل المطر على يدي رجل شد الوثاق، وجاء بالحمل الثقيل على هودج الصبر، وبين اللفيف يجلس متربعاً عرش المسؤولية والالتزام، يجول بالناظرين هنا في البيت، يمسد رأس الأصغر ويمهد ظهر الأكبر، والأبناء سواسية عند ركبتيه، مثلما تفعل فراخ الحمام، وبينما تكون الأم في مطبخ الحياة، يتبوأ الرجل منصب الحكاية ويروي ما جاش في خاطره من دروس، ويقص ما صادفه من مشاهد، بينما الصغار منتبهون غير لاهين، عيونهم مثل نجوم تضيء وجه الأب، ينصتون للحكاية، مستغرقين في بسط نفوذ الأحلام، مستأنفين التلقي باهتمام أبلغ من صمت الطيور لسماع وشوشة الموجة. في الزمن الجميل كان للرجل دفة من خلالها يقود المرحلة، ويمضي بالقارب بعيداً عن رياح الشمال، وقريباً من سواحل الأمان، كان يغسل مشاعر الأبناء بمنظف اسمه الحضور الدائم في مشهد العائلة، كان يكنس غبار الجفاء والفجوات بمنشفة الحضور، ورسم الصورة المثلى لأب لا يغيب حتى في وجوده في المسافات البعيدة. في الزمن الجميل، كان للأصوات رنة الناي في جلسة العشاق، وكان للوجوه سحنة السحابة الممطرة، وكان للعيون بريق الأفق، وبرتقالة الشمس وهي ذاهبة إلى مكانه الأنيق في قلب الكون. في الزمن الجميل، هناك…
الأربعاء ٢٤ يناير ٢٠١٨
عندما تحلق فوق رأسك حمامة، وتخفق بجناحين أشف من أهداب الغيمة. عندما تقف هرة أمامك تموء بصوت عذب شجي، أرق من خرير الماء. عندما يقابلك كلب يهز ذيله مثل مروحة خرافية. عندما يناغيك طفل في شهوره الأولى. كل هذا يشعرك بوحدة الوجود، وكل هذا يدعوك للاشمئزاز من أولئك الذين يسخرون من الروح ويهزأون من الحياة ويستخفون بمكوناتها، ويذهبون بالكائنات إلى العبثية والعدم. عندما يسكنك هذا الإحساس، تفكر كيف يمكن للحياة أن تصير بلا روح. الأشياء من حولك مثل خيوط القماشة، تكمل بعضها بعضاً، والاستغناء عن خيط واحد يفلفل القماشة، ويحولها إلى خيوط متناثرة سريعة التلف. لم يأت شيء إلى العالم من دون هدف، وهدف الأشياء هو تكاملها، ليصبح الوجود كائناً واحداً، عناصره وحدة القاسم المشترك، ولا شيء في هذا الكون يعيش خارج حسابات الاندماج والانغماس في بوتقة الكل المنسجم والمدعم لبقية أعضاء الجسد. لا يستقيم الكون، ولا يستمر الوجود صاحياً صحيحاً، من دون تشابك الأغصان وتعانقها وتداخلها، لأن في ولوج الأشياء بعضها ببعض، هو الحياة، وهو الإنتاج وهو النماء، وهو الانتماء، وهو الطاقة التي تجعل الوجود في صلب الحياة، كما هي الحياة في لب الوجود. لا انفصال، ولا جفاء ولا فجوة في هذا المعيار الوجودي، الذين يضعون الموازين من دون رمانة تساوي بين طرفي الميزان، هم الذين يجعلون من الحياة…
السبت ٢٠ يناير ٢٠١٨
(الإمارات تعتني بحياة الناس)، هذه العبارة سمعتها من الزميل العزيز، والإعلامي المتألق أحمد المجيني، من خلال استوديو واحد، وقد شعرت بنسمة رهيفة، توشوش في مسمعي، لكون العبارة لها دلالة موحية وأثر مقيم في وجداننا نحن أبناء الإمارات. نعم (الإمارات تعتني بحياة الناس) وبشؤونهم، وهي مثل الوردة، تعتني بوجدان كل من يقترب منها، وتعبقه بأثير وعبير ونث مطير، وتزين المشاعر بقلائد المجد، وفرائد الوجد وقصائد السعد، وتضع على صدور العشاق أوسمة الحب والأيام الجميلة، وتنثر عطر الفرح في المكان والزمان، وتجعل التاريخ صفحات من نور، وكلمات من باقات السرور. هذه هي الإمارات، فجر يخطو باتجاه الشمس، ودهر يمضي نحو آفاق القبس، وفخر يتصدر قامات الرجال، وذخر يثري إرادات البواسل الأفذاذ، وطور يعانق النجمة، وسطر يضع النقطة على جبين الغيمة، وفكر يزهو بأفعال النوابغ والمبدعين، الذين طوقوا حياة الناس بأساور من ذهب الخصال وحسن الوصال، هم هؤلاء قادة الوطن، هم البريق الأنيق، هم الصوت والصيت والصون، هم البحر إذا مد مداه للمدى، فامتد مداداً، يكتب للتاريخ عن وطن صار في الامتداد، تضاريس مزروعة بالسعادة، وخريطة مغروسة في الوجود، شجرة تين ورمان وياسمين، وسمة من سمات القمر اللجين، وأحلام الرجال اليافعين، وخيال من خيالات العباقرة المبدعين، يصنعون التاريخ من برد السماء ومن نجابة الأرض، ويرصفون الحياة ويمهدون طريقها بأنامل من حرير، وهمس الجداول…
الجمعة ١٩ يناير ٢٠١٨
بلغة أشف من الماء، وأرق من عيون الطير، وأحنى من قلب امرأة عاشقة، بلغت الغيمة شغاف القرية الصامتة، عانقت شفاها أدق من أهداب الشمس، وأرهف من خيوط الحرير، والتأم الشارع على بصيص النور الخافق من مصابيح النيون، وبدت الشجيرات اليافعة مثل أطفال غر يصطفون عند رفيف الصباح الجذل في انتظار موسيقى الأحلام اليانعة. كل شيء في هذه القرية يبتهل لله العلي القدير، ويدعو ذي الجلال أن يطيب ثرى الشيخ زايد، ويدخله جنات الفردوس، وكل شيء في هذه القرية، كما في القرى والمدن في سائر الدولة، يسفر عن يد بيضاء، زخرفت المكان بخير العطاء، وقلب أهدى المكان أجمل معاني الحب والسخاء. هنا في مكان الإمارات، في قرية اتكأت على بساط المودة، وأرخت ستائر الطمأنينة، هنا يعيش العالم تحت سقف السماء الزرقاء، نجومها عيون بشر تتطلع دوماً للمستقبل ببريق الثقة والأمان وثبات الأفئدة، ذاهبين إلى الحياة بعقول أصفى من بحر الخليج الأغر، وأنقى من حبات الرمل في تضاريس الإمارات. هنا في هذه القرية، يدخل الليل في غرفة السكينة، ويضع شرشفه الرمادي، ثم يهفهف على مخدات الساكنين بتؤدة وأناة، ويقضي ساعاته مترامياً في فصول الحياة، والناس عصافير تهجع جذلة في فيحاء الكون، ونسيم غض ينسل في تلافيف القاطنين في نجود الآمال العريضة، وهم في غفوة الحلم، تضيئهم نجيمات الفرح، كونهم ينتمون إلى بلد…
الخميس ١٨ يناير ٢٠١٨
مثل زخات المطر تتوالى على الأرض، فتصبح نهراً يمضي إلى الوجود، فيضيئه بالفرح، ويزرعه بالأمل، ويخصبه بالقوة. هذه الإمارات، وبشهادة دولية، فهي من أكبر المانحين في العالم، قياساً إلى مستوى الدخل، حيث بلغت قيمة مساعداتها في جميع أصقاع الدنيا في عام 2016م - 15.56 مليار درهم. هذه هي العبقرية البشرية، فعندما تسعد معوزاً، وتشفي مريضاً، وعندما تفتح مدرسة أو تنشئ حياً سكنياً، فإنك تبسط يد الخير على العالم، وتمنع الضيم عن الناس، وترفع الهم عن قلوبهم. هذه هي الإمارات، وهذا هو مشروع زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، يبرز اليوم، في نهج أبنائه وفي قيمهم العليا، التي أسست منارة حرة في المحيط الإنساني، وبنت قلعة شامخة في عالم أصبح في أمس الحاجة إلى الرجال النبلاء، الذين يهبون لعون المتاح، ويثبون لإنقاذ من وقعت على كاهله موجة الظلم والاستبداد. عندما تصدر مثل هذه التقارير المنصفة، نشعر بالفخر والاعتزاز، وترتفع هامات إرادتنا، وتصبح الحياة بالنسبة لنا ميداناً واسع الخطوات، ونصبح نحن الفرسان الذين يخضون الأرض خضاً، ويرفعون النشيد عالياً، والبوح وضاحاً وصداحاً. عندما نقرأ هذه التقارير، نرفع الأيدي ونقول رحمة الله على زايد، وحفظ الله أبناءه الذين ساروا على الدرب واثقين مكللين بمجد العطاء، مجللين بتيجان البذل، من أجل عالم تسوده الطمأنينة، ويعمه السلام، ويملأه الوئام، مضاء بقناديل الذين نذروا…
الثلاثاء ١٦ يناير ٢٠١٨
تذهب إلى الصحراء، تقلب البصر يمنة ويسرة، فتجد الأمراض النفسية تتمشى على الأرض الكثيبة مثل وحوش مسعورة، ويتجلى لك هذا الوباء الخطير من خلال بقايا ما خلفته الأيدي وما بعثرته من نفايات وفضلات الليالي الحمراء. كلما مررت من طرف الشارع، وشاهدت ألسن النيران المشتعلة بين الحشود، شعرت بالألم لأنني على يقين من أن الصباح الباكر سوف يشهد مقبرة موحشة للمخلفات، وأن لا أحد سيعاني من هذا السلوك اللا حضاري إلا من يحملون على أكتافهم الأرزاء والأنواء، ويلهثون باحثين عن ملاذ القذارات التي تركها اللامبالون، وذهبوا يمتطون سلواهم، ويسردون عن مشاعر الغبطة والسرور التي تملأ قلوبهم، إثر سهرة مجللة بالمتعة، وسط الأحبة والأصدقاء. أجل كم هو جميل أن يعيش الناس في سعادة في أجواء البلد الاستثنائية، وكم هو رائع أن يخرج الناس من ضجيج الانشغالات اليومية، ولكن الأجمل والأنبل والأكمل، أن يعي كل واحد معنى النظافة، وقيمة الاهتمام بأناقة صحراء البلد، وأن يعي أن الوطنية والانتماء يبدآن من السلوك القويم، ومن أولويات هذا السلوك، بألا نكون أنانيين، وألا نخص المتعة لأنفسنا، ونترك الطوفان لمن يأتي من بعدنا. لو فكر كل شخص من أن كل علبة فارغة أو زجاجة تالفة، تكلف عامل النظافة جهداً مضاعفاً لجهوده اليومية، وهو يلف الشوارع والأرصفة، ليطهر المكان من سلوكياتنا النافرة، ويغسل حياتنا بعرقه، لو فكرنا بهذا…
الخميس ١١ يناير ٢٠١٨
عندما تنعم بسلامك الداخلي، فإنك تذهب إلى العالم، مثل النهر تسقي وتروي، وتملأ فراغات الدنيا بأشجار الود والألفة والمحبة والسلام والوئام والانسجام، لا تفكر أبداً في غير الانتماء إلى الوجود، ووجودك يمثل كل الكائنات، من بشر وشجر وطير وحيوان. عندما تمتلئ بالحب، فليس لديك ما تخبئه من مشاعر الدفء، وليس فيك غير ما أنت تمتلئ به. نخطئ عندما نطالب الآخر بأن يحبنا، ونحن نذهب إليه بأوعية ممتلئة بحامض الكبريتيك، الذي يقتل الأحياء ويفتك بالبشر والشجر، ولا يبقي ولا يذر. نحن نخطئ عندما نفكر بحقيقة الآخر، ونحن نجهل حقيقتنا، ولا نعرف عن أنفسنا غير علاقتنا المريضة مع الآخر. الوعي وحده الذي يحدد مدى سلامة سلوكنا، وهو وحده الذي يرسم لنا طريق النجاة من عذاب الكراهية. يقول يسوع عليه السلام، أنا أشفق على أعدائي قبل أصدقائي، وهذه حقيقة وجودية، فمن يعيش في تتبع سلوك الآخرين، ينسى سلوكه، ويغفل عما يفعله، وبالتالي يتصرف كالأعمى، لا يفرق ما بين قطعة الحجر التي يدوسها وزهرة القرنفل، وبالتالي فإنه يجرح أول ما يجرح، هي أصابع قدميه، فيمضي أعرج كما هو أعمى. فإن أحد منا لا يطمح إلى محبة الآخرين له، ولكن عندما يتحول هذا الحب إلى مطلب أناني، ومن طرف واحد، فإنه يدمر صاحبه كما يدمر الطرف الآخر، فالحب الحقيقي يبدأ من سلامة وجداننا من الغش…