الخميس ٢٤ فبراير ٢٠٢٢
لو تمعنّا في دلالات تصرفات مؤسسات الحكم الأمريكية المتعاقبة النفسية والسلوكية والعقلية، عبر العالم كله، لفوجئنا بتماثلها وتطابقها مع كثير من أعراض العلل العقلية والنفسية التي يصاب بها بعض الأفراد. أعراض تصرفات يلحظها المراقب في ذاك التصرف التاريخي أو هذا القرار الحالي. وبالطبع نحن نتكلم هنا عن تصرفات نظام الحكم ومؤسساته تجاه الآخرين، وليس عن الشعب الأمريكي المشهور بطيبته وبساطة معشره والكثير من طباعه الحميدة. دعنا نصف أمثلة قليلة من تصرفات أنظمة الحكم الأمريكية في الماضي والحاضر، للبرهان على ارتباط التشخيص هذا بوقائع حدثت وعانى الملايين آثارها الموجعة والمدمرة. فمثلاً، من أجل إرغام اليابان على الاستسلام في نهاية الحرب العالمية الثانية، كما استسلمت ألمانيا النازية، استعملت أمريكا سلاحاً جديداً فتاكاً، فألقت قنبلة ذرية على مدينة هيروشيما. في ذلك اليوم الأسود قتل مئة ألف من السكان، وجرح وشوه مئات الآلاف، وحل دمار عمراني هائل، ورأى العالم مجزرة بشعة خلال بضع ساعات. وبدلاً من أن تنتظر حكومة أمريكا مدة معقولة كافية لترى إن كانت حكومة اليابان ستستسلم وتتجنب أمريكا إحداث المزيد من قتل بشع غير مبرر، أتبعت القنبلة الأولى خلال ثلاثة أيام فقط بقنبلة ثانية ألقتها على سكان مدينة نجازاكي. مهما كانت المبررات العسكرية فقد أظهر ذلك التصرف أعراضاً سيكوباثية لنظام الحكم الأمريكي، إذ غاب الضمير الذي يتعلم من درس مرعب، ويشعر…
الخميس ٠٣ فبراير ٢٠٢٢
مثل الآخرين سيحتاج العرب أن يختاروا نوع النظام الاقتصادي الذي ينسجم مع ويقوي مكونات مشروعهم الإيديولوجي النهضوي القومي الشامل. وكما تطرح الكثير من المجتمعات مشروع الأخذ بنظام اقتصادي اشتراكي ديمقراطي اجتماعي بديلاً عن النظام الرأسمالي، الكلاسيكي منه والنيوليبرالي العولمي المهيمن حالياً، الذي شابه الكثير من العيوب والأزمات الدورية المعقدة، وبديلاً عن النظام الاقتصادي الاشتراكي الماركسي الذي فشل في تطبيقاته ونتائجه عبر سبعين سنة من تجربته في الاتحاد السوفييتي السابق... فإن العديد من المفكرين والتنظيمات العربية بدأت هي الأخرى بالحديث عن البدائل لتحل محل الأنظمة الاقتصادية الرأسمالية، والاشتراكية العربية، والهجينة المختلطة، التي جربتها مختلف الأقطار العربية منذ استقلالها وإلى يومنا هذا والتي أظهرت جميعها نواقص وإشكالات في الفكر، وفي التطبيق وفي إحداث التنمية الإنسانية المستدامة. يتبين من مراجعة أدبيات المحاولات العربية أن التوجه هو للانتقال إلى نظام اقتصادي تحت مسمى «الاشتراكية العربية الجديدة»، تجمع من جهة بعضاً من المنطلقات والتطبيقات الرأسمالية الضرورية لبناء اقتصاد إنتاجي يتميز بالكفاءة والتفاعل مع مستجدات العصر العلمية والتكنولوجية والتواصلية ومع متطلبات الأسواق ومع المبادرات الفردية التطويرية المبدعة، كما تجمع من جهة أخرى بعضاً من المنطلقات والتطبيقات الاشتراكية الضرورية لبناء اقتصاد يتميز بالعدالة الاجتماعية، وتوزيع الثروات العادل، ومشاركة القوى العاملة، بندية تشاركية متوازنة، أصحاب رؤوس الأموال في أنظمة ومؤسسات الحكم وفي التخطيط الاقتصادي المركزي المرن وفي إدارة…
الخميس ٢٣ ديسمبر ٢٠٢١
حوالي منتصف القرن الماضي، اتضح بصورة علمية مؤكدة، وجود علاقة سببية بين التدخين وبين سرطان الرئة وأمراض القلب والشرايين وغيرها من العلل الجسدية، وبدأ الأطباء والمجلات الطبية الموثوقة والكثير من وزارات الصحة يحذرون من عادة التدخين ويطالبون بوضع قيود على شراء السجائر وغيرها من بضائع التبغ الأخرى، وعلى أماكن التدخين العامة. لكن شركات السجائر العملاقة البالغة الثراء والنفوذ الاجتماعي والاقتصادي، أنكرت وجود تلك العلاقة، ثم شنت حملة كاذبة، من خلال شراء بعض مراكز البحوث الطبية وبعض الأسماء الكبيرة في عالم الطب، ومن خلال حملات إعلانات تستعمل كل أنواع الإغراءات الجسدية والنفسية والمكانة الاجتماعية، لإقناع البلايين بصدق ما تقول وبأن كل ما تدعيه، مبني على حقائق وأبحاث علمية موثقة. ولم يبدأ العالم باتخاذ خطوات عملية لحصر بيع السجائر ولإقناع الناس بخطورة عادة التدخين، وبفضح كذب وادعاءات شركات السجائر، إلا بعد أن عانى ومات الملايين عبر العالم كله. اليوم تعود نفس التمثيلية، على نفس المسرح، بنفس الممثلين، وبنفس الضحايا. لم يتغير سوى العنوان: بدلاً من عنوان التبغ يواجه العالم عنوان الهاتف المحمول المتنقل. تشير مراكز البحوث، ويكتب علماء النفس عن تأثيرات جانبية لاستعمال ذلك الهاتف، خصوصاً استعماله من قبل الأطفال الصغار والشباب اليافعين. وتمتد تلك التأثيرات لتشمل قائمة طويلة من مثل آلام الرقبة والتهاب مفاصل الأصابع، وإمكانية الإضرار بحاسة السمع، وإمكانية قلة…
الخميس ١٨ نوفمبر ٢٠٢١
أثبتت الانتفاضات الشعبية التي تفجرت في العديد من أقطار الوطن العربي، عبر السنوات العشر الماضية، عجزها عن تحقيق أهدافها المعلنة. وكان أهم أسباب ذلك: العجز والنواقص في أعداد وخبرة وكفاءة الكثير من القيادات الشبابية. الأمر الذي أفسح المجال لانتهاز تلك الفرصة، وسد تلك الثغرات القيادية من قبل قوى حزبية أو نقابية مارست القيادة الانتهازية، غير المالكة للقيم الأخلاقية السوية، الأمر الذي قاد إلى ارتكاب أخطاء وخطايا، ما ساعد على تراجع وانتكاس الكثير من انتفاضات الشباب الجماهيرية، وعلى نجاح الدولة العميقة في إطفاء ألق عربي كان واعداً بأن يكون مبهراً وعميقاً. من هنا تبينت الحاجة لضرورة التحاق ملايين الشابات والشباب العرب بالأحزاب القائمة، أو خلق أحزاب جديدة إن لزم الأمر، وبالنقابات بكل أنواعها، وبالتنظيمات المهنية، وبالجمعيات الأهلية الفاعلة، عسى أن تتبع ذلك الالتحاق جهود شبابية لتجديد فكر واستراتيجيات وممارسات تلك القوى المدنية التي يلتحقون بها، واستلام القيادة من أيادي قيادات ترهّل بعضها، أو استسلم، أو اختُرق من قبل مغريات المال، أو الوجاهة، أو السلطة. بمعنى آخر، ليس الهدف هو الاكتفاء بالسباحة في نفس المياه الآسنة مع الآخرين العاجزين، وإنما فتح مصادر مياه نظيفة متدفقة لخلق شلالات فكرية ونضالية تنظف وتُجدد تربة الأرض المدنية العربية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لماذا الحاجة إلى ذلك؟ لأن تلك الخطوات الضرورية لتجديد دم المجتمع المدني مفصلية تسبق…
الخميس ١١ نوفمبر ٢٠٢١
في تاريخ الحياة السياسية العربية الحديثة، منذ عشرينات القرن الماضي، تكونت شتى صنوف الأحزاب السياسية، أبرزها الأحزاب القومية العربية والإسلامية والليبرالية والشيوعية. ولقد كان أملاً للأمة كبيراً أن تلعب تلك المؤسسات السياسية المدنية أدواراً تراكمية فاعلة وإيجابية في النضال من أجل الاستقلال الوطني، وفي إخراج الأمة من كل أشكال الأنظمة التسلطية التاريخية التي رزحت تحتها عبر القرون، وفي انتقال المجتمعات العربية من حالات التخلف إلى حالات الحداثة. وبالفعل طرحت شعارات الاستقلال والتحرر، ووحدة الأمة في جسم واحد، وبناء حياة سياسية واقتصادية عادلة من قبل تكتلات مجتمعية عصرية تحت مسميات تلك الأحزاب. وقد ساعدت على ذلك نصوص في الكثير من الدساتير تجيز تنظيم المواطنين وتمثلهم في مؤسسات لها منطلقاتها الفكرية النظرية واستراتيجياتها المفصلة وتنظيماتها التكوينية العلنية. وكان مفهوماً أنها ستكون النواة الأولى للمؤسسات الدستورية مثل البرلمانات وسلطات الحكم، وأنها ستكون تعددية منضبطة، تتنافس وتتعايش بالحوار، وتناضل بطرق سلمية قانونية، وتقبل بمبدأ تبادل سلطة الحكم حسب نتائج الانتخابات النزيهة. لقد كان واضحاً أن بناء المجتمعات السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني سيرتبط بالبناء الفكري والتنظيمي والنضالي للمواطنين في شكل أحزاب سياسية تنبثق من الشعب وبالشعب ومن أجل الشعب، ولها ذاتيتها المستقلة، وتقوم على منهجية وتركيبة ديمقراطية. لكن ما كان مؤملاً لم يحدث بعد أن انخرطت بعض الأحزاب في لعبة الانقلابات العسكرية، وفي تحالفات مع…
الخميس ٢١ أكتوبر ٢٠٢١
نشرت جريدة «اللوموند» الفرنسية منذ أسبوعين، مقالات عدة عن فضيحة جنسية في الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية، مؤداها أن دراسة حديثة وشكاوى فردية كثيرة، أظهرت أنه منذ خمسينات القرن الماضي، تعرض نحو ثلاثمئة وخمسين ألف طفل وامرأة لتحرشات واعتداءات جنسية من قبل بعض قساوسة ومسؤولي الكنائس الكاثوليكية في شتى بقاع فرنسا. وتمثلت تلك الاعتداءات ابتداء بتحرشات لفظية، ولمسية متكررة، وانتهاء باغتصابات قسرية مهينة للكرامة. الجانب الفضائحي الأكبر تمثل في غض الطرف من قبل كبار مسؤولي الكنيسة عمّا كان يجري وعدم التعامل، مثلما فعل غيرهم في كنائس أخرى عبر العالم كله، مع شكاوى بعض الضحايا وبعض المسؤولين الصغار في الكنيسة، خوفاً على سمعة الكنيسة ومكانتها في المجتمع. الآن، وبعد أن عبّر الضحايا بصوت علني عن الآلام التي يعانونها والشعور بالدونية الذي صاحب حياتهم طيلة عقود، وبعد انفجار الموضوع في وجه من سكت وأخفى، قرر المسؤولون فتح التحقيق والاعتذار المتأخر من الضحايا، الأحياء منهم والأموات. وإذا أضيف ذلك إلى الفضائح شبه اليومية عبر العالم كله التي فجّرتها مئات الألوف من النساء في وجه كبار الساسة والفن والأعمال والإعلام من الذين تحرشوا واعتدوا واغتصبوا ودمروا حياة البريئات، واستطاعوا بفضل ثرائهم ونفوذهم والانتهازيين من كبار محاميهم منع المحاكمة والمحاسبة ودفع الثمن. وإذا أضيف ما فعله «جهاديو الإسلام» بكذب وافتراء على هذا الدين، من استباحة لأعراض وعفاف…
الخميس ٠٢ سبتمبر ٢٠٢١
هناك أزمة قيم فلسفية فكرية وأخلاقية وسلوكية على مستوى العالم، تناقش بجدية وهلع على الأخص في الدول المتقدمة ويكثر الكلام حول ما بعد حداثة الأنوار الأوروبية، وما بعد حداثة الليبرالية الغربية، اللتين هيمنتا على العالم عبر قرون عدة. وبالمثل، لنا نحن العرب أزمة قيم خاصة بنا، إضافة إلى مشاركتنا، ولو جزئياً، ولكوننا من بين المناطق التي خضعت للاستعمار وثقافته وقيمه ردحاً من الزمن، في مواجهة تلك الأزمة العولمية. وهي أزمة مرتبطة إلى حد ما بالتشوه الذي أصاب الكثير من قيمنا التاريخية التراثية التي تحدثنا عنها في مقال سابق، والتشوه الذي أصاب القيم التي أضافها الإسلام بزخم كبير وتشذيب هائل، في القرآن الكريم والأحاديث النبوية، كما بينا في مقال الأسبوع الماضي. وندرك أهمية تلك الإضافة عندما نعرف بأن القيم هي جمع كلمة قيمة التي وردت مشتقاتها ودلالاتها بما يزيد على ال650 مرة في القرآن الكريم وحده. في مقال اليوم سنبرز أهم مكونات الأزمة القيمية التي تواجهها مجتمعات الوطن العربي بظلالها ومستوياتها المختلفة في اللحظة التي يعيشها هذا الوطن. أولاً: أكبر وأعمق أزمة قيم نواجهها تقع في حقل الفكر السياسي العربي الحالي، وعلى الأخص في الأيديولوجية القومية. هناك تراجع قيمي في موضوع هوية العروبة الجامعة، تراجع في أولوياتها ومقدار فائدتها؛ بل وحتى في ضرورة تواجدها. هذا التراجع بدأ يعكس نفسه في الواقع…
الخميس ١٢ أغسطس ٢٠٢١
في مقال الأسبوع الماضي، بينّا وجود أزمة قيم، سلوكية وأخلاقية وتنظيمية، على مستوى العالم، وعلى مستوى الوطن العربي. وبعيداً عن الانشغال بنقاشات الآخرين، وعلى الأخص في مجتمعات الغرب، فإن شبابنا وشاباتنا يحتاجون إلى إعطاء أهمية لموضوع القيم، بشتى أشكالها، بالعالمية المشتركة التي تهمنا، وبالذاتية التي تخصنا كأمة عربية، وجعل القيم كمحددات ومعايير جزءاً من أهداف وأساليب نضالاتنا المدنية والجماهيرية. والواقع أن هناك ثلاث مجموعات من القيم تحتاج إلى التعامل معها: قيم الموروث الثقافي التاريخي، والقيم الدينية التي جاء بها الإسلام، وقيم الحضارة العالمية الحالية المهيمنة. فقبل الإسلام كان الخليط من القيم البشرية والقبلية هو السائد في مجتمعات العرب. ويعتقد المفكر محمد عابد الجابري بأن القيمة المركزية التي كانت آنذاك تحكم كل القيم هي المروءة. ولكن ما إن يدخل في تفاصيل هذه القيمة المركزية حتى تتبدى أهم إشكالية في موضوع القيم: فهمها وتطبيقها حسب متطلبات البيئة الاجتماعية والمرحلة التاريخية. فبدلاً من أن تكون المروءة كما فهمها وأوجزها الماوردي كتعفف عن الحرام، وإعراض عن الآثام، وإنصاف في الحكم، وكف عن الظلم، وعدم استكبار على الضعيف، وعدم الطمع فيما لا يستحق، إلخ..... من الصفات الأخلاقية والاجتماعية...تكون المروءة هي القيمة المركزية في أخلاق السلطة المعنوية. لقد جئنا بكل تلك التفاصيل بشأن قيمة واحدة للأهمية القصوى لمراجعة القيم التاريخية، التي خضعت لمتطلبات عصرها، لتتلاءم مع…
الخميس ٢٤ يونيو ٢٠٢١
لقد طرحت الحراكات الجماهيرية العربية خلال السنوات العشر الماضية شعار العدالة الاجتماعية. وأية مراجعة للفكر السياسي عبر العالم كله ستظهر أنه مبثوث في أغلبها. وهو أحد أهداف المشروع النهضوي العربي. إذاً، سيبدو لنا نحن العرب أن الأمر واضح ومحدد، ومتفق عليه. لكن الأمر ليس كذلك، فمراجعة أدبيّاته ستظهر الكثير من الاختلافات حول مضمونه ومكوناته، حول أي نظام اقتصادي وسياسي ينجح وأي نظام يفشل في تطبيقه، حول الكثير من تفاصيل تطبيقاته، بل وحتى حول مسيرته التاريخية. وفي الآونة الأخيرة كثر الجدل حول الجهة التي ستكون مسؤولة عن تنفيذه في الواقع المجتمعي: سلطات الحكم، أم سلطات الاقتصاد والمال الخاصة، أم سلطات البر والإحسان الأهلية. بصورة عامة، متفق على أنه نظرية سياسية فلسفية تركز على أهمية القسط والعدالة في علاقات أفراد المجتمع، وعلى المساواة في توزيع ثروات المجتمع، وعلى تكافؤ الفرص الحياتية أمام الجميع، وعلى عدم التمييز في توفر المميزات الاجتماعية للجميع، مثل التعليم والصحة والسكن والحق في العمل والأجور المعقولة. وتطرح الآن في بعض بلاد الغرب الغني ضرورة عدم وجود أية بطالة، وحق كل فرد في حصوله على راتب شهري طيلة حياته وتحت كل ظروفها المعيشية. وعلى المستوى السياسي الحقوقي يعتبر تمتع الأفراد بكل حقوقهم الإنسانية، المنصوص عليها في قانون حقوق الإنسان العالمي، ومن دون أي تفرقة، أو أي انحياز بسبب الجنس…
الخميس ٠٤ فبراير ٢٠٢١
التعلم المدرسي عن بعد، سيكون بارزاً وضرورياً كمكمل للتعليم المدرسي عن قرب وليس كمتصارع معه نقلت جائحة الكورونا موضوع التعليم المدرسي عن بعد إلى الواجهة، نقاشاً عبر التواصل الاجتماعي والمنتديات التربوية، خوفاً وقلقاً من قبل أولياء الأمور، وتهجماً ونقداً لاذعاً من قبل بعض الإعلاميين، وترحيباً غير متمعن ومتوازن من قبل مشجعي الموضات والصرعات باسم الحداثة والعصرنة. ولأن هذا الموضوع سيبقى الشغل الشاغل حتى بعد انقشاع الجائحة، ولشدة الخلافات من حوله، أصبح ضرورياً مواجهته بموضوعية وهدوء وعلمية، ومن دون ارتكاب أخطاء في التطبيق قد تؤدي إلى الإضرار بعملية التعليم والتعلم وبمستقبل الجيل القادم. ونحن هنا نشير إلى التعليم المدرسي عن بعد ، وليس الجامعي، إذ إن الأخير يختلف في الكثير من التفاصيل عن الأول ويحتاج إلى معالجة مستقلة. دعنا نؤكد أن التعليم المدرسي الصفي القديم الذي يراد تغييره وزحزحته من خلال التطبيقات التكنولوجية الحديثة لم يكن مثالياً. وقد تعرّض عبر القرون إلى انتقادات شديدة لكل جوانبه النظرية، والتطبيقية، وإلى عدم الرضى بنتائجه الثقافية والقيمية والعلمية، وبنوعية خريجيه. ولذلك فهو بحاجة إلى إصلاحات جذرية كبرى في مناهجه وطرق تعليمه ونوعية معلميه وأساليب تقييمه للطلبة. ولأن الحكومات والمجتمعات ارتكبت الحماقات بالنسبة لسيرورة وجودة التعليم المدرسي الكلاسيكي عن قرب ، فإن لديها القابلية أن ترتكب الحماقات بالنسبة للتعليم عن بعد أيضاً. دعنا نؤكد أيضاً…
الخميس ٠٨ أكتوبر ٢٠١٥
منذ بضعة أيام حلت الذكرى العالمية السنوية ليوم المعلم. وكالعادة امتلأت أعمدة الصحف ووسائل الإعلام بكلمات الإطراء والتقدير للمعلم والمعلمة ودورهما النبيل المتفاني في خدمة أجيال المستقبل. لكن بعد أيام سيسدل الستار وينسى الناس، ثم ينتقلون إلى حفلات تمجيد لأناس آخرين.غير أنه إذا كان العالم يقدر حقاً دور المعلم والمعلمة العظيم فليرفع مقام دورهما باتخاذ قرار تاريخي في اليونيسكو يدعو إلى تمهين مهنة التعليم لتصبح مهنة رفيعة المستوى تماثل المهن الرفيعة الأخرى من مثل مهن الطب والهندسة والقانون على سبيل المثال.لتكوّن اليونيسكو لجنة دولية من المفكرين والخبراء التربويين وأصحاب الخبرة والتميز من المعلمين لوضع تصور عن الحدود الدنيا المطلوبة لانتقال المعلمين والمعلمات من شاغلي وظيفة إلى متخصصين ممتهنين.ستحتاج تلك اللجنة لوضع الحدود الدنيا من الدراسة الجامعية ولمعلم المستقبل، ونوع ومستوى المقررات الأكاديمية التي يجب أن تدرس، ووسائل ومدة الخبرة العملية التي يجب أن يمارسها المعلمون قبل اعتبارهم من المهنيين الأكفاء القادرين على حمل مسؤولية التعليم بكفاءة.بمعنى آخر ستضع اللجنة المتطلبات الأساسية لدخول المعلمة والمعلم المهنة، ومتطلبات البقاء فيها، وظروف إخراجهما منها إن كسرا قواعدها.أعرف جيداًَ بالخلافات حول هذا الموضوع في الأدبيات التربوية والمحاذير التي يثيرها البعض حول عدم توفر كل المعايير المطلوبة لاعتبار التعليم مهنة. وأعلم أن بعض الدول لا تملك الإمكانيات المادية والبشرية التي سيتطلبها مثل هذا القرار التاريخي.لكن…
الخميس ٠١ أكتوبر ٢٠١٥
كل المصائب الوطنية والكوارث القومية في أرض العرب تأخذ شكل تمثيلية من ثلاثة فصول: تبدأ بتدمير العمران والاجتماع، لتمر في مرحلة طوفان وفوضى وضياع، لتنتهي بالتفكير المتأخر المضطرب لإيجاد حلول انتهازية مغموسة بالدم والدموع.ودوماً وأبداً يكون مخرج تلك التمثيليات، والمتحكم في كل تفاصيلها وممثليها وحتى ديكوراتها، هو الخارج، حتى لو استعان بين الحين والآخر بمساعدين مخرجين من الداخل للقيام بمهام يحددها لهم بكل دقة وخبث.اختيار مكان مسرح التمثيلية يخضع لتحقيق أهداف محددة تخدم مصالح كبار اللاعبين الأغراب في طول وعرض بلاد العرب.فقد يكون الهدف قاصداً الاستيلاء على ثروة حتى لا تستعمل في بناء طموحات وطنية أو قومية.وقد يكون الهدف قاصداً استغلال البؤس وتجييش الفقراء لإحراج جيرانهم الأغنياء واستنزاف ثرواتهم المتعاظمة الآنية.وقد يكون الهدف رامياً تدمير رمز عروبي راسخ في قلب التاريخ العربي وإخراجه من معادلات التوازن مع الكيان الصهيوني. أو قد يكون الهدف راغباً في إعطاء درس في تأديب ومعاقبة كل من يحاول الخروج من تحت عباءة الدول الكبرى.إنها فقط أمثلة، وغيرها كثير، لتمثيليات تبدأ باستغلال مطالب شعبية مشروعة، لتنتقل بعد حين إلى خلط الأوراق لتشويه أصل المسألة برمتها، من خلال عمليات التدويل المتفاهم مع والمحرك لبلادات وحماقات التعريب المجنون والأسلحة الطائفية الهمجية، من أجل انتقال هذا المجتمع العربي أو ذاك إلى مرحلة التدمير الممنهج للدولة الوطنية ومجتمعها.وما إن يتم…