علي محمد فخرو
علي محمد فخرو
شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة.

التعليم عن بعد.. موضوع للنقاش

آراء

التعلم المدرسي عن بعد، سيكون بارزاً وضرورياً كمكمل للتعليم المدرسي عن قرب وليس كمتصارع معه

نقلت جائحة الكورونا موضوع التعليم المدرسي عن بعد إلى الواجهة، نقاشاً عبر التواصل الاجتماعي والمنتديات التربوية، خوفاً وقلقاً من قبل أولياء الأمور، وتهجماً ونقداً لاذعاً من قبل بعض الإعلاميين، وترحيباً غير متمعن ومتوازن من قبل مشجعي الموضات والصرعات باسم الحداثة والعصرنة.

ولأن هذا الموضوع سيبقى الشغل الشاغل حتى بعد انقشاع الجائحة، ولشدة الخلافات من حوله، أصبح ضرورياً مواجهته بموضوعية وهدوء وعلمية، ومن دون ارتكاب أخطاء في التطبيق قد تؤدي إلى الإضرار بعملية التعليم والتعلم وبمستقبل الجيل القادم.

ونحن هنا نشير إلى التعليم المدرسي عن بعد ، وليس الجامعي، إذ إن الأخير يختلف في الكثير من التفاصيل عن الأول ويحتاج إلى معالجة مستقلة.

دعنا نؤكد أن التعليم المدرسي الصفي القديم الذي يراد تغييره وزحزحته من خلال التطبيقات التكنولوجية الحديثة لم يكن مثالياً. وقد تعرّض عبر القرون إلى انتقادات شديدة لكل جوانبه النظرية، والتطبيقية، وإلى عدم الرضى بنتائجه الثقافية والقيمية والعلمية، وبنوعية خريجيه. ولذلك فهو بحاجة إلى إصلاحات جذرية كبرى في مناهجه وطرق تعليمه ونوعية معلميه وأساليب تقييمه للطلبة.

ولأن الحكومات والمجتمعات ارتكبت الحماقات بالنسبة لسيرورة وجودة التعليم المدرسي الكلاسيكي عن قرب ، فإن لديها القابلية أن ترتكب الحماقات بالنسبة للتعليم عن بعد أيضاً.

دعنا نؤكد أيضاً أن العالم متوجه في المستقبل نحو العمل عن بعد في كثير من المجالات، ونحو ترسيخ وتجذير التواصل الاجتماعي عن بعد، ونحو استعمالات مكثفة للإنسان الآلي وللذكاء الاصطناعي. وبالتالي، فإن المدرسة لا تستطيع أن تنأى بنفسها عن تلك الثورة الهائلة التي ستكون لها تأثيراتها البالغة على نوع الأبنية المدرسية، وعلى المناهج، وعلى أساليب التعليم، وعلى عملية التقييم، وعلى التعامل مع مصادر المعلومات، وعلى نوع المعلمين المطلوبين، وعلى الأدوار التي ستلعبها العائلة… إلخ..

لكن ذلك لن يعني اختفاء المدرسة القديمة، تركيباً، ومحتوى، وتفاعلات بين الطلبة ومدرّسيهم، وبين الطلبة أنفسهم، وإنما سيعني أن حضور التكنولوجيا التعليمية، وبالتالي فإن التعلم المدرسي عن بعد، سيكون بارزاً وضرورياً كمكمل للتعليم المدرسي عن قرب، وليس كمتصارع معه. والاتفاق على هذه المعادلة ضروري جداً، لأنه سيرسم خطوات كل الإصلاحات الضرورية في المدرسة القديمة من جهة، وسيعني إدخال التكنولوجيا من جهة أخرى.

وإذا لم نواجه هذا الموضوع بذلك الشكل فعلينا الاستعداد لمواجهة التالي:

1- إحداث تغييرات جذرية في العائلة العربية. فالأم، المرشحة للإشراف على أولادها الذين سيتعلمون عن بعد من البيت، ستحتاج أن تترك عملها لتفرغ لهذه المهمة. وإذا كانت غير عاملة فستحتاج إلى تدريب تربوي وتكنولوجي يؤهلها للقيام بتلك المهمة. أما إذا كانت هناك حالة طلاق في العائلة فإن الأمر سيكون أعقد وأصعب.

2- ماذا عن غياب التفاعل الاجتماعي والثقافي فيما بين الطالب ومعلميه وزملائه في الصف والمدرسة الذي سيختفي نهائياً إن تعلم الطالب من بيته؟ ألن تكون نتائج ذلك الغياب كارثية بالنسبة إلى تنشئة شخصية الطالب الذهنية والعاطفية والروحية والاجتماعية؟ هل العلاقات الأسرية الحديثة قادرة على أن تسد هذا النقص؟ هل البرامج التلفزيونية والتواصل الاجتماعي الإلكتروني قادر على أن يحل محل المدرسة والصف؟ الجواب عن هذه الأسئلة هو حتماً كلا.

3- لقد لوحظ إبان غياب الطلاب عن مدارسهم زيادة في قلقهم العاطفي والنفسي.

أما المعلمون الذين سئلوا عن مقدار رضاهم بما حدث، فإن أغلبيتهم الساحقة أكدت أن غياب التفاعل الصفي سينزل مستوى التعليم والتنشئة بصورة كبيرة خطرة.

4- إن أهم مساعدة للفقراء هو إعطاؤهم من بدايات التعليم المدرسي تعليماً جيداً وتنمية للذات، من أجل حراكهم الاجتماعي المستقبلي للخروج من حالة الفقر. فهل أن حاجتهم الغذائية وأوضاع عائلاتهم المنهكة والجاهلة، وإمكانات ذويهم المالية المحدودة ستكون قادرة على تلبية متطلبات التعلم المدرسي عن بعد؟

هناك في الواقع عشرات الجوانب التي ستحتاج إلى معالجة، ما يستدعي معالجة هذا الموضوع بهدوء وعقلانية، ومن خلال مصلحة أولاد وبنات العرب فقط، وليس من خلال تهويمات المتطفلين على حقل التربية والتعليم العربي.

المصدر: الخليج