السبت ٢٨ يوليو ٢٠١٨
لا بأس من الاعتراف بأننا أمة تعشق الكلام الجميل، تحب القصائد والشعر والشعراء، أمة تراثها على ألسنة أدبائها والأفذاذ من شعرائها ورواتها وحاملي إرث الأمثال والحكايات والأساطير، لذلك فقد كانت القبيلة العربية قديماً، كما تروي الكتب، تحتفل رسمياً حين يبزغ فيها نجم شاعر، تقيم الأفراح وتدق الطبول وتعلي الأصوات بالأهازيج: هنا ولد شاعر، ولد صوت سيحمل القبيلة إلى كل الدنيا، فلا يندثر تاريخ قبيلة ولد لها شاعر فذ! أن يولد شاعر يعني أن تولد القبيلة في فضاء العالم من جديد، فماذا إذا حدث ومات الشاعر، ماذا كانت تفعل القبيلة قديماً؟ هل يغيب الشاعر فعلاً؟ هل تنتهي تلك السطوة الهائلة، التي كانت له على مداركنا؟ إن الموت لا يسرق الشعراء ولا يغيّبهم، لا يمحو ذكراهم، لأنهم يخلدون في الزمن، وفي تاريخ البشر والأمكنة، لا تطالهم معاني المحو والنسيان وما يجري على بقية البشر، من هنا لا تفعل القبيلة شيئاً إذا رحلوا، لأنهم تكفلوا بإرث القصائد أن تحفظ حضورهم وتاريخهم في مواجهة النسيان! الحق أن الشاعرة عوشة بنت خليفة كنموذج لصوت الشاعر القوي والجميل لن تغيب أبداً، وسطوتها ستبقى تامة لن ينتقص منها غياب جسدها، سنفتح أوراق الذاكرة التي تحمل الكثير منها: من قصائد الحب وأغنيات أيام المراهقة وأحوال الزمن الماضي ومناسباته وطقوس أهله، ما يعني أن ذاكرة جيل بأكمله ستنفتح على…
السبت ٣٠ يونيو ٢٠١٨
وأنا أقرأ يوميات كاتب التشيك الكبير فرانز كافكا بكل بؤسه وسوداوية حياته وطفولته ، أتساءل ماذا يهم الناس في قراءة المذكرات واليوميات والسير الذاتية والروائية ؟ وأجدني أبتسم وأنا أقرّ بأنه إذا كان الإنسان يقرأ لعدة أسباب فإن أحد أهم الأسباب هو التلصص على تفاصيل الحياة والأشخاص، وليس كمثل هذه الكتب ما يمكن أن يروي نهم التلصص والمتلصصين! واهتماماً وتأييداً للتلصص سأتحدث هنا عن كتابين منهما، وربما تحدثت عن المزيد لاحقاً! الأول هو «هوس العبقرية ..الحياة السرية لماري كوري»، ويتناول الكتاب حياة ماري كوري، الإنسانة، المكتشفة، والمرأة الاستثنائية التي تحدت التمييز ضد المرأة في عصرها لتكون أول امرأة تحصل علي الدكتوراه في العلوم من جامعة السوربون، وأول من حصل على جائزة نوبل مرتين في الفيزياء والكيمياء، وأول سيدة في الأكاديمية الفرنسية في العلوم. الكتاب سيرة غنية بالتفاصيل الإنسانية والعلمية، منحتنا فرصة الإطلالة على حياة ماري كوري وإنجازاتها، وعلى مسيرة العلم خلال تلك الفترة الحافلة بالإنجازات التي عايشتها ماري كوري العالمة ورائدة النشاط الإشعاعي. المصادفة أن سيرة حياة مدام كوري كانت أول كتاب قرأته في حياتي وأنا في الصف الخامس الابتدائي ضمن سلسلة مبسطة حول حياة العظماء . الكتاب الثاني هو «رسائل ديستويفسكي» للمترجم العراقي خيري الضامن: تكمن أهميته في أن الجميع سيجدون فيه الكثير من المعلومات الغنية والدقيقة عن حياة…
السبت ٠٩ يونيو ٢٠١٨
لكثرة ما أفرزه مفهوم «فعل الخير» في الثقافة الإسلامية من تمظهرات وسلوكيات متناقضة ومتضاربة أحياناً ومن أدبيات ونظريات، وبرامج ومواد إعلامية، فيمكن اعتباره المجال الأرحب الذي يتبارى في ملعبه الجميع، فهو القوة الناعمة في الفضاء العام حين نريد أن نوصل رسالة مثلى عن أنفسنا للعالم من حولنا، لأنها الرسالة التي يقدرها الجميع وينحنون لها احتراماً. وعندنا رمضان هو موسم عبادة أصيل ومبجل، لكن ذلك لا يمنع من أن تتبارى محطاتنا الفضائية في ثلاثة أنواع من البرامج: المسلسلات العربية المليئة بالغثاء في معظمها، والبرامج التي تتراوح بين فكرة الكاميرا الخفية وبرامج التقليد والسخرية من عباد الله، وبرامج فعل الخير أو تقديم المساعدات وإغاثة أهل الحوائج، هذه النوعية الأخيرة من البرامج تلقى استحساناً كبيراً من الناس على اختلاف مستوياتهم، كما تواجه أحياناً بآراء سلبية حسب زاوية النظر إليها! في رمضان الحالي سطع نجم برنامج «قلبي اطمأن» من إنتاج مؤسسة دبي للإعلام، والحقيقة أن البرنامج يمس الروح ويجد تعاطفاً من المشاهد يساعده ليكون مؤثراً بامتياز، لذلك فهو يستحق التفاعل والإطراء الذي حظي به من جانب كل من شاهده، فلا شيء فيه يبدو زائداً عن الحاجة، كما لا تظهر تلك الأخطاء المتكررة والمرفوضة كالاستجداء أو المديح الزائد أو الاستغلال الممجوج لحاجة الفقراء كما لا شيء ينقصه، البرنامج ينقل رسالة الإمارات ومشروع زايد الخير في…
السبت ١٩ مايو ٢٠١٨
في طفولتنا لم تكن شائعة مسألة صوم الصغار، على الأقل في دائرة الحي والأطفال الذين كانوا نحن وأخوتنا وأبناء جيراننا ومن كانوا يلعبون معنا طيلة نهارات رمضان، لكننا كنا نشهد رمضان بكل طقوس أهلنا فيه، صيامهم والأطباق التي كانت تعدها أمهاتنا وجداتنا، صلاة التراويح وتلاوة القرآن طيلة النهار، وغير ذلك مما اختبأ في الذاكرة! كان من النادر جداً، بل ومن غير المعروف أن يطهى طعام خاص للصغار في رمضان بحجة أنهم صغار وسيجوعون حتماً، هذه العذوبة في التعاطي لم تشهدها طفولتنا، كنا نأكل ما يمكن أن يتوافر من طعام بقي على حاله لم يمس من بقايا أطباق البارحة، أو انتظار مدفع الإفطار وأذان المغرب، أما المحظوظون منا فهم من كان يعد في بيوتهم قدر «الهريس» الضخم، الذي يقوم أحد الرجال قبل الإفطار بساعة على الأقل بما كان يعرف بعملية «ضرب الهريس» أي خلط محتويات القدر قبل أن يسكب في الأطباق ويوزع! بعض المحظوظين من الصغار كانت لديهم إمكانية الحصول على حبات من اللقيمات مغموسة في الدبس أثناء إعداد الأم أو الجدة لهذه الأكلة اللذيذة، وفي بيت طفولتي كان إعداد اللقيمات من اختصاص جدتي رحمها الله، وبرغم مرور الزمن إلا أن طعم لقيماتها لا يزال عالقاً في فمي، ورائحتها في ذاكرتي حتى اللحظة! قبل الأذان وموعد الإفطار، تقف كتيبة الصغار مستعدة…
الخميس ٢٩ مارس ٢٠١٨
أتوقف طويلاً، ومن باب الاهتمام، وأنصت بانتباه كبير حين يكون الكلام حول سقف الحرية والاختلاف وتمايز تجارب الناس وتجارب الكتّاب، وكيف يختلف كاتب عن آخر وفكر عن فكر، بشرط أن يكون ما نتحدث عنه فكراً حقيقياً في حدوده الدنيا على الأقل، ففي الإبداع الحقيقي حتى عندما يكون في بداياته كثير من البشارات الواضحة على أننا على موعد مع نجم يتخلق أو أن نوره في طريقه لأن يصل إلينا! ما من روح تشبه أخرى، ما من تجربة تطابق أخرى، لكن التجربة الإنسانية كلها في الأدب والفن والإبداع والعمارة و.... إلخ، تنهل من معين بعضها وتسترشد بها كمن يحمل قنديلاً ليرى على هديه تفرعات الطريق التي يسير فيها. نحن نسخ فريدة من نوعها حين نريد، وأرقام متكررة وباهتة حين نريد أيضاً، الحياة كما أنها قدر فهي اختيار، والدروب التي مشيتُها أنا لم تمشها أنت، والكتب التي قرأتها أنت لم تمنحني الظروف فرصة لقراءتها، لكنني جدفت صوب مساحات أخرى للمعرفة، ومكنتك الحياة من أن تُطل عليها من نوافذ تشرف على الجهات كلها، نحن نختلف بقدر ما نعرف ونتبصر، ونقول (لا) بقدر ما نحترم خياراتنا، ونتفق بقدر ما نذهب عميقاً في إنسانيتنا، لذلك في البدء كان الإنسان وكانت الحرية. الذين يراهنون على مشروع الرداءة لا يفعلون شيئاً مفاجئاً، لكنهم حتماً لا يختارون المشروع الأنجح.…
الأربعاء ٢١ مارس ٢٠١٨
إنه الحادي والعشرون من شهر مارس، يوم كباقي الأيام، كأي يوم تشرق شمسه في موعدها وتغرب في وقتها وفق سيرورة الفلك المعتادة، هو يوم كبقية أيام الله، نصحو مبكرين أو متأخرين، نفرك عيوننا محاولين نفض آخر ما تراكم فيها من خيوط عتمة النوم، لنرى ما حولنا، نفتحهما بصعوبة، نذهب بتثاقل إلى دورة المياه بشعور مشعثة. وعيون لا زالت بقايا الكحل على جوانبها، نفكر، هل نعود لدفء السرير أم نكمل الطريق نحو طقوس الصباح المعتادة تماماً، كما كنا صغاراً، توقظنا أمهاتنا، فننهض متظاهرين بالنشاط ثم نكمل النوم في الحمام!! وحده صوت الأم حين يطرق علينا الباب، يوقظنا من غفوتنا وغفلتنا التي ستستمر طويلاً فيما بعد، وحدها من ينبهنا كما ستفعل ذلك طيلة العمر، وكأنها خلقت لترعى أخلاقنا والتزامنا وأحلامنا واستقامتنا ومواعيدنا ومستقبلنا، وكأننا خلقنا لنقدم لها كل هذا الجبل من الهموم والانشغالات و(لا) راحة البال!! لذلك فأنت اليوم، وكما كنت وكانت هي دائماً، يرن صوتها قادماً من غرفتها أو من جنبات البيت، تشعر بك كما أنك أنت ذاك الذي كان ينهض صغيراً بأعوامه التسعة، تتوالى تعليماتها لك، فتفعل وفق ما جاء في التعليمات، أخيراً تخرج من الحمام مضيئاً تشع نظافة وبرائحة الصابون، تنظر لوجهك في المرآة، فتقع عيناك على زاويتها، حيث غرست ورقة برتقالية اللون على سبيل التذكير ولفت الانتباه ثم…
الأحد ١١ مارس ٢٠١٨
احتفلت جامعة السوربون في أبوظبي بذكرى اليوم العالمي للمرأة، والذي صادف يوم الخميس الماضي الثامن من شهر مارس، وباعتبارها واحدة من كبريات مؤسسات العلم ذات التأثير الممتد عبر الأجيال والثقافات، فقد دعت الجامعة خمس سيدات إماراتيات للاحتفاء بهن ومعهن بهذه المناسبة. تنتمي الإماراتيات اللواتي شاركن في الجلسة النقاشية في جامعة السوربون لتجارب مختلفة عملياً، ولحيوات شديدة الثراء معرفياً وفكرياً، لذلك قرر منظمو المناسبة أن تلتقي صاحبات التجربة بالأجيال الجديدة من الشباب العرب وغير العرب، ليتعرفوا على أحد أكثر الوجوه إشراقاً في مجتمع الإمارات: المرأة الإماراتية كقوة تغيير في مجتمع الإمارات وإنجازاتها في مختلف المجالات. السوربون، المنارة العلمية وجسر تواصل الثقافات هو الأكثر جدارة بتجسير الفجوات والفروقات والمسافات بين الثقافات، ليطل الطلاب عبر جسوره ونوافذه على تجارب جديرة فعلاً بالاقتراب منها والإنصات إليها. إن تلك المسيرة التي قطعتها تلك السيدات اللواتي تحدثن عن تجاربهن ورؤيتهن وما واجهنه وكيف صنعن تاريخهن لم تكن سهلة، في ظل مجتمع صغير محافظ وبعيد عن نبض المدنية والمعاصرة، برغم ذلك فقد استطاعت جميعهن أن يصنعن تاريخهن الخاص بكثير من الوعي والإصرار، الوعي الذي ولد من رحم الحاجة والمعرفة معاً. إن تلك النسوة اللواتي تم قمعهن بوحشية عام 1908 في نيويورك يشحذن بلا أدنى شك الذاكرة الإنسانية العامة لصالح حقوق النساء في العالم أجمع، أما تجارب نساء…
الأحد ٠٤ مارس ٢٠١٨
هناك أشخاص في المحيط الذي نتحرك فيه، قد يكونون من أفراد الأسرة، من أصدقائنا، من العاملين في المنزل، من الجيران، أشخاص كثيرون بلغات مختلفة، بوجوه متمايزة، بأسماء بعضها لا يغيب وبعضها لا تحفظه الذاكرة، بعضهم دخل حياتك، ولم يخرج، وبعضهم دخل وسيخرج، وبعضهم كان درساً كبيراً لن تنساه أبداً. وهناك أولئك الذين صنعوا علامة فارقة في حياتك ويستحقون دائماً أن تتحدث عنهم، أو تحدث عنهم، هؤلاء الذين يشكلون حياة حقيقية أكثر منها مجرد تجربة عابرة، حياة قائمة على معاناة ومنظومة قيم وأخلاق، المزارع البسيط الذي يأتي لمدة ساعة يومياً للعناية بحديقة البيت، أو تلك الممرضة البسيطة التي كانت ترعى أحد أفراد عائلتك، لديها من الأبعاد العميقة في شخصيتها ما يستحق أن تنصت له وتتأمله، وذلك السائق، وتلك الخادمة التي جاءت لمنزلك منذ سنوات مراهقتها، ولازالت ترعى حق العشرة رغم أنها بلغت من العمر عتيا، ورغم أنها غادرت الخدمة. في حياتنا الكثير مما يستحق التأمل، لو أننا ما فرطنا في هذه الفضيلة الرائعة، فضيلة الإنصات لقلوب الناس حولنا، فأحياناً عندما تصاب بالإنهاك الجسدي والروحي بسبب تكاليف الحياة وأعبائها وصدماتها سيبزغ لك من بين ركام الغيوم الكثيفة موقف، أو وجه، أو كلمة ما من حيث لا تتوقع، سيشعرك بأن الخير الذي وضعته ذات يوم في رصيد الأيام عاد إليك وقت الحاجة مضاعفاً،…
السبت ٢٤ فبراير ٢٠١٨
في كل تلك الرسائل التي وصلتني تعليقاً على مقال البارحة «طعم العراق»، لمست جرح العراق غائراً ينزف من قلوب كل العرب، فأيقنت أن الذين يراهنون على أن أبناء العرب - المعطرة أرواحهم وذاكرتهم برائحة العراق وبشعره وأصوات مطربيه وبتمره ومياه دجلة فيه - سينسون العراق ويرمون به على قارعة التاريخ بعد أن ملوا منه، وقد وصل حاله إلى ما وصل إليه، محدثو التاريخ هؤلاء، عليهم أن يراجعوا حساباتهم ورهاناتهم لأنها بنيت لذاكرة غير الذاكرة العربية ولذهنية غير الذهنية العربية! كتب لي طبيب عراقي مقيم في دبي يقول: «.. مقالتك «طعم العراق» أثارت الأشجان والحنين للوطن الذي أصبح مستباحاً تعيث فيه الميليشيات والمتآمرون فساداً، لقد كنت أحد الذين يتمنون رؤية عراق حر وديمقراطي، ولكن منذ بدأ الحصار في تسعينيات القرن الماضي وراح ضحيته مئات الآلاف من أطفال العراق، عرفت أي نوع من الديمقراطية يريدونها لوطني، واليوم ونحن نحتفي بعام زايد، طيب الله ثراه، لا بد من أن نتذكر ما فعله هذا الرجل العظيم لأطفال العراق في سنوات الحصار عندما أطلق حملة «مريم» ومولها لإنقاذ الأطفال من الحصار الظالم». زايد الإنسان، الأب، الزعيم، الرمز، لا تزال جهوده لتجنيب العراق مآلات الحرب الوحشية محفورة في الذاكرة، كما لا تزال ذاكرة العراقيين ملأى بمواقفه الجليلة رغم تباعد الزمن! إن الروح العربية الوفية المحبة دائمة…
السبت ١٧ فبراير ٢٠١٨
عندما كانت الدراسة ومناهج التعليم أكثر بساطة وأقل تعقيداً، وكانت المدارس أقل والجامعات لا تزيد على اثنتين ربما، وعندما كان الطلاب أقل كثافة في المدارس، والمعلمون أغلبهم من الإخوة والأخوات العرب القادمين من بلاد كنا نحلم بزيارتها كمصر والعراق وفلسطين والأردن وسوريا، ومن مدن كانت ملء السمع والبصر يومها كالقاهرة وبغداد ودمشق وغيرها، في سنوات السبعينيات والثمانينيات تلك، كان معظم الطلاب منتظمين في دراستهم، شغوفين بالدراسة ومتفانين في التعلم وغالباً ما يجتازون سنواتهم الدراسية بجهودهم الخالصة ودون رسوب يذكر! كان «المدرس الخصوصي» و«الطالب الذي لا يحسب حساباً لأحد»، و«التلميذ الكسلان» أو «التلميذة التي تنجح بالمجاملة»، ظواهر غير شائعة في المدارس، وعندما بدأت وزارة التربية تعلن نتائج الثانوية العامة في التلفزيون، كان الناجحون والناجحات هم الغالبية، كما كانت عبارة «المدرسة التي لم ينجح فيها أحد» تثير عاصفة من الضحك بين الناس، بينما عملية قراءة الأسماء تستغرق النهار بأكمله، ما يؤدي إلى إراحة المذيع أو المذيعة بفواصل غنائية كانت أشهرها أغنية عبدالحليم حافظ «الناجح يرفع إيده»، فكان الناجحون يملؤون طرقات الأحياء بالصخب، بينما الأمهات يوزعن المشروبات الغازية على الجيران! وعندما بدأت عاصفة التغيرات والتحولات التي طالت المدن والناس والعادات والاهتمامات، كان للتربية والتعليم النصيب الأكبر، تراجع اهتمام الطلاب بالدراسة، وبدأت ظواهر العنف المدرسي والتسرب باتجاه الوظائف البسيطة، والعزوف والهروب والشغب، وارتفعت معدلات…
الإثنين ١٢ فبراير ٢٠١٨
نحن مجتمع تكون من امتزاج البحر والصحراء، ففي البحر تمتد جذورنا وفي الصحراء لنا ظلال وآثار خطو لا خطى ومسير لا يمحوه الزمن، في الماضي كان كل شيء قليلاً وصعباً وكنا نعيش كفاف يومنا لكننا كنا نكافح العراقيل لنبقى ولتستمر المسيرة، لكل أمة تاريخ، هذا تاريخنا القريب أما على البعيد فنحن نتمدد في تاريخ الجزيرة والشرق كله وفي تاريخ العرب ودولة الحضارة الإسلامية العظيمة، نحن جزء من هذا التاريخ، نعتز به ونعرف على وجه الدقة مقدار وحجم صلتنا به، فلكل أمة تاريخ، نعود للتاريخ لنتعلّم، والأهم لنبتكر المستقبل كما قال الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان في كلمته الملهمة أمام القمة العالمية للحكومات. مع ذلك فالعودة للجذور، والافتخار بها ليست نكوصاً ولا تراجعاً ولا قلة حيلة، ولكن لأن من لا ماضي له لا مستقبل له، المستقبل يجد أساساته القوية في وعي الإنسان بماضيه وانتمائه الإنساني العميق، نحن جزء من تاريخ عريق وهذا التاريخ جزء من عمر الحضارة الإنسانية وإرثها الضخم. يقول التاريخ كما رواه الشيخ سيف إنه في عام 1974 استقبل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عدداً من رواد الفضاء قبل مهمة فضائية لهم، ثم عاد واستقبلهم بعد عامين بعد نجاح مهمتهم، وبعد أكثر من 40 عاماً، ها هي الإمارات تمتلك مشروعها للوصول إلى المريخ،…
الأربعاء ٠٧ فبراير ٢٠١٨
في الحياة ونحن نمضي في طرقاتها، نتعرف بكثيرين، نصطدم ببعضهم، نحب، نعجب، نصادق، نرافق، نتأثر، نتوقف أمام الوجوه والإشارات، نتحدث كثيراً، لنعرف بعضنا، لنقترب أكثر، فنتفاهم ونتفق منذ الجملة الأولى، أو قد يحدث العكس، فقد نتصادم، نسيء فهم بعضنا فنختلف ثم تتفرق بنا السبل، المهم أن سلوكنا الشخصي ونحن نتعرف ونتحدث أو نستمع لبعضنا ونتحاور لا ينبئ عن مقدار الثقافة التي نملك فقط. لكنه يكشف نوع شخصياتنا وبناءاتنا النفسية بشكل كبير، هل نحن مرنون إزاء اختلاف الآخر عنا ومعنا، هل نتقبل هذا الاختلاف بصدر رحب، هل نعتبره تحدياً شخصياً لنا، هل لدينا استعداد للإنصات بحكمة وتفهم أم أننا نسقط سريعاً في العصبية والغضب، فتكون النتيجة أن نتسرع في الفهم، ونتسرع في تكوين رأينا فيما سمعناه، وبالتالي نتسرع في طريقة الرد، والنتيجة تكوين حكم متسرع حتماً، لا يقود إلا إلى طريق مسدود؟ الحوار مساحة رحبة للتقارب والتفاهم إذا احتكم إلى الهدوء والتفهم، فالاختلاف - وهو حق مشروع تماماً - يمكن أن يتم بهدوء وحكمة، الحوار كذلك مساحة متاحة أمام الجميع بالقدر نفسه، نحن من يوسّع أفقها ليفيد منها، أو يضيقها حتى لا يبقى فيها متسع للحكمة، فإذا انعدمت الحكمة كثرت الأخطاء، وعندها نقع تحت طائلة الندم، ونكون مضطرين إلى التراجع والبحث عن مخارج وترديد الأسف والاعتذارات. أنت تعتذر لأن الاعتذار سلوك…