الأحد ٠٩ يونيو ٢٠٢٤
يعيش الإنسان علاقات متعددة خلال مراحل عمره، وبرغم اندفاعه في بعض تلك العلاقات، وشعوره بأنه سيقضي سنواته الآتية مبتهجاً بها، إلا أن كثيراً من هذه العلاقات تنتهي نهايات على غير ما يشتهي صاحبها، فيعاني تداعياتها لزمن متأرجحاً بين التخطي والتعافي، لكنه لا يسلم من النصائح والمقولات، التي يتبرع بها الكثيرون!. واحدة من هذه المقولات التي تحتاج لأن نتوقف عندها قبل أن نطلقها على مسامع الآخرين بلا مبالاة: (كي تنسى علاقة عليك أن تبدأ بأخرى، أو داوها بالتي كانت هي الداء) فلو أن المتحدث استمع إلى نفسه وهو يقول ذلك، ولو أنه طبق ما يقول على نفسه، لو أن القلب قلبه والداء داؤه، والمعاناة التي يكابدها الآخر هي معاناته ومكابدته، لكان فكر كثيراً وطويلاً قبل أن يتفوه بما قال!. في فيلم بعنوان «عمر أدالين»، والذي قدمته هوليوود عام 2015 من بطولة النجم العالمي هاريسون فورد، تعود الفتاة أدالين للظهور في حياة حبيبها وليام بعد سنوات طويلة من الغياب، وقد أصبح في عمر جدها، بينما هي لا تزال في معية الصبا، هي لا تتذكره نهائياً، وهو الذي كان يظن أنه نسيها، وتخطى تلك العلاقة يكتشف أنها لا تزال هناك، تلك الفتاة الجميلة، التي كانت حبه الأول منذ خمسين عاماً!. هل كانت أدالين تمثل الجسد الآدمي أم العاطفة والمشاعر التي هي خارج المقولات…
الأربعاء ٠٥ يونيو ٢٠٢٤
يخيل لبعضنا وهو يتابع الأحداث البطيئة، التي تقارب حد الملل أحياناً أن بإمكان أي منا أن يكتب شيئاً كهذا الذي يدور في أحداث الفيلم التركي «عن الأعشاب الجافة» والقائم على يوميات بسيطة لمعلمي مدرسة وحوارات مستمرة بينهم تتطور بتطور أحداث الفيلم لكنها لا تنقطع. فكرة أن نقرأ رواية بسيطة أو نشاهد فيلماً يرتكز في أساسه على حكاية أو حكايات عادية، فتساورك فكرة السهولة الساذجة التي تصور لك أنه بإمكان أي أحد أن يكتب شيئاً شبيهاً بهذا الذي يراه، فكرة بقدر ما تنم عن استهانة بالسينما وصناعة الفيلم الجيد، إلا أنها تدل في الوقت نفسه على نجاح صناع الفيلم في اختراق عقل وقلب المشاهد، وتجسير المسافة بين المعاني الفلسفية العميقة وبين المشاهد عبر الحوارات العادية. إن تكرر هؤلاء المعلمين ضمن مشاهد الحوارات الطويلة إشارة واضحة إلى خطورة دور الفرد في التغيير، انطلاقاً من المدرسة، وباستخدام الفن والمواجهة وعدم الاستسلام، وإن وجود حرس الأنظمة الذين يصرون على تطبيق النظام كما يكرر المشرف في المدرسة إشارة كذلك على دور حراس المنظومة في التضحية بأي شيء لأجل الإبقاء على الوضع كما هو عليه حماية لمصالحهم. إن مشهد الشتاء المخيم، والثلج الذي يلف كل شيء، الصعوبة التي يتحرك فيها المعلمون، انقسام المجتمع إلى حماة للعادات وآخرين يدفعون ثمن الإصلاح، العرج الذي تعاني منه المعلمة يسارية…
السبت ٠١ يونيو ٢٠٢٤
تأملت كثيراً في موقف أحدهم خلال أحد المنتديات التي تواجدت فيها، وبقدر ما أضحكني الموقف، فإنه أحزنني في الوقت نفسه، فقد بدا لي ذلك الشخص متباهياً بشكل لافت وهو يغادر كرسيه ويعود أكثر من مرة دونما سبب ظاهر، إلا أنني ربما كنت الوحيدة التي أعلم السبب، كان يبدو وكأنه يقول أنا هنا! ولكن بلغة جسده لا بالكلمات. نسيت أن أنوه بأنه كان يجلس في مقدمة الصفوف الأمامية المخصصة لكبار الضيوف، كما فاتني أن أنوه كذلك بأن الرجل لم يكن علامة بارزة في أي مجال قبل سنتين أو ثلاث، قبل أن يغامر بالدخول في جوقة مشاهير السوشال ميديا وله مئات الألوف من المتابعين! كنت على اطلاع بأنه يتردد على أحد كبار الصحفيين راغباً في أن يصبح كاتباً، وقد كانت لديه بضع محاولات في الكتابة، إلا أنها محاولات ساذجة، حيث لا يمتلك أية موهبة في هذا المجال، إلا أنه في كل مرة ترفض فيها كتابته كان يقول: إنهم يرفضونني لأنني مواطن، لا يريدون شخصاً ينافسهم، وإنهم خائفون على كراسيهم.. إلخ من هذا الكلام الذي لا علاقة له بالواقع. لقد كان يبحث عن مكان تحت الأضواء، عن الشهرة والتواجد وسط المشاهير، عن النجومية التي تمنح صاحبها هذا الضجيج الذي يملؤه بالاعتراف بلا شيء، فما يقدمه اليوم رغم آلاف المتابعين، عبارة عن ساعات كاملة…
الأحد ٢٦ مايو ٢٠٢٤
في مقال الأمس حول الكتابة باعتبارها طريق عبور لمعرفة الذات، كنت أتعرض لوجهة نظر صديقة عبرت عن علاقتها بالكتابة على مدى سنوات، انتهت إلى مرحلة نضج حقيقية في هذه العلاقة، بحيث تحولت أي كتابة عندها لحفر حقيقي في دواخل نفسها. وحتى لا تبدو الكتابة في هذا السياق منطقية، كان لا بد من الحديث عن علاقتي الشخصية بالكتابة بعد هذه السنين الطويلة، وهذا في الحقيقة ما وصلني من أكثر من قارئ تساءلوا في رسائلهم: كيف تنظرين للكتابة؟. أؤمن أن اكتشاف الذات في الكتابة هو جوهر كل كتابة حقيقية منتمية لكاتبها، وهذا ليس بالأمر البسيط أو الذي يمكن تحقيقه ببساطة أو بمجرد مباشرة الكتابة، لأن اكتشاف الذات عملية مركبة وطويلة المدى لا تنتهي حتى انتهاء العمر، ومع استمرار الكتابة تقوى الذات باكتشافها، ويلتئم الكثير من جروحها، فتتحول الكتابة لحظتها إلى هوية، ومقاومة، وحفر مستمر لا يهدأ. حين نصل في كتابتنا لهذا المستوى تتحول إلى حالة استحقاق ومصير لا يمكنك التفريط فيه بسهولة، فلا تعود في منطقة الهاوي الذي يعبر عن هواية أو موهبة، تغادر منطقة السذاجة هذه بشكل نهائي. تضيؤك الكتابة حين تمنحك النضج، والامتلاء، التحقق، والقوة، الشهرة والمكانة، الاحتفاء والتقدير، وكل ذلك حفرته أنت في معية الكتابة على مدى سنوات، لذلك فأنت تستحق ما وصلت إليه، لأنك حققته بصبر واحتمال ودأب…
الأحد ١٢ مايو ٢٠٢٤
كأي معرض كتاب، حفل معرض الرباط للكتاب بالكثير من الأنشطة الثقافية المصاحبة لحضور دور النشر وحضور الكتاب كركيزة أولى للمعرض، ومعه حضر الكتاب والنقاد والشعراء والمترجمون والناشرون من بلاد عربية عديدة، إلا أن كاتباً واحداً خطف الأضواء من الجميع وتحول لأكثر من ظاهرة، إنه الكاتب السعودي أسامة المسلم، الذي أتعرف باسمه للمرة الأولى صباح الأمس وأنا أعبر من قاعة التواصل، حيث انتهيت من المشاركة في جلسة نقاشيه حول السرد المؤنث وسؤال الخصوصية اللغوية، في طريقي إلى زيارة عدد من دور النشر المشاركة. كان المسلم صباح البارحة سؤالاً كبيراً دار على ألسنة الكثيرين من الكتاب والأدباء وكذلك من الزوار الذين فوجئوا بطوابير تضم آلافاً من الشباب الصغار يقفون لساعات طويلة تحت الشمس بانتظار دورهم في الحصول على توقيع السيد الكاتب بعد أن اقتنى جميعهم كتبه أو بعضاً منها، أما السؤال فكان: ماذا يكتب أسامة المسلم ليجتذب كل هذه الأعداد الغفيرة إليه؟ وبمجرد الإعلان عن أنه سيتواجد في معرض الرباط فقط سافر إليه الشباب من جميع مدن المملكة المغربية، حتى إن بعضهم جاء متلهفاً من فرنسا! ماذا يكتب أسامة المسلم؟ تقول الفتيات اللواتي سألتهن إنه يكتب بطريقة ساحرة، جذابة، وبنهايات لا يتوقعها أحد، حبكاته عبقرية ولا تقاوم، أما حول ماذا يدور سرده، فإنه يكتب عن الرعب والجن والساحرات، ما يعني أننا أمام…
السبت ١١ مايو ٢٠٢٤
دخلت سيدة إلى أحد المقاهي واتجهت مباشرة إلى الشخص الواقف خلف طاولة المبيعات، وسألته: هل عثرتم على نظارة كذا وكذا منسية على تلك الطاولة منذ عدة أيام؟ ابتسم الرجل ونادى سيدة تعمل معه وتحدث إليها، ففتحت درجاً وأخرجت النظارة وسلمتها للمرأة. هذا الموقف يتكرر باستمرار، وهو موقف مليء بالدلالات والإشارات. إن كل فرد يسعى لتكريس تصورات إيجابية عن نفسه باعتباره كريماً وقوياً ومتديناً إلخ، كذلك الدول تفعل كل ما في وسعها لتتصدر جداول قياسات الأداء التي تمنحها علامات قوة وتميز بين الدول مثل: قياس تطور التعليم، وجودة الحياة، وتحقيق مستويات عالية من الأمن والحريات و... إلخ. ووجود مستوى عالٍ من الأمن يعبر عنه ببساطة إحساس الإنسان بأنه آمن على نفسه وممتلكاته وأهله، في منزله وعمله وفي الشارع والمقهى والسوق.. فلا تسمع أحداً يوصيك بأن تنتبه لمحفظتك أو حقيبتك إذا ذهبت للسوق في المدينة الفلانية مثلاً أو ركبت مع سائق أجرة، لقد زرت دولاً فقدت فيها هاتفي بمجرد أن وضعته على الطاولة أمامي، وزرت أخرى أضعت هاتفي في المركز، فوصلني إلى غرفتي. فعلى ماذا اعتمد المقيمون الذين منحوا طوكيو المركز الأول كأكثر الدول أماناً، بينما حلت سنغافورة في المركز الثاني فيما جاءت في المركز الثالث مدينة أوساكا اليابانية أيضاً؟ وما الذي يميز هذه المدن على غيرها لتحظى بهذه المكانة؟ يقول الخبراء…
السبت ٠٤ مايو ٢٠٢٤
قدمت السينما، كما الأدب، أعمالاً مهمة تتعلق بظاهرة قيام الأزواج بانتحال أعمال أدبية أو فنية من إبداع زوجاتهم وادعاء ملكيتها، وتقديمها للمجتمع والإعلام على هذا الأساس، بل والتصرف فيها تصرفاً مطلقاً؛ كبيعها أو توظيفها أو تحويلها إلى أشكال أخرى على سبيل المتاجرة، هذه السرقات التي تعرف بانتهاك حقوق الملكية الفكرية، أو الانتحال، هي جريمة دنيئة قائمة على الاستغلال والابتزاز معاً!. لقد عالجت السينما العالمية هذه القضية عبر أفلام مهمة، مثل فيلم «العيون الكبيرة» عام 2014، وفيلم «الزوجة» عام 2017، وكلا الفيلمين يعرضان للحالة نفسها؛ استغلال الزوج إبداع وذكاء الزوجة، والتحرك في الحياة تحت مظلة تلك العبقرية، دون أي إحساس بوخز الضمير، في الوقت الذي لم يكن أي من الزوجين (زوج الرسامة وزوج الروائية) يملك أي نوع من الموهبة أو الإبداع، سوى موهبة الاحتيال أو الانتحال. توافق الزوجة في كلا الفيلمين، على هذا الوضع اللاأخلاقي، بل وتبرر للزوج انتهاك حقها وخصوصيتها وحقها المطلق في امتلاك أعمالها ونسبتها إليها، بل وتدافع عن موقف الزوج وسلبية موقفها، بأنه لم يكن بالإمكان عمل شيء آخر، متعللة بما كانت عليه أوضاع النساء ونظرة الرجال لها سنوات الخمسينيات في بلد كالولايات المتحدة!. لقد كان مجتمعاً لا يهتم ولا يعترف بالمرأة المبدعة، وحتماً لم يكن يلتفت لكتاباتها ونبوغها، وهذا ما ظهر في الفيلم، فعندما حاولت الرسامة الحقيقية…
الأحد ٢٨ أبريل ٢٠٢٤
تتشابه المدن كما يتشابه الناس، وتتقارب أمزجة المدن كما تتقارب أمزجتنا كبشر، لذلك فإن بيننا وبين المدن التي نقع في غرامها منطق التقاء قد نجده في الطبيعة، وربما وجدناه في الآثار والتاريخ، والمقاهي الصغيرة والطرقات المرصوفة بالحجارة الجبلية السوداء، في الأغنيات ورقصات الدراويش والحمامات العتيقة، في دكاكين بيع السجاد والتحف، في المآذن والقباب ودكاكين بيع الكتب المستعملة وبسطات بيع التذكارات التي نشتريها ولا نستخدمها غالباً.. أمكنة ونقاط كثيرة تقرب بيننا وبين بعض المدن وتجعلنا نقع في هوى مدينة وننفر من مدن أخرى! هناك من تظل علاقته بالمدن خالية من المعنى العميق للعلاقة، فنراه يتنقل من مدينة لأخرى ككائن ميكانيكي، كل الأمكنة بالنسبة له متشابهة، طالما وجد فيها متطلباته المادية بالمستوى المحدد، الفندق والمقهى والشارع والسوق، ولا يريد أكثر، بينما الحقيقة متطلبة وتحتاج حساسية وتأملاً للوصول إليها، لذلك فمن لا يعرف نفسه وحقيقة ما يريد وما يود لا يمكنه أن يضبط بوصلته صوب المدينة والاتجاه الصحيح! المسألة ليست معادلة رياضية معقدة، لكنها تتعلق بمدى اهتمامنا بالتفاصيل التي تبهجنا، وتتعلق بتقييمنا لأنفسنا وأوقاتنا ورغباتنا واحتياجاتنا، نحن لا نسافر لمدينة ما، فقط لأن الآخرين يسافرون إليها ويجب أن نفعل مثلهم، ولا نسافر لأن لدينا من المال ما يكفي لسكنى أفضل الفنادق، أظننا نسافر لأن السفر احتياج حقيقي، احتياج للبهجة، وللمختلف، لتجربة النفس واكتشافها،…
الأربعاء ١٧ أبريل ٢٠٢٤
الذين يحبون البيوت، ويرون أن أجمل أوقاتهم هي تلك التي يقضونها فيها، سواء كانوا بمفردهم مستمتعين بوحدتهم، أو بصحبة أسرهم وأصدقائهم، هؤلاء وأنا واحدة منهم، يسعون دوماً لتأمين منازلهم ويشعرون بحزن كبير عندما تتعرض بيوتهم لأي نوع من التخريب أو الدمار أو الفقد. إن أقسى ما يمكن أن يمر بهؤلاء الذين يحبون ويثمنون قيمة البيت أن يفقدوه لأي سبب من الأسباب. لوالدتي علاقة حساسة وحميمة ببيتنا الذي شهد إقامتنا فيه سنوات طويلة، هو ليس المنزل الأول، ولا حتى الثاني، ونحن قد تنقلنا بين بيوت عديدة قد استقر بنا الحال في منزلنا الحالي، لكن البيت الذي ارتبطت به كثيراً، والذي يحملها الحنين إليه فتذهب لتتفقده بين فترة وأخرى، وتقضي فيه أياماً هو البيت الذي شهد طفولة إخوتي وشبابهم وتخرجنا من الجامعات وزواج بعضهم بل وسكنهم فيه، هو البيت الذي شهد زواج أول الأبناء، وولادة أول الأحفاد، وهو البيت الذي توفي فيه والدي وتراكمت في جنباته كل الذكريات. إنه بيت العائلة فعلاً، بيتنا الذي يذكرني بأغنية فايزة أحمد الشهيرة (بيت العز يا بيتنا) والتي تقول فيها: بيت العز يا بيتنا، على بابك عنبتنا لها خضره وضليلة، بترفرف على العيلة لا توجد شجرة عنب على مدخل بيتنا بالتأكيد، لكن والدتي زرعت على مدخل البيت شجرة مانجو هندية تحولت بعد عدة سنوات لشجرة ضخمة…
الإثنين ١٥ أبريل ٢٠٢٤
المسلسلات التي تم ضخها عبر عشرات الشاشات ومنصات عرض الأفلام والمسلسلات وبرامج التسلية، والتي تابعها ملايين المشاهدين خلال أيام شهر رمضان، شهدت تحولاً كمياً ونوعياً في اتجاه كسر المألوف الذي اعتدنا عليه، وتكريس القصص والأفكار والمشاهد التي تتصادم مع الثوابت الاجتماعية والأخلاقية للمجتمع، بدعوى أننا وصلنا إلى درجة يرثى لها من الهشاشة الأخلاقية وذوبان الهوية واهتزاز منظومة القيم، لذلك فإن علينا، حسب هذه الدعاوى، أن نرحب بهذه المسلسلات لأنها اعتراف شجاع بواقعنا ومشاكلنا، كي لا ندفن رؤوسنا في الرمال! والحقيقة فإن هذا الكلام بحاجة لوقفة، فبالرغم من أننا كعرب لدينا كغيرنا من مجتمعات العالم كل الظواهر التي تعالجها هذه المسلسلات: كالجريمة، والفساد، وانتشار المخدرات، وانحراف الأحداث والمراهقين، والتطرف الديني، والتخلف التقني، وأحزمة الفقر و.... إلخ، إلا أن هذا لا يعني أن هذا هو الواقع العام لمجتمعاتنا، وأن كل الشباب منحرفون وكل الموظفين فاسدون، وأن الكل فاسد وقاتل ومنحرف و... إلخ، إن تصدير فكرة المجتمع الفاسد فكرة خبيثة جداً، وخطيرة جداً، تحاول تسويق الفساد والجريمة والتطرف والتعصب والشذوذ، والنظر إليه بدون أي نوع من الحساسية أو الرفض، وصولاً لقبوله في نهاية الأمر!! إن عدد المشاهد التي يبدو فيها أبطال المسلسلات وهم يقتلون ويتعاطون المخدرات ويدبرون الجرائم والمؤامرات، ويفجرون الأحياء، ويحرقون الناس والبيوت بدم بارد، ويختطفون الأطفال، ويغتصبون النساء... أمام أعين الناس…
السبت ٢٣ مارس ٢٠٢٤
عرفنا السينما في وقت مبكر جداً، ذكرت أمي أنهم أيام سكنهم في منطقة (الراس) في ديرة، كانت عائلة من تجار دبي تسكن بالقرب منهم، وكان رب هذه العائلة يعرض أفلاماً هندية وأجنبية في فناء بيته على قطعة قماش تنعكس عليها صور الممثلين وأحداث الفيلم، وهو من أخبرهم أن هذا يسمى سينما، كان ذلك في سنوات الخمسينيات، وأمي في تلك السنوات طفلة صغيرة. بعد مرحلة السينما المنزلية التي عرفها سكان دبي بواسطة بعض التجار والأسر الثرية، ظهرت السينما التجارية، وأول ظهور لها كان سنة 1953، حيث أنشأ رجل الأعمال الكويتي مرشد العصيمي، أول دار عرض سينمائي في دبي، وأطلق عليها سينما الوطن، والتي كانت تقع في المكان المعروف حالياً بميدان بني ياس المعروف قديماً بميدان جمال عبدالناصر، وكان افتتاحها في تلك السنوات يعد شيئاً متطوراً جداً، حيث لم يسبق أن شهدت المنطقة مثيلاً له، ما عدا سينما تحمل اسم «المحطة» في إمارة الشارقة، تأسست سنة 1945، للجنود الإنجليز فقط. بعدها دخل التلفزيون إلى بيوتنا، فنظر له البعض أنه سينما مصغرة، وأذكر أننا في أواخر المرحلة الابتدائية كنا نتحدث عن فيلم السهرة العربي الذي كان يعرض في التلفزيون نهاية الأسبوع، كنا قد أصبحنا في منتصف سنوات السبعينيات تقريباً وصرنا أكثر معرفة وارتباطاً بنجوم السينما المصرية وأفلام الأبيض والأسود، وتلك الأفلام على بساطتها…
الأربعاء ٢٠ مارس ٢٠٢٤
هل تصدق هذه العبارة فعلاً؟ هل ما نراه في الصور تعبير عما يعتمل في الحياة؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فهذا معناه أن الصور تكثيف تقني للعلاقات والمشاعر التي يعيشها الناس فعلاً، لكن الحقيقة غير ذلك إن لم تكن عكس ذلك! جربوا أن تتأملوا وبتجرد إن أمكنكم ذلك، أكثر الصور خصوصية والتي تمتلكونها كذخائر شخصية، والصور الأكثر شهرة عبر التاريخ وكذلك تلك الصور المتداولة بين أيديكم والتي تطالعكم بها الصحف والمجلات، والتي تلتقط عادة في المناسبات والأحداث واللقاءات والافتتاحات والمؤتمرات، انظروا إلى كل هؤلاء الناس في معظم الصور، كلهم مبتسمون وفرحون، ممتلئون بالحبور والحيوية، مرتبون وأنيقون، ينظرون لبعضهم البعض بكثير من الود والرهافة الإنسانية! ليس لدي شك بأن البعض ممن نراهم في الصور هم كذلك فعلاً، سعداء ومهذبون وابتساماتهم تعبير عن حقيقتهم، لكننا أيضاً نعلم أن كثيرين منا يتصنعون تلك الرهافة التي تتطلبها الصورة لا أكثر، كالابتسامة التي اخترعنا لها كلمات معينة نقولها ونحن نلتقط الصور لتظهر أسناننا فتثبت بذلك أننا سعداء بما يليق بالحدث وبالصور بينما الحقيقة ليست كذلك! أتذكر صورة ياسر عرفات وهو يصافح إسحاق رابين، كيف بدا الأول مبتسماً متفائلاً ماداً يديه على اتساعهما للآخر الذي صافحه على مضض لا يحتاج لكثير ذكاء لاكتشافه، فهل كان عرفات مؤمناً ومتفائلاً وسعيداً بالفعل؟ ما يعني أن الصورة قد نقلت المشاعر…