الإثنين ١٤ نوفمبر ٢٠٢٢
لا يشكن أحد في أن السخرية معنى واسع جداً، ولا نهائي، فالسخرية ليست معنى ضيقا وبسيطا كما قد يعتقد البعض، بل هو معنى متعدد وشمولي، يصل إلى حد التناقض أحياناً بمعنى أنه معنى حمّال أوجه، كيف؟ أولاً لأن السخرية سلوك منبوذ، بل ومحرم، فكل الأديان والمبادئ والتوجهات التربوية تنهى عنه، وتحض على تجنبه، كما في ديننا (لا يسخر قوم من قوم). والسخرية تيار فني عظيم الأثر، لجأت إليه مسارح وفرق فنية كبيرة، لتعبر عن مواقفها المعارضة: السياسية أو الدينية أو الاجتماعية، بشكل يجعلها تقول رأيها بحرية، وفي نفس الوقت تكون في مأمن من العقوبة! وهذا ما يطلق عليه علماء السلوك السياسي «المقاومة بالحيلة». لماذا نسخر؟ عادة لأن هناك ما لم يعجبنا، أو لأن لدينا موقفاً أخلاقياً من أمر ما، ليس بالضرورة أن نكون محقين حين نسخر، فقد يسخر قوم من قوم، وأطفال من أطفال، ونساء من نساء، يكونون أفضل منهم، لكن لماذا كل هذا التحريم للسخرية؟ فالدين يعده إثماً، والنظام الاجتماعي يعده تنمراً، أما أخلاقياً فهو سوء أدب؟ لأن السخرية مدمرة، وجالبة للكثير من المآسي للشخص، الذي يتعرض لها. من زاوية أخرى فقد منعت السلطة رواية ميلان كونديرا «الضحك والنسيان»، لأنها تسخر من الحكم الشيوعي يومها، واعتُبرت روايته النوفيلا «حفلة التفاهة» حفلة سخرية ضد ستالين، وفي المجمل فإن الأدب قد…
الثلاثاء ٠١ نوفمبر ٢٠٢٢
بودي أولاً أن أشير إلى علامتين مضيئتين، كانتا سبباً في تفكيري في موضوع التفاهة: الإشارة الأولى رواية للكاتب التشيكي ميلان كونديرا، بعنوان «حفلة التفاهة»، وهي رواية من النوع القصير، الذي يعرف بالنوفيلا، والإشارة الثانية كتاب في غاية الأهمية للفيلسوف الكندي آلان دونو، بعنوان «نظام التفاهة»، حيث شكل مفهوم التفاهة الموضوع الرئيس للكتاب، والذي يعني كما حاول الكاتب شرحه ونحته: كل ما ومن هو ناقص الأصالة والكفاءة والقيمة.ولقد أثار الكتاب منذ صدوره الكثير من النقاشات، كونه يتناول موضوعاً ماساً بحياة واهتمامات الجميع، فمن ذا لم يتساءل يوماً إزاء ترقي زميل متوسط النباهة والأداء: لماذا تم اختياره هو تحديداً للترقية؟ كما أن الكتاب يتناول أسئلة القيم وسيادة السطحية بين الكثيرين، وحالة الرداءة السائدة في إنتاج الأشياء وإنتاج الأفكار معاً! هناك ميل شديد للرداءة، وابتعاد عن الجدية والصرامة، وهناك تخلٍ متقصد عن شروط الجودة ورفعة الذوق، التي كانت تصف معظم الأداءات الإنسانية فيما سبق، في إنتاج الفن والسينما والسيارات والأزياء، والمسلسلات التلفزيونية، والفلسفات الفكرية، وصولاً لأنماط ارتداء الثياب، والتعاملات بين الناس في الشارع وفي الأسواق والمقاهي، لقد أصبحت الأمور وكأنها خارج التقييم، أو كأنها لم تخضع لشروط دقيقة قبل السماح بممارستها أمام الناس! يحدث ذلك وأكثر في كل مكان في العالم للأسف، حتى صار الإقدام على أي فعل أو فكر رديء محل ترحيب…
الأحد ٢٣ أكتوبر ٢٠٢٢
لكل شخص ما يناسبه من الكلام، ولكل إنسان ما يليق بمقامه من القول والتصرفات، وكما للأشخاص مقاماتها، فللأمكنة والمناسبات حرمتها وطبيعتها وقواعدها، فالتصرف الذي يستحسن في بيتك وبين خاصتك، يصبح مستنكراً إذا قمت به على الملأ، وأمام أعين الناس، حتى وإن كنت لا تقصد، وفي حياتنا العادية واليومية، فإننا مع أصدقائنا وإخوتنا نتصرف ونتحدث بطريقة لا نتصرفها أمام آبائنا وأمهاتنا، احتراماً وتقديراً، لذلك يقول إخوتنا في مصر (كل وقت وله أذان)، ونقول نحن في عاميتنا (كل ناس لها ناس، وكل ثوب وله لبّاس)، أي لكل مقام مقال. هذا من أهم ما يعلّمه الأهل لأبنائهم، وما يفترض أن تغرسه المدرسة في سلوك الطلاب، وعليه، فليس هناك ما يمكن أن يجعلنا نعترض على ذلك، تحت أي ذريعة أو حجة، كلنا نفهم أننا حين تكون في طابور تخرّج، أو حفل تكريم، أو في حضور شخصية رسمية، أو في متحف مثلاً، أو في مأدبة عشاء تضم أسماء ورموزاً معروفة، فإن الإنسان، صغيراً كان أو كبيراً، يتحرك وفق قواعد المناسبة وآداب المكان، سواء أعجبنا ذلك أو لم يعجبنا، فالأمر مرتبط بالأصول والنظام، لا أكثر. لا يستطيع أي إنسان أن يخترع سلوكاً خاصاً به، مخالفاً للتعليمات المتبعة، حباً في أن يغرد خارج السرب، لينطبق عليه شعار (خالف تُعرف)، لأنه في هذه الحالة، ومع النية المسبقة في…
السبت ٠٦ أغسطس ٢٠٢٢
تسأل الزوجة زوجها: قل لي بصراحة: ما الذي جعلك تهجرني؟ صف لي الفتاة التي ارتبطت بها؟ كيف هي؟ هل تعمل؟ كم عمرها … الخ. ثم تعود تسأله وكأنها تحمل نفسها مسؤولية فعلته: هل أخطأت في أنني حاولت أن أتغير لأشبه النساء الذين يحومون حولك؟ هل تغيرت أكثر مما ينبغي؟ ثم تعود متنبهة إلى حقيقة أن زوجها قد هجرها ليس لأنها لم تعد تلبي تطلعاته الخاصة، ولكن لأنه شخص فضل متعته ومصلحته وحريته الخاصة! يقول لي أحد القراء إن سيدة غاية في الجمال حكت له أن زوجها هجرها ليرتبط بامرأة أخرى، وحينما اكتشفت ذلك واجهته، لم ينكر لكنه قال لها ببساطة إنه مل منها ومن الحياة معها، هذه المرأة لم تطلب الطلاق ولم تهجر المنزل، تقول بأنها ليست في وضع يسمح لها بطلب الطلاق، لذلك بقيت وتمكنت من استعادة زوجها، وكما يقول القارئ فقد عبر الزوجان الأزمة وحافظا على زواجهما! فهل عبرا الأزمة فعلا؟ إنها خيانة وليست أمراً عادياً يمكن العبور عليه بسهولة، الخيانة في العلاقات الإنسانية والزوجية تحديداً أشبه بندبة بشعة تظل ماثلة لا يمكن استئصالها ولا نسيانها! تقول الزوجة لزوجها: من قال لك إنني لم أمل منك ومن رتابة الحياة ومشاق الالتزامات والأبناء؟ حتى أنا مللت منك وتعبت، لكن هل هذا يعني أن أخونك؟ هذا بدوره يفتح المجال واسعاً…
الأحد ٣١ يوليو ٢٠٢٢
وصف الناقد الأمريكي أرفنيج هوي الكاتب البريطاني جورج أورويل بأنه «كاتب المقالات الأعظم»، وفي كتاب بعنوان «لماذا أكتب؟» جمعت مجموعة المقالات الطويلة التي كتبها أورويل كتعليقات وقراءات لكتبه ورواياته. وصدرت في كتاب بترجمة علي مدن بعنوان «لماذا أكتب؟». حين طرح عليه سؤال الكتابة هذا على الكتاب قال: بأن جذور تلك الرغبة في الكتاب تكمن في: حب الذات! فالمرء يريد أن يثير إعجاب الآخرين به وأن يبدو ذكياً، وتكمن في الشعور بالجمال والبهجة الناجمين من أثر صوت تلو آخر في إيقاع اللغة، أو في غيرها، ثم في الشوق الملازم للإنسان لاكتشاف الحقيقة والدفاع عنها. وأخيراً تكمن الرغبة في الكتابة في ذلك الحافز السياسي لدفع العالم في اتجاه معين يعتقد صاحبه أنه الاتجاه الصحيح. «لماذا أكتب؟» واحد من أجمل الكتب التي يمكن للكاتب والصحفي والمهتم أن يقرأه، حيث ينظر جورج أورويل للكتابة السياسية باعتبارها فناً، حيث يقول «إن أكثر ما رغبت به هو أن أجعل من الكتابة السياسية فناً»، وهذا ما جعله يتفوق في هذا الفن عبر مقالاته الطويلة ورواياته ذات الطابع والموقف السياسي الواضح وتحديداً روايته 1984. هذه الكتابات هي التي جعلت منه واحداً من أعظم كتّاب المقالات في العالم، وهذا ما يؤكده النقاد الإنجليز إذ ينظرون إليه ويقدرونه ككاتب مقالة أكثر منه روائياً، حيث تحتل المقالة مكانة رفيعة في الأوساط…
الأحد ٠٣ يوليو ٢٠٢٢
كثيرون يعيشون الحياة، كأنهم مجرد مشاهدين يتابعون فيلماً سينمائياً، لا علاقة لهم بأحداثه، مجرد متفرجين لا أكثر، يقولون في دواخلهم «سينتهي الفيلم قريباً، وسنخرج لنندمج في مجاري الحياة في الخارج». لكن الفيلم يطول، ويلتهم كل الوقت المتاح للحياة، أو كأنهم يتدربون على فعل الحياة، كطفل يتهجى خطواته الأولى. هؤلاء يتلصصون على مهرجان الحياة من خلف الستائر، يتشهون مأكولاتها الشهية، لكنهم لا يملكون الثمن! وفي كل حال، فإن هؤلاء يرغبون فعلاً في الحياة، لكنهم لا يعرفون إليها سبيلاً، والحياة معادلة ليست سهلة، رغم أنها متاحة للجميع، متاحة كالأفكار على قارعة كل طريق، لكن الذين أجادوا قراءة فكرة الحياة، وفهموا كيف يحيونها، هم الذين نجوا من السأم والانسحاب والندم بأعجوبة، فأن تتاح لك فرصة الحياة، ثم لا تعيشها، تحت أي ظرف، ولأي سبب، فندم ما بعده ندم! لماذا لا يجيد الكثيرون فهْم الحياة، وبالتالي، يعيشونها كما تستحق وكما يقدرون؟ لماذا يعتقدون دائماً أن لديهم متسعاً ممتداً لها، وبأنهم مهما مر العمر، هناك فرصة لتعويض ما فاتهم؟ وكأن الحياة ستكون متاحة لهم لاحقاً، وفي أي وقت يقررون، وإلى ما لا نهاية؟! لأنهم منشغلون بحيوات أناس آخرين، يعيشونها بدلاً منهم، أبناء، إخوة، أهل، أصدقاء، أهداف كبرى، أحلام مستحيلة، أوهام يجرون خلفها، (سننهي هذه المهمة ونتفرغ لحياتنا!)، هكذا يكررون، لكن الحياة غالباً ما تضمر لهم…
السبت ٢٥ يونيو ٢٠٢٢
ما كادت مصر تشيع جثمان الطالبة نيرة أشرف، رحمها الله، والتي ذهبت ضحية قاتل مجنون كان زميلاً لها في جامعة المنصورة، بعد أن رفضت الارتباط به، حتى ضج الأردن بجريمة مشابهة ذهبت ضحيتها إيمان أرشيد الطالبة في جامعة العلوم التطبيقية الأردنية، وبعيداً عن أن الجريمة مطابقة لما حصل في مصر، أو غير مطابقة، فهي جريمة بشعة ارتكبها رجل مجرم مع سبق الإصرار والترصد، يعتقد بأن له الحق في الاعتداء عليها وقتلها إذا لزم الأمر، إن هي رفضته! يقال إن رسالة إلكترونية أرسلها الشاب لإيمان قبل يوم من قتلها، جاء فيها: «بكرة راح أجي أحكي معك وإذا ما قبلتي رح أقتلك مثل ما المصري قتل البنت اليوم»!! فما الذي يحدث؟ لقد تكرر هذا السؤال خلال الأيام الماضية على لسان الجميع، ورددته أقلام كثيرة في الصحف وصفحات السوشال ميديا، ما الذي يحدث لفتياتنا؟ ماذا دهى الشباب حتى غدا القتل أسهل عندهم من احتساء كوب ماء؟ ما الذي يحدث في الجامعات؟ إن هؤلاء شباب جامعيون؟ يفترض بهم أنهم على درجة من الفهم والوعي، بحيث لا يقبل منهم حل مشكلاتهم وخلافاتهم بالصراخ والضرب، فما بالنا وقد وصلوا لمنتهى الوحشية والإجرام: القتل! إذا لم تقبلي بي سأقتلك! هل سيغدو هذا شعار الشباب في الجامعات، لأن طالباً مجرماً مختلاً فعل ذلك في المنصورة، يصبح مثلاً يقتدي…
الأحد ١٢ يونيو ٢٠٢٢
في الأوقات العصيبة التي تعصف بحياتنا، نحتاج كثيراً لأن نتوقف عن التفكير بمنطق أن ما نحن فيه ليس سوى كارثة وهاوية سحيقة، ثم يسيطر علينا هذا التفكير فنشعر بأننا نختنق فعلاً في تلك الحفرة وحيدين ومنسيين!. علينا أن ننفض أنفسنا سريعاً من وطأة هذا الكابوس كي لا نختنق في تلك الحفرة وحدنا دون أن يشعر بنا أحد، علينا أن نبحث عمن يمد لنا يد المساعدة فلا عيب في ذلك، الخطأ أن نبقى في الهاوية، وأن نحول حياتنا إلى ما يشبه حادث سير، بينما الكل يتفرج علينا ويمصمص شفتيه، دون أن يفكر في إنقاذنا! الحياة بعد الأزمة أو في أثنائها ليست سهلة أبداً، إنها التأرجح بين الحياة واللاحياة، وهذا الاضطراب لا يمنحنا جرأة الإجابة عن أي سؤال، لا يسيطر علينا سوى الخوف، وانعدام الثقة بالنفس وبالآخرين، والرغبة في الهروب، لكن هذه الحالة يجب ألا تبقى إلى الأبد، إذ لا بد أن نصحو يوماً على صباح نجد فيه أنفسنا أكثر تماسكاً وقدرة على النظر في المرآة والجلوس بهدوء، لنجيب عن تلك الأسئلة التي هربنا منها طويلاً! الذين قرأوا كتابها الشهير، يتذكرون أن إليزابيث جيلبرت مؤلفة (طعام، صلاة، حب) وبعد أن تماثلت للشفاء من أزمة طلاقها، جاء ذلك اليوم الذي نهضت فيه باكراً كما وصفت في كتابها، لتزيح الستائر الثقيلة عن نوافذ غرفتها…
الأحد ٠٥ يونيو ٢٠٢٢
الحياة مليئة بالقصص والحكايات والنماذج، وحيثما كان باب موصد أو شباك مغلق فإن هناك أحداث حكاية تجري خلفهما، جذر الحكايات رجل وامرأة، وبينهما تفاصيل حياة، ووعود كثيرة، وأمنيات وإحباطات، وخيانات. وأخطاء كثيرة، وقلوب ممتلئة بالمسرات، وأخرى مثخنة بالأوجاع، وكما يخطئ الرجل تخطئ المرأة، وأحياناً يعود الشقاء في الحياة الزوجية إلى خيارات خاطئة، وحسابات غير دقيقة، لكن الأسرة والعائلة والسعادة كلها تدفع الثمن غالباً وغالياً. تالياً حكاية أربعة رجال أصدقاء، لكل واحد منهم حكاية، وخاصة مع المرأة. الأول طبيب أسنان، كان يحلم دائماً بأن يعيش في الريف أو في ضواحي المدينة.. لم يكن يحب المدن الكبيرة أو الحياة الصاخبة واللاإنسانية، كما يصفها، بينما نقطة ضعف زوجته هي حياة المدينة ورفاهيتها وسهراتها ونميمتها، مع أنه أقنعها مراراً بأن النميمة متوافرة في كل مكان، يجتمع فيه ثلاثة أشخاص، ظلت توبخه على تواضع أحلامه، حتى أصبحت الحياة بينهما لا تطاق، وصار يعتقد بأنها ستقتله وهو نائم لكثرة ما تهدده! فكان لا بد من الهروب منها إلى أحد أصدقائه! هناك فوجئ بآخر قد سبقه إلى بيت ذلك الصديق، وهو صديق مشترك للاثنين معاً منذ أيام الدراسة، كان هو الآخر هارباً من بيت الزوجية، ليس لأن زوجته تنغص عليه حياته، بل على العكس تماماً، فهو الذي كان يزرع قلبها بالأسى في كل ليلة يعود فيها متأخراً،…
السبت ٢٣ أبريل ٢٠٢٢
يقول الشاعر المصري عبدالرحمن الأبنودي: «خايف أموت وتموت معايا الفكرة لا ينتصر كل اللي حبيته ولا يتهزم كل اللي كنت أكره اتخيلوا الحسرة!!» هل تتخيلون شخصاً يناضل على طريقة أصحاب القضايا والأفكار الكبيرة، شخصاً يظل عمره كله مؤمناً بفكرة يعمل ليل نهار لرفعها عالياً، لتبليغها لأكبر عدد من الناس، كي تسود هذه الفكرة، كي تنتصر وتصبح جزءاً من الواقع، بحيث تغيره وتدفعه للأمام، في مجال الثقافة، أو الإدارة أو الاقتصاد أو التعليم أو الفن.. والنضال المقصود هنا ليس بالضرورة أن يكون عبر البندقية أو القنبلة أو التفجير والعنف، فقد تناضل بقصيدة تشعل بها الدنيا، وقد تكتب رواية تهز بها أركان سلطة متجبرة، وقد تضع كتاباً تقلب به الدنيا رأساً على عقب، تمحو به ما كان وتؤسس لفكر مغاير عما كان! هكذا فعل علماء وكتاب وفلاسفة ومنظرون، كتبوا في الحريات وحقوق الإنسان، وفضح العنصرية والتمييز ضد الآخر المختلف، فلاسفة كتبوا في نظريات العقد الاجتماعي بين المواطنين والسلطة، وآخرون كتبوا في الفصل بين السلطات لمنع فكرة الفساد من التسلل عبر خلط السلطات واستغلال الوظائف، وشعراء تغنوا بالاستقلال وباب الحرية التي بكل يد مضرجة تدق! فكيف يمكن أن نتخيل مسيرتنا عبر الزمن الطويل الذي قطعناه كبشر على هذه الأرض لو لم يوجد هؤلاء؟ لو لم يوجد فيلسوف كابن رشد، أو ابن عربي، أو…
الأربعاء ٠٦ أبريل ٢٠٢٢
في الوجدان الجمعي لعموم المسلمين فإن شهر رمضان هو موسم لمختلف العبادات والطاعات، وهو فرصة يحاول الكثيرون اغتنامها، لإشاعة ذلك الجو من التراحم والتقارب واستحضار الأجواء الإيمانية، الذي يفتقده غالبيتنا طيلة العام نظراً لظروف الحياة وتسارعها، وتزاحم الناس على طرقات السعي والكدح والانشغالات المثيرة! لهذا يحرص الجميع على تبادل التهاني والتبريكات قبيل رمضان، فيتذكرك ويرسل لك من كان قد نسيك العام كله، وكأني بالناس يذكرون أنفسهم في الحقيقة بخصوصية هذا الشهر، وقدسيته في نفوس المسلمين، من أهمل القران يخرج مصحفه، ومن كان يتراخى في الصلاة يواظب عليها، ومن كان يهمل زيارة أهله يحرص على أن يكون أول إفطاره معهم، وهكذا.. دون أن ننسى صلوات التراويح الممتدة فترة العشاء، ومشاهد البهجة والعطاء التي تسود أمام باحات المساجد، وفي الأسواق والشوارع والمناطق التاريخية والأحياء الشعبية، فالجو رمضاني بامتياز والكل يردد «رمضان كريم»! الذين يكتفون بالتسلية داخل منازلهم، ليس أمامهم سوى التلفزيون وما تعرضه المحطات، وهنا تكمن الطامة الكبرى! في المسلسلات التي يقال لك إنها للتسلية لا أكثر! فهل هي كذلك فعلاً؟ فمنذ اخترع التلفزيون وهو أداة للتسلية، لكن أي تسلية؟ لسنا ضد البهجة والترفيه ومسلسلات العائلة وبرامج التوك شو، فطوال السنوات السابقة كان رمضان يرتبط في ذاكرتنا بمسلسلات معينة، رافقت طفولتنا ومراهقتنا وشبابنا، كان رمضان نقطة انطلاقتها، لكنها كانت تجسد حياة غالبيتنا،…
الأحد ٢٧ مارس ٢٠٢٢
نحن نعيش في عالم كبير، يتسع باستمرار، ويميل للتعقيد أكثر، بالرغم من محاولات العلماء أن يجعلوه أكثر بساطة وراحة وأماناً! والتعقيد هنا، هو ذلك المعنى المادي والفلسفي. الذي يعني: التشابك والكثرة والتنوع والاختلافات، وانسحاب اليقينيات لصالح الشك الثابت، والتشكيك المستمر، والصراعات المفتوحة على كل الجبهات والمستويات، والتباينات الفكرية، والثورات المتلاحقة في العلم، كما في العلاقات الإنسانية، وفي الحقوق، كما في بنية القوانين وعلاقات الأفراد والدول. فهل صار الإنسان أكثر عقلانية وفهماً وسعادة، بعد كل هذا الذي تحقق له؟ أم أنه مُصرٌّ على السعي نحو الشقاء والجنون؟. تكشف لنا الحياة باستمرار، عن توجهات وأفكار ومساعٍ حثيثة لمضاعفة البؤس الإنساني، يقوم بها أناس على جانب كبير من العلم ومن النفوذ، لكنه العلم الذي لا يقود إلا للظلمة، والسلطة التي لا تؤدي إلا للشقاء، أناس يتخبطون في الفراغ، والطمع والجشع والجنون، الذي يدخل أصحابه في حالة من العمى، كالتي وصفها ساراماجو في روايته العبقرية (العمى)! مدينة كاملة من العميان، بلا ضوابط، وبلا أخلاق، وبلا بصيرة! عدا سيدة واحدة فقط، نجت من هذا المآل البائس، فلماذا جعلها سيدة يا ترى؟ ولماذا ترك كل الشخوص بلا أسماء؟ وكيف انتهى العمى فجأة، وشفي الجميع؟ إن الرموز التي تحفل بها الرواية، تشبه تماماً حالة التخبط التي يعيش فيها العالم اليوم، وفي كل يوم يفقد فيها بوصلة إنسانيته…