عائشة سلطان
عائشة سلطان
مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان

في الصداقة والصديق (2)

آراء

حين قرأ الكاتب الأمريكي بول اوستر ما جاء في رسالة صديقه كوتزي حول الصداقة وغموض اشتراطاتها، كتب له رداً أوضح له فيه موافقته على ملاحظاته، مؤكداً له بالدليل ومن واقع حياته وعلاقاته أن قلوب الرجال صناديق مغلقة بالفعل، وأنهم من النادر أن يبوحوا بمشاعرهم لأصدقائهم، فيقول إنها عادة الأصدقاء الرجال في الغرب، وربما تكون عادة الرجال في صداقاتهم في كل مكان!

لقد فوجئ بول اوستر بصديقه المقرب جداً وهو كاتب أمريكي معروف كما يذكر، يرسل له بالبريد نسخة من مخطوطة كتابه الأخير ليقوم بقراءتها وإبداء الرأي فيها كما اعتاد دائماً قبل أن يدفعها للنشر، ما فاجأ أوستر أن صديقه قد جعل إهداء الكتاب له دون أن يقول له ذلك أو يبدي له ما يوحي بهذه العاطفة القوية.

يقول اوستر: (ما أحاول إخبارك به هو أنني أعرف هذا الرجل ولا أعرفه، إنه أعز أصدقائي برغم أنني لا أعرفه، إذا ذهب غداً فسطا على بنك ستكون صدمة لي، وإذا خان زوجته فسأشعر بالإحباط، كل شيء وارد، لأن للرجال أسرارهم التي يكتمونها حتى عن أعز أصدقائهم، لكنني سوف أتأذى لأنه لم يأتمني، بما يعني أن صداقتنا لم تكن بالمصداقية التي كنت أفترضها).

الغريب أن في مطلع رسالة (الصداقة والصديق) لأبي حيان التوحيدي، ترد محادثة لطيفة بين التوحيدي وأبي سليمان محمد بن طاهر السجستاني سأله فيها عن صداقته بابن سيّار القاضي، وكانت صداقة يضرب بها المثل، فحدد من خلال تلك المحاورة الشروط التي تقوم عليها الصداقة الحقيقية كما يرى.

يقول السجستاني للتوحيدي شارحاً له سر الصداقة بينه وبين القاضي: (يا بني، لقد اختلطت ثقتي بثقته بي فاستفدنا طمأنينة وسكوناً لا يرثان على الدهر ولا يحولان بالقهر، ومع ذلك فبيننا مشاكلة عجيبة، حتى كأني هو فيها أو هو أنا…)!

للصداقة شروط صارمة، لا تكون بين الأزواج والمحبين، لعل الاحترام وعدم التطاول بعضها، إلا أن الثقة أصل الصداقة وعمودها بلا شك.

المصدر: البيان