نجوم السماء!

الجمعة ٠٦ أبريل ٢٠١٢

في المدينة الصاخبة بأضوائها وحركتها التي قليلاً ما تهدأ تعرف كم كنت محظوظاً في طفولتك التي تفاعلت أيامها مع نجوم السماء.من جرَّب تأمل السماء في الليالي المظلمة يتمنَّى -وقد صار ابن المدينة الجميلة- لو تنطفئ الأنوار كلياً لساعات كي يرفع رأسه فوق بحثاً غن نجوم السماء، تلك التي نشأ طفلاً يعدُّها نجماً نجماً ويعرف معظمها بالاسم والاتجاه. متى آخر مرة نظرت فيها للسماء وتأمَّلت في نجومها وبعض شهبها؟ أحنُّ أحياناً لليالي الطفولة في جبال السراة حينما كانت العلاقة بالطبيعة إنسانية خالصة نرفع عبرها رؤوسنا نحو السماء كأننا نكلِّم نجومها ونتابع حركتها. كبرنا وكبرت قرانا. هرب ظلام الليل من ليالينا. ولم نعد ننظر للسماء بحثاً عن قمرها ونجومها إلا نادراً. بل إن كسوف القمر -الذي كان مستحيلاً أن يفوتنا أيام طفولتنا- يحدث وينتهي وقد لا نعرف عنه إلا بعد رحيله بأيام. قبل مدة، هربت بسيارتي ليلاً من المدينة إلى الصحراء. بحثت عن الظلام الدامس وبالكاد وجدته. أطفأت أنوار سيارتي وأغلقت هاتفي وتأمَّلت قليلاً نجوم المساء. كأنني ألتقي بأصدقاء طفولتي من بعد طول فراق. يا الله، كيف كانت تلك النجوم مثل رفاق الطفولة وقد كنا نراها -نتبعها- كل مساء؟ أطلت النظر في السماء وحاولت أن أتعرف على نجومها من جديد لكنني أضعت الاتجاهات ونسيت الأسماء. كيف سرقتنا السنون من أنفسنا وكيف تطوي…

سينما في السعودية؟

الخميس ٠٥ أبريل ٢٠١٢

أبشركم أن السعوديين في حبهم للسينما لا يختلفون عن بقية شعوب الأرض. بل إن بعض مهرجانات السينما العربية تبشر أن المبدعين السينمائيين الشباب في السعودية هم من أبرز نجوم صناعة السينما الصاعدة في المنطقة. أمس نشرت «الشرق» -نقلاً عن «ذا ناشونال» الإماراتية- أن ربع مليون سعودي يزورون دور السينما في الإمارات سنوياً. ومن مشاهداتي، أظن أن الرقم يفوق ربع المليون كثيراً. ففي مواسم زيارات السعوديين للإمارات ترى حضوراً سعودياً كاسحاً في دور السينما. ولم أشاهد منظراً مخلاً بالأدب في صفوف السعوديين الزائرين لدور السينما. والإجراءات الأمنية الصارمة لن تسمح أصلاً بمضايقة العوائل لا في السينما ولا خارجها. أما الخوف من محتوى الأفلام على عقول الناس كما يعلل بعض ممارسي الوصاية على عقول الناس فما الفرق بين ما يعرض في السينما وما يعرض على شاشات التلفزيون في البيوت وغرف النوم؟ بل إن أغلب الأفلام التي تعرض في دور السينما تبث لاحقاً عبر شاشات التلفزيون. في البحرين أيضاً رأيت طوابير السعوديين أمام دور السينما. ولو قدر لدور السينما أن تفتح أبوابها في المدن السعودية لرأينا الآلاف المؤلفة من العوائل السعودية تذهب لمشاهدة أحدث الأفلام وأشهرها. أعرف أنه سيقفز من يسأل: من أنت حتى تفرض على الناس زيارة السينما؟ وأجيب: والله العلي العظيم أنني لا أفرض على أحد أن يزور السينما ولا أملك…

«المنار»: دجل الإعلام!

الأربعاء ٠٤ أبريل ٢٠١٢

شاهدت قبل البارحة نشرة الأخبار على قناة المنار التابعة لـ «حزب الله» لأشاهد الدجل الإعلامي كما لم أشاهده من قبل. فرئيس الاستخبارات الإسرائيلية – حسب المنار – يعد صمود بشار الأسد هزيمة لإسرائيل. والكويت والإمارات وسلطنة عمان ومعها البحرين تتبرأ – سراً – من سياسات السعودية وقطر الرامية إلى إسقاط بشار. لم أفهم كيف أن صمود بشار وقتله لعشرات الآلاف من السوريين ودكه للمدن السورية بدبابات الجيش السوري هي هزيمة لإسرائيل! لقد ملت الشعوب العربية – في غالبها – من هيمنة أنظمة عسكرية قمعية كل حراكات المجتمع باسم المقاومة و مواجهة الاحتلال. يا أخي ذبحتونا بـ«المقاومة» التي لم تطلق معها رصاصة واحدة ضد المحتل. في سوريا، لا يقل الاحتلال الأسدي قبحاً وعنفاً عن مثيله الإسرائيلي. فاحتلال آل الأسد سرق كل مقومات وقدرات بلد عريق مثل سوريا على أصعدة الاقتصاد والإبداع والإنتاج. وشرد عشرات الآلاف من الشباب السوري بأساليبه القمعية و تخلف اقتصاده وقبضته الأمنية على كل شاردة وواردة. فكيف تشعر إسرائيل بالهزيمة إن بقي على سدة الحكم في دمشق من يُبقي سوريا في قائمة البلاد المتراجعة سياسياً واقتصادياً؟ لقد حكمتنا الديكتاتوريات العربية (حكومات و أحزاب) باسم المقاومة ومحاربة المحتل ومع الوقت اكتشفنا أن هذا المحتل الذي تلعنه بعض الأنظمة العربية علناً إنما تتآمر معه سراً. يعلنون الحرب ضده في النهار…

ديكتاتورية الكبيسي

الثلاثاء ٠٣ أبريل ٢٠١٢

لم أستغرب «بدائية» الدكتور أحمد الكبيسي في تعامله مع سيدة اتصلت به عبر برنامجه على قناة دبي (وأُخر متشابهات) لتبدي وجهة نظر مختلفة و إذا به يصب عليها نيران غضبه ويقاطعها بصراخه المعهود وينهي مكالمتها قبل أن تكمل سؤالها. ثم انفعل مرة أخرى مع متصل آخر ليدعو الله أن يحشره – المتصل – مع معاوية. هل من أخلاق «الداعية» أن يشتم على الهواء و يصرخ في وجه كل من يختلف معه و لا يعطي فرصة لسائله أن يكمل سؤاله؟ أنا لم أستغرب ديكتاتورية الكبيسي في التعامُل مع من يختلف معه. قبل سنتين وأثناء تسجيلي لبرنامج «المنتدى» على تلفزيون دبي، سجَّلنا حلقة عن المرأة والتنمية في العالم العربي. كان الكبيسي أحد ضيوف الحلقة مع الأكاديمية التونسية الدكتورة نائلة السيليني. لم يُعجب الكبيسي أن تتجرأ الدكتورة على الاختلاف علناً معه. بعد تسجيل الحلقة اتصل بي مراراً لإقناعي بعدم بثِّها. ولم يترك وسيلة للضغط على إدارة القناة لإلغاء الحلقة. وبعد نقاشات طويلة مع المسؤولين في مؤسسة دبي للإعلام تقرَّر أن يُترك الحكمُ لمفتي دبي الشيخ أحمد الحداد الذي شاهد الحلقة و أوصى ببثِّها. لم أصدق حينها أن الكبيسي حاول استغلال نفوذه لممارسة الإقصاء ضد الرأي المختلف معه. الكبيسي ينتمي لعقلية لم تستوعب بعد أن زمن الوصاية على الفكر و الرأي قد ولَّى. لقد…

حكّم عقلك!

الإثنين ٠٢ أبريل ٢٠١٢

لا أحب الأحكام الجاهزة على الأفكار أو الأفراد. وكثيراً ما أحذِّر من استعارة الأحكام والآراء الجاهزة في القضايا والأفكار والناس. احكم بعقلك أنت لا بعقل غيرك. لا تترك الآخرين «يستغفلونك» وهم ينوبون عنك في التفكير والحكم على الأفكار والأشياء من حولك. كثيراً ما نلتقي شباباً يتعامل مع القضايا حوله بنتيجة قاطعة لا يريدك أن تناقشه فيها. وحينما تأخذ وتعطي معه قليلاً تكتشف أنه قد حكم على مسألة النقاش نقلاً عن حكم غيره. الأفكار – مثل الناس – تبدو من بعيد مختلفة عما هي عليه من قريب. وحينما تحكم على الناس عن بعد ستكتشف لاحقاً أن في حكمك ظلم أو قصور. تعرَّف على الناس جيداً قبل أن تختزلهم في حكم مستعجل أو جاء وليداً لانطباع تنقصه الدقة. وكذلك الأفكار والآراء. ألتقي أحياناً بشباب رائع لكنه لا يلبث أن يخبرني همساً: اسمح لي كنت أظن فيك السوء. وكثيراً ما أنصح: ابحث أولاً في رأيك. اقرأ. اسأل. حاور. ناقش. ثم استنتج حكمك بنفسك. يؤسفني أن أقابل كثيراً شباباً سقطوا في أحكامهم – على الأفكار والناس – ضحايا لجدالات غابت عنها أخلاق الحوار والاختلاف. ثم وصل بهم الحال أن حكموا على أفكار كبرى وفق عقلية «الأبيض» و«الأسود». وتاهوا في الخلاصات القاطعة. فهذا علماني وذاك أصولي. وهذا إرهابي وذاك تغريبي. وتلك المسألة «حلال» وما خالفها…

احتفالية الكتاب في أبو ظبي

الأحد ٠١ أبريل ٢٠١٢

للسنة الثالثة، أحضر معرض أبو ظبي للكتاب، الذي بات يشكل اليوم حدثاً ثقافياً مهماً في الإمارات. كأنك في حفل بهيج يحتفي أصحابه بالثقافة والكتاب. أعجبت جداً بطريقة التنظيم وبأناقة المكان ونظافته. ولفت انتباهي هذا الحضور الكثيف للعوائل الإماراتية والعربية، وحرصها على شراء الكتاب وحضور ندوات وفعاليات المعرض. في ركن توقيع الكتاب بدار كتّاب للنشر، جلس راشد النعيمي، وزير خارجية الإمارات الأسبق، للتوقيع على كتابيه، زايد: من مدينة العين إلى رئاسة الاتحاد، وشاهندة، رواية قديمة أعادت نشرها دار كتّاب. وبعد أن غادر المكان بدقائق جلَست في ذات الركن كاتبة إماراتية شابة، كلثم صالح، للتوقيع على إصدارها الأول: صنع في الجميرا. وخلال هذين التوقيعين، اصطف عشرات من الشباب الإماراتي للتوقيع على نسخهم والتصوير مع المؤلفين. وما بين «شاهندة» و«صنع في الجميرا» عقود من التحولات الثقافية المهمة في الإمارات والخليج أفرزت اليوم جيلاً يشكل احتفاءه بالكتاب بشرى خير للثقافة في منطقتنا. وفي زاوية أخرى من المعرض، في ركن دار مدارك للنشر، كان الكاتب السعودي محمد الرطيان يوقع لمعجبيه من الشباب وهم كثر على إصداراته، القديم منها والجديد. من قال إن شبابنا لا يقرأ؟ وفي ركن الساقي، كان ثمة «طابور» طويل من القراء، أغلبهم شباب، ينتظر فرصته للسلام على الزميل عبدالباري عطوان، الذي كان يوقع لهم على كتابه «وطن من كلمات». ومع الصديق سلطان…

سعوديو دبي!

السبت ٣١ مارس ٢٠١٢

بعض التقارير قالت إن أكثر من 700 ألف سائح سعودي دخلوا الإمارات خلال الأيام القليلة الماضية. في الطريق، بين دبي و أبو ظبي، ترى عشرات السيارات السعودية تتنقل بين المدينتين. دبي نجحت في استقطاب العائلة السعودية القادمة للإجازة القصيرة. وحتى أولئك الذين اضطروا للقدوم إلى دبي للظروف السياحية المستحيلة في سوريا ولبنان ومصر قد يجدون في دبي ضالتهم السياحية خاصة في ظل الخدمات السياحية التي توفرها دبي اليوم من سكن أقل كلفة وأمن وخدمات وأسواق. وهنا مفهوم مختلف لصناعة السياحة. فلم يعد صحيحاً أن السائح السعودي يسافر فقط للأماكن ذات المناظر الطبيعية الخلابة بقدر ما يقصد المدن التي توفر الخدمات الجيدة والأسعار المعقولة والأمن الأكيد. والسائح السعودي – في الغالب – لا ينتظر خدمات من فئة الخمسة نجوم بقدر ما يبحث عن الحد الأدنى من تلك الخدمات. فأينما تذهب اليوم في دبي، فندق خمسة نجوم أو شقق فندقية من فئة الأربعة نجوم، في ديرة أم في بر دبي، تجد العوائل السعودية. إنها رغبة التغيير – تغيير المكان والانتقال ولو قصيراً لوجهة جديدة – التي تدفع العائلة أن تسافر لمكان جديد ولو لأيام. ولهذا لم أستغرب وبعض الزملاء في الرياض يخبروني أن الرياض نفسها صارت تستقطب زواراً من خارجها يأتون للسياحة خلال إجازات المدارس. ما الذي يمنع أن تصبح السياحة صناعة…

«أسير» في مكتبه الوثير!

الخميس ٢٩ مارس ٢٠١٢

من مكتبه الأنيق، يطل على «خور دبي»، منظر ساحر لهذا الشريان المائي الجميل. ومن مكتبه، يشاهد حركة لا تهدأ لقوارب صغيرة تقل البضائع والسواح والمتنزهين، وعمالا كثر يمشون على حافة «الخور»، كلهم حيوية لا تكاد تنطفأ. وفي كل صباح، وهو يحتسي قهوته ويطل من نافذته على حركة الناس تحت هذا البرج العملاق الذي يطل منه، يتمنى لو أنه هناك.. تحت، مع أؤلئك البشر الذين لا يتوقفون عن الحركة إلا قليلاً. مرة لم يعد يحتمل الأمنية من «فوق» فنزل إلى حيث الناس، استنشق رائحة الخليج وأطلق قدميه على الرصيف كما لو أنه للتو يكتشف متعة المشي إلى جوار البحر، وحينما قرر أن يستريح قليلاً على كرسي خشبي إلى جوار الماء، سأل أحد العاملين هناك إن كان يشعر بسعادة العمل على الرصيف، إلى جوار البحر، فأبلغه العامل بحلمه أن يعمل في مكتب أنيق لكن ظروفه لم تسعفه. من بعيد، تبدو الأشياء غالباً على غير حقيقتها. فالموظف الكبير صاحب المكتب الأنيق المطل على البحر يشعر كثيراً كما لو كان «أسيراً» للوظيفة التي عزلته في «برجه» عن الهواء الطلق فلا يرى البحر إلا من خلف زجاج. يتمنى لو يقضى وقتاً أطول يمشي إلى جوار الماء كما يفعل المئات من العاملين على الرصيف. والعامل على الرصيف يرفع رأسه فوق، إلى البرج الممتد نحو السماء حالماً…

بين «الجدال» و«الإنتاج»

الأربعاء ٢٨ مارس ٢٠١٢

من أسباب تخلفنا في العالم العربي حضارياً واقتصادياً أننا منشغلون كثيراً بجدالات «بيزنطية» في قضايا لا تمس التنمية لا من قريب أو بعيد. إن أمة تستهلك معظم وقتها في تصفية حسابات فكرية أو سياسية بين تيارات المجتمع الواحد إنما تهدر وقتها فيما لا يفيدها أو يسهم في تقدمها. كثيرنا منشغل بالكلام الذي ليس فيه كلام، وقليلون جداً منا منشغلون بالعمل والإنتاج في مصانعهم أو مزارعهم. وحينما أنتج الغرب منابر جديدة، تتيح حرية أفضل في التعبير والحوار، وظفناها لخدمة «الظاهرة الصوتية» التي شكلت وعينا وخطابنا وصارت تهيمن على سلوكنا اليومي. العالم الحي يوظف تقنيات التواصل الجديدة لمزيد من الحوار البناء بين أبناء المجتمع الواحد، فيما نحن سخرناها لخلق المزيد من الكره والانقسام داخل المجتمع الواحد. ومقابل هذا الكم المهول من الصراخ والشتائم والجدالات وخطابات التخوين وفتاوى التكفير التي ينتجها العالم العربي، كم ننتج من سيارات أو أجهزة كمبيوتر أو عقارات طبية؟ ماذا نقدم للاقتصاد العالمي اليوم؟ وأي إسهام حضاري نقدمه للحضارة الإنسانية على أصعدة العلوم والطب والرياضة والفنون؟ ماذا لو جربنا أن نعمل أكثر مما نتكلم، هل سنكتشف متعة «الإنتاج» بعد عقود طويلة من ضياع الأوقات في جدالات أسست لحالة عداء لا تنتهي بين تيارات المجتمع الواحد؟ ولو سألنا أنفسنا، كم ساعات الإنتاج الحقيقية في يومنا لربما أدركنا بعض أسباب تراجعنا…

ثامنة داود

الإثنين ٢٦ مارس ٢٠١٢

شاهدت حلقة السبت الماضي من برنامج الثامنة مع داود الشريان التي كان موضوعها الأبناء مجهولي الوالدين. وبقدر الحزن الذي انتابني وأنا أتابع القصص المحزنة لنماذج من مجهولي الآباء بقدر ما فرحت بطريقة الزميل العزيز داود الشريان في تعاطيه مع مثل هذا الملف وإتاحته للنقاش والحوار. هذه الحلقة تكشف عن تناقضات ثقافية كبيرة في مجتمعنا. فبينما ندعي أننا مجتمع متدين، شديد الحرص على ثقافته الدينية، نجد الأيتام ومجهولي الوالدين يعاملون عندنا معاملة تفتقر -في الغالب- لأدنى حدود التعامل الإنساني. إعلامنا معني بفتح مثل هذه الملفات مهما كانت محرجة أو مزعجة. تلك من وظائف الإعلام الرئيسية. لكن طريقة المعالجة الإعلامية تؤثر كثيراً في تعاطي المجتمع والجهات المعنية مع القضية المطروحة للنقاش. فإعلامي مخضرم مثل داود الشريان يكسب دوماً مصداقية في طرحه للقضايا الاجتماعية، لأنه لا يقدم «الإثارة» التلفزيونية على حساب الموضوعية والعقلانية في معالجته الإعلامية لقضايا اجتماعية فيها من التعقيدات الكثير. حينما يتعاطى الإعلامي بجدية واحترام مع القضايا التي يطرحها فإن المجتمع يتعاطى معه -في المقابل- بذات الجدية والاحترام. أكثر ما يسيء لقضايا المجتمع إعلامياً هو المعالجة القائمة على الإثارة على حساب المهنية واحترام عقلية المتابع. وكأي مجتمع إنساني معاصر، مجتمعنا اليوم مملوء بكل أشكال القصص الشائكة والمشكلات المعقدة. لكنها إشكالات تحتاج لإعلام «رصين» لا يتاجر بها ولا يستغلها من أجل تحقيق…

المبتعثون.. عندما يعودون!

الأحد ٢٥ مارس ٢٠١٢

جاء في تقرير «الشرق» قبل أمس، عن السعوديين المبتعثين للدراسة في الخارج، أن عددهم 120 ألف مبتعث. القليل منهم مبتعث من جهة عمله. أي أنه سيعود من دراسته لوظيفته المضمونة سلفاً. لكن الغالبية من المبتعثين اليوم سيعودون ليبدأوا مشوار البحث عن وظيفة. أي سيعودون وهم «على باب الله». السؤال هنا: ماذا يمكن أن تفعله المؤسسات المعنية بتوظيف شبابنا لاستثمار تجربة المبتعث وظيفياً قبل أن تشوهها سنوات الانتظار بحثاً عن وظيفة؟ أعرف أن الحصول على وظيفة اليوم هو حلم الآلاف من شبابنا سواء كانوا من خريجي الجامعات المحلية أم من خريجي جامعات الابتعاث. لكنني أتساءل إن كان هناك خطط عملية للتنسيق مع شركات القطاع الخاص تحديداً لتوظيف بعض المبتعثين قبل عودتهم. أدرك أن المسألة أكثر تعقيداً من هكذا اقتراح لكن يبقى السؤال الكبير: ماذا أعددنا لعشرات الآلاف من المبتعثين بعد عودتهم؟ يخبرني مدير «بيت السعودة» في الرياض، قبل مدة، أن لديه قائمة تضم ألف باحث عن وظيفة من العائدين من الابتعاث. بعضم في قائمة الانتظار منذ أكثر من سنة. أتمنى ألا تكون «بطالة المبتعثين» تصنيف جديد لقائمة البطالة في بلادنا. هؤلاء، غادروا بلادهم للدراسة في الخارج بأحلام كبيرة. وسيعودون لوطنهم بأحلام كثيرة. وإن لم يجدوا مؤسسات تستثمر تجربتهم و حماسهم للعمل فسيتلاشى – سريعاً – وهج التجربة مع وطأة الانتظار القاتل…

لماذا «ملتقى النهضة»؟

السبت ٢٤ مارس ٢٠١٢

استغربت من إلغاء ملتقى النهضة في الكويت قبل يومين. ومصدر الاستغراب أنني ظننت أن عقلية المنع والإلغاء – خصوصاً في دولة مثل الكويت – قد ولت منذ سنوات. وحينما كتبت على تويتر «يمنع الكتاب فيزيد انتشاره، يلغى ملتقى فيسمع به القاصي والداني» فإني فعلاً أعنيها حقيقة من حقائق يومنا. ليعذرني منظمو الملتقى، فلولا منع ملتقاهم في الكويت لما أخذ كل هذه الضجة. أنا واحد ممن لم يسمع بالملتقى إلا بعد الإلغاء. ومن قال إن المنع و الإلغاء سيحاصران الرأي المختلف في زمن تستطيع أن تؤسس فيه مؤسستك الإعلامية وأنت جالس في بيتك؟ المسألة هنا مسألة «مبدأ» الإلغاء نفسه، كيف يمكن لمثقف أو داعية أن يبرره؟ وصلتني تعليقات كثيرة من بعض مؤيدي الإلغاء تتهم الملتقى بأنه مجرد منبر «إخواني» يخفي أجندات سياسية معارضة. وحينما استعرضت بعض الأسماء المشاركة و التي أعرفها شخصياَ تساءلت: معقولة؟ كل هؤلاء من «الإخوان» وأنا لا أعرف؟ هل خالد الدخيل وتوفيق السيف وشفيق الغبرا وغانم النجار في قائمة «الإخوان»؟ لا أملك سوى السخرية من هكذا تبرير. أعود للمبدأ نفسه، ففكرة الإلغاء لم تعد تجدي في مثل هذه المرحلة بل إنها قد تكون سبباً جديداً في إشعال فتيل الفرقة والتوتر بين تيارات المجتمع الواحد. ماذا كان سيضير لو عقد الملتقى واجتمع هؤلاء المثقفون في مكان واحد لمناقشة قضايا…