الأحد ٢٤ يونيو ٢٠١٢
في جملة رائعة لمارك توين تقول: إن التسامح هو العطر الذي تطرحه زهرة البنفسج على القدم التي حطمتها. في ميزان الحياة عندما تعلو كفة القوة تذكر أن هناك كفة التسامح بعد سبع وعشرين سنة قضاها الرئيس الإفريقي نيلسون مانديلا في سجن جزيرة روبن التاريخية خرج زعيما للحرية والنضال وتوج رئيسا لدولة كان سجينا في أحد سجونها النائية وعندما دخل مكتبه الرئاسي في يومه الأول كرئيس، خير الموظفين وغالبيتهم من البيض ما بين البقاء معه أو الذهاب ولم يمارس أي تصفية حسابات أو تفرقة وهو على رأس السلطة ولم يستأثر بها بل ترك الحكم طواعية بعد فترة زمنية قصيرة. كان الكثير من شعبه يطالبه بالانتقام وهو شعور إنساني طبيعي بعد عقود من الظلم والبطش لكنه فضل التسامح والعفو ليؤسس دولة حديثة وترك الانتقام والثأر لأنه يورث الهدم وما أصعب البناء بعد الهدم. ربما تحتاج جمهوريته إلى أكثر من جيل لترميم آثار التفرقة وجروح العنصرية، لكن لا يوجد هناك مستحيل إذا كانوا يملكون سلاح الإرادة وطلقات التسامح. السعداء الجدد هم المتسامحون “وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” آل عمران134. عندما تمر بي هذه الآية كنت أتساءل كيف يستطيع البعض كظم غيظهم وهم في قمة الغيظ ؟ ومن خلال الملاحظة والتجربة وجدت أنه من أصعب أنواع التحكم في المشاعر، ليس سهلا…
السبت ٠٩ يونيو ٢٠١٢
الفكرة: يتناغم الكون ويتكاتف للعمل الصالح وحينما ينتشر فعل الخير يهتز فرحاً له الشجر والطير، لهذا عندما نسمع تغريداتها نتساءل بعجب: لمن تغني الطيور؟ هناك قلوب رغم جروحها، تضمد جروحنا.. يضع بطاقته في جهاز سحب الصراف الآلي، يكشف حسابه، بقي له ألف درهم في رصيده وعشرة أيام لنهاية الشهر، بالكاد المبلغ يكفيه ويكفي التزاماته الكثيرة. فجأة يتصل صديقه وبخجل يطلب مساعدته المادية لحاجته الشديدة، محتاج يسأل محتاجاً.. بذوقه يقدر ظرف صديقه الطارئ ويؤثره على نفسه، يعطيه كل ما يملك ويبقى دون رصيد.. في ضجيج محطات الحياة، استقل قطار الصمت، بساطة الحياة في الأشياء البسيطة، وجمالها في المقدرة على عمل الأشياء الجميلة، عندما تقدم على عمل صالح يتكاتف معك الكون ويأخذ بيدك حتى تنهي عملك. هناك من يعملون بصمت وكتمان في سبيل الآخرين، ولا يفكرون في أي مقابل جزاء أعمالهم، يؤدونها بيقين كبير وإيمان كثير، وفي المقابل تجد أصحاب الأعمال الأخرى يروجون بضجيج مزعج لأعمالهم، طمعاً في ربح مؤقت ونصر جزئي يحصلون عليه لأهداف ومصالح شخصية وأجندة مخفية تنتهي كما بدأت، وينسون أعمالهم وتنساهم عندما يحصلون على حاجتهم. الذين يملكون الأمل ولا يعطونه.. كما ملكتموه يوماً ستفقدونه. الأمل هذه الكلمة البسيطة العميقة، تعني الكثير للكثير، مرحى للذين يملكونها وبلا مقابل يهدونها وتباً للذين يحجبونها عن الناس. تجدهم يبحثون عن الأمل في…
الثلاثاء ٠٥ يونيو ٢٠١٢
يقول إبراهيم الكوني: «ما نفع الحقيقة بعد فوات الأوان» أخذ معوله، بيديه أزال نخلته، بفرح زرع أشجاره الجديدة مكانها، غرسها بحب وسقاها بشوق، رأها تكبر أمامه، تغطي جدران بيته، ابتسم ابتسامة المنتصر وهو يستظلل بظلالها، كبرت الأشجار وغطت كل المكان ومنذ ذلك اليوم كبرت معها المشاكل. البعض يفهمك بعد فوات الأوان ويقدم اعتذاره في الوقت الضائع بعض الأفكار الدخيلة كالأشجار الدخيلة، تعطيها أكبر من حجمها، يغرك منظرها الخارجي وطريقة طرحها وعرضها، سريعاً ما يتأثر بها البعض وما إن تتمكن منه حتى تبدأ آثارها السلبية تطفح على السطح، تماماً كالأشجار الدخيلة تبدأ جذورها بالانتشار تحطم جذورك تستولي على نباتاتك، وبطيئاً من حيث لا تدري تسيطر على حديقة بيتك، لا تعلم كمية الأذى التي تسببها تحت بيتك. البعض يواجهك بمنظره الحسن ويخفي جوهره الآسن. قراءة الفصل الأول لا تعني أنك أنهيت الرواية الحياة رواية عميقة لمعرفة تفاصيلها تلزمك قراءة عميقة لفصولها وتجربة طويلة لتعرف خباياها، وكذلك الأشخاص مجرد الحديث معهم أو مقابلتهم لا تعطيك صورة كاملة عن شخصياتهم، النفس البشرية أعمق من أن تفهمها بجلسة أو محادثة واحدة. الأشخاص الذين يتشدقون بأنهم “كتاب مفتوح” تجدهم يخفون أكثر مما يبدون. بطبعنا نتأثر بالأشياء الجميلة حولنا، لكنك إذا نظرت بعمق سترى زيف الأقنعة، وستعرف متأخرا أن أكتافك كانت جسر الوصول لهم. نحن وجوه وأقنعة،…
السبت ١٢ مايو ٢٠١٢
ماذا بعد الفوز بهدوء الواثق تعتلي المنصة وتواجه الجمهور، ترسمك الابتسامة قبل أن ترسمها بحب، تحملك السعادة ويحيط بك الفرح من كل جوانبه. إنها اللحظة التي كنت تنتظرها، اللحظة التي عملت بجهد وسخرت كل وقتك وإمكاناتك لها، يتم تقليدك وسام الانتصار، أنت الفائز الآن، المركز الأول من نصيبك، يصفق بحرارة لك الجمهور، وينفض السامر! ثم ماذا بعد؟ ماذا بعد الفوز والمركز الأول؟ وأنت تتوهج ببريقك .. لا تنسى من انطفأ نوره لأجلك الحقيقة أننا في معارك الحياة لسنا وحدنا، هناك من ساعدنا وبحب أخذ بأيدينا، وهناك من وجهنا وآمن بقدراتنا، وأيضاً في المقابل هناك الكثير من وقف ضد طموحاتنا وأحلامنا، وبسلبيته غير المبررة ساهم في تعثرنا وتشتيت أهدافنا. في غمرة الفرح أحياناً ننسى من أهدانا شمعة أنارت لنا دروبنا. ونحن في قمة السعادة نتناسى من تسلق جبل الشقاء معنا. كيف تدير ظهرك وتتابع الحياة.. لشخص علمك معاني الحياة يقال أعمل الخير وأرمه في البحر، وأجزم أن بحارنا ممتلئة بكثير من الخيرات لأشخاص لم يتحدثوا عن أعمالهم أبداً. ما زلنا نتعلم من هؤلاء المميزين الذين يلتزمون الصمت والتواضع في عمل الخير، ما زلنا نتعلم منهم قدرتهم على نشر المحبة ومساعدة الآخرين بحب وصمت. جميل أن تكون جميلاً من الداخل، أن تعمل الخير وتساعد الناس على عمل فاضل والأفضل أن لا تتحدث…
السبت ٢٨ أبريل ٢٠١٢
(معاني السعادة الحقيقية تجدها أمامك.. لا تسافر بعيدا.. أنظر حولك) يقول طاغور: لقد أنفقت ثروه طائلة في السفر إلى شواطئ بعيدة فرأيت جبالاً شاهقة ومحيطات لا يحدها حد ولكنى لم أجد متسعا من الوقت لأن أخطو بضع خطوات قليلة خارج منزلي لأنظر إلى قطرة واحدة من الندى على ورقة واحدة من أوراق العشب. لن يدفع ثمن انشغالك غيرك تأخذك الحياة بكل أوقاتها، ترهقك تفاصيلها وتتعبك محطاتها، وبين محطة وأخرى تضيع بين أزمانها وتكتشف متأخرا جداً أن كل هذا الوقت الضائع من عمرك لأسباب ضائعة، هذه الإكتشافات المتأخرة تقودك لتساؤلات مهمة ومقلقة عن طبيعة حياتك! هل كنت أطارد خيط دخان؟ كما يقول نزار قباني في رائعته قارئة الفنجان: وستعرف بعد رحيل العمر.. بأنك كنت تطارد خيط دخان. في ذروة الحياة ننسى أنفسنا ويتناسانا زماننا ونبقى على رصيف الوقت ننتظر الوقت ليسمح لنا بالعبور للضفة الثانية من الوقت. حياتنا في الاساس أوقات تتناقص والسعيد منا من يستطيع أن يستفيد من وقته. نحن إذا شئنا أو أبينا محكومون بزمان يتحكم فينا ونستطيع بسهولة إذا فهمنا قواعد اللعبة أن نقلب المعادلة عليه إذا أستطعنا أن نتحكم بزماننا قبل أن يتحكم فينا. من أسرار السعادة أن تستخدم حواسك الخمس لتعيش اللحظات تسافر بعيدا، تبحث عن السعادة وهي مختبئة في ما حولك وترحل وحيدا في أثرها…
السبت ٣١ مارس ٢٠١٢
غرفة الانتظار: جمعتنا غرفة الانتظار في المستشفى كان بقلق ينتظر مولوده الجديد وكل علامات الارتباك والخوف تراها واضحة في مشيته ذهابا وإيابا. كان ينتظر القادم الجديد بشغف أب وصبر وحب. الانتظار قد يكون صعبا عندما لا تعرف ماذا تنتظر، غرفة العمليات مليئة بالأسرار مادمت بعيدا في غرفة الاتظار. بفرحه حمدالله بعدها عندما عرف أن مولوده الجديد سليم ومعافى فقد كان أبا بارا لولدين من ذوي الاحتياجات الخاصة سخر لهما جل وقته لرعايتهما و جاء الثالث بصحة جيدة ومن هنا تبدأ الحكاية. الصمت أحيانا لا يعني الصمت: هناك أشياء لا نعلمها عن معاناة آباء وأمهات ذوي الاحتياجات الخاصة وتفاصيل الحياة اليومية المتعبة جدا والمرهقة لهم وهم يروون فلذات أكبادهم يختلفون عن الأبناء الباقين هذا المشهد المتكرر اليومي يبعث على الحزن وفيه الكثير من الصعوبة على الآباء والأمهات الذين يواجهونه بكثير من الجلد والكتمان والصمت ويمارسون حياتهم بصورة طبيعية ويحاولون أن يرسموا ابتسامة طبيعية على وجوه أتعبها الحزن. كنت أرى كل هذه الملامح على وجه صديقي وهو ينتظر مولوده الجديد وأملا من الله أن يأتي إلى هذه الدنيا معافى وسليماً. قلت له محاولا تهدئته : ما قدره الله سوف يكون. قال لي: ونعم بالله و لكن أمنيتي ألا يعاني أبنائي في صغرهم وكبرهم وتمتم بعدها “ربي حقق لي أمنيتي”. الأمل صديق مخلص…
السبت ١٧ مارس ٢٠١٢
قبل ست سنوات أخذت بيديه وساعدته على النزول من السيارة، كان يحضن يدي كطفل على الرغم من أني كنت الذي أمسكه، دخلنا المستشفى، وعندما رأى الغرفة شكر المسؤول المرافق، وأبدى إعجابه بالمكان وبياض الجدران، ووضع شيئاً في يد الممرض وابتسم له، لم أستطع ساعتها أن انتبه لملاحظاته الدقيقة وابتساماته الصادقة، كان المكان بالنسبة لي قاتماً وكئيباً لم أكن أرى ما يراه. بالرغم من مرضه الشديد كان يزرع فينا التفاؤل والأمل على الرغم من حاجته إليهما أكثر منا. كانت هذه آخر لحظاته البسيطة “رحمة الله” في التعامل الإيجابي على الرغم من ظروف مرضه. من الغرفة البيضاء نفسها غادرنا أبي بعدها أياماً ولم يغادر قلوبنا إلى الآن. ◆ كلما ابتعدت عن المتشائمين زادت حياتي تفاؤلاً. هناك من ينظر إلى العالم بكلتا عينيه وقلبه وعقله فينشر التفاؤل والطاقة الإيجابية من حوله، وهناك من يرى العالم بعين واحدة، من زاوية ضيقة، وتصبح السلبية شعاره، والتشاؤم عنوانه، ويقضي الكثير من عمره في نطاق سلبي وضيق جداً، ينعكس بدوره على أسلوب حياته وطريقة تفكيره، فيرهق نفسه والمحيطين من حوله. الطاقة السلبية عند البعض تنعكس سلباً على المجموعة، وتؤثر بشكل غير مباشر على الطاقات الإيجابية الموجودة، ويصبح المكان أشبه بدوامة متعبة ما إن تخرج منها حتى تحس بكثير من الراحة، وعدم الرغبة في العودة ثانية. ◆ البعض…
السبت ٠٣ مارس ٢٠١٢
“صحيح أنك لا تعرف قيمة ما تملك حتى تفقده، ولكن الصحيح أيضاً أنك لا تعرف ماذا ستفقد حتى تفقده”، لا أعرف من القائل، ولكني عندما قرأت هذه الجملة تذكرت الفقد، وأكتشفت أن من أهم ما نملكة هو الوقت. بعض الاكتشافات في حياتنا تأتي متأخرة جداً وأحياناً بعد ضياع الوقت. هذه الاكتشافات المتأخرة تضيف قلقاً مضاعفاً على مسيرتنا وأولوياتنا، ونتمنى، ونحن في دوامة التفكير، لو يعود الزمن ثانية لنفكر بطريقة أخرى أو نتخذ قرارات مختلفة. وتبقى معضلة الوقت المحرك الأساسي لحياتنا في عصر لا ينتظر، يتحرك بسرعة تفوق قدرتنا على مجاراته ويضعنا أمام خيارات صعبة وفارقة، ومنها أن ننتظر ونتركه يمضي من أمامنا أو نسابق الوقت ونسبقه ويسبقنا. قوة الوقت تجبرنا أن ننطلق معه بقوة كلما أعطينا الوقت مكانا أخذ منا زمانا. هذه التضحية دائماً تكون على حساب شيء آخر، هكذا نحن نفتقد البيت في العمل والأسرة في السفر. أحد أقدارنا أننا لا نستطيع أن نكون في مكانين في الوقت نفسه، الوقت لا ينتظر، وقيمة الوقت في استغلال لحظاته، وقيمة اللحظات في معرفة أهميتها بالنسبة لنا وعيشها بكل تفاصيلها. الأربع وعشرون ساعة التي نقضيها يومياً تتبخر في لحظات، وتذهب معها أيام من أعمارنا قضيناها في أعمال وسفر وغربة على حساب أنفسنا وأسرتنا وأشيائنا المهمة. لهذا فالسنون لا تعوض، ولن تجد أحداً…
السبت ١٨ فبراير ٢٠١٢
بعد أكثر من مائة و سبعين سنة من الوجود العسكري البريطاني في الإمارات كان قدر هذه الدولة أن تتحد، رغم محاولات الاستعمار للتفرقة بين المناطق والقبائل وفرض طوق من العزلة ونشر الجهل بين أبناء المجتمع المحلي. إلا أن الاستعمار رحل وبقيت الإمارات، دائماً في النهاية ينتصر الحق والشعب. من أهم العقبات التي كانت تواجه الدولة في البدايات هي التعليم وعدد السكان القليل. بدأت الدولة بسياسة تعليمية شاملة في بدايات الاتحاد وتزامن ذلك مع استقطاب خبرات عربية وأجنبية وأيد عاملة للمساعدة على التنمية في جميع المجالات. ومع كثرة المشاريع التنموية وعدم وجود استراتيجية واضحة بدأ الخلل في التركيبة السكانية للدولة، وتضاعفت أعداد القادمين إلى الإمارات خلال الأربعين سنة الماضية وبقيت نسبة المواطنين في تراجع إلى أن وصلت إلى 11 بالمائة حسب آخر إحصائية معلنة، هذه النسبة المتدنية أحدثت شرخا كبيرا في التركيبة السكانية وأثارت عدة أزمات في المجتمع الإماراتي منها أزمة الهوية والأمن القومي والثقافات الجديدة ( أكثر من 200 جنسية وثقافة تعيش على أرض الإمارات ). هناك أبعاد ثقافية اجتماعية وأيضاً جيوسياسية للتركيبة السكانية ولها خطورة على هوية المكان والإنسان ولا يخفى أن الكثير من أبناء الإمارات يحس بهذه الأزمة، والكثيرون يعانون من تداعيات أزمة الهوية على المجتمع الإماراتي المحافظ بطبعة. أزمة الهوية بعض من أسبابها داخلية وليست خارجية كما…
السبت ٢١ يناير ٢٠١٢
في حفل التخرج السنوي لجامعة ستانفارد بالولايات المتحدة لعام 2005 وقف ستيف جوبز، وتحدث عن تجربته مع العمل والمرض والموت. كان بدوره يتحدث إلى آلاف الطلبة المقبلين على حياة جديدة، وفي طريقهم حينها لوداع حياة الدراسة المثيرة وبداية مسيرة العمل المختلفة. كان ستيف جوبز متماسكاً جداً، وهو يتحدث عن المرض والموت للطلبة وبكل ثقة يسرد مصاعب حياته، وآلامه لتكون أملاً ومحفزاً للكثير من الخريجين الذين طغت عليهم حالة الإصغاء للكلمة أكثر من فرحة التخرج. أحياناً يستخدم الموت كتحفيز وتذكير بالحياة والعمل، وهذا ما أراده المتحدث، وقال إنه عندما تواجه الموت بصفه يومية، وتتعامل معه كأنك مغادر قريباً يصبح كل يوم تعيشه حياة كاملة، حياة مختلفة. العمل يشكل علامة فارقة في حياتنا وهو المحرك الأساسي في هذه الحياة، وقد لا تستمر آلة الحياة بلا عمل، ويبقى البشر في دوامة العمل فترات طويلة من حياتهم، ويبقى خيار التوقف عن ممارسة العمل اليومي مرفوضاً عند الكثيرين، لأنه مصدر رزقهم. فإذا ترك أحدهم وظيفته، أو فصل لأي سبب، يعيش هذا الشخص حالة توتر وقلق مستمرين، ويسيطر عليه هاجس الفشل والخوف مما سيأتي، فالبقاء بلا عمل كالبقاء بلا أمل. فالمقابل يقسو البعض على أنفسهم، ويبذلون جهداً غير مسبوق، ويبقون في حالة عمل طوال حياتهم ويكتشفون متأخرين جداً أنهم في هذه الحياة السريعة الوتيرة التي لاتنتظر…
الإثنين ١٧ يناير ٢٠١١
بقلم: جمال الشحي عندما وقف موجها خطابه للشعب البريطاني قائلا: «لا أستطيع أن أعدكم إلا بالدموع والبكاء والألم»، كان يعلم حينها وفي ذلك الوقت الحرج من الحرب العالمية الثانية، أنه لا يملك معجزة عصا موسى، وأن موقفا للإمبراطورية التي كانت لا تغيب عنها الشمس، يتطلب الكثير من التضحيات والخسائر المادية والبشرية، وأن للنصر طريقا طويلا وصعبا، يتطلب الكثير من الواقعية والصدق مع الشعب، والقليل من السياسة والكذب. الشعوب دائما تحتاج إلى الحقيقة والمواجهة (حتى لو كانت قاسية) في ظل الأزمات، وتحتاج أيضا إلى خطاب صريح غير مشوه، وقادة ملهمين يحسنون التعامل مع الأحداث والمستجدات الطارئة، ويستطيعون الوصول بالسفينة إلى مرفأ الأمان. أن تكون خطيبا مفوها مثل ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني (1874-1965)، فتلك ملكة يتميز بها القليل من السياسين، ويعي لعبتها أيضا الكثير من المؤسسات والأحزاب السياسية. لكن الغريب أن يقف السياسي المخضرم تشرشل في صف الأدب والكتابة، ويتسلم جائزة نوبل للآداب (وهي أهم جائزة عالمية) عن إنتاجه الأدبي المميز خلال فترة حياته، وكتاباته في التاريخ العالمي، وأهمها مجلده الضخم «الحرب العالمية الثانية» في ستة أجزاء، الذي وثق فيه أحداث الحرب العالمية وأبدع في سردها بحس أدبي. يبرز القادة الموهوبون ويتميزون خلال الأزمات، وليس في أيام الرخاء، وللأسف أن حسن التعامل مع الأزمات يتقنه القليل من القادة في أيامنا، ولنا…