جمال الشحي
جمال الشحي
كاتب و ناشر من دولة الإمارات

التسامح أولاً ثم الغفران

آراء

في جملة رائعة لمارك توين تقول: إن التسامح هو العطر الذي تطرحه زهرة البنفسج على القدم التي حطمتها.

في ميزان الحياة عندما تعلو كفة القوة تذكر أن هناك كفة التسامح

بعد سبع وعشرين سنة قضاها الرئيس الإفريقي نيلسون مانديلا في سجن جزيرة روبن التاريخية خرج زعيما للحرية والنضال وتوج رئيسا لدولة كان سجينا في أحد سجونها النائية وعندما دخل مكتبه الرئاسي في يومه الأول كرئيس، خير الموظفين وغالبيتهم من البيض ما بين البقاء معه أو الذهاب ولم يمارس أي تصفية حسابات أو تفرقة وهو على رأس السلطة ولم يستأثر بها بل ترك الحكم طواعية بعد فترة زمنية قصيرة.

كان الكثير من شعبه يطالبه بالانتقام وهو شعور إنساني طبيعي بعد عقود من الظلم والبطش لكنه فضل التسامح والعفو ليؤسس دولة حديثة وترك الانتقام والثأر لأنه يورث الهدم وما أصعب البناء بعد الهدم.
ربما تحتاج جمهوريته إلى أكثر من جيل لترميم آثار التفرقة وجروح العنصرية، لكن لا يوجد هناك مستحيل إذا كانوا يملكون سلاح الإرادة وطلقات التسامح.

السعداء الجدد هم المتسامحون

“وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” آل عمران134.

عندما تمر بي هذه الآية كنت أتساءل كيف يستطيع البعض كظم غيظهم وهم في قمة الغيظ ؟ ومن خلال الملاحظة والتجربة وجدت أنه من أصعب أنواع التحكم في المشاعر، ليس سهلا أن تخفي انفعالاتك عند ردة الفعل وفي حالات الشدة والغضب، والقليل منا لديه هذا الحد الفاصل والقوة الحسية في التحكم بالأحاسيس والمميزون من لديهم حسن التصرف بعد هذا التحكم، ويأتي التسامح والعفو كقنديل تستنير به وتنير لمن نشر الظلمات في طريقك.

عندما تسامح الآخرين فإنك تسامح نفسك أولا

عندما تسامح من أساء إليك ،يتفاعل جسدك معك ويطرد طاقاته السلبية والمشاعر السيئة وبفضل ذلك تصبح شخصا أفضل انها قوة التسامح، تزداد ثقة وإيجابية كلما سامحت وصفحت وتصبح أكثر قدرة على المضي قدما كلما عفوت.

وفي دراسة سابقة عن المعمرين وأسباب طول العمر اتضح أن قدرتهم على التسامح أحد هذه الأسباب.

اذهبوا فأنتم الطلقاء

في فتح مكة وقف الصحابي بلال رضي الله عنه على الكعبة وأذن بأذان الإسلام وأصبحت بعدها مدينة مكة كما قدر لها قلب الإسلام ونبضه وبقي المشركون بين متعجب ومذهول لماذا سامحهم الرسول صلى الله عليه وسلم وكان في مقدوره أن يعاقبهم ؟

..إنها قوة التسامح وإنه دين التسامح. ويأتي الجواب عندما قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: ماذا تظنون أني فاعل بكم؟

قالوا: أخ كريم و ابن أخ كريم.

قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.

المصدر: جريدة الاتحاد