جمال الشحي
جمال الشحي
كاتب و ناشر من دولة الإمارات

طلقة الرحمة

السبت ٢١ يناير ٢٠١٢

في حفل التخرج السنوي لجامعة ستانفارد بالولايات المتحدة لعام 2005 وقف ستيف جوبز، وتحدث عن تجربته مع العمل والمرض والموت. كان بدوره يتحدث إلى آلاف الطلبة المقبلين على حياة جديدة، وفي طريقهم حينها لوداع حياة الدراسة المثيرة وبداية مسيرة العمل المختلفة. كان ستيف جوبز متماسكاً جداً، وهو يتحدث عن المرض والموت للطلبة وبكل ثقة يسرد مصاعب حياته، وآلامه لتكون أملاً ومحفزاً للكثير من الخريجين الذين طغت عليهم حالة الإصغاء للكلمة أكثر من فرحة التخرج. أحياناً يستخدم الموت كتحفيز وتذكير بالحياة والعمل، وهذا ما أراده المتحدث، وقال إنه عندما تواجه الموت بصفه يومية، وتتعامل معه كأنك مغادر قريباً يصبح كل يوم تعيشه حياة كاملة، حياة مختلفة. العمل يشكل علامة فارقة في حياتنا وهو المحرك الأساسي في هذه الحياة، وقد لا تستمر آلة الحياة بلا عمل، ويبقى البشر في دوامة العمل فترات طويلة من حياتهم، ويبقى خيار التوقف عن ممارسة العمل اليومي مرفوضاً عند الكثيرين، لأنه مصدر رزقهم. فإذا ترك أحدهم وظيفته، أو فصل لأي سبب، يعيش هذا الشخص حالة توتر وقلق مستمرين، ويسيطر عليه هاجس الفشل والخوف مما سيأتي، فالبقاء بلا عمل كالبقاء بلا أمل. فالمقابل يقسو البعض على أنفسهم، ويبذلون جهداً غير مسبوق، ويبقون في حالة عمل طوال حياتهم ويكتشفون متأخرين جداً أنهم في هذه الحياة السريعة الوتيرة التي لاتنتظر…

فن الخطابة وملكة الكتابة

الإثنين ١٧ يناير ٢٠١١

بقلم: جمال الشحي عندما وقف موجها خطابه للشعب البريطاني قائلا: «لا أستطيع أن أعدكم إلا بالدموع والبكاء والألم»، كان يعلم حينها وفي ذلك الوقت الحرج من الحرب العالمية الثانية، أنه لا يملك معجزة عصا موسى، وأن موقفا للإمبراطورية التي كانت لا تغيب عنها الشمس، يتطلب الكثير من التضحيات والخسائر المادية والبشرية، وأن للنصر طريقا طويلا وصعبا، يتطلب الكثير من الواقعية والصدق مع الشعب، والقليل من السياسة والكذب. الشعوب دائما تحتاج إلى الحقيقة والمواجهة (حتى لو كانت قاسية) في ظل الأزمات، وتحتاج أيضا إلى خطاب صريح غير مشوه، وقادة ملهمين يحسنون التعامل مع الأحداث والمستجدات الطارئة، ويستطيعون الوصول بالسفينة إلى مرفأ الأمان. أن تكون خطيبا مفوها مثل ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني (‬1874-‬1965)، فتلك ملكة يتميز بها القليل من السياسين، ويعي لعبتها أيضا الكثير من المؤسسات والأحزاب السياسية. لكن الغريب أن يقف السياسي المخضرم تشرشل في صف الأدب والكتابة، ويتسلم جائزة نوبل للآداب (وهي أهم جائزة عالمية) عن إنتاجه الأدبي المميز خلال فترة حياته، وكتاباته في التاريخ العالمي، وأهمها مجلده الضخم «الحرب العالمية الثانية» في ستة أجزاء، الذي وثق فيه أحداث الحرب العالمية وأبدع في سردها بحس أدبي. يبرز القادة الموهوبون ويتميزون خلال الأزمات، وليس في أيام الرخاء، وللأسف أن حسن التعامل مع الأزمات يتقنه القليل من القادة في أيامنا، ولنا…