الخميس ١٨ يونيو ٢٠١٥
قبل حوالي عقدين، دفعني شغفي بالمأكولات البحرية لطلب طبق من الروبيان في مطعم فخم بأحد الفنادق الكبرى. شجعني على ذلك الشرح المكتوب اسفل اسم الطبق والذي جاء فيه: "روبيان الخليج المميز يقدم مع الطماطم الحمراء اللامعة (وكأن هناك طماطم زرقاء مثلاً)، مع رشة من الفلفل الاستوائي (وكأن الفلفل يزرع في ثلوج سيبيريا) والملح النقي والاعشاب التايلندية الخاصة بخلطة سرية من يد الشيف العالمي...". انتهت هذه البلاغة اللفظية بطبق كبير تكومت في طرفه خمس قطع من الروبيان المسلوق موضوعة على قليل من الخس (الحزمة بدرهم ونصف) يتوسطها عود بقدونس ومن حولها ثلاث ثمار طماطم صغيرة فيما ثلاثة ارباع الطبق الخالي مزين بصلصة بيضاء على شكل خط متعرج. أما الفاتورة: قسط سيارة . اذا وصلكم المغزى الذي تترجمه هذه الايام نكت متداولة، فإن الأمر بالنسبة لي يذهب الى ما هو ابعد من السخرية. يستفزني في الامر هذا الخيال المحدود الذي مازال مستمرا لدى الكثير منهم لأنه ينطوي على تذاكي (مقابل مخفف لمفردة استخفاف). أما تقادم الزمن على هذا النوع من الحيل الكلامية فمن شأنه ان يزيدني استفزازاً حيال من لا يزال يتذاكى على المستهلكين بمثل هذه الحيل الكلامية. لكن تقادم الزمن يبرهن أيضا ان مثال "التذاكي/الاستخفاف" هذا صار يقدم على نحو متزايد مجازاً بليغاً لحالة عامة نعيشها حتى اليوم. هل هو جزء…
الجمعة ٢٩ مايو ٢٠١٥
تنسج النساء من حائكي السجاد الرحل في ايران سجاداتهن وهن يستوحين البيئة المحيطة بهن مثل الاشجار والجداول والطيور والاشخاص العابرين وكل ما في محيطهن فتصبح السجادة مثل القصة او السيرة. ومع تغير المكان وعناصره، لا تتشابه اي سجادة مع اخرى صنعتها ذات الانامل، كما ان تغير الازمان يجعل السجادة مثل السيرة المفتوحة. يبدو ان نقوش السجادة الايرانية ستتغير قليلا لأن ثمة رواية جديدة تكتب. ربما ان فصول الرواية الجديدة بدأت قبل سنوات، عندما اخذ مسؤولو ادارة اوباما يدرسون ويقلبون الخيارات حول الكيفية التي يتعين بها مواجهة ايران. ما الذي اسهم في ذلك؟ قد تكون حقيقة مهمة: ايران ليست العراق. وقدرة ايران على الرد او الايذاء اكبر من قدرة العراق في آخر سنوات حكم صدام حسين. فالعراق المنهك وقتذاك من حربين متتاليتين وحصار اقتصادي محكم طوال عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، كان بالمقاييس الاستراتيجية والعسكرية خصماً يمكن التعامل معه بأقل قدر من الخسائر، وهذا ما اثبته على الاقل الغزو الامريكي للعراق عام 2003. لا ننسى ايضا ان امريكا نفسها كانت بعد غزو العراق منهكة من حربين: افغانستان (2001) والعراق (2003) قبل ان تأتي الازمة المالية العالمية في 2008 وتزيدها انهاكاً. وفي اغسطس 2012، نشر كل من جيمس دوبينز وعلي رضا نادر وهما على التوالي زميل ومحلل بمعهد راند مقالا في…
الأربعاء ٢٩ أبريل ٢٠١٥
استلم هاتفي على نحو متكرر تسجيلاً مصوراً لمدرس في بلد عربي يصفع تلاميذ صغاراً من الأولاد والبنات، ما بين السادسة والسابعة من العمر، على وجوههم، ويضرب بعضهم بعصا في ساحة مدرسة. لقد بدا الأطفال الذين كانوا ينتظمون في صف طويل مستسلمين، ينتظرون دورهم لتلقي صفعة أو ضربة من العصا من يد هذا المدرس. وبدا هذا (أتردد في وصفه بالمدرس)، وقد شد قناع الجدية على وجهه بقسمات لا تلين، وهو يصفع الصغار والصغيرات واحداً تلو الآخر، وكأنه يفرغ شحنات غضب بداخله. وقبل حوالي شهور، تلقى هاتفي أيضاً، تسجيلاً قصيراً أيضاً لمدرسة في بلد من أميركا الجنوبية يصطف فيه المعلمون لتحية التلاميذ والتلميذات الصغار وهم يصلون إلى المدرسة صباحاً بطريقة «المخاشمة» الشائعة لدينا. ليس غرضي هنا أن أفتح نقاشاً أو مقارنةً بيننا وبينهم (على جاري العادة)، حول أفضل الوسائل في التربية وتنشئة الأطفال. لا ليس هذا غرضي، بل: «رصد اللبنات الأولى للفاشية في مجتمعاتنا». ما الذي يمكن أن يعنيه ذلك المشهد المقزز؟ ما الذي يمكن أن يتعلمه الأطفال ويستقر في نفوسهم من صفعات يتلقونها صباحاً على وجوههم؟ ما الذي يدفع رجلاً عهد إليه بتدريس الأطفال، لصفعهم على هذا النحو المهين والحاط للكرامة؟ لقد جادل جزء العاملين في سلك التعليم لعقود طويلة، أن العصا والضرب ضروريان لتقويم سلوك الأطفال.. وسخروا من نظريات التربية…
الخميس ٢٣ أبريل ٢٠١٥
متى كانت آخر مرة سمعتم أو قرأتم هذه الكلمات: «ديمقراطية»، «المشاركة في صنع القرار»، «العدالة الاجتماعية» أو «التوزيع العادل للثروة» أو «المساواة أمام القانون»، أو حتى «التنمية المتوازنة». في مصر وسوريا واليمن لم يكن المحتجون الأوائل عام 2011 يرمون إلى إسقاط أنظمة تلك الدول. نعم هتف المتظاهرون في مصر واليمن بشعار «الشعب يريد إسقاط النظام» لكنه في واقع الأمر كان مجازياً أكثر منه تعبيراً عن هدف فعلي. وبقراءة متأنية، كانت ثورات الشباب الأولى تلك تستهدف تغييراً شاملاً دون أن يطال الطبقة السياسية الحاكمة ولا النظام الحاكم بالضرورة. وكان هذا ترجمة لطبيعة تلك الثورات باعتبارها انفجاراً اجتماعياً أكثر منه انفجاراً سياسياً. في سوريا، كانت المطالب إصلاحية وذات طابع مدني ليس من بينها إسقاط النظام. وفي مصر، ما أن أعلن الرئيس الأسبق حسني مبارك تنحّية، حتى هرع الشباب في اليوم التالي لتنظيف ميدان التحرير، معتبرين أن هدف الاحتجاجات قد أنجز وتركوا تقرير مصير وشكل السلطة المقبلة للكبار: الجيش، الأحزاب وطبقة سياسية بأكملها. وفي اليمن جاءت المبادرة الخليجية لكي ترتّب انتقالاً هادئاً وسلساً للسلطة من علي عبد الله صالح إلى نائبه في سياق الاستجابة لما أفرزته ثورة الشباب اليمني من موجبات التغيير. وكان المنطق الطبيعي يقترح أن السلطة الجديدة ستعمل على تحقيق تلك المطالب التي تدور في غالبها حول العدالة الاجتماعية بمعناها الأشمل…
الثلاثاء ١٤ أبريل ٢٠١٥
كانت صفحات الرأي إحدى المسؤوليات التي تولّيتها في آخر صحيفة شاركت في تأسيسها في البحرين عام 2005. وقبل تدشين الصحيفة، طلبت من الكتّاب المساهمين أن يضمّنوا مقالاتهم هوامش خصوصاً إذا ما كان هناك إدعاء من نوع ما في المقال أو وجهة نظر حول آخرين أو طرف آخر أياً كان، كأن يكتب أحدهم مثلاً «وكان الوزير/فلان قد أعلن في وقت سابق...إلخ». هنا كان مطلوباً من كاتب المقال أن يدعم ما يقوله بالمصدر ويثبته في قائمة الهوامش أسفل المقال. وغني عن القول إن مهمتنا كانت التأكّد من صحّة ذلك المصدر والنص المقتبس عنه. وكانت «الوقت» بهذا التقليد المهني، الصحيفة العربية الوحيدة التي تنشر المقالات بهوامش، بل وحتى التحقيقات الصحافية. لم يكن وضع الهوامش أمراً معتاداً ولا حتى مفهوماً لا للكتّاب ولا حتى للغالبية العظمى من الصحافيين، بل إن أحد الكتّاب وهو أكاديمي مخضرم مازحني معلّقاً: «في هذه الحالة أطالب بمكافأة أعلى لأن المقال مع الهوامش تحول إلى بحث..». هذا بالضبط كان أحد الأهداف الرئيسية لذلك التقليد: أن يتحول المقال إلى بحث مصغّر مدعوم بالمصادر وأن يكون ثمرة تحليل وتأمّل وليس مجرد تعبير عن وجهة نظر. أما صحّة المقاربة هنا فقد ثبتت فيما بعد في حدث عرضي لكنه ذو مغزى. فلقد نشر أحدهم على شبكة الانترنت استقصاءً لملاحقة السرقات الأدبية. أما قائمة الكتّاب…
الثلاثاء ٠٧ أبريل ٢٠١٥
في مقال له حول «عاصفة الحزم»، عرض رئيس تحرير عربي معروف لميزان القوى بين طرفي الحرب، في جزئية تتعلق بسلاح الجو اليمني، عندما شبهه بما كان لدى سلاح الجو الأفغاني عشية الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001 ضد حكم حركة طالبان. نقل رئيس التحرير في مقاله عن وزير دفاع أفغاني سابق، انضم لاحقاً لحركة «طالبان»، قوله «إن سلاح الجو الأفغاني يتكون من حوالي 14 طائرة من نوع (ميغ – 17) السوفييتية، التي جرى تصنيعها قبل الحرب العالمية الأولي، وجميع هذه الطائرات المتهالكة غير قادرة على الطيران، باستثناء 4 طائرات فقط..». وفي فقرة تالية، وبعد عرض قصير عن القوة الجوية السعودية والخليجية، كتب: «بينما ينحصر دور سلاح الجو اليمني الذي لا يقل تهالكاً عن نظيره الأفغاني في الاستعراضات البهلوانية الجوية». استوقفتني في تلك الفقرتين معلومتان، لأنهما - بتفسير حسن النية - «تنقصهما الدقة». فمقاتلات «ميغ – 17»، لم تنتج قبل الحرب العالمية الأولى، بل حلق أول نموذج لها عام 1950، وبدأ إنتاجها الفعلي اعتباراً من عام 1953. أما القول بأن سلاح الجو اليمني «ينحصر دوره في الاستعراضات الجوية»، فهي أيضاً معلومة تنقصها الدقة. وطالما أن الأمر كان يتعلق بالمقارنة بين المقاتلات التي تملكها دول الخليج في مقابل «سلاح الجو اليمني» وإجمالاً بين التحالف الخليجي/العربي وقوات الحوثيين، فلقد كنت أفترض (وأي قارئ)، أننا…
الخميس ٠٢ أبريل ٢٠١٥
سواء تعلق الامر بحرق السجناء أحياء أو حز رؤوس المدنيين العزل بدم بارد او رجم فتاة متهمة بالزنا او قتل شاب متهم باللواط، فان كلمة السر في المنطقة باسرها هي "الوحشية"، فلا يمر اسبوع دون ان نحظى باستعراضات دموية لتنظيم "داعش". لقد قيل الكثير عن "إدارة التوحش"، لكن هذه المبالغة في الوحشية تدفع المرء للتساؤل عن السر وراء القدر المبالغ فيه من التباهي في ممارسة هذه الوحشية. ثمة حقيقة بغيضة تخيم في سماء هذه المنطقة هي ان وحشاً كبيراً يمد اطرافه في جميع بلدانها. وبالمقياس الجيوسياسي، فإن هذا الوحش يتمدد بين قارتين: غرب آسيا حيث معاقله القوية في العراق وسوريا مع درجات متفاوتة من التعاطف الخفي في الدول المجاورة وفي شمال افريقيا، في شبه جزيرة سيناء وليبيا وتونس مؤخرا دون ان ننسى معتوهي "بوكو حرام" في نيجيريا بغرب افريقيا الذين اعلنوا مبايعة زعيم "داعش". لكن السؤال مازال يلح بقوة: كيف ولد هذا الوحش وكيف نما على هذا النحو المفزع؟ هل هو التطرف الديني الذي يغذي هذا الوحش بالمتطوعين من كل مكان؟ بغض النظر عن اصرار غالب المعلقين الغربيين والاعلام الغربي عموما على هذا التفسير وربطه بشكل مخل وفج بالاسلام، فإن التعصب الديني لا يبدو سببا مقنعاً او وحيداً. ان الميراث الثقيل للاستبداد الذي هيمن وما يزال على منطقتنا قد يعيد…
الأربعاء ١٨ مارس ٢٠١٥
بين تفجير حركة طالبان لتماثيل بوذا في وادي باميان عام 2001، وتدمير تنظيم «داعش» لمتحف الموصل قبل أسابيع قليلة، يكمن فهم مشوه للإسلام، لكنه، للأسف الشديد، ثمرة للأساليب التي يتم فيها تلقين الإسلام لأجيال من العرب والمسلمين. أساليب لا تزال تخلط بين التاريخ والدين نفسه، فلا يصبح هناك فرق بين الحادثة التاريخية، وبين تعاليم الدين، فيتم التعامل مع الأحداث التاريخية وكأنها من صميم التعاليم. في ما خص التماثيل (وتالياً كل التاريخ السابق للإسلام)، ليس هناك من أمثولة سوى ما قام به نبينا محمد (ص) والمسلمون يوم فتح مكة، من تحطيم الأصنام التي كانت داخل الكعبة وحولها. لكن فتح مكة كان حدثاً تاريخياً في المقام الأول، وكان يوم انتصار الدين الجديد، أي الإسلام (وقتذاك)، على عبادة الأصنام، فكان تحطيم أصنام الكعبة أمراً طبيعياً. وبعد وفاة النبي الكريم، فتح المسلمون في عهد الخلفاء الراشدين الأربعة، العراق وفارس والشام ومصر، وتوالت الفتوحات شرقا وغرباً، لكن التاريخ لم يسجل أن المسلمين قد قاموا بهدم تماثيل أو معابد أو كنائس في كل البلدان التي فتحوها. فقد بقيت آثار بابل وآثار فارس وأهرامات مصر ومعابد الفراعنة والكنائس والمعابد اليهودية في كل الأقطار التي فتحها المسلمون في عهد الخلفاء الراشدين وما بعدهم، فهل كان أولئك المسلمون الأوائل أقل إيماناً من قادة طالبان أو قادة «داعش» مثلاً؟ لماذا…
الأربعاء ١١ فبراير ٢٠١٥
في تفسير وحشية داعش، ذهب غالبية من الكتاب والمعلقين العرب إلى النبش في التاريخ العربي الإسلامي بحثاً عما يعتبرونه جذوراً لوحشية «داعش». ليسوا مخطئين بالمطلق، لكن أن يقدم هذا التفسير على أنه الوحيد، فإن أصحابه يقترفون نفس الخطأ الذي تقترفه «داعش» نفسها ومؤيدوها ورجال الدين المصابون بالتأتأة واللعثمة وأجيال من العرب والمسلمين، خطأ الخلط بين «التاريخ» و«الدين». فالمشكلة الجوهرية الكبرى التي توقع العرب والمسلمين في معضلة أقرب للانفصام هي الخلط المستمر بين «وقائع التاريخ» وبين «مبادئ الدين». يعود جزء كبير من هذا الخلل إلى «القداسة» التي يضفيها الخطاب الديني الرسمي وغير الرسمي (الرائج حتى اليوم) على كل ما يتعلق بالماضي وشخوصه الى الحد الذي يتماهى فيه التاريخ بالدين بشكل جعل من السهل تحويل وقائع التاريخ الى جزء من الدين. خطاب لا يتعامل بعقلانية مع التاريخ على اعتبار انه من صنع واجتهاد البشر بل يضفي عليه وعلى شخوصه قداسة تنفي التعامل العقلاني مع الشخوص والوقائع التاريخية وتقف سداً منيعاً أمام اي تعاط عقلاني معها. مشكلة اصحاب هذا القراءة انهم يقرأون وحشية «داعش» وحتى التاريخ في سياق ضيق جداً يكاد يحصر ظاهرة الوحشية على التاريخ العربي والإسلامي، في حين انها ظاهرة مرتبطة بالإنسان في كل مكان وفي جميع الأزمنة. القصد من هذا ان البحث في وحشية «داعش»، يجب ان ينظر اليه في…
الأربعاء ٢١ يناير ٢٠١٥
تبدو جريمة قتل صحافيي مجلة «تشارلي إيبدو» نوعاً من «11 سبتمبر فرنسي». ومع فوارق المقارنة والتفاصيل مع 11 سبتمبر، فإن مشهد الجريمة تشكل على هذا النحو: مسلمون متطرفون يقتلون صحافيين ورسامين فرنسيين ورهائن في متجر يهودي «انتقاماً» للنبي الكريم.. يقدمون على سلوكيات تنم عن هوس سايكوباثي كإجبار امرأة فرنسية على تلاوة القرآن وهم بصدد إزهاق أرواح زملائها.. يقتلون شرطياً جريحاً بدم بارد.. يتم التعرف عليهم فوراً لأنهم نسوا أو أضاعوا بطاقاتهم الشخصية ورايات لدولة الخلافة في مسرح الجريمة.. يهتفون بعد إتمام جريمتهم أنهم انتقموا للنبي.. يفرون ويلاحقون ويقتلون في معركة لاحقة مع الشرطة. التفاصيل الباعثة على التشويش موجودة أيضا: شهادة صحافية من مجلة «تشارلي ايبدو» تقول إن «المهاجم كان ذا عيون زرقاء جميلة»، وهو ما يذكرنا بتصريح مقتضب لوالد الانتحاري المصري محمد عطا الذي قال مرة إن ابنه اتصل به بعد الهجوم على برجي مركز التجارة. وملاحظة البعض ان رأس الشرطي القتيل في مجزرة «تشارلي ايبدو» لم ينزف دماً جراء إصابته برصاصة من مسافة قريبة جداً. النتائج تكاد تكون واحدة: الأمة الفرنسية تتوحد في مواجهة هذه الجريمة الاستثنائية، مثلما توحدت الأمة الأميركية في 11 سبتمبر وسط تضامن عالمي.. القتلة يموتون مثلما مات انتحاريو 11 سبتمبر مع ضحاياهم في الطائرات.. أما بطاقات الهوية والرموز الدالة على الهوية مثل رايات «داعش» في…
الأربعاء ٠٧ يناير ٢٠١٥
لم أتمكن من مشاهدة جميع الافلام العربية المشاركة في مهرجان دبي السينمائي الدولي في دورته الاخيرة، لكن على مدى يومين شاهدت ثلاثة افلام تشترك في خاصية الخروج عن قالب السرد السينمائي التقليدي. فأفلام "الشجرة النائمة" للبحريني محمد بوعلي، و"قدرات غير عادية" للمصري المخضرم داود عبدالسيد و"بيردمان" للأمريكي اليخاندرو غونزاليز تشترك في كسر قالب السرد التقليدي بأشكال مختلفة من تقنيات تداخل الأزمنة أو استرجاعها. وفيما يبقي عبدالسيد وغونزاليز لممثليهما مساحة للأداء الذي يبدو طبيعياً، تدفع جمل الحوار القصيرة والقليلة والتركيز العالي على المشهد وتعبيرات وجوه الممثلين لدى محمد بوعلي ممثليه الى أداء مؤسلب يبدو محفزاً للفضول في الغالب رغم هدوئه. وفيما تجول كاميرا غونزاليز في الغالب داخل دهاليز المسرح وكواليسه لتعكس أجواء التيه الذي يلف بطل الفيلم، فان مشهد هذا البطل (مايكل كيتون) وهو يجري شبه عار في الشارع يبدو بليغاً للغاية: فهو هنا (رغم شهرته ممثلا مخضرماً) موضع سخرية وتساؤلات ويبدو ضائعاً عكسه في متاهة دهاليز المسرح. فالمشهد رغم جرعة السخرية فيه وانتشاره اللاحق على مواقع التواصل الاجتماعي يعكس غربة البطل عن زمنه. اما داود عبدالسيد، فيوالي رسم مشاهده بالشاعرية التي تميز بها دوماً، فالنزل (البنسيون) الذي وجد الدكتور يحي (خالد ابوالنجا) نفسه فيه يبدو الملاذ الآمن الذي تقصده كل الارواح المتعبة، فهو جميل بتنوع نزلائه وبالطبيعة الساحرة من حوله…
الإثنين ٢٩ ديسمبر ٢٠١٤
في إحدى عروضه القديمة الساخرة، يقدم الفنان الافرو- امريكي كريس روك ما يسميه "شريطا تعليمياً" يتضمن نصائح لمواطنيه من الافرو- امريكيين حول التعامل مع الشرطة قائمة على استخدام "الحس السليم" ونصيحته الذهبية هنا هي: "اطيعوا القانون". نقد بعض سلوكيات الشبان الأفارقة الامريكيين هو مما اعتاد عليه كريس روك منذ بداياته الاولى والتي يجسدها عرضه القديم "السود بمواجهة الزنوج" الذي قدمه عام 1996. لكن سخرية روك وعقود طويلة من النقاش في الولايات المتحدة، لم تهز قناعة راسخة لدى الأفارقة الامريكيين بأنهم مستهدفون من قبل الشرطة ومشتبهين جاهزين بسبب لونهم فحسب. هذه القناعة التي غدت احدى حقائق الحياة اليومية في امريكا، لم تأت من فراغ، بل لها جذور في تاريخ معروف مازال حيا لربما حتى اليوم. لقد تزامنت الاحتجاجات المتواصلة ضد عنف الشرطة في بعض المدن الامريكية مع النقاش الذي اطلقه تقرير لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الذي اتهم وكالة "سي اي ايه" بالكذب بشأن تعذيب بعض المشتبهين بالانتماء للقاعدة. قد يقدم هذا سياقاً اكبر للنقاش حول الاحتجاجات سيقودنا حتماً الى "غوانتانامو" بل والى سجن "أبوغريب" في العراق. هكذا، فإن النقاش حول عنف الشرطة ضد السود في الولايات المتحدة يفتح سياقاً أوسع للعنف يسميه البعض "الوجه الآخر لأمريكا". بالتأكيد "لا توجد أمة كاملة" مثلما قال الرئيس باراك اوباما محقاً (ربما للمرة الأولى) في…