محمد النغيمش
محمد النغيمش
كاتب متخصص في الإدارة

بماذا يفكر الشباب العربي؟

الأربعاء ١٦ أغسطس ٢٠٢٣

من المهم أن يعرف متخذو القرارات في شتى بلدان العالم بماذا تفكر شعوبهم. وإذا ما كان الشباب يمثلون نسبة هائلة من المواطنين، فمن الأجدر أن ندرك طبيعة ما يشغل تفكيرهم. هذا ما حاول كشفه قبل أيام استطلاع سنوي لرأي الشباب العربي، حيث أظهر أن نحو «نصف الشباب العربي في دول شرق المتوسط (بنسبة 53 %)، وما يقارب النصف في شمال أفريقيا (بنسبة 48 %)»، يفكرون جدياً في مغادرة بلدانهم بحثاً عن فرص أفضل، وتحديداً فرص العمل. وتبين أن الغالبية العظمى من الشباب في دول الخليج العربي يفضلون البقاء في أوطانهم في حين أن نحو ثلث الشباب في دول الخليج (27 %) يفكرون ملياً في الهجرة. السؤال الذي أثار فضولي هو إلى أين يريد هؤلاء الهجرة وهم ينعمون في بلدان لا تستقطع ضريبة على الدخول، وترفل بلدانهم بأثواب العز والتطور والخدمات الصحية والتعليمية المتقدمة. كانت الإجابة أن نحو ثلثهم يريدون الهجرة إلى كندا (34 %)، بعدها أمريكا (30 %)، ثم ألمانيا وبريطانيا (20 % لكل منهما)، في حين كانت فرنسا خيارهم التالي. وبشكل عام، يرى العرب المشاركون في الاستطلاع الخامس عشر الصادر عن شركة «أصداء بي سي دبليو»، أن الوظائف تحتل مكانة رفيعة ضمن أولوياتهم، يأتي ذلك في ظل ارتفاع نسبة البطالة إلى 25 في المائة وهي النسبة الأعلى والأسرع نمواً…

قمة الحكومات ومستقبلنا

الأربعاء ٣٠ مارس ٢٠٢٢

وأنا أتجول في ردهات القمة العالمية للحكومات شعرت بأنني أتجول في المستقبل! ففي كل ركن أجد محاضرة شائقة، أو تقنية جديدة، أو نقاشاً مذهلاً عن مستقبل الذكاء الاصطناعي، وكيف سيغير مستقبل البلدان قاطبة. في أثناء تجولي في القمة، التي أزورها بدعوة من حكومة دولة الإمارات، شعرت بأن ما نشاهده من رؤى، وأجهزة حديثة، وكيفية التعامل مع التحديات المستقبلية، قد ولد لدي إحساساً بشكل المستقبل القريب. حيث جرى العرف في المنتديات العالمية أن تناقش البلدان أزمات حالية، وكيفية النجاة أو التعامل معها غير أن الناظر إلى هذه القمة يجد مذاقاً مختلفاً تماماً. ‏وأنا أتجول استشعرت شعور الموظف الحكومي في هذا الإقليم والمنطقة العربية قاطبة وهو ينظر بعينه إلى شكل المستقبل، وآفاقه الرحبة. حيث إنه من المتعارف عليه إرسال الموظفين في وفود إلى الخارج لكي يطلعوا على تجارب الآخرين في حين أن هذه القمة التي ترسخت جذورها للسنة السابعة على التوالي هي القمة التي تستحق أن تستفيد منها شتى الحكومات العربية لسبب بسيط وهو أن الناس تجتمع لتقدم أفضل ما لديها على طبق من ذهب. ويا له من شعور رائع. ومازلت أتذكر القمة الثانية عندما عرضت الشعوب في أحد المتاحف كيف حلت أبرز مشكلاتها، مثل حركة المرور وهدر الطاقة الكهربائية والمائية، والسيطرة على التلوث البيئي، فضلاً عن تحديات الاقتصاد والتعليم الخلاق ورعاية…

سيكولوجية المدير

الأحد ٣٠ مايو ٢٠٢١

مشكلة المشاكل في بيئة العمل، أننا لا ندرك طبيعة «العلاقات الخفية» بين القيادي والمدير والمرؤوس. ومن هذا المنطلق، أطلقت هذا العام كتاباً جديداً، سميّته «سيكولوجية المدير»، الصادر عن مكتبة ضحى. الفكرة باختصار، نبعت من أن كثيراً من القادمين الجدد إلى بيئة العمل والحاليين، لا يدركون الفارق بين أجواء العمل وحياتنا الاجتماعية والدراسية. ففي حياتنا الخاصة، نحن نختار من نصادق ومن نفارق، ومن نحب ومن نكره. غير أن الإنسان ما إن يدخل إلى بيئة العمل، يكتشف أنه لم يعد في مقدوره اختيار مديره، أو زملائه، أو عملائه. هذا الشعور يدفع البعض إلى نسيان حقيقة في غاية الأهمية، وهي أننا أمام خيارات «يجب» أن «نتكيف» معها. فالهروب من المدير الصعب، أو الزملاء الذين يحيكون ضدنا المؤامرات والمكائد، ليس حلاً. ولو هرب أحدنا مرة أو مرتين إلى وظيفة أخرى، سيجد نفسه مرغماً في وقت من الأوقات، على الرضوخ للواقع نفسه، الذي يتطلب تقوية مهارة «التكيف» مع المتغيرات، ومع ما نكره. ولذلك، هناك ثلاثة مستويات لا بد أن نفهمها جيداً، وهي سيكولوجية القيادي، والمدير، والمرؤوس. فالمرؤوس هو الشخص الذي لم يكلف بعد بأي مهام إدارية، فهو في أدنى السلم الإداري. وكان في السابق صديق المدير، الذي كان يشكو له المدير همه وامتعاضه من بيئة العمل، ومن القيادات العليا. وما إن أصبح صديقه مديراً، فإن…

«كورونا» والجبنة السويسرية

الخميس ١٠ ديسمبر ٢٠٢٠

استنبط خبير الفيروسات النيوزيلندي من الجبنة السويسرية ذات الثقوب المفرغة نموذجاً ذكياً للحد من انتشار فيروس «كورونا». فهو يرى أنه لو وضعنا شرائح متراصة بعضها فوق بعض، من الجبنة السويسرية، سيمكننا حماية أنفسنا من الإصابة بمرض «كوفيد - 19». فقد شبه إيان ماكاي الجبنة بحوائط صد عديدة ما أن ينفذ الفيروس من ثقب تلو آخر حتى تصده كتلة الجبنة التالية فيتوقف. وهو في هذا النموذج يفترض أنه «لا يوجد تدبير احترازي يمكنه بمفرده تحقيق وقاية من الإصابة بمرض (كوفيد - 19) بنسبة مائة في المائة، لكن الاستعانة بتدابير (طبقات وشرائح) متنوعة كفيلة بإقامة حائط صدّ أمام العدوى» وفق تقرير لـ«بي بي سي». ومفهوم حائط الصد هو الذي يكشف هشاشة أي نظام. وما الطابور الخامس سوى محاولة لاختراق جدار استقرار البلدان والمؤسسات. وكذلك نظام بطاريات صواريخ الباتريوت الدفاعي هو في الواقع حائط صد ينطلق نحو الأهداف الهجومية ما أن تخترق مجالاً جوياً محدداً. وفي المطارات الأميركية كان هناك ثغرة أمنية، ربما وحيدة في العالم، حيث يذهب من «يودع» المسافر إلى باب الطائرة في ظل غياب غريب لأجهزة التفتيش. وهو عكس ما يجري بمطارات العالم منذ عقود. ثم انقلب الأمر رأساً على عقب بالمطارات الأميركية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) المتمثل بهجوم الطائرات على برجي التجارة في نيويورك. بل حتى…

«الضِلْع الأعوَج»

الخميس ١٧ سبتمبر ٢٠٢٠

عندما تهزم المرأة نظيراتها في ميادين الحياة ربما تنعتها الخاسرات بأي صفة، لكن أن يتهمنها بأن فوزها كان بسبب «صفاتها الذكورية»؛ فهذا آخر ما يمكن تخيله! ولو قالها رجل ضد امرأة لقامت الدنيا ولم تقعد. غير أن هذا هو ما حدث مع العدّاءة الجنوب أفريقية كاستر سامينيا عندما فاجأت الجميع باختراق المركز الأول لمرات كثيرة أذهلت الناس؛ الأمر الذي دفع بكثير من الرياضيين إلى التحفظ على انضمام كاستر لبطولات عالمية، بعدما صارت تتفوق بصورة حيرت الجميع كما ذكرت «بي بي سي» في تقرير لها الأسبوع الماضي. وبصرف النظر عن حقيقة مزاعم البعض بأن كاستر لديها هرمون ذكوري مرتفع عن المعدل الطبيعي، يبقى التساؤل الملح: لماذا نشكك أصلاً في المرأة فور تحقيقها إنجازاً لم نألفه أو لم نتوقعه؟ ومثلما نبرر لمعشر الرجال إنجازاتهم «المذهلة»؛ فلماذا لا نفعل الأمر نفسه للمرأة ونقول إن فلانة موهوبة أو عبقرية؟ كل عام أنظر إلى نسبة خريجات الجامعات العربية لأجد النساء يناهزن الرجال من ناحية عدد الخريجين، وهن ما زلن يشكلن في بلدان كثيرة نحو نصف القوى العاملة. غير أن المشكلة تبرز عندما يقتربن من المناصب القيادية؛ إذ هنا تبدأ أسماء النساء في التناقص، وهي مشكلة عالمية؛ وليست عربية فقط. فما زالت النساء يشكلن ما دون 12 في المائة من مجالس الإدارة العربية (بحسب ذاكرتي)، و30…

اقلب الصفحة

الخميس ١٣ يونيو ٢٠١٩

أطلق الصحافي روبرت كارو (83 عاماً)، الذي يعتبر أكبر صحافي في الولايات المتحدة، كتابه الجديد. ولأنه شخص مخضرم وعُرف عنه تحليه بالصمت الشديد، إذ لم يتحدث لوسائل الإعلام إلا مرة واحدة في حياته، كما قيل، وذلك للترويج لكتابه، فإنه بلا شك يستحق الاهتمام. الثرثارون يستنزفون عادة جل ما في جعبتهم، أما من يعملون بصمت فهم أكثر من يلفتون الأنظار إذا ما تحدثوا. ويقول روبرت للقراء من جملة نصائحه: «اصمت»! أي لا تتحدث كثيراً عندما تجري لقاء صحافياً، واترك الفرصة للضيف ليتحدث أكثر. وليتنا كعرب نسمع هذه النصيحة ونستوعبها، خصوصاً ممن طغت على كثير منهم «الثقافة الشفهية»، فصاروا ينسون أن المتحدث عندما «يفرغ» ما في جعبته من كلام، فهو في الواقع لا يتعلم شيئاً جديداً، بعكس المستمع، الذي يتأمل في لحظات صمته كلام الحاضرين، فيضيف إلى عقله قطعة من روائع أفكار الناس وحلولهم ونوادرهم. وينصحنا الصحافي الأمريكي في كتابه الجديد، بأن «نقلب الصفحة» حينما عندما نقرأ كتاباً أو تقريراً مملاً، على أمل أن تأتي الصفحات المقبلة بمعلومات جديدة أكثر متعة أو فائدة. ‏ وفي رأيي أن هذه مشكلة نعاني منها فعلياً، بسبب التعليم النظامي الذي جعلنا نقرأ كل حرف، وإن لم يكن مهماً، ولم يعلمنا مهارات الغرب في التعامل مع النصوص، مثل القراءة السريعة، أو skimming وهي الاستعراض الخاطف للنص بصورة…

شماعة الأخطاء التكنولوجية

الخميس ١٣ سبتمبر ٢٠١٨

ربما «تنجو» مؤسسة كبرى، كشركة طيران أو قطارات، من لوم الناس إذا كان سبب خطئها الفادح فنيا وليس تقاعسا أو خطأ بشرياً، غير أن هناك أسبابا إدارية أخرى قد لا نولي لها اعتبارا يذكر. الباحثان في العلوم الاجتماعية «تشارليز ناقوين» و«تري كيرتزبيرغ» حاولا معرفة هل فعلا حينما يعلق سبب مشكلة ما داخلية أو خارجية على شماعة الخلل الفني أو التكنولوجي بدلا من الخطأ البشري فإن المنظمة لا تتحمل المسؤولية عن ذلك الخطأ. وبالفعل منحا مجموعة من المشاركين مقالا «مفتعلا» غير حقيقي يشير إلى حادثة حقيقية وقعت في هيئة قطارات ولاية شيكاغو الأميركية حيث تقدم قليلا أحد قطاراتها بدلا من أن يتوقف. وقيل لنصف المشاركين أن السبب يعود إلى خلل فني (تكنولوجي) في الحاسوب المرتبط بأوامر القطار فجعله يتحرك قليلا. وقيل للنصف الثاني أن سبب الحادثة هو خطأ بشري. النتيجة كانت أن المشاركين أنحو باللائمة على هيئة القطارات بصورة أقل حينما علموا أن السبب كان تكنولوجيا. وتكرر الأمر نفسه في دراسات عدة. الهروب من تهم الناس ربما يكون سهلا بإلقاء اللائمة على عوامل خارجة عن سيطرتنا، غير أن تكرار الخطأ بالمفهوم الإداري الرقابي يعني أن هناك رائحة تقصير أو تقاعس تتطلب نوعا من التحقيق. ومن ينظر إلى مشكلة شماعة الأخطاء الفنية بمنظور عالم الإدارة يجد أن الأخطاء التكنولوجية عموما قد يقف…

إضمار اللؤم والبغضاء

الخميس ١٧ مايو ٢٠١٨

يروى أن دباً كان يعدو في إثر اثنين كانا يفران منه في الغابة. فوقف أحدهما ليحكم رباط حذائه. التفت إليه الآخر فقال وهو يلهث: يا أحمق أتحسب أنك تسبق الدب؟!، فأجاب الآخر: ويحك، لا أريد أن أسبق الدب، بل يهمني أن أسبقك أنت، حتى تكون أنت فريسة للدب الهائج فيشبع!، صعق صاحبه من هول الصدمة. هذه القصة الرمزية، تذكرني بمجريات الحياة وبيئات العمل. فتجد زميلاً مهنياً يمضي جل وقته في تفانٍ لتطوير زملائه أو مرؤوسيه، فيما يضمر له هؤلاء الشر، رغم نقائه وصدقه في معاونتهم. ويفعل هؤلاء اللؤماء ذلك، على أمل أن يظفر أحدهم بمنصبه أو امتيازاته، بعد استقالته أو نقله أو نفيه إلى منطقة نائية. وهناك من يتحين الفرصة ليبالغ في إظهار مشاكل مديره أمام الإدارة العليا، فما إن يعود المدير من إجازته، إلا وقد اكفهرت وجوه مسؤوليه بسبب من كان يمشى بالنميمة، أو المبالغات، أو القصص التي ليس لها أساس من الصحة. واللئيم لا يؤتمن على سر، فاللؤم خبث في النفس، يدفع صاحبه إلى التعريض بمن ائتمنه على معلومة. فيظهر السخرية أو الشماتة في غيابه، ويهمز ويلمز، اعتقاداً منه بأنه بذلك يلقى في نفوس من يعيرونهم آذاناً مصغية. غير أنه ينسى «الشَّمَاتَةُ لُؤْمٌ» كما في الأمثال، وأنها الوجه الآخر للبغض. وأن البغض سلاح الضعيف، وهو انتقام الجبناء. أرى…

تعكير «صفوة المجتمع»

الثلاثاء ٠٨ مايو ٢٠١٨

يقول مؤلف الكتاب الجميل «الحضارة»، د. حسين مؤنس، الذي حاول فيه دراسة عوامل قيام حضارات الشعوب، ومقومات تطورها، إن لكل أمة صفوتها، وهي أقلية واعية «تقود وتوجه وتبتكر، وتنظر إلى الأمام، وتحسب حساب الحاضر والمستقبل». باختصار: هذه الفئة معروفة، وتنال احترام الناس عادة، لأنها ليست انتهازية، وتضع مصلحة الوطن نصب عينها، قبل مصلحتها الشخصية، فهي تنطلق برؤيتها لتنمية المجتمع من مبادئ نبيلة راسخة في وجدانها. هذه الفئة يطلق عليها الفرنسيون لفظ «Elite»، وهو تعبير فرنسي «انتقل إلى كل اللغات الغربية»، بحسب د. مؤنس، وتحمل على عاتقها هم تطوير المجتمع وتقدمه، وقد تبين تاريخياً أن كثيراً ممن قادوا نهضة الأمم من تلك النخب كانوا من «متوسطي الذكاء»، غير أنهم يتطلعون دوماً نحو تحقيق أهدافهم الوطنية أياً كان موقعهم، ومستعدون ليفنوا حياتهم من أجل تلك الغايات السامية. وكما قال أرنولد توينبي: «لا بد لكل جماعة إنسانية من صفوة، فئة قائدة، لكي تتقدم وتتحسن أحوالها... ومصير تلك الجماعة كلها مرتبط دائماً بهذه الصفوة وأحوالها». ولذا، فإن صفوة المجتمع عادة ما يكابدون عناء مشقة التفكير بتقدم مجتمعهم، فيما ينعم غيرهم برغد الحياة. وكما قال المتنبي: ذو العقلِ يَشْقَى في النَّعيمِ بِعقلِهِ... وأخو الجَهَالةِ في الشَّقاوَةِ يَنعَمُ وأسوأ ما يمكن أن تصاب به «نخبة المجتمع» أن تدب بينهم الخلافات، فيتركون أسمى غاياتهم الوطنية، وينشغلون في…

الفواجع والقرارات المؤسسية

الخميس ٢٥ يناير ٢٠١٨

آلمتنا كارثة حريق الفجيرة الذي نجت منه أم مكلومة وراح ضحيتها أطفالها السبعة الذين لم يتبق منهم سوى بصمات أياديهم البريئة على الجدران المتفحمة وهم يحاولون الهروب من جحيم الفاجعة. وبقدر هذا الألم سررت بقرار مؤسسي لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بتوجيه الدفاع المدني بصورة عاجلة «للتأكد من وجود أنظمة للحماية من الحرائق متصلة مع الدفاع المدني مباشرة في كافة بيوت المواطنين» وأن الدولة ستتحمل تكاليف من لا يستطيع توفيرها. ما همني في هذا القرار أنه لم يرتكز على حل وقتي بل دائم لا يرتبط بهمة أشخاص وفتورها. مشكلتنا مع الكوارث والفواجع في المنطقة أننا نعالجها بقرارات عاطفية وننسى السؤال الجوهري: كيف نقلل احتمالية حدوثها مستقبلاً؟ التاريخ يزخر بأمثلة للقرارات المؤسسية الحكيمة التي حاولت تقليل أضرار الفواجع. أشهرها الحريق الكبير الذي انطلق من خباز في قلب لندن ليلتهم ثلثها ويقتل نحو 13 ألف شخص عام 1666. فيما وصف بأنه أبشع حريق من نوعه في تاريخ عواصم العالم. بعدها بدأ الإنجليز بقوانين أمن وسلامة صارمة، وبتأسيس دائرة الإطفاء، والتأمين، وفرض البناء بالطابوق الإنجليز الشهير بدلاً من الخشب، وبعد فترة طويلة منعت مواقد النار المنزلية بمناطق معينة، فصارت بريطانيا مضرباً للمثل في اشتراطات الأمن والسلامة. والأمر نفسه، يتجلى في عالم الطيران، فحينما تسقط طائرة أو تتعرض لخلل أو مكروه ينطلق إليها…

الكتابة والهروب من المسؤولية

الخميس ١٨ يناير ٢٠١٨

لا يكاد يخلو اجتماع مجلس إدارة في العالم، ولا في وزارة وبرلمان ومؤسسة رفيعة، من محاضر اجتماعات يدون فيها حيثيات اللقاء وقراراته. وذلك لسبب بسيط، وهو أن الناس حينما «يقع الفأس بالرأس»، تتهرب من المسؤولية أو تكذب أو تحور كلامها. وقد رأيت ذات مرة، كيف تمعرت وجوه المشاركين في لجنة رفيعة كنا نناقش فيها قضية بالغة الأهمية، كُلفنا بها، وكان سيتمخض عن النقاش قرارات وتوصيات ترفع لجهات عليا. هذا التردد يحدث في كل مكان. ، حينما يشاهد مشارك غير واثق من نفسه أو غير مستعد أصلاً للاجتماع، آلة التسجيل وهي تدور لتدون ماذا يجري في الاجتماع. وأخطر ما في هذا الأمر، حينما ينفي أحدٌ ما قاله بالفعل. من هنا، جاءت فكرة توقيع المتهم على محاضر التحقيقات المكتوبة، وكذلك التصديق على محضر الاجتماع في الجلسة التالية. وهذه مسألة مهمة، لأنه اتضح فعلياً أن الناس تكذب في النقاش الشفهي، أكثر بأضعاف المكتوب. فعندما طلب الباحث في شؤون الاتصال بجامعة كورنيل العريقة جيف هانكوك من مجموعة من المشاركين في دراسته بأن يدونوا، بطريقة علمية، لمدة أسبوع، ما يجري من كذب في محادثاتهم. فتبين له أن الآخرين قد كذبوا عليهم بنسبة 14 في المئة‏ عبر البريد الإلكتروني، و21 في المئة‏ عبر دردشات الرسائل النصية القصيرة، و27 في المئة عبر النقاش الشفهي، ونحو 37 في…

النوم والمزاج والسعادة

الخميس ٢١ سبتمبر ٢٠١٧

أهدرت سنوات طويلة من حياتي كنت أعامل فيها نفسي بقسوة بحرمانها من النوم الكافي بدعوى غرس روح الانضباط، عبر مواعيد الاستيقاظ الثابتة مهما كانت قلة ساعات النوم، حتى تبحرت في قراءة أبحاث عدة رصينة. وشاهدت لقاءات مصورة، لم أعد أذكر عددها، لأبرز المهتمين في هذا المجال فوصلت إلى قناعة راسخة، من تلك الدراسات، إلى أن قلة النوم تقف وراء تعكر مزاجنا وتذبذب تركيزنا وشعورنا الخادع بالجوع. آخر تلك الأبحاث ما قرأته أمس على صدر الصفحة الأولى للتايمز اللندنية حيث تبين «سر السعادة يكمن في نوم جيد»، ذلك أن الباحثين اكتشفوا أن هناك استعداداً كبيراً لدى المشاركين لتفضيل النوم المريح على زيادة في الدخل بمعدل 50 في المائة! وليس هذا فحسب بل إنهم مستعدون لاختيار التمتع بنوم جيد على قائمة بكل عناصر أسلوب الحياة lifestyle التي يمكنهم التحكم بها. هذه النتيجة طبعاً كانت بعد استبعاد أي عناصر لا يمكن للمرء أن يتحكم بها مثل سلالته وجنسه وعمره وغيرها. لم أستغرب هذه النتائج بصراحة بعد أن أدركت ماذا تصنع تلك السويعات التي يطلق عليها العلماء مرحلة النوم العميق أو «جودة النوم». فالبعض يظن أن الموضوع مرتبط فقط بإجمالي عدد الساعات وينسى أنه إذا ما اختلت مرحلة النوم العميق اختل معه مزاجه وشعوره لاحقاً. فالإنسان عموماً يمر بأربع مراحل طوال مدة نومه. وتبدأ…