محمد النغيمش
محمد النغيمش
كاتب متخصص في الإدارة

تصدير البيروقراطية

الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠١٣

شرح لي صديق مقيم في دبي شعوره وهو يرى سيارة «ميني فان» تحت الطلب تأتي إلى مقر وجوده لتساعده في إنجاز معاملته الحكومية! كان كل ما عليه أن يدخل إلى السيارة ويطلب من الموظف الشامل المعاملة المطلوب إنجازها. وشوهدت هذه الخدمة التي أطلق عليها اسم «آمر» في المراكز التجارية والأسواق لتساعد الناس على إنجاز معاملاتهم المطلوبة. ليس هذا فحسب، فقد أعلنت الإمارة عن تحولها من فكرة الحكومة الإلكترونية (مواقع الإنترنت) إلى مشروع «الحكومة الذكية» المعتمدة على إنجاز أكبر قدر من المعاملات عبر الهواتف الذكية. وفي البحرين أذكر أنني أسست مع رجال أعمال خليجيين شركة مساهمة عامة في مركز المستثمرين في أشهر مول تجاري، حيث توافرت كل الخدمات المريحة من حولنا عبر كاونترات فيها ممثل لكل وزارة يعملون رهن إشارتك. كل هذه بعض من المشاريع العربية التي تحاول تجاوز ترهل الأجهزة الحكومية التي صدرت إليها البيروقراطية، منذ عقود بعيدة. فالبيروقراطية في الأصل كان غرضها نبيلا، إذ كان يطلق اسمها على «سلطة موظفي المكاتب» والتزامهم بالإجراءات الموجهة إليهم بحذافيرها بهدف إتقان العمل على غرار القوات المسلحة والمستشفيات والمحاكم وغيرها. غير أن هذا المفهوم تحول في العصر الحديث إلى صورة سلبية نصف فيها أسوأ أو أبطأ خدمة يمكن أن تقدم إلينا. وقد سررت حينما قرأت أن تقرير البنك الدولي لعام 2014 يؤكد أن…

جامعة المتقاعدين

الخميس ٠٣ أكتوبر ٢٠١٣

حينما يتقاعد الفرد في اليابان يمكن أن تقبله «جامعة المتقاعدين» شريطة أن يكون قد تجاوز 60 عاما لتقدم له برامج نظرية وتطبيقية مناسبة تؤهله لدراسة ما يحب ثم ينخرط في أي مجال يفيده ويسليه في الحياة ولا يشعر بأنه عالة على أحد، فالدراسة فيها مجانية والسكن المريح، كذلك مع جميع مستلزمات الرعاية الاجتماعية. حتى الألمان لا يفرطون في المتقاعد ويرعونه لأنه يعد في نظرهم مخزونا متراكما من الخبرات التي يمكن أن تنتقل إلى الأجيال التالية، ولذا أنشئت لديهم «هيئة الخبراء المسنين»، وهي مكان جامع لنحو 5000 متقاعد ألماني نجحوا في تقديم خبراتهم واستشاراتهم لمعظم البلدان النامية ويؤدون مهامهم بصفة تطوعية. وفي الولايات المتحدة كنت كثيرا ما أعجب برؤية كبار السن وهم يؤدون مهام اجتماعية مثل تنظيم حركة المرور أمام المدارس، والإشراف على متاجر كبرى، ومساعدة رجال الشرطة حتى علمت لاحقا أن هناك «جمعية المتطوعين المتقاعدين» أنشئت عام 1969 لتساعد كل من بلغ 55 عاما في إيجاد فرص عمل لخدمة المجتمع كل حسب طاقته وميوله. ومن أنشطتها تدريب المتقاعدين ومساعدة كبار السن في حسن تدبير وتخطيط أمورهم المالية، فضلا عن القيام بدور المرشدين والمتطوعين في المستشفيات والمكتبات وحالات الإغاثة والطوارئ وغيرها. بعبارة أخرى، تعد هذه الجمعية ملاذا لكل من ينشد جهود الخبراء المخضرمين في شتى المجالات. وهذا كله إن دل على…

ليتني كنت غزالا!

الجمعة ١٩ يوليو ٢٠١٣

يروى أن كلبا قال لغزال: ما لي لا ألحقك وأنا من تعرف في العَدو والقوة؟ فقال له الغزال: لأنك تعدو لسيدك وأنا أعدو لنفسي. هذه القصة الجميلة التي رواها الشاعر الهندي الشهير أبو الحسن الندوي في كتابه «مختارات من أدب العرب» تلخص لنا حال الكثيرين في زماننا ممن يقضون معظم يومهم لاهثين وراء أعمال تهم الآخرين ولا تعكس بالضرورة قدراتهم الحقيقية. ويصف أبو الحسن هؤلاء بأنهم يتحدثون ويكتبون ويؤدون أعمالا إرضاء لزعيم أو وزير أو صديق أو حبا في الظهور: «وهذه كلها دوافع سطحية لا تمنح أعمالهم القوة والروح ولا تسبغ عليها لباس البقاء والخلود»، بل يعتبر أن الفارق بين هؤلاء ومن يؤدي عملا من أعماق قلبه وبكامل جوارحه بأنه «كالفرق بين الصورة والإنسان وكالفرق بين النائحة والثكلى». وربما هذا ما دفعه إلى أن يصف هؤلاء بأنهم كالممثلين الذين يؤدون دورا لا يعكس بالضرورة شخصياتهم الحقيقية. وحينما يتأمل المرء السلوكيات الشائعة في الأمم المتحضرة يجد أن كثيرا من الناس يختار عملا يعكس شغفه ويتماشى مع قدراته الحقيقية وهذا ما يجعله لا يكل ولا يمل مهما كانت عوارض الطريق. الأمر الذي يدفعنا للقول بأن القيادي الفطن هو من يضع الشخص المناسب في المكان المناسب حتى يفجر الجميع طاقاته بإتقان وتفان ويصبح كالغزال في رشاقة حركته وبلوغه لأهدافه. وكثيرا ما أتألم حينما…

الشباب العربي قادم!

الخميس ٢٧ يونيو ٢٠١٣

لفتتني مقولة مهمة استشهد بها حاكم قطر الشيخ حمد بن خليفة (61 عاما) في خطابه الشهير أمس وهو يسلم مقاليد الحكم طواعية لابنه تميم (33 عاما) في سابقة فريدة، وكانت المقولة للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حينما قال: «علموا أولادكم خير ما علمتم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم». وحينما تأملت هذه العبارة تذكرت أن الأمير كان يتحدث في عصر تشكل فيه «نسبة الشباب العربي دون الـ25 عاما ما يقرب من 70 في المائة من مجمل سكان المنطقة، وهم الأكثر تعليما، ولديهم خبرات ومهارات لم تتح للأجيال السابقة»، حسب التقرير الإقليمي للأمم المتحدة. ويأتي هذا في وقت يعاني فيه الشباب من مشكلة ثقافية متفشية، وهي عقدة المثل الشعبي: «أكبر منك بيوم أفهم منك بسنة». وهو أمر غير واقعي؛ فالناظر إلى مؤسسات القطاع الخاص الناجحة يجد أن كثيرا منها يقاد من قبل شباب في الثلاثينات والأربعينات، ويحققون نتائج إدارية ومالية مبهرة، وكل ما في الأمر أنهم وضعوا في المكان المناسب، ويسيرون على هدى خطة عمل واضحة الأهداف جعلتهم يتألقون. مشكلتنا في مؤسسات القطاع العام أننا نئد إبداعات الشباب العربي من دون أن نشعر، حينما نجعل تقدم المبدعين منهم في المسار الوظيفي مرهونا بسنوات الخبرة، في حين أنك تجد شابا صار مؤهلا لقيادة دفة المنظمة أو الإدارة لكنه مضطر لانتظار…

دبي وقائدها

الخميس ١٦ مايو ٢٠١٣

سألت كويتية حاكم دبي ورئيس مجلس وزراء دولة الإمارات الشيخ محمد بن راشد المكتوم عن سبب استعجاله في تنفيذ المشاريع فقالت له: «لماذا تريد كل شيء الآن؟». فكان جوابه ولم لا؟ فليس هناك سبب يدفعنا للانتظار، المستقبل يبدأ اليوم وليس غدا ولو انتظرنا الغد حتى يأتي فسنستمر في تأجيل كل شيء. ثم بدأ يشرح لها كيف خرجت الإمارات «من صحراء قاحلة إلى دولة ذات مكانة عالمية في 40 سنة فقط» على حد قوله. وأنا أقرأ هذه القصة في كتابه الجديد «ومضات من فكر» ممهورا بإهدائه الكريم تذكرت ذلك الإماراتي الصديق حينما سألته «بصراحة، ماذا يتعبك في العمل في حكومة دبي؟» ثم قال: بصراحة الـDeadline أي مواعيد التسليم الصارمة. وحينما تأملت إجابته تذكرت أن كل الحكومات والمؤسسات الناجحة لم تبلغ ما بلغته لولا حس العجلة والجدية في متابعة تطبيق الخطط. والأمر نفسه ينطبق على مجالس إدارات الشركات ففي كل المجالس التي شغلت عضويتها، سواء كانت شركات مدرجة أم غير مدرجة، كنا نلزم الرئيس التنفيذي بخطة عمل وميزانية نتابع تطبيقها كل ربع سنة. ولولا هذا النهج الذي تنتهجه كل مجالس الإدارات في العالم لما تقدمت الشركات بخطى ثابتة نحو الربحية والإنجازات الباهرة. وما يحدث في دبي ليس استعراضا، بل هو نابع من رؤية رقمية واضحة تنتهجها حكومتها لنقلها خلال فترة زمنية محددة…