الخميس ٠٣ سبتمبر ٢٠١٥
من الأمور التي تضايق الكثيرين تلك الطاولة التي تضلع ما أن تحاول أن تجلس حولها، وتكون قد تكبدت عناء حجزها، واختيار زاويتها ومكانها في مطعم أو مقهى، تقول إنها تظهر للواحد في الحظ، وأعرف صديقاً هولندياً، ممن تعدوا الستين، وممن يعشقون جلسة المقاهي بعد تقاعده، ويتفنن في اختيار مطاعم العشاء، وتثيره مثل تلك الطاولة التي تترجرج، ولا تجلس مستقيمة للحظة، وتظل تهبع كلما وضعت مرفقك عليها، ومرات تظل أنت ومن تجلس أمامك، وحولك تحاولون جاهدين إصلاح الأمور، لكن دون فائدة، فيأتي النادل، ويصلحها بوضع أي شيء تحت رجلها، ولا يعتذر، صديقي الهولندي هذا لا يذهب إلى مطعم أو مقهى دون أن يحمل في جيبه خشبة صغيرة لإصلاح طاولته التي تتمايل، وإن كانت طاولته صحيحة، وطاولة جيرانه في المقهى ترقص، قام وتبرع من نفسه، وأخرج تلك الخشبة من جيب معطفه، وزرعها تحت رجل الطاولة، ولقد تعجب منه، كيف له كل هذا الصبر، ودائماً أقول: «أش كاظنه على هالنشبة»، لكن مرات أقول: «بصراحة أنا ما صادقته إلا علشان تلك الخشبة»! مررت في إحدى العواصم الأوروبية بمجمع سكني جميل، عمارات شاهقة، ومحاطة بالأشجار، والحدائق الغناء، وأشبه بأي حي راق يتمنى الإنسان سكناه، فسألت سائق السيارة، بكم يباع هنا المتر المربع؟ ليس من أجل الشراء، ولكن من باب الفضول، ولكي أتشارك مع السائق في…
الثلاثاء ٢٨ أكتوبر ٢٠١٤
عد المباراة المفرحة قبل يومين، قلنا نتسلى مع ريال مدريد، ونترك برشلونة يرتاح من معاناته، ماذا لو أن داعش شكلت فريقاً لكرة القدم؟ وتريد أن تتحدى العالم بأثر رجعي، تاريخي، وتم إقناع ريال مدريد بتلك المباراة التي سيصير ريعها إن فاز للأعمال الخيرية، وتم إقناع داعش بأهمية المباراة كون الفريق، هو بقايا محاكم التفتيش، وإن فازت، فسيذهب الريع لدعم الإرهاب، فاشترطوا أن يكون الحكم تركياً، على أساس أن الأتراك لا يغشون، وأقنعنا «بلاتر» بأن هذه المباراة ستثبت اسمه كرئيس وحيد للـ«فيفا» للأبد، فقط أن يتبنى الاتحاد المباراة دولياً، وأن يسمح للاعبي داعش أن ينزلوا بالسراويل الطويلة، وأرقام فانيلاتهم بالعربية، والتي سيصعب على الحكم التركي قراءتها بوضوح، كونه نسيها الأتراك منذ أيام تتريك أتاتورك، طبعاً لاعبو داعش لن يراقبوا «رونالدو»، ولن يضعوا خططاً تكتيكية للحد من خطورته، باعتبار أن البرتغال خارج اللعبة السياسية، وسيهملون مراقبة الأجنحة البرازيلية، على أساس أنهم من المستضعفين في الأرض، وسيركزون على ذي اللحية الصهباء، والأوشام «راموس»، كونه صليبياً لاشك، وأن أهله عاثوا يوماً في ديار الإسلام، وسينظرون شزراً لـ«بن زيمة»، كونه من المتعاونين مع الإفرنج، طبعاً فريق برشلونة سيشجع النادي الملكي لأول مرة، وآخر مرة في حياته، وسيسمح الحكم بالإشارات للاعبي داعش، دليل التحذير، والحرب النفسية تجاه فريق العدو، كتمرير اليد على الرقبة، والتوعد بسبي زوجات…
الأربعاء ٢٦ مارس ٢٠١٤
فقط أسبوع بين تكريمه في معهد العالم العربي بباريس، والذي جاءه رغم اشتداد مرضه، ونصائح طبيبه، على كرسي مدولب، تدفعه أم ريّا، كأي امرأة صابرة من بغداد، ورحيله مختتماً الثمانين، عافّاً عن قول زهير ابن أبي سلمى من يعش ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم، فقد كان محبّاً للحياة، ودوداً لألوانها، عشق الحرف، فعرف النور والتجلي، استهوته الكلمات، فأدرك معنى الكلم، وما يسطرون، هو شاعر، وأديب، وخطاط، ورسام، مترادفات ليست متفرقة، إنما هي تشكيل حروفي ولوني، لا يمكن أن ينبئك إلا أنه الصكّار، والصكّار وحده، سأفتقد ذلك الحضور للظل البارد الذي يرافقك كلما ضمتنا أمكنة في باريس، سأفتقد تلك الأشعار، والخواطر الإخوانية، والتي تتعب أن تجدها في بطون الكتب، سأفتقد النكتة «الجاحظية» تلك التي تسربّها طرقات البصرة، وحوانيت بغداد، سأفتقد ذاك المتيم في الحياة، والذي قال لطبيبه الفرنسي مرة: إن أغلقت عليّ باباً، سأجد شبّاكاً لأتنفس، فرقّ له الطبيب، وقال له: مثلك من يوعظ الأطباء لكي يغتنموا الحياة، سأفتقد ذاك الوجه الشائخ مثل بشرة طفل لا يكبر، ويداً برقة مسلك الحرير، وإن صافحتك برجفة العمر، غير أنها الدفء والإخلاص، ولم تعرف الخنجر، سأفتقد تلك الرائحة من مسك عربي يحضر قبله، ويبقى في المكان، وفي الذاكرة بعده، سأفتقد بحق إنساناً عاش، ومات، ولم يعرف الأذى! الصكّار.. رحل، ولتكتفي بغداد بالتأبين، ولطم…