الأربعاء ١١ أكتوبر ٢٠٢٣
خلال رحلتنا في الحياة تمر علينا نعم كثيرة لا يدركها أي كان، إذ يتعامل الناس مع وجود بعضها كأمر حتمي وطبيعي، بل إن بعضنا لا يلحظها رغم أن كل ما هو موجود يترتب عليها أساساً وقد تختفي بسبب غياب تلك النعمة بين ليلة وضحاها، كنعمة الأمن. في سلم أولويات الحاجات الإنسانية تأتي الحاجة للأمن في المرتبة الثانية تسبقها الحاجة للبقاء، أي أن حاجتنا لنبقى أحياء تتبعها مباشرة أن تكون حياتنا هذه آمنة. ويعني المفهوم الإنساني للأمن تلك القدرة على العيش في محيط يضمن فيه الفرد سلامته الجسدية من العنف والاعتداء، وسلامة ممتلكاته من السرقة والتخريب، وأمن محيطه بما يضمن أمنه النفسي. المثير فعلاً أنه في سلم الاحتياجات الإنسانية -خصوصاً الذي وضعه «ماسلو» ويعتمد على التراتبية في بناء الحاجات- كل الحاجات تعتمد على توافر عنصر الأمن والأمان، سواء الحاجات السابقة لها أو اللاحقة، على سبيل المثال من أول الحاجات الفسيولوجية التي توفر عنصر البقاء للإنسان هي الحاجة للغذاء، ولكن كيف للإنسان أن يوفر طعامه لنفسه إذا لم يكن آمناً في رحلة بحثه عنه.. وهكذا. فما بالك بالحاجات اللاحقة كالحاجات الاجتماعية والتواصل وحاجات التقدير وحاجات تحقيق الذات، التي يبدو الحديث عنها نوعاً من العبث في حالة عدم توافر الأمن الذي لا يمكن أن يوجد بالصدفة أو بالعادة، بل يحتاج إلى نوايا وقدرات…
الأربعاء ٢٣ أغسطس ٢٠٢٣
إحدى أكثر الفوائد التي قدمها عالم التواصل الاجتماعي لعالم الأدب، تلك القدرة غير المحدودة في اطلاعنا على رؤى الآخرين المختلفة والصادقة جداً حول ذات الإبداع. ويعد «جود ريدز» الشبكة الاجتماعية الأشهر عالمياً في عرض الكتب ومراجعاتها، من أهم المواقع التي توضح مدى الاختلافات الكبيرة في إدراكنا واستيعابنا لأي عمل إبداعي؛ عبر عرضه لآراء القراء المتباينة والتي مع تعددها تكمل حضور العمل وتتوجه. بل إن بعض ما نجده في هذا الموقع من مراجعات قابلة لأن تكون عملاً إبداعياً جديداً منفصلاً عن العمل الأصلي. ولأن أي عملية إبداع لا تكتمل بدون متلقٍّ متفاعل، تبدو القراءة بالذات أكثر صنوف الإبداع المرتبطة بهذه المتلازمة؛ فالقراءة معادل الكتابة، وتلقيها الأعمق لا يكون بأشكال قراءة مختلفة فقط، وإنما بقراءة منتجة أيضاً، إذ إنها كثيراً ما تتحول إلى عملية فاعلة وحية بشكل قد يتجاوز إبداع النص المقروء. يحدث ذلك عندما تتوالى الأزمنة وتتراكم الثقافات على قارئ النص، فيأتي متلقٍ في زمن آخر ليفك النص بقراءة جديدة تتجاوز ما جاد به النص في زمن كتابته. يحدث ذلك وأكثر لأن النص المقروء لا يمكن أن يكون منفصلاً عن مشاعر وتطلعات ومخزون القارئ الفكري، إضافةً لظروفه الزمانية والمكانية، وهي عناصر تختلف بالتأكيد من شخص لآخر، وبالتالي فإن تفسير النص أو تأويلاته بناء على ذلك لا يمكن أن تتطابق! وقد يحدث…
الأربعاء ١٦ أغسطس ٢٠٢٣
اضطررت منذ فترة قصيرة للتخلص من بعض الموجودات الباهظة التي كنت أمنّي نفسي بسعادة بالغة قبل امتلاكها. في البداية كان الأمر في غاية الصعوبة وغلبني تأنيب ضمير وشعور بالغ بالهدر الذي كنت أراه أحياناً في سلوكيات الآخرين، ولم يخفف من حالتي تلك إلا أن الموجودات ذهبت لأشخاص أحبهم وأعتقد أنها ستفي بغرض لديهم. ولكن يبدو أن هناك دواعي أخرى كانت ستجعلني أكثر سعادة بقرار التخلص لو كنت قد فكرت فيها كما تعتقد اليابانية «ماري كوندو» في كتابها The Life-Changing Magic of Tidying والمتوافر باسم سحر الترتيب في المكتبات العربية. تشرح «ماري» في كتابها -الذي طُبعت منه ملايين النسخ بلغات العالم- كيف يمكن لترتيب محيطنا المادي أن يخلصنا من الفوضى النفسية قبل المادية، وأن السر يكمن في الطريقة التي نرتب بها أشياءنا، والتي تعتمد أساساً على فكرة «التخلص» بتقدير! فحسب ما واجهته الكاتبة في الميدان العملي، أن أصعب ما يعرقل تقدمنا في عملية الترتيب تلك الرغبة القوية التي تعترينا في التمسك بالأشياء والاحتفاظ بها لدواعي شتى، ولهذا فهي تشرح كيف لنا أن نتجاوز تلك العقبة، وما علينا فعله عندما نعجز عن فعل الترك، عبر «التخلص بتقدير»، وهو مفتاح السر الحقيقي في عملية الترتيب، وهذا ما وجدته أكثر الأفكار إثارة في الكتاب، إذ كيف لنا أن نُكن التقدير لما نقوم بالتخلص منه،…
الأربعاء ١٠ مايو ٢٠٢٣
عادة عندما كنت رئيسة تحرير إحدى المجلات العلمية، كان قراء المجلة يتواصلون مع فريق التحرير بشكل مباشر، ومعي بشكل خاص كلما سمحت الفرصة لذلك، ولهذا أحمل كماً كبيراً من الذكريات الجميلة والمواقف الطريفة التي أسترجعها من وقت لآخر بامتنان غير محدود. إحدى تلك الذكريات، والتي تذكرتها مؤخراً لسبب معاكس تماماً، تعليق شاب لن أنساه أبداً قابلته في معرض أبوظبي للكتاب، وقد بدا في منتصف الثلاثينيات، أخذ يقول لي وقد ملأه الحماس: «بَحس حالي إنسان محترم كل مَرة بشتري فيها المجلة». في رأيي أن هذا أجمل ما سمعته حول علاقة إنسان بشيء يقرؤه، ورغم تهكم البعض على قوله، إلا أني وجدت فيه أبلغ تعبير عن التأثير الحقيقي للمجلة على قُرائها، ذلك التأثير الذي يرفع من تقدير الإنسان لذاته وبمعنى آخر «احترام النفس». أتساءل بصدق حول شعور البعض تجاه أنفسهم حول ما يقضون فيه أوقاتهم أمام أو حول هذا الكم العظيم من الملهيّات التي قد ينتجونها من المحتويات التافهة، أو ما قد يتعرضون له من محتوى لا جدوي فيه، بل وما يدفعونه مقابل ذلك! وهل لهذه الأفعال علاقة بتدن في تقدير الذات وسلبية تجاه النفس، معتقدين أن هذا ما يستحقونه من حياتهم فعلاً. هناك بعض الدلالات التي قد يصاب بها الإنسان وتدلل على أن هناك تدنياً في تقدير الذات، منها مثلاً انعدام…
الأربعاء ٢١ ديسمبر ٢٠٢٢
عندما قرر الستيني «فيلشي» العودة إلى مسقط رأسه في نابولي بعد غياب طال أربعة عقود لرؤية أمه الهرمة، بدا الأمر في غاية الشاعرية خصوصاً عندما بدأ في إضافة ذلك الدفء لها وحولها قبل أن تغادر الحياة. غير أن هذا الدفء انقلب إلى عاصفة قارسة قلبت مزاجي بعد أن قلبت كيان «فيلشي» بطل الفيلم الإيطالي Nostalgia «نوستالجيا» الذي تعود قصته لرواية تحمل الاسم نفسه للكاتب الإيطالي «إيرمانو ريا» صاحب رواية «الإقالة من الحياة» والتي لي عودة إليها قريباً. يتعثر بطل الفيلم في ذكرياته التي غلبته رغم تحذيرات كل من حوله بالرحيل بعيداً، ليلقى مصيراً لم أتوقعه إطلاقاً كمشاهدة سلبتني تماماً فكرة الحنين. ولكني كغيري سقطت في ذلك الشرك، وتذكرت قول ماركيز: «لقد محا الحنين، كالعادة، الذكريات السيئة، وضخّم الطيبة». هذا تماماً ما يفعله الحنين، أكثر المشاعر التي تنسحب على الإنسان بعذوبة، فيعيد ترتيب الذاكرة بالصور القديمة الممتلئة بألوان السعادة عن أماكن بعيدة أو قلوب راحلة، أو أحوال زائلة، فيطفو الحزن على الروح التي غلبها الشوق. وللحنين مراتب عديدة، ليس أولها الشوق على الفائت، ولا الحرقة على المفقود آخرها. فبعضهم يضنيه الوجع، فيغدو مفجوعاً بألمه الذي يتحول إلى شفرة للقطع، قطع كل شيء.. حتى حياته نفسها! للحنين تلك السلطة، فقط لكونه يضخم اللحظات الجميلة، لتصبح مرغوبة بشدة وقابعة بعمق مكدرة لدواخلنا. كذلك…
الأربعاء ١٤ ديسمبر ٢٠٢٢
الجلسات الجماعية وغيرها من الأنشطة التي يتشارك فيها الناس ولفترات طويلة ومستمرة مناقشات حول أمور بعينها وخصوصاً إذا كانت علاجية أو فكرية، تزداد حالات الانفتاح والقبول لدى أفرادها. وبالتالي فالمجتمع الذي يختار هذا النوع من الوضوح في الجلسات تضيق فيه مساحات التشكك والريبة في ما يعتقده أفراده تجاه الآخرين. بل قد تصبح أكثر الأوقات سعادة تلك التي تسمح لنا بالاستماع للآخرين الذين يقدمون أمراً مختلفاً، والنظر إلى ذلك كونه إضافة جديدة قابلة للتجربة والنجاح والتميز أيضاً. حدث ذلك بشكل أكثر كثافة لدى قارئ الأدب، وأكثر نجاعة لدى من يشاركون القراءات الجماعية، فالعلاقات الناشئة بين أفراد جماعة القراءة تجعلنا ندرك خلفياتنا الاجتماعية وظروفنا المتباينة، وهو ما يجعلنا مع الوقت نستوعب آراءنا المتباينة وطريقة تلقينا بطبيعة الحال للكثير من أشكال الإبداع المتنوعة. ولفهم المسألة بشكل أكثر، علينا بداية أن نتفق على حقيقة مفادها أن تذوق الإبداع ليس حالة مجردة، بل هو حاسة يغلفها الكثير من العمليات الشعورية والمعرفية التي تتفاعل كثيراً قبل أن يعبر عنها صاحبها وإن بدا الأمر بشكل سريع كالتصفيق إعجاباً على سبيل المثال. وهذه العمليات هي سبب اختلاف الأذواق الذي ينشأ بين الأشخاص تجاه الفنون، وبطبيعة الحال تجاه كل الأشياء حولنا. أحضر جلسات قراءة جماعية منذ سنوات عديدة والحقيقة أن هذا النوع من الأنشطة منحني إضافة فكرية لم أكن…
الأربعاء ١٧ أغسطس ٢٠٢٢
نصبح عاديين.. حين نقتل في أنفسنا قدرتها على الاختلاف. العادي جداً أن تكون مثلهم، تذهب أينما يذهبون وتتحدث فيما يتحدثون، العادي جداً أن تكون في ركبهم، تتبع خطاهم وتنبهر بأفعالهم فقط لأنهم هم من فعلوها. وإن حدث وخالفت ذلك لأنك وجدت لك طريقاً خاصاً يشبه أفكارك وأكثر ملاءمة لك ولاحتياجاتك، التي لا تشبه احتياجاتهم، ستعتبر في نظرهم شخصاً غريباً -هذا في أفضل الأحوال- لأن خيار إقصائك بعيداً عن المحيط، هو الإجراء العادي لمخالفة دربهم. لم نخلق متشابهين، نختلف كثيراً في اهتماماتنا وطرق تفاعلنا مع الأشياء، في طرق استمتاعنا، وأسباب استهجاننا. وعلى الرغم من تأكيد الجميع على تلك الحقيقة، إلا أن المختلف يلقى استنكاراً واستهجاناً لسلوكه، ويواجه بمحاولات إعادته -بكل الطرق والوسائل- إلى الصواب! ولكن من المعني أساساً بالقيام بهذا الدور؟ وما هي مرجعيته التي تجعله يحدد معنى وشكل هذا الصواب؟ هل ما يناسبها ويتواءم مع معتقداتنا هو الصواب؟ أم ما يريحنا ويمتعنا ويسعدنا هو الصواب! أم أن الصواب فيما يحقق لنا مصالح مادية؟ وهل يمكن أن ما نعتبره صواباً هو عكس ذلك تماماً لدى أشخاص آخرين أكثر نجاحاً منا! وهل لهؤلاء الآخرين صواب لا يتلاءم مع صوابنا! أم أن للصواب معنى آخر لا أحد يملكه، وهل لهذا الصواب أوجه ودلالات أخرى؟ وإن كان أن للصواب أو الحقيقة زوايا مختلفة يحددها…
الأربعاء ٢٩ يونيو ٢٠٢٢
تقلص لمجال الرؤية وأرق، إعاقة إدراكية وفقدان حاستي التذوق والسمع، توتر عصبي وخَبل، بالإضافة إلى أعراض ارتجاف بشكل تشنجي وفقدان للأعصاب حد الهيجان.. هذه وغيرها أعراض قد تحصل منفردة، وقد تأتي في بعض الحالات مجتمعة لمن شعر بتلك الرجفة الغريبة داخل صدره نتيجة تعرضه لمرات متكررة لدوي انفجار، وخاصة لمن تكرر لديه سماع أصوات الانفجارات خلال الحروب. يعود الجنود إلى أسرهم -إن كتبت لهم السلامة- بعد انتهاء مهامهم، معافين جسدياً.. ولكن بعاهات كبيرة مخفية. ومنذ بداية خمسينيات القرن الماضي وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لم تتوقف الدراسات والبحوث العلمية لسبر أغوار أسباب ذلك، في سعي دؤوب لعلاجه وكذلك الوقاية منه. ومن إحدى وسائل العلاج لتحجيم هذه التداعيات، يلجأ البعض لاستخدام جلسات التشافي بالفن، فيقوم الجنود المصابون بتلك الأعراض برسم (أقنعة وجوه) للتعبير عن أحاسيسهم التي يصعب ترجمتها بالمفردات. يبدو ما سبق، مقدمة غريبة لمقال، فالموضوع يبدو أنه علمي وبغاية الحساسية، وهو بالفعل كذلك، ولذلك حدث أن نشرت له «مجلة ناشيونال جيوغرافيك العربية» 25 صفحة في عدد لها عام 2015 موضوعاً متكاملاً حوله، غير أن الغريب الذي أود مشاركتكم إياه هو ما حدث بعد النشر، إذ وصلتني رسالة من قارئ يبدي فيها انزعاجه الشديد من هذا العدد، واستهجانه لنشر صور الأقنعة التي رسمها الجنود لأنها «أخافت ابنه». لقد ترك صاحب الرسالة…
الأربعاء ٠٢ مارس ٢٠٢٢
لأن المشاعر شاغلي وانشغالي، قررت التوقف في محطة جديدة تماماً في حياتي وتغيير مساري لإعداد نفسي للتعلم وللعزلة والتأمل، فقط لأراقب ذلك الطيف المتغير من الأحاسيس التي سأعيشها بسبب التجربة الجديدة منذ أن قررت مؤخراً ترك وظيفتي (والتي يعتبرها زملائي الحلم المهني لأي إعلامي) وأنا في قمة نجاحي بعد أربعة وعشرين عاماً. اتخذت هذا القرار لأعيش مشاعر جديدة وأجرب أفكاراً مختلفة، وأفعل أموراً كثيرة كنت أسرق الوقت لكي أقوم بها واعتقدت دوماً أنها ستجعلني أسعد. وها أنا اليوم بعد ستين يوماً كاملة أحاول أن أستوعب جمال هذه المساحة التي وهبتها لنفسي بذلك القرار الذي استهجنه أغلب من أعرفهم، ولكنهم وعلى ما يبدو لم يعرفوني! كنت ولا زلت على قناعة تامة بأن المشاعر الإنسانية التي نحملها عن أنفسنا وعن ما هو حولنا هي أكثر ما يثير انتباهي واندهاشي ويستفزني للكتابة، إنها عالم مثير يستدعي التأمل، والتمعن والتحليل والتفسير، بل وتغير الحال إلى حال آخر لاختبارها. وإني على قناعة لا تشوبها شائبة بأننا لو انشغلنا حقاً بمشاعرنا تلك واشتغلنا عليها لانشغلنا عن كل القشور وذهبنا أعمق في إدراك سبب وجودنا الحقيقي في هذه الأرض وسعدنا، بل وتمكنا على صعيد جماعي من تجاوز كل المحن الإنسانية، فقد ننجح بإلحاق الكساد بتجارة الأسلحة وإفلاس تجارها ووقف الحروب، وإغلاق كل تلك المنظمات العالمية بعد أن…
الأحد ١٩ ديسمبر ٢٠٢١
باستمرار كنت أتساءل بيني وبين نفسي، ما كل هذا الألق الذي يشع مع هذه المطبوعة؟ ألا يخفت؟ هل سيأتي يوم وينضب؟، ما هذا البهاء غير المحدود الذي ألمسه مع كل صفحة وكل صورة وكل معلومة في كل شهر يمر على عملي في مجلة ناشيونال جيوغرافيك العربية، لقد اسعدني الله بهذه الرفقة لما يقارب تسعة أعوام، فكانت تتويجاً لمسيرتي المهنية الماضية التي اختتمها شهر ديسمبر هذا بأول معرض لمصوري ناشيونال جيوغرافيك العربية -والذي يقام حالياً بمنارة السعديات- ليكون الماسة التي تتوسط هذا التاج. سألتني معالي نورة بنت محمد الكعبي وزيرة الثقافة والشباب أثناء تنقلها بين أعمال المصورين العرب الذين قدموا من الدول العربية للمشاركة بأعمالهم، لماذا هذا المعرض الآن بعد أحد عشر عاماً من خروج المجلة بنسختها العربية منذ أكتوبر 2010؟، فأجبتها لأن تجربة الفوتوغرافيا العربية كانت تحتاج كل هذا الوقت لنتأكد من أننا لا نقدم للقارئ العربي صوراً فحسب، بل مشاريع ثقافية متكاملة تحمل إرثنا وتراثنا، وخصوصيتنا التي تستحق أن تروى للعالم، مشاريع فوتوغرافية بها من التفاصيل ما شغل عقول وقلوب مصورينا العرب وقتاً طويلاً لتستحق أن تكون اليوم في معرضنا، ولأننا أخيراً حظينا بإدارة قدّرت ذلك وقررت إبرازه. اشتغلت بالعمل البحثي أغلب سنوات دراستي وعملي المهني، وكانت قناعتي التامة، بأن الرقم والتحليل والفكرة أهم ما نقدمه لنؤكد على «حقيقة»…
الأحد ٢١ نوفمبر ٢٠٢١
نحتفل منذ بدأنا هذا العام بالذكرى الخمسين على تأسيس دولتنا، وبالنسبة لنا كإعلاميين يعد الأمر تحدياً لا مثيل له، إذ يتعين علينا العمل على مبادرات مبتكرة لإثراء هذه الذكرى والخروج بها عن السياقات المعتادة في الاحتفال. عن نفسي كان «الأرشيف» باستمرار زادي في هذه التحديات، وقد تمكنت خلال مسيرتي المهنية من ارتشاف كنوزه باستمرار والخروج به من الجمود الذي أحيط به إلى أشكال جاذبة، فكل ما نراه اليوم من علو شأن وتقدم إنما هو في أساسه بذور صغيرة، بدأ في زرعها القادة، وهم موقنون أن ثمرها قادم لا محالة. كلما تصفحت الأرشيف، وجدت ما يستحق أن نقف أمامه بهدوء وتأمل، وكان أرشيف جريدة «الاتحاد» مصدري الأثير في ذلك، وكلما تصفحت الأعداد التي واكبت إعلان الدولة الاتحادية زادت هذه الحالة لدي. مثلاً أعداد جريدة الاتحاد الصادرة عام 1972، وجدت صفحة تصدرت فيها أسماء الناجحين في أول ثانوية عامة بدولة الإمارات بعد الاتحاد، ولم يزد عددهم على العشرات، ومع تتابع تصفحي للجريدة عاماً بعد عام، كنت أتابع بكل فخر وامتنان أعداد الدارسين والملحقين بمؤسسات التعليم تزداد من عام لآخر، ومن خلال تلك العناوين التي أخذت مكانها في عقلي وكأنها فيلم سينمائي يعرض كيف تمكنت الدولة الاتحادية من تحقيق إنجازات مميزة في عدد الدارسات من الإناث، وكيف تغلبت على الأمية، وكيف تمكنت من…
الأحد ٢٥ يوليو ٢٠٢١
قدم الروائي البرتغالي «خوسيه ساراماغو» نظرته المتشائمة للنفس الإنسانية باستخدام آلية «الفقد الجماعي» بشكل مثير في أعماله الأدبية، ما بين أن يفقد الإنسان البصر بشكل جماعي كما في «العمى» أو يفقد الحق في الموت على مستوى الجموع كما في رواية «انقطاعات الموت». هذه حقيقة، فأعمال ساراماغو تفضح حقيقة بعض البشر التي تظهر بكل جلاء عندما تكون الظروف «ليست على ما يرام». وهذه العبارة رغم بساطتها، إلا أن لها دلالات واسعة، وقابلة للاستخدام في ظروف عديدة، تبدأ من حالة زكام لدى البعض أو انتفاض بركان في حالات أخرى. يستخدم ساراماغو فانتازيته بشكل عبقري ليصف تصرفات البشر عندما يفقدون أمراً اعتادوا عليه. وعلى نفس الشاكلة ظهرت أعمال أخرى، تصف إلى أي درجة يصبح الأمر خارجاً عن السيطرة عندما يتم هذا الفقد بشكل جماعي، كأن يستحيل النوم كما ظهر في فيلم «Awake» أو الاستيقاظ، فتبدأ تداعيات ذلك على البشر بشكل مخيف يجردهم من إنسانيتهم. حسناً.. ما رأيكم لو فقد البشر قدرتهم على التواصل والحوار؟ قد يعتقد البعض أن ذلك أقل وطأة من فقدان البصر أو النوم، غير أن الحقيقة أن تداعيات ذلك لا تقل خطورة، وإن كانت أبطأ مقابل الأخرى التي تظهر سريعاً على نظامنا الصحي والعقلي. فغياب القدرة على التواصل والحوار أمر قد يدمر العلاقات أو يؤدي لتشويهها في أفضل الأحيان، ولنا…