د. يوسف الشريف
د. يوسف الشريف
كاتب ومستشار قانوني إماراتي

«الماركات» بذخ وتقليد

الإثنين ١١ نوفمبر ٢٠٢٤

في مشهد مثير للدهشة، وقفت فتاة أمام متجر فاخر تبكي وتترجى أحد البائعين للحصول على حقيبة يتجاوز سعرها 6000 يورو، هذه القصة ليست استثنائية، بل أصبحت مشاهد الانتظار الطويل أمام محال «الماركات» العالمية أمراً مألوفاً، الغريب أن هؤلاء الأشخاص يقفون لساعات وكأنهم في طابور للحصول على إعانة اجتماعية أو غذاء من صندوق المساعدات الإنسانية، مع أن الفارق هنا هو أنهم يدفعون مبالغ طائلة للحصول على منتجات لا تعدو كونها رمزية. ما يثير التساؤل هو كيف أن هذه «الماركات» التي من المفترض أن تكون متاحة لمن يقدّرون الجودة والتميز، قد تحولت إلى رمز للتباهي والمظاهر السطحية. وعلى الرغم من شهرتها وأرباحها الهائلة، فإن هذه «الماركات» تتعمد عدم توظيف عدد كافٍ من الموظفين لخدمة عملائها، ما يؤدي إلى مشاهد الانتظار والتكدس، هذه الاستراتيجية تعكس تجاهلاً لمعايير خدمة العملاء الأساسية، حيث تعتمد على خلق الندرة والإثارة لجذب المشترين بدلاً من تقديم خدمة مميزة. المفارقة هنا تكمن في أن المحال الرياضية المشهورة التي تُقدّر قيمة عملائها، وتسعى إلى توظيف عدد كافٍ من الموظفين لتلبية احتياجاتهم، تقدّم خدمة أفضل بكثير، مقارنة ببعض «الماركات» الفاخرة التي تركز على إثارة شعور المشتري بالحاجة إلى المنتج، وهذا النوع من التسويق يستند إلى الاستفزاز العاطفي والنفسي، حيث يتم التعامل مع العملاء باستخفاف واستعلاء، لدفعهم للشراء بدافع التحدي أو إثبات…

استقرار العقود العقارية

الإثنين ٢٨ أكتوبر ٢٠٢٤

تعد العقود العقارية أساساً مهماً لضمان حقوق المستثمرين وتشجيعهم على الشراء والاستثمار بثقة. ويلعب استقرار العقود دوراً جوهرياً في تحقيق هذا الهدف، حيث يجب أن تكون بنود العقود عادلة وواضحة لضمان حماية حقوق الطرفين: المستثمر والمطور. ومع تزايد الإقبال على سوق العقارات في الإمارات عموماً ودبي خصوصاً، برزت بعض الممارسات التي تثير القلق، أبرزها بنود تمديد فترات التسليم التي تُستخدم في كثير من الأحيان لتبرير تأخيرات غير مبررة. إحدى هذه الممارسات الشائعة هي منح المطور الحق في تمديد فترة التسليم لمدة تصل إلى 12 شهراً، دون أي تعويض للمشتري. وعلى الرغم من أن هذا الشرط أصبح متداولاً في بعض العقود، فإن قبوله بشكل واسع أسهم في تشجيع بعض المطورين على التمادي بوضع بنود تمديد تصل إلى 24 شهراً، ما يزيد من عدم التوازن في العلاقة التعاقدية. هذا النوع من البنود يعتمد في كثير من الأحيان على تبرير التأخير بوجود «ظروف قاهرة»، وهو مصطلح منصوص عليه في القانون، ما يجعل تضمينه في العقد غير ضروري. ومع ذلك، إذا تم النص عليه، فلا مانع من ذلك، شريطة ألا يُستغل هذا النص لتبرير أي تأخير عادي. المشكلة الحقيقية تكمن في استغلال بنود التمديد لتبرير تأخيرات لا ترتبط بأي ظروف قاهرة، بل هي نتيجة لسوء التخطيط أو إدارة المشروع من قبل المطور. مثل هذه…

سلاسة السياسة وسياسة السلاسة

الأربعاء ١٨ سبتمبر ٢٠٢٤

في ميدان السياسة، حيث تتشابك المصالح وتتداخل الأفكار، يظهر القادة العظام من خلال قدرتهم على تحويل التحديات إلى فرص، وتحقيق التوازن بين الاستراتيجية والمرونة، وهذا ما يمكن أن نراه جلياً في نهج دولة الإمارات العربية المتحدة تحت قيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، إذ إن سلاسة السياسة ليست مجرد قدرة على التعامل مع الظروف المتغيرة، بل هي فن يجمع بين الحكمة والمرونة والرؤية المستقبلية للتنمية والاستقرار والازدهار؛ فصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، يجسد هذه الفكرة من خلال قيادته الحكيمة في تعزيز الاستقرار والنمو وترسيخ نجاحات الإمارات في ظل ظروف إقليمية ودولية معقدة، وهو نهج يعكس حكمة القيادة التي تتسم بالتوازن بين الحزم والمرونة، والحكمة في تحقيق التنمية المستدامة، ما جعل الإمارات نموذجاً فريداً إقليمياً وعالمياً في المجالات الإنسانية والتنموية وصناعة المستقبل. ولا شك في أن سياسة السلاسة التي يتبناها سموه ليست وليدة المصادفة، بل هي نتاج رؤية استراتيجية بعيدة المدى، فقد عمل سموه على تعزيز مكانة الإمارات على الساحة العالمية من خلال اتخاذ قرارات مدروسة، تجمع بين الطموح والواقعية. هذا النهج الاستباقي يظهر جلياً في المبادرات التنموية والمشاريع الكبرى التي تم إطلاقها في مختلف المجالات، ما جعل من الإمارات مركزاً عالمياً للتجارة والسياحة والابتكار. وعلى الصعيد الداخلي، تظهر سلاسة السياسة…

استدامة الدول وحياة الإنسان

الإثنين ٠٢ سبتمبر ٢٠٢٤

في التغريدة التي نشرها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، يوم الجمعة الماضي، نجد تأملات عميقة حول مفهوم الاستدامة والتجدد، سواء على مستوى الدول أو الأفراد، إذ يشير سموه إلى أن استمرارية الدول وتطورها يعتمد بشكل رئيس على الاستثمار في الأجيال الشابة، مع التركيز على تمكينهم وبناء قدراتهم. هذه الرؤية تُظهر اهتماماً كبيراً بمستقبل الدول من خلال تربية جيل قادر على مواجهة تحديات المستقبل والتكيف مع المتغيرات، حيث الاستثمار في الشباب لا يحافظ على الاستقرار فقط، بل يضمن تقدم المجتمع واستدامته على المدى الطويل أيضاً. ويربط صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بين هذا المفهوم على مستوى الدول وبين حياة الإنسان الشخصية. ففي سياق حديث سموه عن التقدم في العمر، يشير إلى أن الإنسان غالباً ما يبحث عمَّن يشاركه المرحلة العمرية، لكنه يشدّد على أهمية الحفاظ على روح الطفولة، لأن سرّ السعادة والرضا يكمن في إبقاء هذه الروح حية داخلنا. بهذا، يلفت سموه الانتباه إلى الجانب النفسي والعاطفي في حياة الإنسان، مؤكداً أن السعي للحفاظ على نضارة الروح والقدرة على الاستمتاع بالحياة هما مفتاح التوازن النفسي، هذا التوازن هو ما يسهم في بناء حياة مملوءة بالإنجازات والفرح والرضا. ختاماً، يحمل حديث صاحب السمو الشيخ محمد بن…

يوم المرأة الإماراتية

الإثنين ٢٦ أغسطس ٢٠٢٤

يمثل يوم المرأة الإماراتية مناسبة وطنية كبيرة ومهمة تحتفي بها الدولة تقديراً لما قدمته المرأة من إسهامات بارزة في مختلف المجالات. ويأتي هذا الاحتفال تأكيداً على دعم القيادة الرشيدة لدورها المهني والأسري على حد سواء. وإن تخصيص يوم للاحتفاء بالمرأة الإماراتية يعكس مدى الإيمان العميق بأهمية تمكينها ومساندتها في مسيرة التنمية الشاملة، وتحقيق مزيد من النجاحات والإنجازات. في مجال القانون، أثبتت المرأة الإماراتية جدارتها في تولي مناصب قضائية رفيعة مثل القاضي ووكيل النيابة. وأظهرت كفاءة عالية في معالجة قضايا حساسة وإصدار أحكام عادلة، مؤكدة بذلك قدرتها على تحقيق إنجازات في هذا المجال المهم جنباً إلى جنب مع الرجل. أما في مجال المحاماة، فقد برزت كمحامية محترفة ومدافعة قوية عن حقوق الموكلين، وأثبتت مساهمتها في تعزيز سيادة القانون وترسيخ العدالة في المجتمع. ويعكس دورها ككاتب عدل وموثقة للعقود القانونية، دقة واحترافية عالية، ما ساعد في بناء ثقة المجتمع بالمؤسسات القانونية. ومع تسلمها لمهام المأذونة الشرعية، تسهم المرأة في تعزيز القيم الدينية والاجتماعية، مؤكدة التزامها بدورها في الحفاظ على نسيج الأسرة والمجتمع. وتحظى المرأة الإماراتية بدعم كبير ومستمر من القيادة الرشيدة لدولة الإمارات على الصعد كافة، انطلاقاً من أسس ترتكز على المساواة وتكافؤ الفرص، ما عزّز تمكينها وانطلاقها إلى آفاق النجاح والتميز. وقد لعبت برامج التدريب والتأهيل المتخصصة دوراً محورياً في صقل…

محتالون!

الإثنين ١٩ أغسطس ٢٠٢٤

سأروي لكم قصة حدثت مع «مُسَاعِدتنا المنزلية» وكادت أن تكون فيها ضحية عملية نصب واحتيال، لولا تدخلنا في الوقت المناسب، فقد تواصل معها أحد الأشخاص وادعى أنه من جنسيتها نفسها، وبعد مُدّة قصيرة من المحادثات، ادعى أنه يُريد الزواج بها رسمياً، وأنه ثري وسَيُرسل لها طَقمين من الذهب، مع 50 ألف دولار أميركي، وعقدا الاتفاق على ذلك. وبعد مرور أيام عدة على هذا الاتفاق، أرسلت لها شركة شحن - وهمية طبعاً - رسالة نصية عبر تطبيق «واتس أب» وطلبت منها عنوانها الذي تسكن فيه، فأعطتها عنوان منزلنا، وبعدها طلبت الشركة منها مبلغ 500 دولار، لكي تُرسل لها الشحنة «المزعومة» المتضمنة مهرها النقدي و«ذهبها». لَم تُصدم «العروس المحتملة» بهذا الطلب، ولكنها قالت للذي يُراسلها من الشركة كتابةً: «ليس لديّ هذا المبلغ، فقد تسلمتُ راتبي هذا الشهر، وحوّلته إلى بلدي لولدي»، إلا أن الطرف الآخر، كما روت لنا القصة، انقلب عليها وبدأ يهددها، وقال لها إنه سيبلّغ الشرطة، أو يُرسل لها أشخاصاً على العنوان الذي تُقيم فيه لضربها وحملها على السداد، فاضطرت مساعدتنا المنزلية إلى إبلاغ ابنتي الصغيرة لتساعدها على حل المشكلة، فقالت ابنتي لها سأخبر والدي بالموضوع، وبالفعل أبلغتني الصغيرة بذلك الأمر أمام والدتها وإخوتها، فناديت المساعدة المنزلية وقلت لها: اطمئني فإن المتصل هو محتال يحاول الاستيلاء على أي مبلغ منكِ…

شكراً رجال القمة

الأربعاء ٢٢ فبراير ٢٠٢٣

مع اختتام فعاليات القمة العالمية للحكومات التي احتضنتها إمارة دبي بنجاح، كان لابد لنا من أن نرفع الأقلام ونسطُر أجمل عبارات الشكر لفريق العمل الذي راعى جميع التفاصيل لإنجاح هذا الحدث الهام، والذي أصبح منارةً وملتقى للقادة لاستشراف المستقبل وتبادل الأفكار. ولأن الصورة التي شاهدناها في كل مكان داخل القمة كانت جميلة وأنيقة، وجب علينا أن نفتح الستار لنكشف أنه كان وراء هذا النجاح عشرات من الرجال والنساء ممن بقوا في الظل ليتابعوا أداء مهامهم وأعمالهم باحترافية عالية كي يخرجوا لنا الحدث بهذه الصورة العالمية. من حقنا أن نفتخر بأن لدينا الكوادر الفنية والتنظيمية القادرة على تنظيم مثل هذه الأحداث العالمية، وليس هذا فقط بل نفتخر بأن فرقنا التنظيمية كانت وستظل على أعلى مستوى من الجاهزية سواء في ترتيبات ما قبل وأثناء وحتى ما بعد القمة، من اختيار المواضيع المناسبة للأحداث العالمية وربطها بمسيرة دولتنا وتطلعاتها ودورها الريادي في تحفيز المجتمعات والسلام في ما بينها، وصولاً للاهتمام بأدق التفاصيل من البروتوكولات التنظيمية والدبلوماسية، خصوصاً وأنت تنظم حدثاً يشارك فيه رؤساء دول ووزراء وصناع رأي وفكر ورجال أعمال ويحضره الآلاف من الناس، هذا بالتأكيد ليس بالأمر السهل ولا الهين، إنما الخبرة كانت في مكانها فخرج لنا هذا الحدث بأبهى صوره، أما بالنسبة للمواضيع المطروحة من نقاشات وفعاليات مصاحبة كان اختيارها في…

براءة الوقت

الأربعاء ٠٨ فبراير ٢٠٢٣

أصادف الكثير من الأشخاص في حياتي الذين دائماً ما يوجّهون لي سؤالاً يكاد يتكرر في كل مناسبة أو لقاء؛ من أين تأتي بالوقت لتقوم بكل ذلك من متابعة أعمالك المهنية والكتابة في الصحافة، وتقديم البرامج التلفزيونية والإذاعية، والمشاركة في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من الأنشطة الاعتيادية أو الشخصية؟ وعلى الرغم من أنني لا أعتبر نفسي ممن يتحملون مسؤوليات كثيرة مقارنة ببعض المسؤولين أو القيادة العليا التي تجدها كتلة من النشاط في ملاحقة ومتابعة الأعمال ممن يَصِلون الليلَ بالنهارِ متفانين في عملهم تجاه الوطن والمواطنين، إلا أن السؤال يبقى مطروحاً؛ من أين تأتي بالوقت؟! وكيف تجده في عالمٍ متسارع؟! القطار فيه أصبح كهربائياً يسابق الريح، وهو ما ينسجم تماماً مع مثلنا العربي الشهير «الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعك». في أحيانٍ كثيرة تجدنا نتحجج بأن الوقت لم يسعفنا للقيام بشيءٍ ما، ولطالما نقول لأنفسنا أو لمن حولنا بأنه لا يوجد لدينا وقت إن أردنا التهّرُب من عمل شيء أو تنفيذ خطة بسيطة، وتمر الساعات والأيام والشهور والسنوات ونحن في الدائرة نفسها، نلوم وقتنا على قصره وضيقه ولا نلوم أنفسنا المتخاذلة أو المتراخية في ملاحقة أحلامنا وأهدافنا، أو إدارتنا السيئة في تنظيم هذا العنصر المهم الذي تقوم عليه جميع أمور حياتنا، حيث إن هناك فناً لإدارة الوقت وطرقاً لاستغلاله بشكلٍ صحيح، وأنا…

التعاسة في زمن السعادة

الأربعاء ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٢

كثيراً ما سمعنا مصطلح «العائلة السعيدة» في حياتنا اليومية أو على شاشات التلفاز، ولطالما كان هدفاً أو دعنا نقول حلماً للكثير منا للوصول إلى هذه النتيجة في منازلنا وعلاقاتنا الأسرية، ولكن وعلى الرغم من بحثنا المستمر عن ذلك الهدف، إلا أننا لم نتدارك حاجتنا إلى توافر شيء مهم خلال عملية البحث تلك، ألا وهو معرفة شروط وشكل (العائلة السعيدة) بما يتناسب مع طبيعة عصرنا وما نعيش فيه في وقتنا الحالي من مترادفات كثيرة تتداخل في تعريفات ومقومات سعادة العائلة. قد يعتقد البعض أن العائلة السعيدة في هذا الزمان هي تلك الصور على «السوشيال ميديا» التي تظهر مدى الحب بين أفراد العائلة الواحدة وكثرة الهدايا والعطايا والمفاجآت التي يعبّرون عنها لبعضهم بعضاً وتعج بها وسائل التواصل الاجتماعي، أو يجد البعض الآخر أنها تكمن في السفريات العديدة للعائلة وامتلاك الكثير من الأموال والسيارات والمجوهرات، وتوافر وإتاحة كل شيء لأفرادها، وقد يرى آخرون أن العائلة السعيدة هي تلك العائلة التي يسكن أفرادها سوياً تحت سقفٍ واحد يتناغم أفرادها فيما بينهم مشكّلين لوحة من التفاهم المتبادل، وفئة ترى أن السعادة تتمثل في التمكن من الوصول إلى أعلى قمم ومراتب النجاح، بينما تقرر فئة أخرى أن الاستقرار والراحة النفسية هما السبيل للسعادة ولا شيء سواهما. قد تتلخص كل تلك الأمثلة في حوار بين زوج وزوجة…

شركاء الحياة إلى متى التحدي؟

الخميس ٢٢ ديسمبر ٢٠٢٢

في كثير من الأحيان أتساءل: إلى متى ستبقى لعبة شد الحبل بين الرجال والنساء؟ هل ستستمر إلى الأبد؟! أم سيأتي اليوم الذي نتصالح فيه مع أنفسنا ومع الغير، سواءً كنا رجالاً أم نساءً، ونعرف ماهية الفروقات التي بيننا، وفي الوقت نفسه نتعرف إلى طبيعة الطرف الآخر، وطريقة التعامل مع بعضنا بعضاً، وفقاً لطباعنا وتكويننا النفسي والجنسي المختلف؟! وأنا هنا أتحدث عن علاقة الرجل بالمرأة كشركاء حياة، يعيشون تحت سقفٍ واحدٍ، ومن المفترض أن تجمعهما علاقة قائمة على الحب والمودة والرحمة، ولكن للأسف هناك حالة دائمة من التحدي وشد الحبل تطغى على الطرفين، ومحاولة إثبات الذات ومن له السيطرة، أو بعبارة أخرى من يستطيع كسر رأس الآخر أولاً، ويفرض السيطرة على تلك العلاقة، ما يدفعني للتساؤل أيضاً: هل طبيعتنا البشرية جُبلت على هذه العلاقة؟ أم أن هناك خللاً قد حدث على مر الزمان، وأثّر في تصرفاتنا وتفكيرنا وجعل علاقتنا بهذا الشكل؟! في الآونة الأخيرة، بدأنا نلاحظ وجود تحدياتٍ كبيرة بين الرجال والنساء في مسألة إثبات الذات، وفرض السيطرة داخل العلاقة، فوجدنا أغاني تحث على تلك التصرفات، وبرامج تلفزيونية تدعو النساء إلى إظهار القوة وعدم الخضوع، وأخرى ترد عليها من الطرف الآخر، كما وجدنا منشورات وفيديوهات لا حصر لها، توضح كيفية تسيير العلاقة بين الرجل والمرأة، وجميعها تدعو إلى وجوب تحدي الطرف…

اللي ياكل على ضرسه ينفع نفسه

الأربعاء ٣٠ نوفمبر ٢٠٢٢

كثيراً ما تحدث مواجهات بيننا وبين أولادنا، أو مع بعض الأشخاص في مجتمعنا أحياناً، خاصةً عندما نجد منهم إصراراً على الامتناع عن القيام بشيء صحيح أو التعنت في القيام بأفعالٍ خاطئةٍ بدافع العناد والعصبية، وربما مر الكثيرون منا بهذه الحالة، فمثلاً تطلب من أولادك الاجتهاد في الدراسة، وتجد منهم عدم قبول أو تجدهم يهددون بعدم دراستهم كرد فعل على ما لا يعجبهم، أو طريقة تفاوض يتبعونها للحصول على ما يريدونه. والأمر لا يقتصر على الدراسة فقط، فربما تجدهم يمتنعون عن الأكل أو الشرب أو حتى الخروج في نزهة لنفس الدافع والهدف، وفي النهاية نجد أن من يستخدم مثل هذا الأسلوب لا يضر إلا نفسه، وأن الشخص إذا درس أو اجتهد، ففي ذلك فائدة له ولنفسه بالمقام الأول، والتأثير هنا ليس على الأولاد فحسب، بل على أي شخص حتى أنفسنا. إن أردت شيئاً أو امتنعت عنه فاعلم أن الفائدة أو الضرر عائد عليك أنت وحدك، ولن يشاركك فيه أحد، فعندما تعاند أبويك فعليك أن تعلم أن سنة الحياة تقول إنه لا أحد باقياً لك إلا نفسك، وعليك أن تحسن تربية نفسك وتضبطها وتحثها على التقويم الصحيح والطريق السليم. وبعيداً عن أطفالنا تجد أن بعض الرجال أيضاً يهددون زوجاتهم على الدوام، ويتوعدون بالزواج من أخرى كنوع من أنواع الترهيب، ويستخدمون أسلوب التهديد…

أجيال بمرجعيات عالمية

الأربعاء ٠٧ سبتمبر ٢٠٢٢

كثيراً ما يخطر ببالي، وبالتأكيد يخطر ببال الكثيرين، ممن يفكرون في شكل مجتمعاتنا في المستقبل، كيف سيكون شكلها؟ وما مضامين هذا المجتمع؟ وما المرجعيات التي سيعتمد عليها في نهجه وتفكيره؟ خصوصاً أن العولمة قد وصلت حتى إلى معتقداتنا، وطريقة تفكيرنا، وقيمنا، وأخلاقنا، وتصرفاتنا، بإيجابياتها وسلبياتها، ولا أنوي تقييم الوضع أو الوصول إلى فكرة أو مضمون محدد، يعيّن الصواب أو الخطأ، إنما أريد تصوير مجتمعاتنا الإنسانية، بعد أن تداخلت المرجعيات، وأصبحت أكثر انفتاحاً، وكيف ستتشكل العقول في مقبل السنوات. دخول الإنترنت، وكثرة السفر، والاطلاع على الثقافات المختلفة، وحتى دخول التعليم الأجنبي، وكثرة المداخيل، سواء من التلفاز أو الأفلام ووسائل التواصل أو الألعاب، وغيرها من الوسائل التي تُدخل على عقولنا وعقول أجيالنا معلومات وعبارات، جعلت الأمور متشابكة، ودعوني أتكلم عن نفسي، فأنا أجد في أحيان كثيرة أن هناك إرهاقاً كبيراً في فلترة الأمور، ما الجيد وما الصحيح وما الخطأ؟ ومع كثرة التكرار قد تتغير القناعات، فما أجده بالأمس خطأ قد أتقبله اليوم، ولو بدرجات معينة، هذا وأنا قادم من مرجعيات قيمها ثابتةٌ لا تتغير ولا تتبدل، ومحدودة المصادر، إن صح التعبير، فكيف لأجيال منفتحة على مصادر كثيرة ومتعددة، فمن أين سيخلقون هذا الفلتر لتقييم ما يصح وما يجب تجنبه، أجد في هذا الأمر مهمة صعبة جداً، إن لم تكن مستحيلة، فبالنسبة لهم…