الأربعاء ٠٦ مارس ٢٠١٣
نشأتُ في بيت يقوده (شاعر) وهو أيضاً كاتب وصحافي وناقد أدبي. كان الحبر والورق يملأ بيتنا وسيارتنا وجماجمنا. وفي حين كان الناس يضعون الصحف بعد قراءتها مفارش لموائدهم، كان ذلك (الأب) يوقّر (الأحبار) وما كتبت ... والأوراق وما حوت. فنشأنا نعدّ الحبر والورق ثنائية ملازمة لنا كثنائية الليل والنهار. كنا نراقب أبي إذا غاب عنا في البيت وانزوى وحده، قالت أمي: (اقصروا حسّكم، أبوكم يكتب قصيدة). لم يكن أبي محظوظاً، هو وجيله، في توافر خيارات مكانية للكتابة غير الغرفة الأقل ضجيجاً في البيت! كبرتُ وبدأت أتعرّف الى «الشخص الآخر» في أبي، حين بدأت أفهم مغزى سؤال الناس المتكرر لي: أنت ولد عبدالله بن إدريس؟ كبرت أكثر، وبدأت أتداخل مع جموع الكتّاب والمثقفين، لكني لم أستطع أن أفصل بين شخصيتيّ عبدالله بن إدريس: الأب والشاعر، مما سبّب لي حرجاً في أن أتعامل مع أبي مثلما أتعامل مع الشخصيات العامة بحرية نقدية. هذا الأمر منعني من أن أبدي إعجابي بشاعرية ومهنية أبي الثقافية مثلما أفعل مع شعراء وكتّاب آخرين. ازدادت وطأة الحيف والخوف من لمز المجتمع لو مدحت أبي، عندما اتجهتُ خصوصاً في العقدين الأخيرين إلى الكتابة عن الشخصيات في ما يشبه السيرة الذاتية (بيوغرافي)، وهي ما أخرجتُ معظمها في كتابي (حكايات رجال). كان لا بد حينها أن أكسر الحواجز التي ربما…
الأربعاء ٢٧ فبراير ٢٠١٣
نعيش الآن عصر التناقضات بامتياز. زمننا هذا هو أكثر الحقب اللادينية تديّناً، وهو أكثر الأزمنة حديثاً عن السلام وأكثرها ارتكاباً للحروب، وهو زمن وسائل الاتصال التي أدت إلى الانفصال الأسري والتفكك الاجتماعي، وهو الزمن الذهبي لتداول الناس للحِكَم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكن الناس يصبحون أقل حكمة، يوماً بعد يوم! تفتح حسابك في «تويتر» أو في «الواتس آب» أو في بريدك الالكتروني، للذين ما زالوا يفتحونه، صباح كل يوم فتجد «حكمة الصباح» بالمئات، من كل حدب وصوب، على لسان علي بن أبي طالب والشافعي وجبران خليل جبران وتولستوي وفيكتور هيغو وغادة السمان وطاغور وبيل غيتس وغاندي وآخرين وآخرين! حِكَم ومقولات تحض على: بر الوالدين والتسامح والعطاء والانجاز والترفّع عن الخصومات والتواضع عند النجاح والتفاؤل والتبسّم في وجوه الآخرين والتغافل عن الأخطاء وحسن الظن و و و! تنتهي من قراءة تلك الحكم التي تَوافَق وتَعاضَد عليها الناس وقرأوها معك صباح اليوم، فتتوقع أنك ستخرج الآن إلى المدينة الفاضلة، وستتناول فنجان قهوة في أحد المقاهي مع أفلاطون الذي وصل أخيراً! لكن قبل أن تخرج من البيت، سترى ابنك يتخاصم مع اخته على شاحن الجوال، ثم إذا حصل عليه بالقوة طبعاً، فتح حسابه على «تويتر» وأرسل تغريدة من مقولات غاندي عن نبذ العنف! في طريقك إلى المكتب ستجد في الشوارع أخلاقاً وسلوكيات لم…
الأربعاء ٢٠ فبراير ٢٠١٣
إذا كانت الأمم المتحدة تعلن أنه « لا يمكن لدولة صدّ الارهاب وحدها»، كما بدا في رأس الصفحة الأولى لهذه الصحيفة أول من أمس الإثنين، فإني سأعلن بالمثل: ولا يمكن لجماعة صنع الارهاب وحدها! الارهاب هو وباء هذا العصر، لاشك. لكن مثلما أنه لا يتم تحميل مسؤولية الأوبئة التي تفتك بصحة الانسان على فيروس أو بكتيريا فقط بمعزل عن البيئة والظروف التي هيأت لهذا الميكروب النمو والانتشار، يجب أيضاً النظر إلى وباء الارهاب بالمنظار التشخيصي نفسه. والاستمرار في إشاعة الفكرة المبنية على أن الارهاب يقف خلفه وتصنعه جماعات وحركات متطرفة، هو غفلة أو تغافل عن رؤية الصورة الكاملة للحدث. فالجماعات المتطرفة كانت موجودة طوال التاريخ... من كل الديانات وكافة الشعوب. لكن الارهاب بشكله الاحترافي الذي نراه الآن لم يكن مرافقاً لتلك الجماعات، ليس هذا بسبب نشوء التسهيلات التقنية كما قد نظن، بل بسبب نشوء ما يمكن تسميته صناعة الارهاب. الإرهاب ليس حكراً على تكوين اجتماعي واحد، فهناك إرهاب دول وإرهاب جماعات وإرهاب أفراد. والمستفيدون من الإرهاب ليسوا فقط زعماء الجماعات المتطرفة وهواة العنف، بل هناك قائمة طويلة من المنتفعين من تجار الأسلحة وشركات التأمين ومقاولي التجهيزات الاحترازية (كأجهزة الكشف والحواجز الخرسانية وغيرها). هذه القائمة النفعية/الانتهازية هل ستسعدها الجهود الانسانية النبيلة لوقف الارهاب؟! وهل أخذت الأمم المتحدة في حسبانها، عند جهود…
الأربعاء ١٣ فبراير ٢٠١٣
يراودني كثيراَ هاجس العودة إلى نشرات الأخبار العربية والعالمية خلال القرن الماضي. أود استعادة مضامين الأخبار المتلفزة أو الإذاعية أو الصحافية خلال تلك الأيام، ومقارنتها بنشرات «الأخبار» التي تبطش بنفوسنا الآن، كل يوم و «على رأس الساعة»! أتساءل دائماً: هل الأخبار السيئة هي التي زادت الآن بسبب ازدياد «توحش» الإنسان، أم أن نشرات الأخبار هي التي زادت بسبب «تمدن» الإنسان وانغماسه في ثورة المعلومات؟! وكنت قد تساءلت، في موضع آخر قبل سنوات: أني في طفولتي لم أكن أعرف مشكلة في العالم سوى فلسطين، الآن أصبح العالم كله مشكلة! هل أنا الذي كبرت وازداد وعيي، أم أن النزاعات والحروب هي التي كبرت؟! لكني قبل أن أحصل على نشرات أخبار، عهد الأبيض والأسود، أستطيع أن أتخيّل خريطة الأحداث إذ ذاك: فمن الحرب العالمية الأولى إلى الحرب العالمية الثانية، ثم قيام دولة إسرائيل في عام 1948، ثم احتلال القدس في 1967، ثم «شبه» الانتصار العربي في حرب 1973، عدا المعارك «الأخوية» في لبنان واليمن والعراق والكويت. لا شك أن المنطقة مزدحمة، دوماَ ومنذ عصور طويلة بالأحداث الملتهبة والمشوقة لمحبي نشرات الأخبار وصنّاعها. لكن تلك الأخبار الدموية السيئة والمضرّة بصحة المشاهدين لم تكن حينذاك يومية و «على رأس الساعة»، بل كانت مرتبطة بالحرب أو الحدث حتى ينطفئ أو يخبو أواره على الأقل، ولهذا كنا…
الأربعاء ٠٦ فبراير ٢٠١٣
أول مقال كتبته قبل 33 عاماً، كان تعقيباً على أحد الكتّاب، ثم كان مقالي الثاني أيضاً تعقيباً على كاتب آخر! أمسك بي أحد الأصدقاء «الحكماء»، وقلّ أن يكون بيننا حكيم في ذلك السن الشبابي، أثنى على تعقيبيّ الأول والثاني (كنت أسميها تجمّلاً: مقالات!) وامتدح أسلوبي فيهما، ثم قال لي: طبيعي أن تكون بدايتك الكتابية هكذا، ردود فعل وتعقيبات، لكن إياك أن تجعل كتاباتك كلها تعقيبات، فتصبح (معقّباَ) وليس كاتباَ! أستذكر الآن تلك النصيحة الذهبية، وأنا أشاهد (فئة) من المجتمع دورها في الحياة ليس صنع شيء... بل صنع موقف من صنيع الآخرين! والعجيب أن هذه (الفئة) ليست في بدايات شبابها ومساهماتها، حتى نتفهّم سلوكها فنعذرها، بل هي في سن الكهولة وما زالت تمارس دور (المعقّب) الفكري أو الثقافي! هذه (الفئة) لا تجيد صنع الأفكار لكنها تجيد هدم أفكار الآخرين. وهي لا تكتب شيئاَ... بل تهاجم كتابات الآخرين، ولا تقول شيئاَ... بل تفند أقوال الآخرين. إن أجمل تسمية تليق بالمنتمين إلى هذه الفئة هي (الهدميّون) المعقّبون على كل بانٍ... كاتبٍ وناشطٍ وفاعل. المزعج حين تتلبس هذه (الفئة) لبوس: الأغير على الدين والأخلص للوطن. وإذا استطاع «اللاعب» معك أن يمسك بورقتي الدين والوطن، لا يعود في يدك سوى ورقة الصدق، التي يمكن أن تهزمه بها. أما المزايدة على الدين فهي من أحرش المزايدات،…
الأربعاء ٣٠ يناير ٢٠١٣
لم يغب عن ذهني حين كتبت مقالتي قبل الماضية: «سيرة ذاتية قصيرة»، أني لا أكتب عن نفسي فقط، وإن كنت قد استخدمت بعض ملامحي الخاصة فيها. لم أكن أكتب عن شخص محدد بعينه، بل عن إنسان عربي أكمل خمسين عاماً من حياته وهو ينتظر السلام. وكنت أراهن على القارئ العزيز أن يدرك مغزى سيرتي تلك بأنها ليست لي وحدي. «هذه ليست سيرة ذاتية... هذه سيرة أمة خلال نصف قرن» كما علق الصديق والباحث المعروف سعيد حارب. حقاً يا دكتور سعيد هي سيرة أمة، ظلت طوال نصف قرن وأكثر من قبل وربما من بعد أيضاً، تنتظر السلام الذي سيأتي على حصان أبيض، لكن انتظارها كان دائماً ينقضي بوصول الحصان الأسود حاملاً على جنبيه الحرب والسلاح ويمتطي ظهرَه وزراء الدفاع والهجوم! لم يكن مفاجئاً لي أن يكون تقاطع القراء أكثر ما يكون في تلك السيرة عند محطة القدس (الفردوس المفقود). فشؤوننا وشجوننا وأفراحنا وأحزاننا كلها لا تكتمل ما لم يكن في غرتها شجَن القدس، وقد تجلى هذا الشعور أكثر ما يكون في تعليق الخبير العربي هشام نشابه وسانده الباحث المتعدد أمين كشميري والمستشار الإعلامي عبدالرحمن الأنصاري، حين تقاطعوا مع السيرة في دموع الحزن والتجلّد على الانتظار الطويل لعودة القدس. لكأن العربي الذي لا يبكي القدس ليس بعربي حقاً! ظلت القدس المخطوفة، وستظل…
الأربعاء ٢٣ يناير ٢٠١٣
ظلت الشعوب العربية لسنوات على علاقة متوترة مع القمم العربية، تنالها بالسخرية والتندر على طقوسها ونتائجها غير المرئية. وفي ما بعد أحداث 11 سبتمبر بدأت المفاصلة الحقيقية، فأصبح نصف الشعوب العربية يمجّد «القمة» والنصف الآخر يمجّد «القاعدة»! بعد مرور سنين طويلة من التطلعات، ما زال الإنسان العربي «الموعود» تائهاً، فلا القمة وفت بوعودها الإصلاحية ولا القاعدة حققت الفردوس الموعود. الآن، يجري تحوّل جذري في المعادلة الثنائية، إذ بدأت القمة تستشعر أثر الفجوة التي بينها وبين الشعوب العربية القابعة في القاع، الفجوة التي استغلتها «القاعدة» الأقرب إلى أهل القاع من أهل «القمة». الآن بدأ الاهتمام ينتقل من قمم الخطابات السياسية إلى قمم القرارات التنموية، أي أن القمم العربية تكاد أخيراً تحذو حذو قمم الاتحاد الأوروبي و «آسيان»، التي تناقش تفاصيل القضايا التي تنشغل بها الشعوب لا القضايا التي تشغل القادة. الربيع العربي لم يكن غائباً عن قمة الرياض التنموية، أول من أمس. حضر من خلال وجود بعض القادة العرب الذين جاء بهم الربيع العربي من القاع إلى القمة، وحضر عبر التصريح الاستباقي لوزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل أثناء اللقاء التحضيري للقمة حين قال: إن تجاهل طموحات الشعوب وإغفال الجوانب التنموية هي مسببات الربيع العربي. بهذا التصريح المستنير نكون قد انتقلنا بالفعل من أزمة التراشق مع الربيع العربي ووصفه تندّراً بالصيف…
الأربعاء ١٦ يناير ٢٠١٣
في التاسع والعشرين من شهر كانون الأول (ديسمبر) من عام 1962م (1382هـ) وُلد «المذكور اسمه أعلاه». كان يمكن لهذا القادم الجديد أن يتريث يومين فقط فيصغر عمره، على ألسنة الناس، عاماً كاملاً. لكنه لم يأبه يوماً بإخفاء أو تصغير عمره. وها هو يكرر «غلطته» اليوم بإعلانه أمام الملأ أنه، في الشهر الماضي، بلغ الخمسين من عمره... وما أدقّه من رقم! عاش الرضيع في كنف والديه، بمدينة الرياض، يسرح ويمرح ظناً منه أنه لم يحن قطافه هو وجيله من مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية، إلا بعد أن عمّ السلام في هذا الكون ووضعت الحروب أوزارها ووزراءها. لكنه بعد أن أصيب بكسر في رجله في الثالثة من عمره وبقي أثره معه حتى الآن، سيصاب بكسر في قلبه في الخامسة من عمره حين رأى أباه «الشاعر» يبكي ضياع القدس، وسيبقى أثر هذا الكسر معه طيلة حياته. ظنَّ الطفل، الذي ينتظر السلام، أن حرب 1967 هي الحرب الأخيرة، وما درى أنها ستكون الحرب الأولى أو شبه الأولى، وستتلوها حروب... حقيقية ومزيّفة. وحين قُتل الملك فيصل في عام 1975 أدرك الفتى الصغير ذو الثلاثة عشر عاماً أن المسألة ستطول، وأن عصر السلام الذي سيعيشه هو وأقرانه، كما وعدهم قادة وحكماء العالم في عام 1945 «عام الوعود» ما زال بعيداً. ظل الشاب الموعود يكبر والحروب…
الأربعاء ٠٩ يناير ٢٠١٣
تستهويني بشغف المواقف الإنسانية، تأسرني المبادرات التي ليس فيها أي شيء سوى الإنسان. هذا الشغف يكون في الأوقات العامة، فكيف به إذا أتى في هذا الزمن الرأسمالي المتوحش، الذي أصبح كل شيء فيه له ثمن... لكن، لا شيء له قيمة! بطعم الإنسانية تأتي المبادرة التي أطلقها حاكم دبي بجعل احتفالات يوم الجلوس في الرابع من كانون الثاني (يناير) لهذا العام مناسبة للاحتفاء بعمال الخدمات، وتكريم الفئة المنسية والمهشمة دوماً من عمال النظافة والبناء والمزارعين والسائقين وخدم المنازل. يكرّس محمد بن راشد آل مكتوم تلك المناسبة الوطنية ليدعو الناس إلى أن يقولوا للعمال والبسطاء: شكراً لكم، عوضاً عن أن يطلب من الناس أن يشكروه لأنه ما زال حاكماً عليهم! تأتي هذه اللفتة المكتومية لتقاوم موجة الازدراء للعمال والمقيمين بين ظهرانينا، الذين تركوا أهليهم وأولادهم وجاؤوا لأكل لقمة العيش. نعم... أعرف، لم يأتوا لخدمتنا مجاناً، لكن هذا لا يعني أن نهمش دورهم الأساسي في رفاهية حياتنا اليومية، فنحن أيضاً لم نعطهم المال مجاناً. حملة (شكراً لكم) انطلقت من دبي، لكنها يجب أن تؤثر في الجيوب المحيطة وأن تقاوم النبرة الارتيابية ضد العمالة وضد المقيمين. المقيمون ليسوا ملائكة، لكنهم أيضاً ليسوا شياطين نستخدمهم في إلصاق كل سوأة أو جريمة بهم، كالذين أصبحوا أخيراً يضعون كل أسباب تخلفنا وفسادنا على الأجانب المقيمين عندنا، عندنا...…
الأربعاء ٠٢ يناير ٢٠١٣
مساء أحد الأيام اشتكى إليّ جارنا الذي يقطن الشقة التي تحت شقتنا مباشرة، أن الماء يتسرب في سقفهم من جهتنا وأن علينا فحص مسارب المياه لمعرفة المصدر؟ شاركت جارنا العزيز القلق من هذه المشكلة والاعتذار والمبادرة فوراََ بالاتصال بالصيانة. تأخر موظفو الصيانة في المجيء، ثم حين جاؤوا لم يكونوا بالدراية الكافية لقطع دابر المشكلة، حيث عاد التسرب بعد أسبوع وعاد جارنا للتذمر وهو يريني الماء وقد نفخ السقف والجدران عنده وبلّل الأرضيات. كان انفعال جارنا يزداد لكن تفاعلي معه يقلّ! إذ أقنعت نفسي وإن لم أقنعه بأن ما يحدث له ليس مسؤوليتي بل مسؤولية الصيانة. في المرة الثالثة لشكوى جارنا لم أعد لامبالياََ فحسب، بل بدأت أبدي تذمري من انفعال جارنا الذي انقطعت بيننا تحيات المجاملة الصباحية والمسائية. بعد مرور ستة أشهر من هذه المشكلة المزمنة، اتصلت بي زوجتي منزعجة لتخبرني بأن سقف الشقة التي فوقنا يسرّب الماء على شقتنا. اتصلت بجارنا العلوي وشكوت له، بمنتهى الأريحية، وأنا في ذهني حكاية جارنا السفلي. بعد أسبوع تكرَّر تسرب الماء، ازداد انفعالي وأنا ما زلت أحاول ضبط النفس... وفي ذهني حكاية جارنا السفلي ! * * * ما الذي أريد أن أصل إليه من هذه الحكاية العابرة؟ أني ازددت قناعة بأن أفضل قانون لتحسين تعاملك مع الآخرين هو مبدأ: تخيّل نفسك مكان…
الأربعاء ٢٦ ديسمبر ٢٠١٢
كانت احتفالية منظمة اليونسكو، الأسبوع الماضي، باليوم العالمي للغة العربية (18 كانون الاول / ديسمبر) مثار إعجاب الضيوف وغبطة المنظمين (أعضاء المجموعة العربية). عدد الفعاليات ونوعيتها وعدد الحضور ونوعيتهم، كل ذلك صبّ في وعاء النجاح لإنهاض هذا اليوم العالمي المولود حديثاً. لم يقتصر الاحتفاء بيوم العربية على محضن المبادرة «اليونسكو»، بل تجاوزه كما كنا نأمل وكما ينبغي، إلى بعض الدول العربية التي تفاعلت مع المناسبة، لا كما يليق بها بل كما يليق بالوقت الضيق المتاح. بأمل أن تكون احتفالية الأعوام القادمة بإذن الله أكثر تنوعاً وانتشاراً وجدوى. هناك دول عربية لم تحفل بالاحتفالية البتة، ولم تلقِ لها أي اهتمام أو اعتبار، وسنعذّر لهذه الدول بأن الوقت القصير المتاح بين تاريخ القرار وتاريخ الاحتفالية كان هو الحائل الوحيد عن المشاركة لهذا العام. في هذا الصدد، يجب في المقابل أن نشكر دولاً ومؤسسات ثقافية وإعلامية عربية شاركت مع اليونسكو في الاحتفالية وأسهمت بقوة في إنجاح يوم العرب. والشكر مضاعف بالطبع لهيئات ومؤسسات سياسية ووسائل إعلام اجنبية لم تغفل عن الإشادة باللغة العربية في يومها العالمي. امتنان خاص، أقدمه بالنيابة عن شباب العرب، إلى نادي برشلونة العالمي على لفتته النبيلة بتهنئة العرب باليوم العالمي للغة العربية. يا الله كم هي ذكية هذه اللفتة، اسمحوا لي الآن أن أقول: «الإنسان» يكمن في التفاصيل! الأهم…
الأربعاء ١٩ ديسمبر ٢٠١٢
لا أحد يعشق لغته كما يفعل العرب! لكن هذا العشق لا تصاحبه دوماً، للأسف، ممارسة كافية للتعبير عن هذا العشق. أقول هذا وقد عاشت اللغة العربية أمس ليلة زفاف جديد في مناسبة (اليوم العالمي للغة العربية) الموافق يوم 18 كانون الأول (ديسمبر) من كل عام، حسب قرار اليونسكو الجديد. ما الذي كان يمكن أن نصنعه للغتنا في حفلة أمس؟ وما الذي يمكن أن نصنعه في حفل السنوات المقبلة بإذن الله؟ عادة ما نردد في مثل هذا السياق أن «السؤال سهل لكن الإجابة عليه صعبة». هذه المرة سأخالف السياق المألوف، وسأقول: السؤال صعب لكن الإجابة عليه سهلة! السؤال صعب، لأننا لم نتفق حتى الآن على مشروعية السؤال ووجاهته والحاجة إليه ومرجعيته المفترضة وتوقيته الملائم. أما الإجابة فهي سهلة، لأنها فقط تكمن في «أن نتكلم». أن نتكلم لغتنا العربية باعتزاز ومن دون استصغار للغتنا وذواتنا وهويتنا، هذا هو أكبر عمل وأقوى فعل يمكن أن نقوم به لخدمة اللغة العربية. ما سوى ذلك من أعمال وأقوال وجهود وبحوث، هي كلها خدمات مكمّلة للفعل الأساسي الذي هو أن «نتكلم». المديح والإطراء الخطابي للغتنا العربية، لا يجدي كثيراً لا في اكتساب المزيد من الناطقين بغيرها ولا في استرجاع المارقين منها. وقد تكون آثاره عكسية خصوصاََ عندما يتم بناء زخارف المديح للغتنا على ركام النّيل من…