الأربعاء ٢٥ فبراير ٢٠١٥
لطالما جادلت نفسي حول قدرة الثقافة على تغيير مسارات الأمم ومصائرها. ويشتد هذا الجدل في أوقات التأزم السياسي مثل التي نشهد هذه الأيام. تعلمت سابقا أن الأزمات تنتج سيولة في الأفكار والقيم، تفضي بالضرورة إلى تحولات اجتماعية غير معهودة. ويتسارع التحول أثناء الأزمات الكبرى كالحروب والثورات والكوارث الطبيعية، بل والكوارث السياسية والاقتصادية أيضا. كلنا لاحظ التغيير العميق في ثقافة عرب المشرق خلال السنوات 2011 - 2013. أحاديث الناس في لقاءاتهم وآرائهم المنشورة في مواقع التواصل الاجتماعي تشير إلى تصاعد شعور الفرد العربي بذاته كفاعل سياسي، مقارنة بالتصور القديم الذي يعتبر السياسة حرفة خاصة بنخبة صغيرة في المجتمع. تبعا لأدبيات التنمية يجب اعتبار هذا التطور نقلة إيجابية في كفاءة المجتمع وقابليته لحل مشكلاته، لا سيما تلك الناشئة عن تضارب الإرادات بين الأجيال القديمة ونظيرتها الجديدة. لكن واقع الحال يشهد أن التحولات المذكورة لا تتجسد دائما في فعل إيجابي تقدمي. معظم المجتمعات العربية دخل في نفق الانقسام والاستقطاب، انقسام يلبس في كل…
الأربعاء ٢٥ فبراير ٢٠١٥
فعلاً البطالة من سنن الكون الثابتة، فمثلاً كان الصيادون البدائيون يتحوّلون إلى عاطلين حين تختلف رماحهم مع مواسم هجرات السمك. كان المزارعون يفقدون دخلهم السنوي إذا عصفت بهم موجة جفاف أو غمرت أمطار حقولهم. كان البحارة يفقدون عملهم إن غرقت سفينتهم أو هاجمها القراصنة. كانت الحروب منذ بدء نشأتها تزيد عدد العاطلين، لأنها تحجب سبل التجارة وتقطع الممرات. في حالات السلم والاستقرار، تتحوّل الجيوش من قدرة عسكرية إلى جيوش من العاطلين. التاريخ يؤكد ذلك كله، إلا أن الفرق أنه لم تكن لدى المجتمعات حينها أدوات لقياس نسبة البطالة، لأنها لا تحسب قوة العمل أصلاً، ولا تكون العودة إلى ذلك سوى إعلان تنازل عن كل معطى علمي مكتسب. ربما جاز القول عند بعض المخططين، إن «أهل الصفة» كانوا حالة البطالة في مجتمع المدينة، وتباين أعدادهم من وقت إلى آخر يمثّل التغيّر في نسب البطالة بحسب طرق المعالجة وتنوّع الفرص. الفرق بين اليوم والأمس هو استقراء كل حالة، ورصد بياناتها، ودرس انعكاس…
زياد الدريسكاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو
الأربعاء ٢٥ فبراير ٢٠١٥
كان مصطفى كمال أتاتورك هو الشخصية الأولى التي تعرّفت من خلالها على فكرة (الأصل اليهودي) للأشرار أو، في شكل أدقّ، للأشخاص الذين لا نحبهم أو نريد أن نشوّههم. ثمّ لسبب ما مفاجئ تم وضع المصلح جمال الدين الأفغاني في القائمة المشبوهة. بدأت القائمة تتوسع شيئاً فشيئاً، بعد أن لقيتْ مفعولاً مؤثراً في المجتمع العربي. ثم انبعجت القائمة وفقدت الفكرة هيبتها بعد أن أصبحت مقولة: «فلان أصله يهودي» هي تهمة من لا تهمة له، كما أنها خلطت أخياراً بأشرار. فالداعية الإسلامي حسن البنا أصله يهودي والزعيم القومي جمال عبدالناصر كذلك وصدام حسين لا يخلو نسبه من عرق يهودي والقذافي تبيّن أن أسرته من أصول يهودية والرئيس الإيراني المتشدد أحمدي نجاد ينحدر من يهود أصفهان والسيسي أمه يهودية. وقائمة طويلة تشمل، إلى جانب السياسيين، دعاة ومثقفين وفنانين وتجاراً ورجال أعمال طبعاً، وقد كان زعيم الحوثيين في اليمن هو أحدث من تم إدراجه في قائمة ذوي الأصول اليهودية. حديثي هنا ليس عن نفي…
الأربعاء ٢٥ فبراير ٢٠١٥
لم يخلُ «الكاليندر» الخاص بي،طوال العامين الماضيين، من دعوة لأمسية ثقافية أو لحفل توقيع كتاب أو حضور ندوة لمفكر عالمي، لقد خدعتهم جميعاً بلبس قناع المثقف، صدقني لم يكن الأمر صعباً، نظرة مجنونة تضعها على وجهك، استخدام مصطلحات لا يفهمها غيرك مثل: «استحلاب السوائل الفكرية المجهضة ثورياً»، أو «الارتجاع الجيوسياسي للعقل الجمعي»، وجملتي المفضلة: «تناضح الاختلاف الجيلي مزدوج الفكر»، لعيب يا ولد! تخيل حين يأتي أحدهم ليسأل عن الحديث الدائر عن الوحدة الخليجية وأقول له: بالطبع هي خطوة على الطريق الصحيح ولكن علينا حل إشكالية تناضح الاختلاف الجيلي مزدوج الفكر، هل ستتوقع أنه سيستمر في الحوار؟ لقد كانت لكمتي قاضية، بالمناسبة هل تذكرون حين كنا صغاراً نحلم بالوحدة العربية، «العربييييي، العربية»، اليوم نحلم بالوحدة الخليجية، هل أتخيل أن «نطاق الألواح التكتونية القابلة للاتحاد» يصغر؟ أم أنني مخطئ؟ المهم بعيداً عن القصص التي تأخذك في رحلة لاكتشاف نجوم المجرة، في العام الأخير انقطعت الدعوات الموجهة لي، لماذا؟! لا أعرف يبدو أنهم…
الأربعاء ٢٥ فبراير ٢٠١٥
طبعت السنوات العشر الماضية العلاقة مع تركيا بعواطف مختلطة، بين الحب والإعجاب والغضب، ثم طغت عليها الاختلافات في وجهات النظر، معظمها تفصيلية. إنما بقيت هذه الدولة تحمل أهمية خاصة لدول الشرق الأوسط، والسعودية من بينها. ورغم خلافات التفاصيل، استمرت أنقرة طرفا سياسيا فاعلا في قضايا المنطقة، من فلسطين إلى لبنان، ولاحقا في مصر وسوريا والعراق وليبيا. ولا نفهم جيدا المنظور التركي من معظم هذه القضايا، وأحيانا تحيرنا بسبب تناقضها، فقد وقفت ضد إسقاط نظام القذافي في ليبيا، في الوقت الذي أخذت فيه موقفا سياسيا حازما ضد نظام الأسد في سوريا. وفي الوقت نفسه تتمتع بعلاقة جيدة مع إيران، وعملت لعقد كامل كبوابة مفتوحة ضد الحصار الدولي على نظام طهران، مع أنها عضو في حلف الناتو. وبعد الربيع العربي تبنت جماعة الإخوان المسلمين المصريين، فصارت لهم المقر والماكينة الدعائية، بديلا لقطر. واستضافت كذلك الإخوان المسلمين الخليجيين المعارضين. وفي إحدى المرات، ومن قبيل هذه المناكفة، بحثوا عن مسؤول تركي يستقبل معارضين من…
الثلاثاء ٢٤ فبراير ٢٠١٥
كانت الحجة الأبرز في عدم استجابة مجلس الأمن لأيٍ من مطالب مصر بعدما ذبح إرهابيو «داعش ليبيا» واحداً وعشرين من أبنائها الأقباط، وكذلك عدم استجابته مطلب الحكومة الليبية التي يعترف المجلس نفسه بشرعيتها، أن هناك حواراً بين الأطراف الليبية من أجل التوصّل إلى حل سياسي للانقسام والأزمة الحاصلين بين شرق البلاد وغربها، وبالتالي يحب إعطاء هذا الحوار فرصة، خصوصاً أنه يُجرى برعاية الأمم المتحدة، ممثلة بمبعوثها الخاص. كانت القاهرة طرحت على مجلس الأمن خيارات عدة، وهي: أن تشمل استراتيجية «التحالف الدولي ضد الإرهاب» الأراضي الليبية، فهو يعمل تحديداً ضد تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، وها هو التنظيم يجهر بجرائمه الأولى في ليبيا بعدما كان أعلن من مدينة «درنة» عن وجوده ومبايعته لـ «أبي بكر البغدادي». أو يكون هناك تحالف آخر معني بمحاربة الإرهاب في ليبيا، طالما أن دولاً أوروبية باتت تستشعر الخطر الآتي من الشاطئ المتوسطي المقابل، أو أن تُمنح مصر تفويضاً دولياً لتنسّق عمليات ضد الإرهاب مع الحكومة الليبية…
الثلاثاء ٢٤ فبراير ٢٠١٥
في مثل هذا اليوم من كل أسبوع، يكتب هنا في الزاوية نفسها زميلنا العزيز، الأستاذ علي إبراهيم نائب رئيس التحرير، مقاله الأسبوعي المعتاد، بيد أنه ومنذ أسبوعين غاب عن قرائه وعن أسرته الصغيرة، وكذلك عن أسرته الكبيرة في صحيفة «الشرق الأوسط». حضر معنا اجتماع الصفحة الأولى يوم السبت قبل الماضي ثم عاد لمكتبه، لم تفارقه ابتسامته وروحه الطيبة التي تسبقه. فجأة أصابته أزمة قلبية خانقة وهو على رأس العمل. لم تصبه الأزمة وحده، بل أصابت قلوب كل زملائه. نُقل سريعا للمستشفى وألسنة الجميع تلهج بالدعاء، وخلال ساعات قرر الفريق الطبي إجراء عملية كبيرة في قلب الرجل الطيب. العملية كانت معقدة وخطيرة واستغرقت ما يقارب العشر ساعات. 10 أيام مرت على العملية الجراحية استقرت خلالها حالته الصحية والحمد لله، بيد أنه في العناية المركزة بانتظار المزيد من دعواتنا ولطف الله به. ومنذ ذلك الحين لا يزال السؤال يتكرر من زملائي ومن محبيه يوميا: متى يعود علي؟! هذه المهنة تختطف منا أشياء…
الثلاثاء ٢٤ فبراير ٢٠١٥
المتابع للقنوات الشعبية الفضائية في مشهدنا يصاب بالملل والغثيان؛ مما تبثه تلك القنوات، فهي للأسف لم تخدم الموروث الشعبي في جوانبه المتعددة والجميلة وبصورة إنسانية، ومن يتابع تلك القنوات يحس أننا نعيش في عصور سحيقة لم يطرأ على مجتمعاتها أي تغيرات تنموية، معظم هذه القنوات تركز على الشعر الشعبي، وكل قناة تركز على شعراء قبيلة بعينها وترفع من شأن تلك القبيلة، وبرامجها الأخرى هي عن المناسبات الاجتماعية لأبناء تلك القبيلة، أما بقية فترات بثها فهي تملأه بتصوير الإبل الخاص بتلك القبيلة، وهي تركض وخلفها المئات من أبناء القبيلة. مهرجانات أقل ما يقال عنها إنها بسيطة وساذجة، فتلك القنوات ومن يديرها -للأسف- لا يملكون الرؤية الإعلامية وخطورة يقومون به على الوحدة الوطنية. أزعم أن من يملك تلك القنوات هدفهم مادي بحت؛ مستغلين مثل هذه الانتماءات الضيقة عند بعضنا، وكل من يتابع شريط الرسائل النصية على شاشات تلك القنوات يجزم أن هدفها ليس خدمة الموروث الشعبي، بل هو ساحة للنعرات والتباهي المزيف…
الثلاثاء ٢٤ فبراير ٢٠١٥
أثارني الاستطلاع الذي قامت به أخيراً صحيفة مكة، وكان نداء استغاثة (وهمياً) باسم مواطنة سعودية، أرسل إلى سفارات المملكة حول العالم، لقياس مدى سرعة التجاوب، والمفاجأة التي لخصتها الصحيفة، أن هناك 11 سفارة لم ترد. يبدو للوهلة الأولى -لأي قارئ- بأن الأمر محبط للغاية، وعلى الأخص ممن تنامى لديهم الكثير من الشكوك في عدم قدرة سفارة وطنه على تقديم يد العون لهم. من وجهة نظري الشخصية، بأن الصحيفة لم توفق فما فعلته في نهاية الأمر ليس إلا مضاعفة بعض الشكوك لدى مواطنين، إزاء ما يدور حول عمل السفارات، وبأنها ما هي إلا مجرد مبانٍ وحراس، ولكن بما أني وأسرتي قد تعرضنا إلى الكثير من الأمور المقلقة؛ بسبب سفرنا الدائم، ولم نحتجْ إلى اللجوء إلى السفارة إلا في أوقات حرجة، فأنا أود أن أعطي صورة مختلفة عما أوردته الصحيفة. ففي صيف عام 2007 كان عليَّ التوجه إلى مدينة لوس أنجلوس، على متن طائرة الخطوط البريطانية، لكن بعد تعرضي أثناء الرحلة إلى…
الإثنين ٢٣ فبراير ٢٠١٥
في كل مجتمع هناك رغبة متأصلة لإحداث عمليات التغيير والتطوير بشكل مستمر، ففي كل الخطابات السياسية والمجتمعية ترد عبارة التغيير والتطوير والتنمية على رأس العبارات المستخدمة من أجل الاستجابة المباشرة للمتطلبات التي تمس المواطن، فلكل عملية تغيير ثلاث زوايا مهمة لا يمكن الحديث عن التغيير دون الإشارة إليها، فالعنصر البشري أولاً، ثم الإمكانات ثانياً، ثم الثقافة بمعناها الاجتماعي ثالثاً، وشرط عملية التغيير والتطوير في المجتمع بكاملة تقوم على إحداث عملية تغيير في العناصر الثلاثة كلها وبشكل استراتيجي. عملية توزيع القوة ودرجتها بين العناصر الثلاثة مهمة جداً ولكن الأهم هو معرفة أين تكمن مقامة التغيير والتطوير في المجتمع، على سبيل المثال فقدان الإمكانات وعدم القدرة على توفيرها تشكل مقاومة مباشرة لعمليات التغيير، وعدم القدرة على اختيار الموارد البشرية القادرة على إدراك عمليات التغيير وتنفيذها مقاوم للتغيير، وإطلاق عملية التغيير في بيئة مجتمعية وثقافة اجتماعية مقاومة للتغيير يلغي السياسات المؤدية الى التغيير. قرار التغيير لا يمثل إدراجه في الخطاب السياسي أو الخطاب…
علي عبيدكاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة
الإثنين ٢٣ فبراير ٢٠١٥
شريط طويل من الوجوه والأحداث، مر أمام عيني وأنا أتشرف يوم الثلاثاء الماضي بحضور «برزة قصر الحصن» التي أحياها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في إطار مهرجان قصر الحصن، الذي يقام للعام الثالث على التوالي، ترسيخا لمكانة هذا المَعْلم التاريخي الذي شهد العديد من الأحداث، وتعاقب عليه العديد من حكام آل نهيان الكرام، حتى غدا واحدا من أهم المعالم التاريخية في إمارة أبوظبي ودولة الإمارات. في مشهد يمزج بين العراقة والحداثة، استقبل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ضيوفه الرسميين من خارج الدولة وداخلها، بحضور عدد من الشيوخ والوزراء وكبار المسؤولين، والتقى بعدد من المواطنين في أجواء حميمية، داخل فناء الحصن الذي تحتضن أسواره من الجهات الأربع المباني الحديثة والأبراج العالية، راسمة لوحة تجمع بين الماضي التليد والحاضر الزاهي، مما أعطى فكرة إقامة «البرزة» في هذا المكان أبعادًا تجاوزت الحدث نفسه إلى معانٍ أعمق، استمدت دلالاتها من هذا المزج…
الإثنين ٢٣ فبراير ٢٠١٥
نعيش جميعاً أزمة عميقة مع الإرهاب الذي يجذب إلى جبهاته آلافاً من أبنائنا جميعاً عرباً وأوروبيين. ونعيش صراعاً يومياً أصبح الإنترنت أكبر جبهاته ضد الأفكار المتطرفة التي لا تخضع للرقابة ولا الإدانة والمحاسبة. هذا الفكر الذي أطلق له العنان في الفضاء «السايبري» أسهم كثيراً في تجنيد المنظمات الإرهابية لكثير من الشباب من كافة الدول -بما فيها دول ديمقراطية. مئات وآلاف الدراسات التي صدرت في السنوات التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ترصد سلوك وأفكار الجماعات والمنظمات الإسلامية، إن التجربة التي يمكن اكتسابها من كل الدراسات والبحوث والتقارير المعمقة ذات الطابع الفكري هي أن منطقتنا العربية تعاني من هشاشة الأرضية التي يمكن أن تسمح للفكر المستنير أن ينمو ويترعرع ويكون قادراً على كسب العقول والقلوب ضد التطرف. ويتمثل جزء من المشكلة في غياب التسامح والحوار واحترام الآخر، الأمر الذي يجعلنا جميعاً وخاصة أبناء الديانات والطوائف والأقليات ضحية عند كل اضطراب، وقد رأينا هذا ماثلًا أمام أعيننا بشكل أكثر قسوة مع…