الخميس ٠٩ أكتوبر ٢٠١٤
وسأعود اليوم لما ذكرته قبل ثلاثة أيام عن النماذج التي حولت هذا الدين العظيم إلى دين أقبية وكهوف وتنظيمات سرية. خذ من هذه النماذج أن شخصا مثل أبي بكر البغدادي يعيش في نطاق بشري من عشرة أفراد وقد يختلف حتى مجرد اثنين على تحديد صورته وهويته، ومن الدهشة أنه يدعو لخلافة ودولة. في اليد الأخرى تقول الأنباء إن دائرة حسن نصر الله لم تتعد 40 فردا خلال السنة الماضية، وإن عبدالملك الحوثي يتنقل في اليوم الواحد ما بين عشرة مقار أمنية. في الأنموذج الثالث دخل جهيمان العتيبي إلى الحرم الشريف بتنظيم سري وقبض عليه مع نفر من مريديه داخل أقبية مغلقة. وأودّ أن أقول إن رسالة الإسلام هي رسالة جهر ونور وضياء لا ديانة أقبية وكهوف وأفكار شاردة مغلقة. خذ من الأمثلة: أن محمدا صلى الله عليه وسلم دخل يوم الفتح بصدر مفتوح ورأس مرفوع إلى وسط ما تقول عنه كتب التاريخ إنهم 20 ألف مقاتل من أعدائه. تقول كتب…
الخميس ٠٩ أكتوبر ٢٠١٤
أواخر عام 2011 كان طرفا الصراع في سورية يعتقدان بأن ثمة أملاً بنهاية قريبة وممكنة للأزمة. فلا مصلحة للنظام في أن تطول، والمعارضة بمختلف أطيافها لا تريد تخريب البلد أو مزيداً من الضحايا. وإذا بمسؤول كبير من صلب النظام يفاجئ مجالسين يثق بهم بقوله: للأسف، لا حلّ قريباً، وأخشى ألا يكون هناك حلٌ أبداً، فإيران مصممة على القتال حتى آخر عَلَوي في سورية! واليوم، بعد مضي نحو أربعة أعوام، ومع بلوغ ضحايا الطائفة العلوية مئة وسبعة آلاف بينهم أكثر من ستين ألف عسكري، يمرّ أبناؤها بمشاعر مريرة إزاء تطوّرات تتناقض كثيراً مع ما بنته من آمال في حسم عسكري تعهّده النظام، وفي انفراج سياسي وعد بإنجازه بعد الانتخابات الرئاسية. فما صُوِّر بأنه «الحسم» لم ينهِ الأزمة، وما قيل أنه انفراج تمخّض عن حكومة هزيلة ينصبّ عليها حالياً كل انتقادات العلويين، فهم كسائر الموجودين في سورية يخشون انتقاد النظام. في الآونة الأخيرة توالت خيبات الأمل والمآسي، وشاهد العلويّون أبشع المذابح على…
الخميس ٠٩ أكتوبر ٢٠١٤
قبل ثلاث سنوات كان «داعش» فرقة ذئاب صغيرة من بضع عشرات، اليوم هو قطيع من نحو ثلاثين ألفا، والسبب الاستهانة بخطره كجماعة فكرية تكفيرية انتحارية تبنت شعارا جذابا؛ مقاتلة النظام السوري الذي قتل عشرات الآلاف من المدنيين. وهكذا أصبح خطاب «داعش» السياسي، إنسانيا وأخلاقيا ودينيا، مقنعا جدا لكل المسلمين في أنحاء العالم. إذا فهم المسؤولون الأميركيون هذه المقدمة البسيطة فإنهم سيدركون كيفية معالجة الوضع الخطير في العراق وسوريا، لكن إن استمروا في جهلهم فإنه سيستحيل عليهم كسب المعركة مهما كان حجم النيران والجهود العسكرية المبذولة في إطار التحالف القائم. حاليا، واشنطن ترفض فكرة إقامة المنطقة المحمية للاجئين السوريين، داخل أو على حدود بلادهم، حيث يمكن أن يلجأ إليها ملايين النازحين، الهاربين من النظام. ونتيجة القرار الخاطئ ستكون ترك ملايين اليائسين السوريين فريسة لـ«داعش» و«النصرة»، اللذين يبيعان لشباب اللاجئين وعودا بهزيمة النظام ودخول الجنة. سيكون سهلا على «داعش» أن يجند آلافا من الفارين السوريين، إذا اقتنعوا بأن التحالف الغربي الدولي همه…
الأربعاء ٠٨ أكتوبر ٢٠١٤
تأتي هذه المقالة استكمالاً لسابقتها، في سلسلة تسرد الوقائع كما هي، حول "ماهية داعش" و"ماذا يجري في اليمن"، وتقوم فكرة هذه السلسلة على مشاركة، واندماج القارئ مع الكاتب، في عملية "عصف ذهني" للإجابة عن هذين السؤالين، مستبعداً كل ما قد يعتبر مشكوكاً في صحته، أو مبنيا على مجرد انطباعات، أو ظنون، أو تصورات مسبقة، ولينحصر دور المقالة في استعراض المثبت بالأدلة، ووضعها على الطاولة، ليتلقفها القارئ، ويقوم بعمليات التحليل، والربط، والاستنتاج، ولا سيما أننا اليوم كقراء وشباب ومجتمع، أصبحنا أكثر وعياً ونباهة، وأضحى الرهان على الوعي المجتمعي، ووعي الرأي العام، الذي يعول عليه، خصوصا لدينا في المملكة، حيث المواطن الأساس، فنحن رأس مال هذا الوطن. وكنت قد سردت في السابق ثلاث حقائق مثبتة عن "داعش"، تمثلت في حملها للأيديولوجيا ذاتها التي تحملها "القاعدة"، ولا سيما أن قادتها الأوائل عناصر في "القاعدة"، وبايعوا زعيمها الأول، الإخواني "ابن لادن"، ثم بايعوا الإخواني العتيد "الظواهري"، الذي أنشأ أول ذراع عسكرية لتنظيم الإخوان "الجهاد…
عبد المنعم سعيدرئيس مجلس إدارة صحيفة المصري اليوم بالقاهرة، ورئيس مجلس إدارة ومدير المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية بالقاهرة
الأربعاء ٠٨ أكتوبر ٢٠١٤
ربما يكون في الأمر منعطف تاريخي، لحظة بارقة موحية ليس بمجرد حدث، وإنما كاشفة لتغيير كبير. خبر قيام رائد طيار مريم المنصوري بقيادة سرب قاذفات «إف - 16» لقصف مواقع تنظيم داعش الإرهابي، يذكر بلحظات فارقة أخرى في التاريخ العربي الحديث. في يوم ما من أيام ثورة 1919 المصرية خرجت هدى شعراوي لكي تقود مظاهرات ضد الاحتلال البريطاني لمصر. لم يكن الخروج ساعتها مجرد تعبير عن شعور وطني، ومشاركة في دعوة للاستقلال، أو بلورة لحالة جديدة من النهوض للأمة المصرية، وإنما كان إعلانا عن أن المرأة، نصف المجتمع، هي الأخرى «مواطنة» ينطبق عليها ما ينطبق على كل المواطنين الآخرين من حقوق وواجبات. كان الظهور الذي سجلته الصورة تتويجا لمسيرة طويلة بدأت بما كانت تفعله الدول المتحضرة بتعليم «البنات»، وهو ما بدأ في مصر في ستينات القرن التاسع عشر، فكانت النتيجة ليس فقط وجود مجتمع نسائي متعلم ومتواصل مع الحداثة، وإنما أيضا فاعل في المجتمع من خلال جمعيات أهلية تشارك في…
الأربعاء ٠٨ أكتوبر ٢٠١٤
سأعترف اليوم أن بداخلي قاموسا مكتنزا بمفردات الحزن ما يجعلني قلما سائلا للآلام والمراثي. أنا كاتب تأبين ونعي. كنت ما قبل البارحة معزيا ومواسيا للصديق الأديب المؤدب علي مغاوي في فاجعة نجله الأكبر وفي الرحيل الثقيل للحفيدة سلاف. في المأساة التي تصارعها أسرة مكتملة مع آلام وجراح.. ابتسام.. حين تفيق بإذن الله من الغيبوبة على (صحوة) رحيل الزوج والبنت. وأنا اليوم لا أكتب مأساة الصديق ولا رحيل خالد وسلاف. صاحبنا مطمئن جدا على الميت، ولكنه يبكي مأساة.. ابتسام.. حين تفيق على هذه الصدمة. قصة هذا الصديق المؤمن بقضاء الله وقدره هي قصة آلاف من البيوت السعودية التي فتحت آلاف سرادق العزاء تحت فوضى الطريق والاستهتار بأرواح الناس دون قانون أو محاسبة. قصة خالد لوحدها تستحق ألف نظرة تأمل ومليار وقفة. قبل سنوات قليلة نجا.. خالد.. بأعجوبة من خطأ مستهتر، وللأسف، على ذات الطريق، وصارع لأشهر طويلة كي يعود لأكسجين الحياة الطبيعي وذهب إلى غرب الأرض لتدليك وترميم مجاري الدماء والحياة…
الأربعاء ٠٨ أكتوبر ٢٠١٤
ليست وظيفة العالم إنقاذ المدن المحاصرة. على العكس تماماً. فـ»العالم» مُمثلاً بقواه المؤثرة، هو الذي يزج المدن في حالات حصار ميؤوس منها لتكون مهمته بالضبط هي التفرج على المحاصرين يبادون على أيدي أعدائهم. قبل أسابيع قليلة، مارس العالم وظيفته هذه ووقف صامتاً أمام مذبحة رهيبة تعرض لها أهل غزة المطوقون منذ أعوام عدة من الشقيق ومن المحتل سواء بسواء. كانت معدلات الضحايا المدنيين اليومية تزيد على المئة. استعرضت الشاشات أشلاء الأطفال والأطراف المبتورة والرؤوس المهشمة بفعل الآلة الوحشية الإسرائيلية. وفاق الدمار الوصف وأتى على ما يشبه البنية التحتية التي أشادها الغزيون متحدّين صعوبات خارقة. وباستثناء تظاهرات محدودة الأهمية والأثر وبعض التحركات في الأوساط الأكاديمية واليسارية، التزم العالم اللامبالاة والتجاهل. انتهت الحرب وبقي الحصار. في رام الله 2002 وسراييفو 1992-95 وبيروت 1982، كانت الحالات متشابهة. العالم، ببساطة ووعي، لا يريد التدخل. المأساة الإنسانية لا تعنيه والحسابات السياسية الباردة تتولاها نخبة (في الدول الديموقراطية) أو طغمة (في الدول المشابهة لدولنا)، تُحسن إدارة…
زياد الدريسكاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو
الأربعاء ٠٨ أكتوبر ٢٠١٤
في هذا العام أُكمل عقدين زمنيين من العلاقة مع (العصا)... أتوكأ عليها، وأهشّ بها على سأمي حين لا يكون في يدي غيرها. رحلتي مع القصور في رجلي سبقت رحلتي مع العصا بثلاثين عاماً، ثم جاءت العصا قبل عشرين عاماً لتكمل المشهد الثلاثي! اشتهرت العصا عند العرب بمناقب كثيرة، فهي تعين الضعيف وتنقذ الملهوف وتزيد المستطيع عوناً وخيلاء. وقد كتب عنها كثيرون متغزّلين بمناقبها وهيبتها وطقوسها، ولم يكن الأمير أسامة بن منقذ وحده الذي خصص عنها مؤلفاً أسماه: (العصا)، لكنه ربما كان الكتاب الأشهر. أشياء كثيرة اعتاد العرب على وصفها بأنها «سلاح ذو حدين»، يمكن لي أيضاً إدراج العصا ضمن هذه القائمة، فهي تُشبع غرض المهابة والكبرياء عند بعض الذين يستخدمونها لأجل ذلك، لكنها يمكن أن تُستخدم أيضاً لكسر وتحطيم تلك الكبرياء! أكثر العصيّ شهرة عصا موسى عليه السلام، وأقلها شهرةً عصاي! ما زلت على رغم كل هذه السنين من العلاقة «العصيانية»، ألتقي بأناس وجهاً لوجه للمرة الأولى فيبادرونني بكل لطف…
الأربعاء ٠٨ أكتوبر ٢٠١٤
«لو» هو سلاح حزب الله الدعائي لتبرير تورطه في سوريا، وتوريطه شيعة لبنان، وتوريط لبنان بأكمله. يقول: «لو أن حزب الله لم يساند نظام الأسد لسقطت المراقد الدينية الشيعية»، و«لو لم يذهب حزب الله إلى سوريا لجاء التكفيريون إلى الضاحية»، و«لو لم يحم حزب الله حدود لبنان، لاستولى (داعش) عليه من شماله إلى جنوبه». والآن، ينسب للبطريرك الماروني بشارة الراعي تبنيه الـ«لو» في جلسة خاصة. المصدر المقرب من حزب الله، يزعم أن الراعي قال قبل سفره لروما، «لو سُئل المسيحيون في لبنان اليوم عن رأيهم بما يجري من تطورات، لردوا جميعا أنه لولا حزب الله لكان (داعش) قد أصبح في جونيه». إن كان قد قاله حقاً، فالراعي يبدو أنه لم يسمع بعد بتقدم «داعش» و«النصرة» من غوطة دمشق، التي سافر مقاتلو الحزب لحماية المراقد هناك، إلى تخوم لبنان، إلى عرسال اللبنانية! ربما لا يشعر البطريرك بالخطر مع أن جونيه لا تبعد أكثر من 20 دقيقة بالسيارة عن مناطق داعش، فهل…
الثلاثاء ٠٧ أكتوبر ٢٠١٤
واحد من التحولات الكبرى في عالم الإرهاب اليوم والتي لا يجري الحديث عنها، انتقال العقل الإرهابي من مرحلة التنظيم الشبكي المبني على مرجعية شرعية مستقرة نسبيا ترفع شعارات ذات طابع ديني، إلا أن دخول «الإرهاب الفوضوي» الذي تقود زمامه «داعش» وأخواتها الآن هو تغير في المعادلة الداخلية لخريطة الإرهاب ورموزه ومقولاته ووعوده وجدله الداخلي. من يتابع ردود الفعل في الفعاليات الإرهابية على الإنترنت («تويتر»، منتديات جهادية، بيانات، حوارات) يكتشف لحظة الانفصال هذه، فمع كل التأييد والمباركة من زمرة الإرهابيين خارج ساحات معارك القتال، فإنه لا يختلف كثيرا عن استغلال بعض أجنحة الإسلام السياسي لقضية «داعش» لمحاولة تقويض الأنظمة العربية بـ«شتاء إرهابي» بعد فشل «الربيع العربي الناعم»، لكن تلك المباركة تخفي تحتها ركاما من الانهيارات والدمار داخل البيت الجهادي. القصة تبدأ من لحظة الانقسام داخل الحركة الجهادية العالمية التي كانت تقودها «القاعدة»، وتخلي رموز كالظواهري وأبو قتادة ورموز قاعدية لها وزنها عن صمتها لتنتقد «داعش» وخروجها عن خط «القاعدة»، ثم لاحقا…
الثلاثاء ٠٧ أكتوبر ٢٠١٤
لستُ هنا إلاّ «مختلساً» لمكالمة هاتفية «افتراضية» بين زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي وزعيم «داعش» أبوبكر البغدادي جرت بينهما بمناسبة عيد الأضحى. ملخص ما دار بينهما أدناه. الحوثي: ألو الأخ البغدادي، معاك عبدالملك الحوثي إمام المسلمين. البغدادي: هلو - وياك أبوبكر البغدادي خليفة المسلمين. من وين تحچي (من أين تحكي)؟ الحوثي: عيد مبارك يا أخي.. «أدق لك» من اليمن مخزن الرجال الذين أقاموا دين الله في كل البقاع شرقاً وغرباً. البغدادي: «هسه» أنت متصل تبارك بالعيد ولا «اشبيك» (ماذا بك). تعرف من أنا. أنا الخليفة أبو بكر- ما تقوليا أبوبكر عندّك حساسية من اسمي. يسترجع البغدادي التاريخ ويواصل حديثه للحوثي بـ«لغة فصحى» أنت تحدثني الآن، وأنا في أرض الجهاد في بلاد الرافدين وعاصمة العباسيين وخلفاء المسلمين وقلبي على اليمن. سنقتل كل الكفرة الفجرة، ونحرر ديار المسلمين عاجلاً غير آجل. الحوثي: وقفْ يا أبوبكر لا تقول قلبك على اليمن، ثم أقول قلبي على العراق. خليك خليفة للمسلمين، وأنا إمام المسلمين، وتعمل دولة…
الثلاثاء ٠٧ أكتوبر ٢٠١٤
في 1948 ولدت إسرائيل. هذه الدولة الغريبة هزّت مفاصل المنطقة، لكنّها لم تقض على الدول القائمة وعلى خريطتها كما ارتسمت بعد الحرب العالميّة الأولى. هكذا، وعلى رغم العداء المتبادل والحروب، اندمجت إسرائيل، ولو اندماجاً ضدّيّاً، في نظام المنطقة العريض. في 1958 قامت الوحدة المصريّة–السوريّة بزعامة عبدالناصر. لكنّ هذه الوحدة بدل أن تُسقط الحدود وخريطة «دول التجزئة»، سقطت هي نفسها قبل أن تحتفل بعيد ميلادها الرابع. لقد لفظتها خريطة كانت تملك من أسباب القوّة ما لا يُبديه الظاهر دائماً. وكاستطراد على انهيار الوحدة، اندلعت في اليمن «الحرب الأهليّة العربيّة الأولى»، على ما سمّاها البعض، ولم تسقط الخريطة ولا انشقّ اليمن. في 1967 كان الحدث المزلزل: ثلاث دول عربيّة، في عدادها مصر الناصريّة، تنهار أمام الدولة العبريّة. الأمر لم يستغرق أكثر من ستّة أيّام احتُلّت فيها الضفّة الغربيّة وسيناء والجولان. مع هذا لم تُمزّق الخريطة فيما توافق العالم على أنّ الاحتلال ناشز، وأنّ الطبيعيّ عودة ما احتلّ إلى أمّه الخريطة. وفي 1975،…