أميركا تسلّم لإيران بنفوذها الإقليمي؟

آراء

تكشف معلومات ديبلوماسية أن الاجتماع المقرر بين مجموعة الدول الخمس الكبرى زائد المانيا مع ايران في مطلع تشرين الثاني يكتسب أهمية كبيرة كونه قد يؤدي الى كشف مدى التقدم الذي أحرز في المفاوضات ليس بين هذه الدول وايران فحسب بل بينها وبين الولايات المتحدة على المسار الثنائي بينهما. اذ على عكس ما يشاع من ان المفاوضات بين طهران وواشنطن محصورة في الملف النووي الايراني، فان المفاوضات الثنائية قامت منذ بعض الوقت وتحديدا منذ الصيف المنصرم. وتفيد هذه المعلومات ان ما تردد عن ان زيارة سلطان عمان قابوس بن سعيد في 25 آب الماضي لطهران كانت زيارة وساطة بين الولايات المتحدة وطهران كان صحيحا الى حدّ بعيد وان المفاوضات التي جرت منذ ذلك الوقت كانت جدية وبدات تتقدم وان لا صحة لانطلاق اولى المؤشرات خلال مشاركة الرئيس الايراني حسن روحاني في اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة في 23 أيلول المنصرم بل ان الاتصال الذي جرى بين الرئيس الاميركي باراك اوباما ونظيره الايراني كان بمثابة تتويج للاتصالات. وتكشف المعلومات ان ابرز المؤشرات الى ذلك كان الخطاب الذي أدلى به اوباما أمام الجمعية العمومية في 24 ايلول الماضي والذي تضمن استباقيا محاولة طمأنة دول الخليج العربي الى مضمون المفاوضات التي تجريها واشنطن مع طهران من خلال قوله انه على رغم ان الولايات المتحدة ستخفض باطراد اعتمادها على النفط المستورد، فان العالم لا يزال يعول على امداد الطاقة من المنطقة وما يصب في خانة المحافظة على المصالح الاساسية للولايات المتحدة.

الا ان هذا الكلام لا يبدو انه اثار اطمئناناً بمقدار ما اثار استياء سرعان ما ظهر في الغاء السعودية كلمتها المقررة امام الجمعية العمومية قبل ان تعلن لاحقاً رفضها العضوية الموقتة لمجلس الامن. وتفيد المعلومات الديبلوماسية وفق ما تكشف المصادر المعنية لـ”النهار “ان المفاوضات الاميركية الايرانية تتمحور على شقين: الاول الملف النووي والقاضي بتخلي ايران عن طموحها النووي لقاء الغاء العقوبات الدولية. اما الشق الآخر فيتناول تطبيع العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وطهران لقاء الاعتراف الاميركي بالمصالح الاستراتيجية لطهران في منطقة الشرق الاوسط. وفي ترجمة مبسطة لهذه المصالح، تفيد المصادر ان ذلك يعني استمرار التسليم بنفوذ ايران وسيطرتها في العراق كما بنفوذها وحماية مصالحها في سوريا أياً تكن طبيعة الحكم الذي ستنتهي اليه الازمة السورية وكذلك الامر في لبنان. وهو الامر الذي يعني التسليم عمليا لايران بكل اوراقها ومواقع نفوذها التي سيطرت عليها بالقوة خلال الاعوام الأخيرة في ما عرف تقريبا في الآونة الأخيرة بالهلال الشيعي.

ومع ان كل الاوراق لم تلعب بعد وقد اعلنت المملكة السعودية اعتراضها على ما يجري ولو انها لم تسم الولايات المتحدة حصراً في هذا السياق، فان المصادر الديبلوماسية صاحبة المعلومات المذكورة تخشى الا يكون هناك عوائق تذكر امام هذا المسار اللهم باستثناء الاعتراضات القوية التي يمكن ان تثيرها اسرائيل واحتمال تأثيرها على الكونغرس الاميركي للضغط على اوباما في هذا الاطار. اذ ان السياسة الخارجية الاميركية هي في حقيقة الامر في يد الرئيس الاميركي الذي لا يملك او ليس لديه سياسة خارجية خصوصاً بالنسبة الى منطقة اظهر ان لا مصالح اساسية يسعى الى المحافظة عليها بعد انسحاب القوات الاميركية من العراق وترك العراق مجالاً رحباً للنفوذ الايراني في الوقت الذي تتفاعل لديه كما لدى الغرب الدعاية الناجحة جداً التي قام بها النظام السوري وايران في تغليب طابع الاصولية والارهاب على فئات من المعارضة وتبني “حزب الله” مع كل من النظام وايران هذه الشعارات وادعاء محاربتها في سوريا كما في لبنان. وغياب السياسة الخارجية الاميركية في هذه المنطقة يفيد بان واشنطن لن تمانع في سيطرة ايران او ممارسة نفوذها بقوة في دولها.

هذه المعلومات استفزت المصادر الديبلوماسية المعنية الى درجة دفعها الى السؤال عن كيفية قبول الولايات المتحدة بسيطرة ايران في لبنان وعلى الحدود مع اسرائيل وحظيت باجابة مفادها ان واشنطن لم تبد اي رد فعل له معنى بعد اجتياح “حزب الله” العاصمة بيروت في ايار 2008 في الوقت الذي لم تطلق رصاصة واحدة ضد اسرائيل منذ العام 2006 وان الحدود اللبنانية الشمالية مع اسرائيل هي الاكثر هدوءاً بين كل المناطق اللبنانية على نحو يعيد الى الاذهان الدعم الذي لا يزال يحظى به الرئيس السوري بشار الاسد لضمانه بعد والده أمن اسرائيل في الجولان منذ عام 1967. يضاف الى ذلك عدم محاربة واشنطن “حزب الله” في لبنان على رغم وضعه على لائحة الارهاب الاميركية بالتزامن مع عدم دعمها خصومه ايضا مع الأخذ في الاعتبار القوة العسكرية التي يملكها الحزب والتي تجعله أكثر قدرة من الدولة اللبنانية نفسها. فهل ان التطورات الأخيرة على صعيد العلاقات الاميركية السعودية في شكل أساسي الى جانب تطورات أخرى يمكن ان تحدث تعديلات في هذا المسار؟

المصدر: صحيفة النهار