إرهاب «داعش» يوحد العالم

آراء

أصبح الإرهاب ظاهرة عالمية ذات جذور تاريخية وسياسية واقتصادية واجتماعية، ومعالجة ظاهرة الإرهاب في العالم واجتثاثها من جذورها يفرض ألا يتم التعامل مع هذه الآفة من الناحية الأمنية فقط، فلقد ثبت أن استخدام القوة وحدها لا يكفي وذلك لأن العنف لا يولد إلا العنف، ولذا إذا ما أرادت دول العالم وخاصة الدول الكبرى والأمم المتحدة القضاء على هذه الظاهرة عليها معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الموجودة في دول العالم وخاصة في آسيا وأفريقيا، حيث الدول الفقيرة التي تعاني من الفقر والبطالة والأمراض.

ومن الناحية السياسية ورغم تقدم القوانين الدولية التي تفصل في المنازعات والحروب الإقليمية والجرائم الدولية التي ترتكب بحق الشعوب، فإن الدول الكبرى الممثلة في مجلس الأمن لا تزال تتعامل مع الصراعات والحروب والمنازعات في العالم بسياسة الكيل بمكيالين، فهناك دول لا تحاسب على انتهاكاتها لحقوق الإنسان مثل إسرائيل والنظام السوري اللذين ارتكبا المذابح والمجازر والاعتقالات بحق الشعبين الفلسطيني والسوري وما أن يصل موضوع محاسبتهما إلى مجلس الأمن إلا وتستخدم أميركا حق الفيتو في أي إدانة لإسرائيل وآخرها المذابح التي شهدها قطاع غزة حيث لم تحرك أميركا ساكنا بحق هذه الأعمال، وكذلك عندما ارتكب النظام السوري الذي يذبح أطفاله ونساءه ويشرد شعبه، إلا أن مجلس الأمن لم يتخذ أي خطوة نحو هذا النظام الدموي رغم مرور أربع سنوات على الأعمال التي يقوم بها هذا النظام ورغم استخدامه للأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا، إنما على العكس كان موقف مجلس الأمن مع الجلاد وضد الضحية وذلك عندما استخدم المندوبان الروسي والصيني حق الفيتو.

لا شك أن الإرهاب الذي تمارسه داعش أدخل العالم مرحلة شديدة الخطورة في تأثيره على الأمن والسلم العالميين وذلك لأنه إرهاب متعدد الجنسيات، ومنذ أن حذر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في كلمة له منذ فترة من خطورة الإرهاب على المنطقة والعالم، وأن الإرهاب سوف يتمدد إلى أوروبا وأميركا والتي وجهها في اجتماعه بسفراء الدول الأجنبية وطلب منهم إبلاغ زعماء بلدانهم بأنه لا بد من محاربة الإرهاب وما جاء في سياق هذه الكلمة يدل على حكمة خادم الحرمين الشريفين حينما قال: «إن محاربة الإرهاب تتم بالقوة والعقل والسرعة» حيث إن استخدام القوة فقط لن يحسم الموقف، ولو كانت القوة وحدها تحسم الموقف لتم القضاء على «إرهاب القاعدة» منذ زمن طويل.

إن خطورة داعش تتمثل في تميزها في جذب الشباب وإغرائهم من كل حدب وصوب في الانضمام إليها فهي ترفع راية «دولة الخلافة الإسلامية» وهي دعوة رومانسية تلتقي مع خصائص النمو العقلي للشباب والمراهقين والتي تتميز بالخيال وتقبل الأفكار الرومانسية وهذا أهم عامل مكن داعش من أن يكون لها هذا العدد الكبير من الشباب واستطاعت أن تمد نفوذها بسرعة النار في الهشيم، فلقد امتدت من سوريا إلى العراق، وأصبح لها من المؤيدين والمتعاطفين معها الكثير من معظم الدول الإسلامية بما فيها الدول العربية.

وإذا ما تتبعنا خطابات خادم الحرمين الشريفين وتحذيراته من الإرهاب لنجد أنه في لقائه مع العلماء والوعاظ في السعودية أنها تضمنت خطابا شديد اللهجة وذلك عندما قال لهم: «تحملوا المسؤولية واتركوا عنكم الكسل» ولأول مره تأتي خطابات خادم الحرمين الشريفين بهذه الحدة لاستشعاره بخطورة الإرهاب. ومما يؤسف له أن بعض علماء الدين المسلمين ظلوا يعيشون في أبراج عاجية لا يخالطون الشباب ولا يتفاعلون مع قضايا المجتمع، ولا يصححون مفاهيم الدين للناس وخاصة الدنيوية مع العلم أن الإسلام فيه من البساطة ما يجعله بحق هو دين الفطرة، وكذلك هو دين الوسطية حيث يجمع بين الجانب الروحي والجانب المادي، وقد استجدت كثير من المشكلات الدنيوية التي تتطلب رأي الدين في الوقت الذي اقتصر دور علماء الدين على قضايا العقيدة فقط، هذا ما سبب إشكالية، ومن جانب آخر لم يحاول هؤلاء العلماء نشر الخطاب الديني الذي يقوم على الاعتدال والتسامح وهذا أهم ما يميز الإسلام عن بقية الأديان في أنه دين يدعو إلى السلام حتى مع المشركين ما لم يعتد عليهم، وأعطوا هذا الدور لمن ليس لهم دراية بالدين لتضليل الشباب مما جعل غير المسلمين يربطون بين الدين والإرهاب.

وإذا ما انتقلنا إلى الحراك السياسي المتمثل في الاجتماعات التي تشهدها دول العالم حول خطورة إرهاب داعش لنجد أنه ولأول مرة يتجاوب المجتمع الدولي والدول الكبرى وخاصة أميركا مع الموقف ليس انطلاقا من حرصهم على الأمن في المنطقة ولو كان عندهم هذا الهدف لتجاوبوا مع الوضع في سوريا واليمن من قبل، بيد أن تجاوبهم جاء انطلاقا من حرصهم على مصالحهم الخاصة، وإلا لماذا قامت الطائرات الأميركية وبسرعة البرق بضرب داعش في العراق ولم تفعل ذلك عندما كان النظام السوري يضرب المدنيين بالطائرات ويقوم بالمذابح ويقصفهم بالبراميل المتفجرة على مرأى ومسمع من العالم؟ جيد أن تتوحد دول العالم في محاربة الإرهاب الذي هو آفة العصر ولكن غير الجيد أن تكون هناك سياسة الكيل بمكيالين حتى في قضية محاربة الإرهاب.

لا تعتقد الدول الكبرى أنها بمنأى عن الإرهاب وذلك لأن الإرهاب ظاهرة عالمية وأن معالجة ظاهرة الإرهاب والتعامل معه لا بد أن يخضع لقوانين السلم والأمن العالميين والتي قام عليها المجتمع الدولي الحديث. ومن الناحية التاريخية فإن من أوجد ظاهرة الإرهاب هي أميركا والغرب الذين شجعوا على الإرهاب منذ الحرب الباردة بين الدولتين العظميين أميركا وروسيا، وخاصة ما حدث بينهما من صراع على أفغانستان أثناء الحكم الشيوعي لها، فكان الاتحاد السوفياتي حريصا على التمسك بأفغانستان وذلك حتى يجد له نفوذا يطل به على مناطق المياه الدافئة في منطقة الخليج وكذلك إيران وتركيا وجزء من المنطقة العربية مما جعل من أفغانستان منطقة صراع إقليمي وأخذت أميركا تدعم «المنظمات الجهادية» التي كانت في حرب أهلية مع النظام الشيوعي، وجاء من يسمون أنفسهم (بالمجاهدين) من كل أنحاء العالم تقودهم حركة طالبان و«القاعدة» وغيرهما.

كذلك محاربة الإرهاب في العالم ينبغي أن تشمل جماعات أخرى مثلما حدث في الفلوجة ومناطق الأنبار التي ارتكبها الحرس الثوري الإيراني، لأننا لا نريد أن نسترجع ذاكرة التاريخ أثناء الغزو الأميركي للعراق، وكيف أعطى الفرصة لفرق الموت الطائفية في تقتيل أهل السنة واستهداف أطباء ومهندسين وعلماء ومثقفين وفظائع مهولة ارتكبت تحت رعاية البرنامج الأميركي لمكافحة التمرد! وقد أشير إلى ظهور فرق الموت لأول مرة في مايو (أيار) 2005 حيث عثر على العشرات من الجثث ملقاة من دون اكتراث في مساحات خالية حول بغداد وكان جميع الضحايا مقيدي الأيادي ومصابين بالرصاص في رؤوسهم، وظهرت على الكثيرين منهم علامات التعذيب الوحشي ودور الحرس الثوري الإيراني في ذلك الوقت.

المصدر: الشرق الأوسط
http://classic.aawsat.com/leader.asp?article=786452