خليل علي حيدر
خليل علي حيدر
كاتب كويتي

إسرائيل.. وتاريخ استيعاب المهاجرين

آراء

كان من بين أسباب تقدم إسرائيل الاقتصادي اهتمامها بالعنصر البشري وحماية القوى العاملة، منذ بداية تأسيسها عام 1984، وكان من صلب اختصاصات وزارة العمل، بالإضافة إلى رقابتها على الظروف التي يعمل فيها العمال، أن تخلق فرص عمل للمهاجرين الجدد، خصوصاً إذا كانوا بحاجة إلى التدريب وصقل المهارات، حيث أوكلت هذه المهمة إلى «معهد الإنتاجية» الذي يتولى تدريب المديرين والفنيين ورؤساء العمال، وحدد القانون منذ عام 1951 ساعات العمل اليومية واعتبر الراحة الأسبوعية 36 ساعة متصلة.

ونص قانون 1953 على عدم تشغيل الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 14 سنة، وحتى الذين تقع أعمارهم بين 14-18 سنة، منعت دخولهم مجالات العمل إلا بعد فحصهم من الناحية الطبية مع تخفيض ساعات العمل بالنسبة لهم، ومنعت كذلك عملهم في حرف معينة والعمل ليلاً، وشمل قانون سنة 1954 القواعد التي تحكم تشغيل النساء، ومنحتهن إجازة أمومة بأجر كامل لمدة 12 أسبوعاً، ولمدة بضعة أشهر من دون أجر، كما قضى قانون سنة 1964 بالمساواة بين أجر الرجل وأجر المرأة. [السياسة النقدية في إسرائيل، د. عبدالنبي حسن يوسف، القاهرة 1977، ص31].

واهتم المهاجرون اليهود بالتنظيم النقابي في مرحلة مبكرة، حيث تكونت النقابة العامة للعمال المسماة بالهستدروت في فلسطين سنة 1920 بعضوية 4400 عامل في 1925، لتصل إلى نحو 114 ألفا في سنة 1945.

وكان من أهداف الهستدروت تشجيع العمال على تنظيم أنفسهم في كل مجال، والضغط على أصحاب العمل من اليهود لاستخدام العناصر اليهودية بدلاً من العرب، وتقديم منح مالية إلى اليهود بالاشتراك مع الوكالة اليهودية.

ويقول د. حسن في الكتاب المشار إليه إن قوة الهستدروت أخذت تنمو ويشتد عودها شيئاً فشيئاً حتى أصبحت عام 1948 «دولة داخل المجتمع الإسرائيلي»، كما يقول مؤرخ الاقتصاد الإسرائيلي «ربنر»، فلما أقيمت دولة إسرائيل في سنة 1948، كان الهستدروت بمثابة مظلة تحتمي بها التنظيمات الاجتماعية القائمة، من نقابات العمال، وبعض المشروعات الزراعية والصناعية والمالية، وأصبح إجبارياً على كل عامل أن يكون عضواً في النقابة العامة للعمال حتى يستطيع أن يتمتع بما تهيؤه من خدمات، حيث انتجت الهستدروت في سنة 1953 حوالي 60 من الإنتاج الزراعي، وحوالي 20% من الإنتاج الصناعي.

ويجرنا الحديث عن اقتصاد فلسطين وإسرائيل إلى تناول النظام النقدي وما حدث له مع ما جرى لفلسطين نفسها وشعبها بعد إعلان دولة إسرائيل، فقد عرفت فلسطين قبل الاحتلال البريطاني 1917 «نظام الذهب»، حين لجأت تركيا العثمانية، مثل سائر الدول المتحاربة إلى إصدار أوراق البنكنوت لمواجهة ظروف الحرب، وكان الإصدار بكميات كبيرة تفوق الاحتياجات الاقتصادية للدولة العثمانية، مما نجم عن تضخم نقدي امتدت آثاره إلى فلسطين.

وكان الانهيار شديداً في قيمة النقود التركية شديداً حتى فَقَدَ الجنيه التركي حوالي 90% من قيمته، وعندما دخل «اللورد اللنبي» بجيوشه الأراضي الفلسطينية واندحر عنها الجيش التركي، عمد قائد الاحتلال إلى إلغاء العملة التركية، وأحل محلها أوراق البنكنوت المصرية التي كان يصدرها حينذاك البنك الأهلي المصري، وفرض لها السعر الإلزامي، وأعلن أنه لن يُقبل في التداول سوى الجنيه المصري الذهبي وأوراق البنكنوت المصرية والعملات المصرية من الفضة والنيكل، وفي عام 1927 صدر القرار البريطاني بالجنيه الفلسطيني بنفس قيمة الجنيه الأسترليني مقابل الذهب، وأسقطت الصفة القانونية عن تداول النقود المصرية داخل فلسطين، وعند إعلان قيام إسرائيل استمر الجنيه الفلسطيني وسيلة التبادل داخل البلاد، ثم قررت بريطانيا من جانبها في فبراير 1948 استبعاد فلسطين من كتلة الأسترليني وتجميد الديون التي كان يمتلكها الفلسطينيون في ذمة الحكومة الإنجليزية، والتي قُدرت بحوالي 100 مليون جنيه أسترليني، وترتب على ذلك أن الجنيهات الفلسطينية لم تعد قابلة للتحويل إلى العملات الإنجليزية، وفي أغسطس 1948 قررت الحكومة الإسرائيلية إصدار عملتها لتحل محل الجنيهات الفلسطينية.

كان لهجرة اليهود إلى فلسطين تأثير اقتصادي على مختلف الأصعدة، وتمت هذه الهجرة الصهيونية على خمس مراحل أو موجات تسمى بالعبرية، Aliyah وهي كلمة تعني «قمة» أو «موجة»، جاءت الأولى ما بين 1882 – 1903 من روسيا وبولندا، والثانية من روسيا 1904 – 1914 «على أثر السياسة المعادية لليهود التي أعلنتها الحكومة الروسية في سنة 1903، إذ هاجر إلى فلسطين يهود روسيا وكلهم من العمال ذوي الدراية الضئيلة بالأعمال الزراعية والحرفية، ولكنهم استطاعوا العمل والاستقرار في الأراضي الزراعية التي حصل عليها «الصندوق القومي اليهودي».

ثم كانت الموجة الثالثة 1919 – 1923، التي وفدت إلى فلسطين بعد إصدار «وعد بلفور»، حيث أتى معظمهم كذلك من روسيا وبولندا، وقد تأسست في هذه الفترة عام 1920 كما ذكرنا الاتحاد العام للعمل أو «الهستدروت»، ذات النشاط المعروف في مجال التوطين والتصنيع والتعليم، كما أُنشئ في نفس العام «صندوق التعمير»، وعقد أيضاً المؤتمر الصهيوني الثاني سنة 1921، والذي قرر التوسع في عملية «استعمار فلسطين»، «فتمكنت المنظمات الصهيونية من إقامة عدد من المستعمرات الزراعية في منطقة تعتبر من أكثر المناطق خصوبة» [153].

وجاءت الموجة الرابعة ما بين 1924 – 1931، ويقول د. عبدالنبي حسن إن سنة 1924 تعتبر نقطة تحول في تاريخ الهجرة اليهودية بصفة عامة والهجرة اليهودية بصفة خاصة، «فقد أقفلت الولايات المتحدة أبوابها أمام المهاجرين تطبيقاً لمبدأ الحصص الذي أخذت به، فاتجه المهاجرون اليهود إلى فلسطين التي استقبلت 82 ألف يهودي خلال تلك الفترة»، وكان معظم هؤلاء المهاجرين كذلك من بولندا وروسيا وكانت الموجة الخامسة 1932 – 1938 من نتائج صعود النازية واضطهاد اليهود في ألمانيا «وقد جلبت هذه الموجة إلى فلسطين ما يقرب من 20 ألف يهودي جاء أغلبهم من ألمانيا ثم من بولندا ورومانيا، خلال فترة قدرها سبع سنوات، كان بينهم ألف طبيب و500 مهندس، كما جلبت معها ما يقرب من 42.4 مليون جنيه فلسطيني».

ولم تتوقف الهجرة خلال العشر سنوات قبل إعلان دولة إسرائيل 1939 – 1948، فبلغ عدد من هاجر منهم قرابة 15 ألفا، وجاء في إعلان قيام دولة إسرائيل أن هذه الدولة ستُفتح لهجرة اليهود من جميع الأقطار «وانتهى الأمر بعد ذلك بإصدار قانون العودة» في 5 يوليو عام 1950 الذي أتى بالأحكام الخاصة بالتجنس بالجنسية الإسرائيلية للمهاجرين اليهود، وكان من نتيجة هذه السياسة التي تهدف إلى تشجيع هجرة اليهود إلى إسرائيل، أن ازداد عدد السكان من 650 ألف يهودي في سنة 1948 إلى مليونين و384 ألف يهودي في سنة 1968» [ص156].

وتدل تفاصيل ووقائع موجات الهجرة الصهيونية إلى فلسطين حتى قيام الدولة أن اليهود لم يكونوا راغبين جميعاً في الذهاب إلى فلسطين رغم كل دعاية المنظمات الصهيونية، فالكثير منهم كانوا يريدون الهجرة إلى الولايات المتحدة، ولاتزال هذه الرغبة قوية لدى يهود العالم ويهود إسرائيل، وهو اتجاه كثيراً ما نراه يتصاعد كلما تعقدت الحياة في إسرائيل أو تعرضت لمخاطر عسكرية.

ومن الجوانب التي لا تدرسها الثقافة السياسية العربية، فيما يتعلق بإسرائيل والقضية الفلسطينية، المهارة الفائقة التي أدار بها الإسرائيليون مشاكل الهجرة والإيواء والتعامل مع الفوارق اللغوية والقومية والفكرية بين اليهود من منابتهم المختلفة. يقول د. حسن: «واجهت دولة إسرائيل، منذ إنشائها، عدة مشاكل تتصل بامتصاص الأعداد الغفيرة من المهاجرين اليهود، وبتسليح الجيش الإسرائيلي، وبتمويل العمليات العسكرية وإقامة مشروعات التنمية الاقتصادية، إذ كان على الحكومة أن تمد المهاجرين بالطعام والملابس والمأوى بمجرد وصولهم إلى إسرائيل».

المصدر: الاتحاد
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=81121