عبد الله ثابت
عبد الله ثابت
كاتب و روائي سعودي

اسأل عما حدث في هذا البلد

آراء

الشخصيات التي مرت بهذه البلاد، وسجلت بكدحها وسيرتها مكاناً بالغ الأهمية في العملين الحكومي والثقافي معاً، الشخصيات المتقدمة على عصرها.. أفكر ماذا لو أن رؤاها كانت هي التي قادت دفة المجتمع، بدلاً من تسليمه بشكلٍ كامل للذين تلذّذوا بخنقه والتقليل من شأنه، والطعن في قِيَمه وقدرته على أن ينمو طبيعياًّ، وعملوا على محاصرته في كل صغيرة وكبيرة، تحت ذرائع تكشّفت وتتكشّف عوراتها يوماً إثر يوم، الذين بلغ بهم الأمر في إهانة الناس.. أن قالوا إنه لولاهم لامتلأت الأرصفة باللقطاء.

حين تكبر أجيال وهي لا تكاد تعرف شيئاً عن – على سبيل المثال – ناصر المنقور، وعبدالله الطريقي، وأحمد زكي يماني، وعبدالعزيز بن محسن التويجري وعفت الثنيان.. وآخرين، وصولاً إلى زمننا القريب مثل غازي القصيبي، الذي ناله من مواجهة التطرف ما ناله، فإن ذاكرتها ومُثلها العليا تُركت – ويا للأسف – لتمتلئ بمئات ومئات الأسماء من الدعاة والوعاظ، الذين لم يحسن كثيرٌ منهم لا للبلاد ولا للناس، إلى جانب أسماء من هنا وهناك في مجالات لا تنتج في نهايتها قيمة تُذكر.

جرب واسأل عشوائياًّ، أياً من أبناء اليوم، عن هذه الأسماء الوطنية وغيرها، بل اسأله عما حدث في هذا البلد، وأكثر من هذا اسأله حتى عن تاريخ البقعة التي ولد فيها وجاء منها، وافرح كثيراً إن وجدت ربع جواب. وتأمّل من الله ألا يكون ربع الجواب هذا محشوداً بالاستعداء والنقمة والتناقض. وما الذي يمكن أن يقوله شاب أو فتاة يهيمن على رأسه حشد من وعاظ النفير والكاشيرات وخطبهم، إلى جوار حشدٍ آخر من ليدي قاقا وجاستين بيبر وميسي وكريستيانو، والمسلسلات الكورية والتركية ونجوم برامج المسابقات.. وهلمّ جرا! وكان لا بأس لو أنه يعرف مع كل هؤلاء ولو شيئاً يسيراً من تاريخ ما دار ويدور حوله ويشكل حياته ومصيره.

لقد نجح الضخّ المتطرف والهائل الذي مورس على أدق التفاصيل اليومية في حياة الناس ولأربعة عقود أن يعزلهم تماماً عما سواه، لقد عزلهم عن أية فرصة للمثال المستنير والمتطلّع لمستقبل بلاده وناسه، بل وأبعد من هذا جعل كل من لا ينضوي تحت مقولاته محلاًّ للتهمة والإضلال. صدّق أن شباباً يخرجون من الجامعات، ويحملون شهادات تمنحهم مواقع للتأثير في مجتمعهم، لا يكادون يعرفون شيئاً عمن أفنوا حياتهم في جعل هذه البلاد أفضل! واسأل.. من سمح لكل هذا التغييب الشنيع أن يحدث!

المصدر: الوطن أون لاين
http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=24381