د. أحمد يوسف أحمد
د. أحمد يوسف أحمد
أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

الحوثيون و«حزب الله»

آراء

يلفت النظر في التطورات الخطيرة الأخيرة التي شهدها اليمن التشابه الواضح بين حركة الحوثيين التي تسمى نفسها الآن «أنصار الله»، وبين «حزب الله» في لبنان مع فروق في التفاصيل بطبيعة الحال، ولذلك فإن المقارنة بينهما قد تكون مفيدة في فهم ما جرى في الماضي القريب وما يجري الآن، وكذلك في استشراف المستقبل والتحسب لما هو آتٍ، وبداهة، فإن أول وجه للشبه بينهما أن قاعدة القوة لكل منهما شيعية، وأن توجهات قيادتي الكيانين تتبع مذهب الإثني عشرية، وولاية الفقيه السائد حالياً في إيران. ومع أن الحوثيين من أتباع المذهب الزيدي المتبع من شيعة اليمن الذين يسمون بالزيود -وهو أكثر فروع المذهب الشيعي اعتدالاً وقرباً من المذهب السني- فإن مؤسس الحركة الحوثية بدر الدين الحوثي من أتباع الفرع الجارودي (المنسوب لأبي الجارود العبدي) من المذهب الزيدي، وهو الأقرب للإثني عشرية. وقد ترتب على ما سبق أن إيران تدعم كلاً منهما على نحو علني كما في حالة «حزب الله» أو ضمني نسبياً كما في حالة «أنصار الله»، ويعني هذا أن الصعود السياسي لأي منهما في بلده يمثل إضافة للنفوذ الإيراني في الوطن العربي، مما ستكون له تداعيات خطيرة على تماسك النظام العربي وأمنه، خاصة على ضوء ما يجري في سوريا والعراق، وما يعني أيضاً أن أياً من الكيانين يمكن أن يقوم بفعل خارجي لتحقيق المصلحة الإيرانية حتى وإن كان لا يحقق مصلحة الدولة التي يعمل كل منهما في إطارها.

وثاني أوجه المقارنة، أن كلاً من التنظيمين حاول فرض نفوذه على الدولة ومؤسسات الحكم فيها، ونجح ولو بدرجتين مختلفتين، فقد أصبح لكل منهما نوع من «الفيتو» على هذه المؤسسات: «حزب الله» من خلال ما يعرف بـ«الثلث المعطل» في التشكيل الوزاري، والذي يعطيه وحلفاءه القدرة على وقف أي قرار يتعارض، أو يتناقض مع مصلحته، و«أنصار الله» الذين سبقت الإشارة هنا الأسبوع الماضي إلى وزنهم المتفوق هم وممثلو الحراك الجنوبي السلمي في «اتفاق السلم والشراكة الوطنية»، حيث يعطي الاتفاق رئيس الجمهورية الحق في تعيين رئيس الوزراء ولكنه يلزمه في الوقت نفسه بتعيين مستشارين سياسيين من «أنصار الله» والحراك الجنوبي السلمي تحديداً يضعون له معايير المرشحين للمناصب في الحكومة الجديدة، وينصحونه هو ورئيس حكومته بشأن توزيع مقاعد الحكومة على المكونات السياسية، ويستعين رئيس الجمهورية بهم للفصل في الطعون المقدمة على ترشيحات الوزراء.

ومن ناحية ثالثة، استند كل منهما إلى القوة العسكرية في تحقيق أهدافه الداخلية، فاجتاح «حزب الله» بيروت الغربية في مايو 2008 لإجبار حكومة فؤاد السنيورة على التراجع عن قراري تصفية شبكة الهواتف الخاصة بـ«حزب الله» وإقالة مدير مطار بيروت الدولي الموالي للحزب، وسحب قواته فور تحقيق مطالبه. أما «أنصار الله»، فقد اجتاحوا صنعاء، وسيطروا عليها في أيام قليلة، ولم ينسحبوا منها حتى كتابة هذه السطور، وربما يرجع هذا إلى ثقة «حزب الله» في أن ميزان القوى الداخلي في لبنان محسوم لمصلحته، ولذلك فهو يستطيع أن يتقدم ويتراجع كما يشاء! أما «أنصار الله» فصحيح أنهم اجتاحوا صنعاء بسهولة، ولكنهم سيواجهون في المستقبل القريب تحديات لا يمكن الاستخفاف بها، لأن مكونات مهمة في المجتمع اليمني تضررت من صعودهم السياسي على هذا النحو الاستثنائي، ولن تدخر وسعاً في تقويض المكانة السياسية الجديدة لهم. وبالإضافة إلى اعتماد كلا التنظيمين على القوة العسكرية اتبعا أيضاً الوسائل السياسية نفسها، كالمظاهرات والاعتصامات التي تطوق مؤسسات الدولة، وهنا نتذكر اعتصام «حزب الله» في بيروت الغربية، ونصب الخيام حول مجلس النواب للمطالبة برحيل حكومة فؤاد السنيورة. ولم ينفض الاعتصام إلا في نهاية 2008 بعد أن تحقق الهدف ورحلت الحكومة، وقد بدأ «أنصار الله» مسعاهم لإسقاط الحكومة اليمنية بأعمال مشابهة، فأغلقوا طريق مطار صنعاء الدولي، ونصبوا خيام الاعتصام، ولكنهم لم يصبروا فسارعوا باقتحام صنعاء والسيطرة عليها وإن كان أحد لا يستطيع حتى الآن أن يفسر وقوع صنعاء بهذه السرعة تحت سيطرتهم، وغياب أدنى درجات المقاومة من جانب الجيش والأمن.

وأخيراً وليس آخراً، فإن كلا التنظيمين له موقفه الذي يرفع شعارات العداء لإسرائيل، وإن كان «أنصار الله» فهم مكتفون بالشعار الأثير لديهم: «الموت لإسرائيل.. الموت لأميركا.. اللعنة على اليهود والنصر للإسلام».

بدأت تجربة «حزب الله» حين حقق إنجازات في مواجهة إسرائيل بعد احتلالها أراضي لبنانية، وعندما تحققت له بسبب هذا الإنجاز مكانة سياسية بدأت خلافاته مع قوى 14 آذار، وإن ظلت هذه الخلافات محكومة بفعل إدراك قيادة «حزب الله» لتعقيدات الوضع في لبنان، ومع ذلك لم يتورع الحزب عن استخدام سلاحه في أزمة مايو 2008 وحل الأزمة بهذه الطريقة، الأمر الذي أدى إلى مزيد من التعقيدات في الساحة السياسية اللبنانية. أما «أنصار الله» فلا إنجاز سابق لهم إلا سيطرتهم على صنعاء وصعودهم السياسي نتيجة لذلك، ولا يعلم إلا الله وحده مدى فداحة الثمن الذي سيدفعه اليمن بسبب هذه التطورات.

المصدر:الاتحاد
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=81629