علي عبدالله موسى
علي عبدالله موسى
أستاذ التعليم الدولي المقارن

السعودية عام 2020.. كلها دكاترة

آراء

هل تصبح السعودية عام 2020 أول دولة في العالم بنسبة الحاصلين على شهادة الدكتوراه، مقارنة بعدد السكان المحليين بدون الوافدين؟ وهل يتحول هؤلاء الدكاترة في المستقبل إلى أصحاب دكاكين تعليمية للتدريب والتأهيل وعقد الدورات؟ أم أنهم سوف يصبحون مثل الأطباء لديهم عيادات في كل ناصية، وفي كل شارع، لاستقبال الزبائن ممن يرغب في الحصول على الدكتوراه؟ مرض الدكتوراه المعدي يدخل في كل بيت ويتسلل إلى مكاتب المؤسسات الحكومية بالشهادات الوهمية والمشتراة والممنوحة زورا وبهتانا لكل من هب ودب.

الدكتوراه مرض خطير ولكنه سوف يرفع من نوعية البطالة، فبدلا من أن يكون العاطل من المتسربين من الجامعات، نتيجة فشل الجامعات في الإرشاد الأكاديمي، سيكون عاطلا بالدكتوراه، وسوف ترفع نسبة الدكتوراه مستوى عدم الرضى والتذمر من الوضع العام وعدم القناعة بالعمل بأقل من أجر أستاذ الجامعة في أي قطاع، ولن يقبل حملة الدكتوراه المضروبون علميا العمل في الكثير من الوظائف لعدم مناسبة الوظائف لشهاداتهم.

وسوف ينعكس ذلك سلبا على عملهم، بل ستضطر الدولة في المرحلة القادمة لاستقدام عمالة لشغل الوظائف الدنيا في الدولة لقلة الخريجين بشهادات جامعية أو عليا محدودة حسب الاحتياج.

آلاف الشهادات المزورة الوافدة من الخارج عبر البريد الممتاز أو من خلال الوسطاء وبعضها من خلال الأصدقاء والزملاء، بل أصبحت هناك برامج خاصة لمنح شهادات الزور. ومثلها أيضا الشهادات الفخرية التي تمنحها بعض الجامعات لبعض الشخصيات والذين لن يسمحوا لأنفسهم بأن يحملوا ذلك اللقب، بالرغم من أنهم أكبر من مانحيها من المتسلقين والمتزلفين والوصوليين ممن يهينون المؤسسات الأكاديمية ويعتدون على شرفها بمنح تلك الشهادات لقامات ليست بحاجة لتلك الشهادات.

شهادات الزور ليست قادمة فقط من الخارج وليست ما كشف عنه مؤخرا في الشقق في بعض المدن، ولا في المكاتب والمكتبات التي توجد أمام الجامعات وضمن الدروس الخصوصية التي يقدمها بعض أعضاء هيئة التدريس لبعض الطلاب والطالبات. المشكلة اليوم في الجامعات الحكومية والأهلية التي فتحت الباب على مصراعيه لبرامج الدراسات العليا ومنح شهادات الزور بأعداد كبيرة لا تليق بالمؤسسات الجامعية ولا مكانتها العلمية.

نعم توجد أزمة كبيرة جدا في برامج الدكتوراه في جامعاتنا سوف تدفع البلاد ثمنها قريبا ببطالة وتضخم لحملة الدكتوراه ممن لا ذنب لهم سوى أن الجامعات تجرأت وفتحت تلك البرامج بشكل غير مقبول، حيث توجد أعداد كبيرة من المقبولين، وهذه البرامج عليها مآخذ كثيرة أولها: نوعية أعضاء هيئة التدريس والبرامج وموادها التي تُفصل على الأساتذة أحيانا، وخططها الدراسية التي يتم توليفها من عدة تخصصات، وثانيا: المكتبات الجامعية التي لا تفي بالغرض، حيث إن العرف الأكاديمي في الجامعات التي تخضع لأنظمة تعليمية صارمة قد تغلق بعض الأقسام، ليس لعدم وجود الطلاب، ولا لعدم كفاءة الأساتذة، ولكن لعدم قدرة المكتبة والمكتبات على توفير الحد الأدنى من الكتب والمراجع والدوريات، ولهذا تحافظ الجامعات على سمعتها ومكانتها العلمية التي تتضرر من البرامج السيئة وقد تؤثر على وجودها، وعكس ذلك يحدث في جامعاتنا، فبعض الأساتذة تم تأهيلهم في الأساس لكليات نوعية مثل كليات التقنية والمعلمين والصحة والمجتمع وهي مؤسسات ليست بحثية ولكنها لتوفير كوادر متخصصة عند مستوى معين.

لكن بعد دمج تلك الكليات في الجامعات اختلطت الأوراق وتغيرت مسيرة الجامعات التي كانت تحافظ إلى حد ما على النوعية، بالرغم من قلة الإمكانات في تلك الفترة، مقارنة بما تحصل عليه الجامعات اليوم، ولم تتجرأ على فتح برامج دراسات عليا إلا بعد قناعة تامة ووفق دراسات تسمح بفتح تلك البرامج وتكون محدودة جدا، وهي تأخذ في الاعتبار الوضع العام للجامعة والمجتمع واحتياجات التنمية. اليوم تفتح برامج الدراسات العليا والتعليم العالي الموازي المدفوع الثمن، مثل ما تفتح “البقالات” ومحلات الحلاقين والخضار، نتيجة لتوفر المستهلكين ممن أقدم على طلب تلك الشهادات بشكل غير مسبوق، لأن الشهادات أصبحت غاية وليست وسيلة. ليس هذا فحسب، بل إن بعض من يقوم بالتدريس في برامج الدكتوراه لم يتمكن من نشر بحث واحد، وغالبية بحوث أساتذة الجامعات للترقيات، وعليها ما عليها، والرزق على الله، وذلك لأن البحث العلمي ليس مسارا رئيسيا من مسارات الجامعات، بالرغم من وجوده ضمن الأهداف الرئيسية للتعليم العالي، ويغلب على جامعاتنا التدريس فقط وهي أشبه بثانوية مطورة.

وحتى لا يتحول المجتمع إلى مجتمع “دكاتره” عاطلين عن العمل أو عاطلين وهم على رأس العمل نتيجة عدم ملاءمة الشهادة للعمل فإننا نأمل من وزارة التعليم العالي والجامعات وضع معايير قاسية لفتح برامج الدكتوراه، بحيث تكون خاضعة لشروط مدروسة، وثانيا أن تتخصص كل جامعة في برنامج دكتوراه يكون لها الامتياز فيه ويكون مرتبطا بخط بحثي مستمر ينتج أبحاثا وكتبا ودراسات وتقارير في ذلك التخصص لأهداف معرفية وتنموية، وذلك حتى تخرج كوادر مؤهلة لا تكون الشهادة أكبر من أحجامهم وأوزانهم، وأطلب إيقاف معظم برامج الدكتوراه في جامعاتنا قبل فوات الأوان، لأن تلك الشهادات سوف تكون غير ملائمة لا للعمل ولا لمن يحملها، وسوف يكون بعض حملة تلك الشهادات أساتذة في تلك الكليات والأقسام وبضعفهم تضعف المخرجات، وسوف يستمرون في تخريج المخرجات المضروبة التي تهبط بمستوى التعليم الذي راهن عليه قادة الدولة ليكون المنقذ في المرحلة القادمة، وعندها سنعود للوم أنفسنا على عدم الشجاعة في مواجهة بطالة الدكتوراه وتوابعها من الأمراض الاجتماعية والوطنية، وهذا لا يعني أن الطلاب الذين يتقدمون لهذه البرامج سيئوون ولكن البرامج ومكوناتها غير مؤهلة لتحمل مثل هذه المسؤولية العلمية والوطنية.

المصدر: الوطن أون لاين