عبدالله المديفر
عبدالله المديفر
مقدم برنامج (لقاء الجمعة)على قناتي خليجية والرسالة وبرنامج (في الصميم) على روتانا خليجية كاتب في صحيفة اليوم

تقليد كفيف..

آراء

على برنامج التواصل الشهير واتس أب وصلني مقطع يوتيوب لكفيف يملك قدرة مذهلة على تقليد الأصوات، حيث كان يقلد صلاة الراحل محمد السبيل -رحمه الله- مع تكبيرات المؤذن الجميل علي ملا في الحرم المكي، وبعدها دخلت في رحلة يوتيوبية مكوكية بحثاً عن مقاطع التقليد، فنحن معشر البشر نستمتع بمشاهدة من يقلدون الناس ويجيدون فنون المحاكاة، ولذلك لا عجب أن تجد البرامج الساخرة التي تعتمد على التقليد الرواج الواسع والتفاعل الكبير.

عندما يكون الحديث عن «التقليد» فأنا اتفق مع من يقول إن: «الإنسان كائن مقلد بطبعه»، وهذه في الأصل تعتبر ميزة لأنها احدى مهارات التكيف الاجتماعي، فهو يقبل على «التقليد» لأنه اجتماعي بطبعه، ويريد أن يكون مقبولاً في محيطه ومجتمعه، والتقليد خيار اجتماعي آمن بغض النظر عن صحة محتوى التقليد من عدمه.

عندما تبحث عن كلمة «تقليد» فإن أكثر كلمة مرادفة لها هي «أعمى»، والحقيقة أن التقليد قد يكون مبصراً في أحيان كثيرة، واختزاله في العمى والضعف وغياب الهوية والشخصية على طريقة ابن خلدون: «المغلوب يقلد الغالب» اختزال ظالم ومخل لأن «التقليد» بوعي يؤدي إلى الإبداع والتفوق، و«التقليد» اللاواعي يؤدي إلى التبعية ووأد الابتكار، وقليل من التأمل في التقليد الياباني للغرب والتقليد العربي للغرب سيبين لك أثر الوعي في المحاكاة والتقليد.

البعض يسطح الموضوع بقاعدة التقليد يكون بالوسائل فقط والمحتوى لا يقلد لأن لنا هويتنا الخاصة، وهذا غير صحيح، لأن التواصل الحقيقي بين الثقافات هو تفاعل من طرفين فاعلين تنتج منهما نتائج جديدة وبالتالي يستمر التطور الحضاري للبشرية، و«التقليد الأعمى» يقع عندما نترك الفاعلية ونكتفي باستسلام التلقي، وينطبق علينا حينها قول الرسول -عليه الصلاة والسلام- : «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه».

«التقليد الإيجابي» هو الذي يكون مرحلة في طريق الإبداع، و«التقليد السلبي» هو الذي يغتال الإبداع ويخنقه، فالإبداع يبدأ بتقليد الثروة المبدعة ثم يقوم بالثورة على التقليد المبدع، فإعادة صياغة المقلَد واستلهام أسراره وأقلمته بميزات جديدة هي نتيجة حتمية للتقليد الواعي.

علينا الحذر من سيطرة دعاة التقليد الذين يجعلون «الفوضى» هي المقابل الحتمي للتقليد، فهؤلاء ينشرون الروح التبعية المقلِدة، ولا يدركون أن الإغراق في «التقليد» يقضي على عقلية المحاولة والخطأ، لأنه يعطينا شعوراً مسيطراً بالتشبث بالتقليد حتى لا نقع في الخطأ، وبعضهم يكرس «التقليد اللاواعي» مع التراث دون مراعاة معطيات عصرنا.

إدمان «التقليد» يجعلك تعيش حياتك التي أرادها لك الآخرون، والشخصية الضعيفة التي تحس بالنقص لا تقاوم «التقليد».

المصدر: اليوم السعودية