محمد القنيبط
محمد القنيبط
كاتب و اكاديمي سعودي

سمو الأمير: أنت الحكم!

آراء

في العالم النامي بصفة عامة، والعربي على وجه الخصوص، هناك حال من شبه العداء الدائم بين المسؤول البيروقراطي والمواطن. إذ يشعر المواطن بنظرة دونية من البيروقراطي، يعزوها إلى قوة «الكرسي» الذي يجلس عليه البيروقراطي، في حين يشعر البيروقراطي بأنّ المواطن كثير المطالبة ودائم التذمر من سوء عمل البيروقراطي.

لذلك، عندما يفلس المسؤول البيروقراطي من المنطّق وتعيّيه الحجة في قضية ما، يلجأ لاستراتيجيات بيروقراطية عدة لتمييع القضية. في مقدم هذه الاستراتيجيات الشهيرة عندنا، تأتي «استراتيجية الصراخ»، والتي تتلخص في إطلاق البيروقراطي قذائف الشخصنة والموقف الشخصي والمصلحة الشخصية على صاحب القضية. وإذا كان مفعول هذه الاستراتيجية ضعيفاً، أو أنّ الموضوع محرج إعلامياً للبيروقراطي، فسيقوم بالاتّكاء على «الاستراتيجية العاطفية»، من خلال اتهام الطرف الآخر بالمغالطة واستخدام حجج واهية، أو من خلال كلمات التهييج والاستعداء والعزف على «وتر» الوطنية والمواطنة والمزايدة على مصلحة الوطن وأمانة الوظيفة والعمل. وحين لا يجدي استخدام هاتين الاستراتيجيتين، يضطر البيروقراطي لاستخدام استراتيجية «الكيماوي المزدوج»، من خلال التخويف بسوط الحكومة أو الدِّين أو كلاهما، وذلك بحشر وإقحام اسم أو هيبة الدولة والسلطة السياسية، سواء بمناسبة أم بغير مناسبة، أو لي عنق الآيات والأحاديث النبوية الشريفة لدعم وجهة نظره التي تفتقر لأبسط الحجج والمنطق.

وللأسف الشديد، لجأ وكيل الأمين للتعمير والمشاريع والمتحدّث الرسمي لأمانة منطقة الرياض المهندس محمد الضبعان إلى جميع هذه الاستراتيجيات «العربية الأصيلة» في رد «الأمانة» المنشور بصحيفة «الحياة» في غرّة رجب 1435هـ 30 نيسان (إبريل) 2014.

فهاهو يكتب في «أولاً» من هذا الرد البيروقراطي الكلاسيكي مبتدءاً بقذائف «استراتيجية الصراخ»، فيقول: «نربأ بكتّابنا الصحافيين الذين تفرد لهم مساحات مهمة من صحافتنا الموقرة لأجل خدمة المصلحة العامة والكتابة عن قضايا المواطنين أن يحولوا هذه المساحات لخدمة أغراضهم الشخصية». ثم يحكم إطباق تهمة الشخصنة بذرّ حبيبات التشويش الاجتماعي، وما يفترض أن يكون أو لا يكون، وذلك حينما يكمل في «أولاً» قائلاً: «…وإذا كانت المقالة مليئة بالمغالطات المخالفة للحقيقة والواقع من كاتب يفترض فيه الأمانة في النقل والحرص على مصلحة المواطنين جميعاً».

ويبدو أنّ أمانة منطقة الرياض تألّمت كثيراً من مقالتي «حكمة أبي وائل»، لذلك لم يكتف متحدثها الرسمي بالاستراتيجية الأولى، على رغم إتقان تنفيذها، لذلك أتبعها «باستراتيجية العاطفة» ومفردات التهييج، إذ كتب في «ثانياً»: «إن مقام أمانة منطقة الرياض أرقى من أن يتساقط مع عبارات كاتب أياً كان – غير عاجز عن مجاراتها – إلا أن المسؤولية تحتم علينا احترام عقول المواطنين وعدم الإسفاف بالمقالة» وبكل تأكيد لا ينسى سعادته استخدام جميع مفردات الاستراتيجية الثانية، وذلك من خلال إضافة «بهارات» الحرص على الأمانة وحقوق المواطنين والعدل بينهم، إذ كتب في «ثالثاً»: «…ولحرص «الأمانة» على حقوق المواطنين من دون تفريق…»!

وعلى رغم أن المتحدث الرسمي أجاد استخدام الاستراتيجيتين الأولى والثانية في رد «الأمانة»، إلا أنه لم يتوقف عندهما، لأنه أيقن الآن جاهزية القارئ لاستقبال وتأييد استراتيجية «الكيماوي المزدوج»، من خلال استخدامه لأدوات التخويف السياسي مع «بهارات» الاستعداء الرسمي، حينما كتب في بداية آخر فقرة من رد «الأمانة» قائلاً: «إذ كاد يجعل أمانة منطقة الرياض هي سبب تعثر مشاريع الدولة في القطاعات كافة، بأسلوب يفيض بالتشنج والتجني وبعيد عن الواقع تماماً»! الآن يختم المهندس الضبعان الرد الرسمي لأمانة منطقة الرياض بتوجيه «الضربة الفنية القاضية» باستكمال استراتيجية الكيماوي المزدوج من خلال التخويف والوعظ الديني، إذ كتب: «همسة في أذن الكاتب: ليتك استقيت حكمتك من قول الله سبحانه وتعالى: (وإذا قلتم فاعدلوا)، ونأيت بنفسك عمّا ذكر في قوله تعالى: (فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون)»!

مسكين هذا الوطن، الكل يزايد على حبّه!

وفي هذا المقام نقول لسعادة وكيل الأمين للتعمير والإنشاء والمتحدث الرسمي لأمانة منطقة الرياض المهندس محمد الضبعان: لو أنّك قرأت خطابات جيران المدرسة التي قدموها لأمين منطقة الرياض وأحالها لكم، لعرفت أنهم لم يطلبوا – لا سمح الله – إسقاط ركن من أركان الإسلام أو شعيرة من الشعائر الدينية، حتى تتمسك أمانة منطقة الرياض بحجة واهية هي مخطط حي النزهة الذي بلغ عمره 40 عاماً وكأنه قرآن منزّل، بل كل ما طلبوه هو أمر دنيوي، قال في شأنه المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام: «أنتم أدرى بأمور دنياكم». فكتب جيران المدرسة في خطاباتهم لمعالي «الأمين» عبارة أشرت إليها في مقالتي التي أغضبت المهندس الضبعان وأخرجته عن هدوءه وبشاشته، وللأسف لم يتجرأ للإشارة لها، ولو من باب الأمانة وحب الوطن التي يزايد علينا بهما. هذه العبارة التي وردت في مقالتي كانت: «وإزاء تمسك وكيل الأمين بطلبه وإصراره عليه، رأى جيران المدرسة ضرورة العودة إلى الأمين وتحكيمه في هذا المأزق التاريخي، فقدّموا له خطاباً ثانياً يطلبون فيه تشكيل لجنة من «الأمانة» لمعاينة الوضع على الواقع ودرس تأثير حركة السير في ظل المدخل الحالي والمدخل البديل، وسيقبلون بقرار اللجنة مهما كان».

فلماذا يا وكيل الأمين أغفلت هذه الجزئية الأساسية لواقعية طلب جيران المدرسة؟ وجعلت ردّ «الأمانة» يظهر هؤلاء المواطنين (الجيران) أنانيين بطلبهم؟ هل يعتبر سعادتكم أن الجيران غير منطقيين حين طلبوا من «الأمين» تشكيل لجنة هندسية للوقوف على واقعية الشكوى وإصدار قرارها الرسمي الذي سيقبل به الجيران، كما كتبوا ذلك في خطاباتهم للأمين؟ فجاء في مقالتي ما يلي: «ذهبت مرة ثالثة لمقابلة الأمين، وأخبرته بأنّ الجيران يرضون بحكمه في شأن أحقيّة ومنطقية مطالبتهم بتغيير المدخل من خلال تشكيل لجنة فنية تزور الموقع ثم تقرّر».

لماذا تصرّ أمانة منطقة الرياض على تجاهل هذه النقاط، وتكتب رداً متشنجاً مليئاً بالمغالطات وبعيداً عن الحكمة والهدوء التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين المسؤولين في كل مناسبة، عندما يكرّر في كثير من المناسبات عبارته اللطيفة: «عليكم بالهدوء والسكينة»، فأي هدوء وسكينة كانتا في مفردات الرد العنيف لأمانة منطقة الرياض؟

مزاجيّة تعريف المصلحة العامة!
أغرب شيء في رد أمانة منطقة الرياض عبر المتحدث الرسمي المهندس محمد الضبعان المليء بالتناقضات، ولكنها لازمة لكل بيروقراطي عربي يواجه طلباً لمواطن، هي المزايدة على الوطنية ومصلحة الوطن والمواطنين من خلال تكرار عبارات: «حقوق المواطنين.. مصلحة المواطنين.. محافظتها على حقوق المواطنين.. حفظ حقوق الجميع»، وفي هذا المقام نسأله ومعالي رئيسه أمين منطقة الرياض المهندس عبدالله المقبل: هل وافق جميع أصحاب العقارات والمحال التجارية على الشوارع التي حفرت «الأمانة» فيها أنفاقاً أو أنشأت جسوراً أمام عقاراتهم ومواقعهم، وبالتالي قلّلت من قيمة عقاراتهم وشبه قتلت الأنشطة التجارية في تلك المواقع! أم أنّ «الأمانة» أخذت بمبدأ «تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة»! والسؤال نفسه ينطبق على عشوائية ومزاجية «الأمانة» في فتح وإغلاق المخارج والمداخل على الطريق الدائري، والشوارع العريضة في مدينة الرياض: هل أخذت «الأمانة» موافقة جميع المواطنين أصحاب المباني المتضررة من تغيير هذه المخارج والمداخل؟

لماذا هذه التساؤلات؟ لأنّ هؤلاء المواطنين انتهكت حقوقهم بموجب النقطة «خامساً» في رد «الأمانة» حين كتبت: «تعتبر مخططات الأراضي هي الوثيقة القانونية والرسمية، والأداة التي بها يعرف الناس حدود ملكياتهم وحقوقهم ومجاوريهم، وعليها تحدد أنظمة البناء واستعمالات المواقع السكنية والتجارية وأماكن الخدمة والمرافق العامة، وعليها اشترى الناس أراضيهم واختاروا أماكنها وعرفوا مجاوريهم، وهي المرجع الأساس بعد اعتمادها عند النزاع والخصومات»! أم هي مزاجية بيروقراطيي «الأمانة» التي تتغير من يوم لآخر، وتطبّقها في حالات بعينها، في حين «تطنّش» عنها في حالات أخرى!

وقبل الختام، فإن قمّة «جزالة» رد أمانة منطقة الرياض تجلّت في النقطة «سابعاً» حين كتب متحدثها الرسمي: «مع الاحترام الشديد للكاتب الكريم إلاّ أنّ مقالته مليئة بتناقضات ومغالطات كثيرة، يكفي منها أنه أشار في أول المقالة إلى أنه تواصل وجيرانه مع الإدارة الهندسية في وزارة التربية والتعليم، مشيداً بعدم ممانعتهم في تغير مداخل المدرسة مبتهجاً بهذه الخطوة، إلا أنه انتقد الخطوة ذاتها وتهكم بها حين أشار إليها الأمين بأنه لا بد من أخذ رأي وزارة التربية والتعليم في تغيير المدخل»! ترى، هل تعي أمانة منطقة الرياض حقيقة كلامهم هذا، والإصرار على تكراره على الملأ؟ هل حقاً تعي «الأمانة» أنّ اختصاص وزارة التربية والتعليم تعليم أبنائنا وبناتنا، وليس هندسة حركة وسير السيارات في شوارع الأحياء لتحديد أفضل المداخل لمدارس الأحياء!

حكم الأمير هو الفيصل

لم أكن لأعود للكتابة عن هذه القضية لأنني والجيران أصبنا بإحباط شديد من سلبية أمانة منطقة الرياض ووكيلها، من خلال إصرارهم على التّنصّل من المسؤولية في التعامل الحضاري المسؤول مع قضية مواطنين لهم كامل الحق منفردين أو مجتمعين في عرض قضيتهم في أية وسيلة نظامية، وتركهم هذه القضية عائمة بين سكان الحي ليجدوا حلاً لها، وكأننا في العصر الحجري. فكان أملنا موافقة أمين منطقة الرياض على تشكيل لجنة هندسية فنية تزور الموقع، وتعاين شوارع الحي المحيطة بالمدرسة، لتخرج بقرار فني ميداني يكون في مصلحة عموم سكان الحي، وعدم الركون لمخطط الحي الذي عمل قبل 40 عاماً. ولكن للأسف، لم يحدث شيء من ذلك خلال حوالى شهرين من المطالبات.

أما وقد «تشنّجت» أمانة منطقة الرياض، كما يتضح من ردها العنيف على لسان المتحدث الرسمي وكيل الأمين للتعمير والمشاريع، وقالت بأن: «مخططات الأراضي هي الوثيقة القانونية والرسمية..»، فإننا نرفع تظلّمنا إلى مقام أمير منطقة الرياض خالد بن بندر بن عبدالعزيز، راضين بحكمه في نقطتين:

الأولى: منطقيّة طلب جيران المدرسة لأمانة منطقة الرياض بتكوين لجنة هندسية فنية تقرّر الموقع الأفضل لمدخل المدرسة، في ظل الواقع الحالي للحي، وليس على مخطط الحي الذي تمّ عمله قبل حوالى 40 عاماً.

الثانية: تقول أمانة منطقة الرياض، عبر متحدثها الرسمي: «تعتبر مخططات الأراضي هي الوثيقة القانونية والرسمية، وعليها اشترى الناس أراضيهم واختاروا أماكنها وعرفوا مجاوريهم، وهي المرجع الأساس بعد اعتمادها عند النزاع والخصومات»، وإذ إن مخطط حي النزهة رقم 1954 كتب فيه أنّ تلك المدرسة (ابتدائية بنين)، في حين أنّ اللوحة التي وضعها المقاول على موقع أرض مشروع المدرسة تقول: «مشروع إنشاء متوسطة محدثة»! فهل خالفت أمانة منطقة الرياض إدّعائها في «خامساً» من تصريح متحدثها الرسمي، عندما غيّرت تصريح المدرسة من ابتدائية إلى متوسطة من دون أخذ موافقة جميع الجيران؟

فإليك يا صاحب السمو نرفع مظلمتنا وخلافنا مع أمانة منطقة الرياض، وأنت الحكم والفيصل الذي شرّفه خادم الحرمين الشريفين بإدارة عاصمتنا الغالية. أعانكم الله علينا كمواطنين، لهم حقوق وعليهم واجبات، وأعانكم الله كذلك على فكر بيروقراطي تخطيطي يستند على مخططات ورؤى عمرانية ومدنيّة عملت قبل عشرات الأعوام، وبالتالي لا غرابة أن تتقدم مدننا إلى الخلف، في حين تقفز مدن جيراننا إلى الأمام بسرعة الضوء.

المصدر: صحيفة الحياة