صعوبة أن تكون مسلماً أوروبياً

آراء

عيون مسلمي العالم على قمة إسطنبول، بل عيون العالم كله، لأن المسلمين في أوطانهم وأوطان الآخرين مهدّدون بالتحوُّل إلى مشكلة عالمية بدل أن تكون شخصياتهم الجامعة والمنفتحة سبيلاً إلى حل مشاكل العالم اقتصاداً وبيئة واجتماعاً.

ولن يجدي تعليق مشاكل المسلمين على مشجب أطماع الدول الكبرى أو الصراعات بين الدول الإسلامية الرئيسية، المشكلة في نظرة المسلمين إلى أنفسهم وإلى العالم، والبقية تفاصيل تتصل بمصالح دول تتلاقى أو تتعارض أو تتحوّل وفق ظروف معقّدة لكنها غير ثابتة، فلا تتحمّل نظرة في السياسة، جوهرانية أو حتى مقدّسة.

ملفات عدة يدرسها زعماء 57 دولة في «منظمة التعاون الإسلامي»، في مقدّمها الأمن والسلام ومكافحة الإرهاب ودعم حقوق الإنسان في التنمية والصحة والتعليم والانفتاح الثقافي. لكنّ القمة هي في الأساس لقاء سياسي على مستوى رفيع، هدفه الحدّ من الحروب في غير مكان من العالم الإسلامي والنظر في مسارات قضايا متقادمة، مثل حق الشعب الفلسطيني ومشكلة جامو وكشمير ومعوّقات الاستقرار في أفغانستان والصومال وليبيا وسورية والعراق. وما يبعث على الأمل أن قمة إسطنبول تأتي بعد أيام من جولة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز المصرية التركية، وتشكيلها عصباً سياسياً قادراً على التصدّي لمشكلات الإقليم، ووضع إيران أمام مسؤولياتها كدولة، ودفعها إلى الكفّ عن التدخُّل في الشؤون الداخلية للبلاد العربية وإعاقة حل المشكلات بطريقة سلمية داخل كل دولة وبالتوافق بين مكوّناتها الوطنية.

والقمة لقاء بين قادة دول لا بين أحزاب أو طوائف أو جماعات إثنية، لذلك فهي تدرس سبل التعاون بين الدول انطلاقاً من احترام شخصية كل دولة. وبذلك يختلف هدف القمة عن أهداف ايديولوجية يعتبرها البعض عابرة للدول والمجتمعات، فيعمد الى محو الشخصية الوطنية وفرض شمولية تقتلع الجذور الثقافية، وتقطع شرايين الشبه مع البشر المختلفين.

ولن يجدي إيران هذا الهجوم الإيديولوجي على العالم العربي لهدف خاص بها هو تعزيز القومية الدينية التي تحد من الخلافات داخل المجتمع الإيراني المتنوع، فتحاول حفظ وحدته المفترضة بالهجوم خارج الحدود واصطناع مهمات مقدّسة لما تسمّيه الدفاع عن المظلومين، أو الانفراد بدعم القضية الفلسطينية التي هي محل إجماع الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم.

ولن يجدي إيران ايضاً أن تحفظ وحدتها بكسر عناصر الوحدة في دول مجاورة مثل العراق وسورية ولبنان، فالدول إما أن تكون كلها أو لا تكون كلها، ونظرية الدومينو تتحقق بانتقال التفكك آلياً من دولة إلى دولة أخرى مجاورة مهما كانت الإرادات. وفي سياق التفكك تتقدّم المنظمات الإرهابية وتتسلّل، وتجد لها مكاناً على أنقاض الدولة العربية الحديثة، بل تعمد هذه المنظمات إلى ضرب الشعوب الأخرى في رسالة لبث الرعب، وتقديم الإسلام والمسلمين في صورة معادية للإنسان.

وأن تكون مواطناً مسلماً في أوروبا أمر يزداد صعوبة، فعلى ظهرك حمل ثقيل من العدوانية المجانية، بدءاً من 11 أيلول (سبتمبر) في نيويورك وليس انتهاء بتفجيرات بروكسيل. هذا الحمل الثقيل يحوّلك الى عبء على بلدك الثاني وعلى شركائك المواطنين الآخرين، فأوروبا فقدت قوتها الاقتصادية ومركزيتها الحضارية اللتين تؤهلانها لاستيعاب الآخر المعادي. وها هي تجنح للدفاع عن النفس في وجه إرهاب يلبس ثوب الإسلام السياسي، فيأخذ ولا يعطي لأن ليس لديه ما يعطيه. من هنا تتجه أنظار المسلمين الأوروبيين وأنظار مواطنيهم الى قمة إسطنبول، لوضع حد واضح وملموس بين الإسلام والإرهاب، وتلك نقطة البداية لإعادة الأمور إلى نصابها وإنقاذ الإسلام الجامع من خاطفيه المنكفئين العدوانيين.

عدا ذلك برنامج طموح نحو نقل دول العالم الإسلامي من الصراع الى قدر من التكامل، ومن الدعوة إلى موت الآخر الى الانفتاح خدمة للإنسان في أي مكان.

المصدر: صحيفة الحياة