عبدالله المغلوث
عبدالله المغلوث
كاتب وصحفي سعودي

فاكهة لا تفسد

آراء

شكوت قبل عدة سنوات أحد أشقائي لدى أمي؛ لأنه لم يأت في موعد اتفقنا عليه. اتهمته بالإهمال كونها ليست المرة الأولى وأنني سأتعامل معه بالمثل في المستقبل. وأشرت إلى أن هذا الموقف يمثل دلالة على أنه لا يقدرني. دافعت والدتي عنه بشراسة وحاولت تبرئته بكل ما أوتيت من قوة. وبعد أن انتهى النقاش غادرت قليلا ثم عادت وابتسامة تكسو وجهها وبرفقتها عدة أوراق.

أعطتني الأوراق برفق كأنها تناولني قطعة ألماس باهظة الثمن وقالت لي اقرأها. وفور أن قرأت الأوراق انتقلت الابتسامة الواسعة، التي ترسمها على وجهها إلى وجهي. فالأوراق التي كانت تحملها كانت رسالة إلكترونية كتبتها قبل سبع سنوات موجهة لوالدتي وأشقائي أشكر فيها شقيقي “الذي شكوته لها”، وأعدد فيها مناقبه، مرفقًا صورة للهدية، التي بعثها لي. وشرحت في الرسالة كيف أنه ادخر من مكافأته، مقدما نفسي على نفسه؛ ليسعدني.

بعد أن فرغت من قراءة رسالته المطبوعة سألتني أمي وهي ما زالت تبتسم:”هل يحبك أخوك الآن أم لا؟”

تعلمت كثيرا من هذا الموقف البسيط أن لا أدع انفعالاتي تتحكم في قراراتي وألا أحكم على قريب أو غريب بسبب موقف أو موقفين. ينبغي أن أقوم بعملية مسح شاملة في ذاكرتي عن مواقفه، وقطعا سألتقط ما سيؤكد أن هناك الكثير مما يجعلني أتراجع عن حنقي تجاهه. لقد قدمت لي والدتي درسا أجمل يتجسد في أهمية الاحتفاظ بالرسائل الإيجابية التي تجمعني مع أشقائي وأقاربي وأصدقائي.

فأمي تحتفظ بنسخة ورقية من معظم الرسائل، التي أبعثها إلى بريدها أو بريد والدي. تطبعها وتضعها في ملف بالقرب من خزانة ملابسها. ولديها ملفات باسم كل ابن من أبنائها.

فلا يمكن أن أصف حقا حجم السعادة، التي أدخلتها تلك الرسالة على قلبي. لقد غيرت موقفي من شقيقي في ثوان. تحولت مشاعري نحوه تماما. صوّرتُ الرسالة وأرسلتها إليه وبقية أفراد أسرتي.

فتحت هذه الرسالة بابا لم يغلق للذكريات الجميلة بيننا. استرجعنا الهدايا، التي قدمناها إلى بعضنا صغارا وكبارا. عززت شعورا إيجابيا كنا في أمس الحاجة إليه.

كان لرسالة شقيقي وهديته طعما لذيذا عندما أرسلها لأول مرة. لكن الطعم كان أشهى بعد أن صافحتها بعد عدة سنوات.

الرسائل هي الفاكهة التي لا تفسد، وإنما تزداد لذة مع مرور الوقت. كلما احتفظنا بها أكثر، استمتعنا بها أكثر.

المصدر: الاقتصادية