قمة الكويت «غير»

آراء

اختلفت قمة الكويت، التي عقدت هذا الأسبوع عن سابقاتها خلال 33 عاماً من القمم لقادة دول مجلس التعاون. وكما يقول أهل جدة: جدة غير، فإن قمة الكويت أيضاً «غير»؛ ذلك لأنها احتضنت -ولأول مرة- رأي المواطن الخليجي، عندما صدح صوت رئيس مجلس الأمة الكويتي الشاب «مرزوق الغانم» برأي شعوب الخليج بصفته رئيس اجتماع البرلمانات الخليجية. وجاءت كلمته البليغة لغةً ومعنى لتجسّد أهمية دخول مجلس التعاون مرحلة جديدة تختلف عما جرى العرفُ عليه طوال 33 عاماً من عمر المجلس، ما حدا بكثيرين أن يقولوا: إن هذا المجلس هو مجلس حكام ولا يمثل الشعوب.

وطالب رئيس مجلس الأمة الكويتي بأن يكون حضور مَنْ يمثل الشعب -سواء كان رئيس مجلس الأمة أو الشورى- سنةً جديدة وفاتحة تقليد جديد ينقل لأصحاب القرار الخليجي آمال وتطلعات وهموم شعوب الخليج، التي ظلت مُغيبة طوال الفترة الماضية.

كما جاءت قرارات القمة على قدر مسؤولية الظرف، رغم ما سبقها من إرهاصات و»قنابل» سياسية كادت أن «تُطيح» برأس مجلس التعاون لولا لطف الله ومسؤولية قادة دول المجلس وإصرارهم على تكاتفهم وتلاحمهم. فكان قرار الاهتمام بالشباب، وإنشاء صندوق لدعم ريادة الأعمال لمشاريع الشباب الصغيرة والمتوسطة، وتأسيس برنامج دائم للشباب لتنمية قدراتهم وتفعيل مساهمتهم في العمل الإنمائي، من القرارات التي جاءت بدقة مع وضوح الهدف، والآن ليس على الأمانة العامة لمجلس التعاون إلا تنفيذ هذه القرارات -كما أقر ذلك قادة دول مجلس التعاون- ووضع برامج عمل واضحة للاهتمام بالشباب، الذين هم رجال المستقبل، وألا تكون تلك القرارات مجرد «إشباع سياسي مرحلي» أو فرقعات إعلامية.

كما أننا نقدر بقية القرارات المتعلقة بالعمل الخليجي المشترك من بناء المنظومة الدفاعية المشتركة، وإنشاء أكاديمية خليجية للدراسات الاستراتيجية والأمنية، والمصادقة على قرارات مجلس الدفاع المشترك، وإنشاء جهاز الشرطة الخليجية (الإنتربول)، وكذلك الموقف الواضح تجاه مفاوضات جنيف (5+1)، والترحيب بالتوجهات الإيرانية الجديدة ودعوتها لأن تتبع تلك التوجهات خطوات ملموسة، لينعكس ذلك على السلم والأمن والاستقرار في المنطقة، كل ذلك جميل ومُقدر، إلا أن الجديد الأجمل في قمة الكويت هو (إعلان الكويت)، الذي اعترف -ولأول مرة منذ 33 عاماً- بدور الكُتَّاب والمفكرين الخليجيين والدعوة للتعرف على آرائهم ومقترحاتهم بشأن سبل تعزيز مسيرة مجلس التعاون، ولقد كلف المجلسُ الأعلى الأمانةَ العامة لمجلس التعاون بالتواصل مع هؤلاء الكُتَّاب والمفكرين للتعرف على الرأي العام الخليحي في هذه المسيرة. وهذه العبارة الأخيرة أيضاً تدخل في (أضابير) مجلس التعاون لأول مرة. ونحن إذ نقدّر اهتمام قادة المجلس برأي الشعوب عبر تكليف الأمانة العامة بالتواصل مع الكُتَّاب والمفكرين الخليجيين – الذين ظلوا طوال 33 عاماً مُهمشين، و(يؤذنون في خرابة) رغم حبهم لمجلس التعاون وحرصهم على نجاحه وتطوره، لأنهم أكثر استشعاراً لهموم وتطلعات وآمال الشعوب؛ فإننا نأمل من الأمانة العامة وضع برنامج عمل واضح لهذا الإعلان، حيث لا بد من التواصل مع الجمعيات والاتحادات الفكرية والثقافية في دول المجلس، وليس مع المؤسسات الرسمية فقط، ذلك أن عديداً من المفكرين والكُتَّاب هم من المستقلين وأصبحوا خارج المؤسسة الرسمية، كما أن الحرية والشفافية التي يتمتعون بها تسهم في التصريح الشفاف بعيداً عن «كهنوت» الرسمية، الذي يُغلّف دوماً بـ «ذرابة» الدبلوماسية التي قد لا تفيد في هذا المجال.

نقول قمة الكويت «غير»، لأن الإنسان الخليجي كان حاضراً في القاعة، بكل همومه وتطلعاته وآماله، وهذا في حد ذاته مكسب كبير لمجلس التعاون وللأمانة العامة التي التفتت لهذا الموضوع المهم.

بالطبع فإن «إعلان الكويت» أيضاً التفت إلى القرارات الصادرة عن مجلس التعاون -بكل مجالاتها- ولم تنفذ، ودعا إلى إيجاد الآليات اللازمة لسرعة تنفيذ تلك القرارات، وهذا أيضاً ينمُّ عن وجود قصور حقيقي في المسيرة ويحتاج إلى علاج سريع.
نحن فخورون بقمة الكويت حقاً، وبسمو قادة دول المجلس على جراح التصريحات والدبلوماسية واستشعارهم واقع العصر، الذي يتطلب الشفافية وتغيير المفاهيم التي نامت في «صندوق التاريخ»!؟.

نعم نبارك هذه القمة، ونأمل أن تتم ترجمة قراراتها من اليوم حتى لا «تبرد الهبّة»، وتطالها يد البيروقراطية وتدخل دائرة النسيان.

المصدر: صحيفة الشرق