نحن بين الاهتمام والتأثير

آراء

كما أن لبعض الأشخاص حضوراً لا يمكنك إغفاله، كذلك بعض الكلمات تعلق في الذاكرة وتحفر فيها مكاناً تعجز الأيام عن محوه. أغلبنا حضر أو استمع للعديد من المدربين في مجال التنمية البشرية، ولكنه يخرج غالباً ولم يعلق فيه سوى بقايا طعام البوفيه الذي يقدم بين الجلسات. ولست هنا للحديث عن موضوع الدورات التدريبية ومدى جدواها، فلعل الزمان يسعفنا للتطرق إليها لاحقاً، إلا أنني هنا للإشارة إلى قوة الكلمة وخطورتها إذا ما التصقت بالوجدان، وتشكلت في قالب عملي ملموس تسد ثغرة في جدار تجاربنا الحياتية، أو تحل لغزاً طالما حيرنا. وبالتأكيد، ليست كل الكلمات تقدر على ذلك.

من تلكم الكلمات، كلمة سمعتها منذ زمن للرائع الراحل الدكتور إبراهيم الفقي، رحمة الله عليه، قال إن كلاً منا يحيط به دائرة ضيقة تسمى دائرة التأثير، ودائرة أوسع تسمى دائرة الاهتمام! فالناجحون يصرفون جهودهم في دائرة تأثيرهم حتى تتسع، والفاشلون هم من يفنون أعمارهم في النظر في دائرة اهتماماتهم فتتسع على حساب دائرة التأثير.

ما معنى هذه الكلمة؟

إنها أيها السادة الكلمة السحرية التي تفك لغز نجاح الناجحين، وكذلك أسباب تقهقر الفشلة والمحبطين. وأنا أعتبرها أداة فعالة في يد أي مرب أو أخصائي نفسي أو مدرب في التنمية البشرية، بل كل إنسان يود أن يتغير للأفضل، أو يريد أن يخرج من حالة الاكتئاب والإحباط التي تلازمه، وأن يعيش متحمساً ومتفائلاً وسعيداً. كيف ذاك؟

الأمر في غاية البساطة، ولكن يحتاج منا شيئاً من الانتباه لمشاعرنا، وتعديلاً طفيفاً في طريقة تفكيرنا.
كل الدراسات النفسية تشير إلى أن أغلب المحبطين واليائسين هم ممن لا يقومون بعمل شيء مجدٍ، لأنهم يعيشون في دائرة لا يمكنهم التأثير فيها، أي أنهم في المكان الخطأ، في دائرة الاهتمام التي تكلمنا عنها. ويتزايد إحساسهم بالحزن والغضب والإحباط، كلما رأوا مثلاً الفقر أو الظلم أو الحروب أو الكوارث هنا أو هناك، ثم لا يجدون ما يمكنهم فعله حيال ذلك، فيبدؤون بالتذمر والصراخ أو الانكفاء على الذات يأساً من إمكانية التغيير نحو الأفضل.

أما الناجحون فلديهم تكنيك فعال، اعتماداً على وعيهم المسبق بدائرتي الاهتمام والتأثير. فعندما يتعرضون لأي حدث، يتوقفون قليلاً كي يتبينوا مواضع أقدامهم، هل في دائرة الاهتمام أم التأثير؟ فإذا كانوا يقفون في دائرة الاهتمام رجعوا سريعاً إلى دائرة التأثير، وبحثوا فيما عما يمكنهم فعله حيال الحدث، وما يمكنهم تقديمه من مساعدة. فمثلاً إذا سمع أحدهم عن انتشار الفقر في مكان ما، بدلاً من أن يتذمر ويلعن الأسباب والمسببات ثم يقعد يندب حظه العاثر الذي أوجده في عالم لا يرحم، يقوم بالتقدم خطوة إلى الأمام نحو حل المشكلة أو التخفيف منها. والوسائل في ذلك كثيرة، أقلها استقطاع جزء يسير مما يملك لمن لا يملك، فكما قيل: «تبرع بالقليل، فإن الحرمان أقل منه»، أو يدعو غيره لذلك، أو يجمع بعض الثياب المكدسة في الأدراج، لمن لا يملك ما يستر به عورته، ولا أقل من أن يدعو لهم في صلاته. وهو خارج من مسجده، لا ينسى أن يضع في صندوق الصدقات درهماً قد يسبق بها مئة ألف درهم، كما قال رسول الإنسانية والإيجابية صلى الله عليه وسلم: سبق درهم مئة ألف درهم، قيل وكيف ذلك يا رسول الله؟ فقال: رجل له درهمان -أي لا يملك غيرهما- فتصدّق بأحدهما، ورجل تصدّق بمئة ألف من عرض ماله.

وبالتأكيد فإن من يفعل ذلك يجد نفسه في نهاية اليوم مفعماً بالرضا، متحفزاً لبذل المزيد في اليوم التالي. فكما أن المحبط يعدي من حوله، فإن التفاؤل والإنجاز والعطاء تفجر فينا طاقات متجددة لتقديم المزيد. صدقوني، جربوا ذلك ولن تندموا.

المصدر: الرؤية