هل أصبح تخطي مرض الاكتئاب أصعب في وقتنا هذا؟

آراء

لا أعتقد بأن مصائب الانسان زادت في الآونة الأخيرة، فأجدادنا عانوا كثيراً عندما كانوا يبحثون عن لقمة العيش في الصحراء، أو الجبال أو عند سواحل الدولة. سمعنا منهم عن مفاجع خسران المقربين لهم، وعن المآسي التي مروا بها على الصعيدين الشخصي والعملي. قد يكون البعض منهم عانى من/ ثم تخطّى نوبات الاكتئاب التي مر بها باستخدام عاملين مهمين: الدين وقوة روابطهم الاجتماعية. ينقل الأجداد خبرتهم هذه لأبنائهم، لنا نحن، لذلك اليوم عندما يمر أي شخص بأي حالة نفسية يُفسّر الموضوع بأنه ضعف إيمان، أو لأن الشخص معزول عن مجتمعه.

لا شك بأن الأمر فيه نوع من الصحة، فقد أقرّت العديد من الدراسات العلمية بأن زيادة الوازع الديني (أو الروحانية) قد تساهم في علاج أو تخفيف أعراض الاكتئاب على المدى البعيد123. بالإضافة إلى ذلك، أكدت بعض الدراسات العلمية بأن معدل الاكتئاب مرتفع بالمجتمعات القائمة على العمل الفردي (كالمجتمع الأمريكي) مقارنة بالمجتمعات القائمة على العمل الجماعي (كالمجتمعات الآسيوية) حيث يقل اعتماد الفرد على محيطه الاجتماعي في المجتمعات الفردية مقارنة بالمجتمعات الجماعية وبالتالي يصعب الحصول على الدعم النفسي والاجتماعي الكافي في وقت الأزمات456. وبينت بعض الدراسات أيضاً بأنه لا يوجد اختلاف في زمن التعافي من الاكتئاب بين الأشخاص الذين يستعينون بالمعالجين المختصين وبين الذين يستعينون بالمقربين منهم78. جميع هذه النقاط بالطبع تدعم حجة الذين يؤمنون بأن الروابط الاجتماعية كافية لحل أي مشكلة نفسية قد تواجه الانسان.

ولكن الإنسان، أو بالأحرى دماغ الإنسان، أكثر تعقيداً من ذلك، وقدرات الإنسان التي تمكنه من التفكير، والكلام، والحركة كلها لازالت تُدرَس بتمعّن حتى يومنا هذا في العديد من مراكز البحوث العلمية المحلية والعالمية. نعلم اليوم بأن العديد من تصرفات الإنسان مرتبطة بالتشكيلة البيولوجية للدماغ، وتعتبر نظرية “اختلال التوازن الكيميائي في الدماغ” من أشهر النظريات التي هدفت لتفسير العديد من الأمراض النفسية (على الرغم من ظهور العديد من الانتقادات لها مؤخراً) 9. حيث يُعتقَد بأن قلة أو كثرة نسبة الناقلات العصبية في الدماغ قد تؤثر ذلك على سهولة الاتصال بين الخلايا العصبية. وفي مرض الاكتئاب بالذات تقل نسبة السيروتونين (أحد أهم الناقلات العصبية)، وبالتالي يؤمن البعض بأن الحل الوحيد هو وصف بعض الأدوية (مضادات الاكتئاب) التي تساهم في رفع نسبة السيروتونين وبالتالي إعادة التوازن الكيميائي للدماغ. نعلم أيضاً بأن العديد من حالات الاكتئاب قد تكون لها أسباب جينية، أي أنها قد تتناقل بين الأجيال بدون الحاجة إلى وجود سبب بيئي مباشر مسبب للاكتئاب. باختصار، على الرغم من التطور المبهر والسريع للعلم في وقتنا الحالي، لا زلنا لا نعلم الكثير عن أحد أكبر أعضاء جسم الإنسان وأكثرها تعقيداً، الدماغ.

اليوم، يتم علاج بعض حالات الاكتئاب عن طريق تقوية الوازع الديني (أو الروحانية)، وقد يتم العلاج أحياناً عن طريق التواصل الاجتماعي – سواءً مع الأقارب أو مع المختصين، وقد يتم أحياناً العلاج عن طريق تناول مضادات الاكتئاب، ولكن، حتى يومنا هذا، لازالت هناك العديد من الحالات التي لا يتم علاجها (أو فهمها) على الاطلاق. هذا على الرغم من أن الاكتئاب يعتبر المرض النفسي الأكثر انتشاراً على مستوى العالم10، وثاني أكثر الأمراض النفسية انتشاراً في دولة الإمارات العربية المتحدة (بعد مرض القلق) بالاستناد إلى الأرقام التي نشرتها وزارة الصحة في عام ٢٠١٩11. نسبة الإصابة بمرض الاكتئاب (والامراض النفسية بشكل عام) في تزايد، الأمر الذي يعتبره البعض “ضريبة التمدّن”12. لذلك نرى بأن العديد من الجهات الحكومية تقوم بعمل مبادرات تساهم في نشر الوعي حول موضوع الصحة النفسية والعقلية. وبسبب التغييرات والتطورات السريعة التي تمر في دولتنا بالذات، يجب الفهم بأن تخطي الأمراض النفسية يحتاج فهم، دراسة وتوعية.