وجه المرأة في قبضة الاستفزاز

آراء

تحتل المبادئ خانة المصداقية عندما تقع على المحك؛ مصداقية الشيخ الغامدي في فتواه ألهبت حماسة مجتمع الخصوصية فملأوا الدنيا ضجيجاً وصراخاً همجياًً،، تجلّت مصداقية الشيخ بظهوره بصحبة زوجته كاشفة الوجه والكفين وبالزينة فيما ظهر منها.. ظهرت جواهر( زوجة الشيخ السلفي أحمد الغامدي) بكامل حشمتها، فاستفزت مجتمع التغطية والحجب.

مفهوم الاستفزاز في مجتمع الفضيلة الشكلانية مفهوم هلامي لا ارتباط له بالأخلاق، فالاستفزاز الذي ردده من استفزهم ظهور وجه “جواهر” استفزاز ضيّع موطئ قدمه، استفزاز زئبقي لا يؤمن بنقاش ولا حوار، ولا يتقبل الجدل فضلاً عن احترام الاختلاف، يدير دفة “هيجانه” الأهوج عصبة كهنة الجهل والتعصب والتشدد والغباء.

فإن تتساءل عن أمر مستفز لتجده يكيل الهجوم والإرهاب اللفظي على تصرف طبيعي شخصي، فهذه حالة لا تتصور سوى في مجتمع طال عليه مفهوم لم يفهمه” احترام حق الاختلاف”، فسُرِقت حياته وحريته واستقلاله، تحت ذريعة عصمة هلامية تدّعي وهم الخصوصية وأحلام الفضيلة؛ فضيلة شكلانية؛ لاتتجاوز رمي المرأة في جحر التراث وتكميمها بالمخاوف “المستفزة” كلما برزت في الواقع.. بهذا الاستفزاز الأحمق؛ استطاع عبّاد التراث أن يجروا الجميع لمستنقعه، فهوى الغالبية إلا ما ندر في الحكاية الاستفزازية، وإنك لتستغرب وما الذي يستفز شخصاً من الناس لظهور رجل ما وزوجته بكل حشمة واحترام أمام الملأ؟!!، إلا أنه أمر قيل لهم إنه مستفز فأصبح مستفزاً.. وهذه طبيعة مجتمعات الخصوصية؛ السمع والطاعة والاتباع الأهوج.

وبحكم أن (مجتمع الفضيلة والخصوصية) مستفزٌ دائماً تجاه المرأة فقد وقع عليه تصرف طبيعي وقع الصاعقة الاستفزازية، ليتيه أبناؤه في دهاليز الاستفزاز من حيث لا يعلمون ولا يفهمون.. تحرّض قابلية استفزازهم؛ صيحاتُ مشايخهم ووعاظهم المتطرفين.. فظهر المتزمت في أعلى درجات الغليان يتسنم قدْحاً عنصرياً طبقياً مناطقياً؛ ليقذف الرجل (الغامدي) بالسوء ويشكك في خلقه وسيرته، مبتهجاً بتحريض قبيلته عليه، بل وألهب مستمعيه بسلطة فكره الاستبدادية فأوجب على الدولة أن تعذبه وتؤدبه باعتباره داعية شر وفتنة.. مع أن “التعذيب” مجرّم قانوناً، فكيف بالدعوة إليه!، ثم انتقل بهذا الفيض الاستفزازي لموضوع الابتعاث بدون أي وجه ارتباط؛ ما يعني أن مشروع الملك عبدالله – حفظه الله وأيد ه- للابتعاث كان ولا زال وسيستمر يؤرق المتطرفين ويشعلهم كلما طرأ أمر يستفزون به جمهورهم الجاهز للاستفزاز.. وتتجلى الفضيلة الشكلانية لهذا الخطاب الموتور في استباحة المحرم النصي صراحة؛ ليغتاب الرجل على رؤوس الأشهاد بلا وازع من ضمير أو خلق!.

ويأتي فوج “أحب الصالحين ولست منهم” ليرجّح كفة التدين الشكلاني الذي لا يقيم للوعي الإنساني والأخلاقي أي اعتبار، ليسبح في لجة العهن الاستفزازي.. أما أعجب الفئات المستَفَزة ففئة “أحب الليبراليين ولست منهم” ففي جحيم الاستفزاز تحتل هذه الجماعة مرتبة أولى في النفاق والسخف،

والجماعات الثلاث كلها ترى الوجوه مسفِرة في الشوارع والأسواق والمطاعم في الحضر والسفر لكنها بادرت لتسجيل موقفها مع المستفزين.

إنها ثقافة النفاق التي استولدت البغي بالعقل حتى أصبح المتنور أو الليبرالي أو سمه ما شئت يقع في خضم مأساة الاستفزاز من لاشيء، سوى أن أدرنا دفة الحقيقة لتستقر على جماعة من المجتمع يجب اعتبارهم فوق النص وفوق الحق وفوق الإنسان وفوق القناعات، فنعمل حساباً لما يكدرهم فنمنعه ونستنكره ونشجبه لخاطرهم، بل ونشارك في نقد وتجريح من أغضبهم كونه استفز أهل الحل والعقد والعُقَد! وما أن يغادر أحدهم دار الخصوصية إلا وتنكتم حاسة الاستفزاز لديه؛ تصبح الأجواء في منتهى الطبيعة البشرية؛ تسفر الوجوه وتبدأ حركة الطبيعة وتتفكك القيود ويبدأ رحلة استيعاب حضور امرأة بوجهها “هويتها” كإنسان..إنسان فقط.

في حكاية الاستفزاز اللا أخلاقي دائماً ما تكون المرأة هي المستفز منه”وجوداً” والمستفَز به “عورة” والمستفز لأجله “درعاً ووقاية” في مجتمع تعوّد أن يبارك الكذب على الضمير بقائمة هواجس التحريم المتعدية على الحريات الشخصية.. وعندما يلغي مجتمعٌ فضيلة التربية والضمير والأخلاق والتقنين يلقي بجرم استباحة الفضيلة على امرأة كشفت عن وجهها.. إن هذه الصيحات والبكائيات والاستجلاب الماكر ما هي إلا إنتاج فكر العورة الصارخ بعورة فهم مخادع للنص والإنسان والحرية والضمير.

إنه إن كان ثمة قيمة لهذا الأمر”الاستفزازي” فتكمن في قراءة ردود الأفعال؛ فالرد المتشنج المتطرف نادى بتعذيب الرجل (الغامدي).. لأنه لايحاسب المرأة باعتبار مسؤوليتها.. فهي بنظره شيء يتبع مالكه وتحت مشيئته، فإن برزت فخطأ ظهورها يقع على المالك السيد لا المملوك المستعبَد، لذلك؛ هذه الطائفة (عباد التراث الذكوري) يستفزهم عمل المالك بحكم أنه السيد المطاع، وهي”المرأة” في حكم الأسير لدى سيدها كما يقول ابن القيم، والأسير لايملك من أمره شيئاً، وهي ككائن منزوع الحرية والإرادة منقوصة مذمومة مملوكة، ليس لها إلا الاتباع والطاعة، لذلك يلاحظ أن من استفزهم ظهور “جواهر” استفزهم بشكله المملوكي الذكوري؛ الذي يحاسب الزوج لا الزوجة، فهي تستفزهم بفطرتهم الذكورية لا ككائن حي له حق الوجود وحرية الاختيار، وعندما يتم التعامل معها ككائن موجود يعلن وجوده بشكل واضح للعلن تنهال حكاية الظلام والظلمة والحجر والحجب، تبكي أباطيلها المستوحاة من دهاليز التراث المستبدة بسجونها العصية.

أجزم أن الغالبية يعلمون أن بناتهم لايغطين وجوههن، بل وبعضهن لاتضع الطرحة على رأسها وتخرج مع السائق في خلوة، لكن الاستفزاز جاء من موقع المزايدة الهلامية الاستفزازية خوفاً من انفلات سبحة الأكاذيب.. وللأسف؛ انضوى لحكاية الاستفزاز الشوارعية بعض الكتاب فسار مسار “مع الخيل ياشقرا” فادعى أن المجتمع صدم في مباحات يرفضها، فكيف يوصف المباح ب” الصدمة”؟!، إن الضيق بالمباح ضيق بمنهج الله، فأي حق للمجتمع في رفض ما أباحه الله؟! إلا إن كان مجتمعاً خارجياً متطرفاً مغالياً!

وباعتبار هذه الصدمة المجتمعية يضيف الكاتب إلى المحرم الديني، محرماً مجتمعياً، وعلى المرأة تحمل تبعة جميع المحرمات بنوعيها؛ إنها المرأة حائط السد الذي يجب أن تتحمل تبعة الحرمان من الحلال لئلا يقع الرجل في الحرام، ورغم تحملها التبعات؛ عنها وعن الرجل تظل تحتل خانة الناقصة المشكوك في كمالها العقلي والنفسي والإنساني، إنه الاستفزاز الحقيقي في قراءته العقلية لو كانوا يتدبرون.!

نحمد الله أن قرار تعليم المرأة لم يخضع لكارثة “التدرج” التي طالب بها الكاتب منعاً لصدمة المجتمع، وإلا لكنت وأخواتي النساء لازلنا نرفل بحلي الجهل؛ ملكات وجواهر منفية.

إن أملنا القادم أن يزال العبث المسمى تدرجا كيما تحرك المرأة عجلة قيادتها بنفسها بعد هدم أهم صروح الكذب “وجه المرأة عورة”.

لا ينسى دور قنوات الفتنة في تمرير خطة الاستفزاز، خوفاً على تحول سائد مفهوم الوجه العورة، فسجلت برامج للحط من قدر المرأة الإنسان مستقطبة مشايخ “وجه المرأة عورة” تحمل عناوين تتلاءم مع أخلاقهم كهذا العنوان (الحجاب الشرعي بين خلاف المجتهدين.. واستغلال المنافقين) ليخرج أحد متصدري رأي التغطية الشامل لينكر إنكاراً باتاً الاختلاف حول تغطية وجه المرأة، أملاً بإيهام الجميع باستمرار فرية”وجه المرأة عورة” في تخريجات متشنجة أشبه بالهوس التحريمي الذي يتسلط على ذهنية المتطرفين بفقههم الذكوري المستبد تجاه المرأة.

الملاحظ؛ أن العرب عموماً ومجتمع الخصوصية خصوصاً يقبل كل أحكام الإسلام إلا مع المرأة، يقدم أعرافه البدائية، فيبدأ تحميل النص ما لا يحتمل، ثم يسعى لمخالفة النص فيفرض على النساء ما لم يفرضه النص عليهن حتى يصل لحرمانهن من حقوقهن المشروعة بل وينكر عليهن حق الاختيار الاجتهادي..

هذا مختصر حكاية الاستفزاز الواهنة؛ مجملها خطة انتهازية لجحد إنسانية المرأة وحقها الطبيعي في الاعتزاز بهويتها”وجهها”.

عموماً؛ ففي حفلة الاستفزاز الهزلية الأولى، كما ذكر أحد المغردين؛ بادر الغامدي بإسقاط حجة طالما خوّف منها السلفيون الناس؛هي (هل ترضاه لأهلك).. بدأت حجج البغي تتساقط، فاللهم زد وبارك.

المصدر: الرياض
http://www.alriyadh.com/1006983