جمال الشحي
جمال الشحي
كاتب و ناشر من دولة الإمارات

وجوه مزيفة وأقنعة حقيقية

آراء

في الصباح ينظر في مرآته، يلبس قناعه ويمضي في حياته وفي المساء يرجع إلى نفسه، يخلع جميع أقنعته هكذا ينتهي يومه.

هذه الجملة ليست مقطعا من رواية خيالية لكنه واقع يعيشه البعض، هو ليس هو عندما يكون معك، مجاملاته نفاق وابتساماته مزيفة هناك أسباب تمنعه أن يكون هو، يغطي نفسه بهالة ويخفي شخصيته الحقيقية، تصطدم بجدرانه، يحصن نفسه بأقنعته، يستبدلها كلما دعت الحاجة وهو لا يعلم إنها تستنفذه بطيئاً تشتته وتخفي ملامحه الحقيقية.

يضيع العمر بين أقنعته، يبحث فيها عن ذاته ويوما ما يريد أن يرجع كما كان نقيا، بسيطاً وعفويا! تخذله حينها كل الأقنعة، تتساقط أمامه ومعها وجهه الحقيقي، لا شيء يستره الآن ولا يستطيع التفريق بينها، بيأس يختار قناعاً آخر وبألم يمضي ثانية في حياته.

يقول لي صاحبي نحن وجوه وأقنعة نضعها صباحاً و نخلعها مساء

وأتساءل ما الذي يجبرنا على التصنع والعيش بزيف؟

ممن نخاف؟ وهل الحياة بتحدياتها وصعوبتها تجبرنا على ذلك؟

أم أن الخلل فينا! لا نقدر على مواجهة الآخرين بشخصيتنا الحقيقية وأيضاً لا نقدر أن نواجه أنفسنا.

أحيانا نظن أن عقدة النقص التي فينا تعرينا فنتغطى بثياب غيرنا، وبسذاجة نعتقد أن الحياة قاسية لا مكان فيها للضعفاء، صعبة على البسطاء فنغير طباعنا لتقبلنا ويقبلوننا.

وزميل آخر قسي عليه من قسى، لا يملك الكثير، متعثرة كانت خطواته، رزق مصادفة بمنصب أكبر منه وأخذ يضرب ذات اليمين وذات الشمال، إنه الخوف يحركه، يتصادم مع الآخرين ليحمي نفسه ويخفي ضعف قدراته، يلبس أقنعة المعرفة، يصغر من معه ليرفع قدره!

-قال لي مرة ما رأيك فيني؟ نظرت إليه وهو جالس على مكتبه، تذكرت من جلس على هذا الكرسي قبله رثيت لحاله وصدمة المنصب ولسلطته التي لا تتعدى طابقا واحدا يظن أنه يملك العالم.

-قلت له: سألني من كان قبلك نفس السؤال وسأجيبك عليه بنفس الجواب! المستقبل ليس لك وغداً لن تكون هنا، لا مكان فيه للمزيفين سيسقط منصبك كما تساقطت أقنعتك وأتمنى حقاً أن تستيقظ من غيبوبة الغرور وتخرج من غرفة إنعاشك وتمد يدك لمن حولك!

لم يعجبه كلامي وقال: لا مكان هنا للضعفاء والتاريخ يكتبه الأقوياء

-قلت له: وهل أنت من الأقوياء؟

-قالها بخوف نعم! ولم تتلاق بعدها نظراتنا

وبدون أي مقدمات أخذ يبرر ويحلل كم هو جدير بهذا المنصب وأنا أنظر إليه وإلى نفس الكرسي الذي جلس عليه الغافل الذي كان قبله وأتخيل من سيكون بعده.

كان يريد أن يقنعني بعدالة موقفه وصحة قراراته، وأنا أرى يده الملوثة بعنصريته وتفرقته، كان هو القاضي والشاهد والدفاع! حكم البراءة معه حلم!

قلت لنفسي: في هذه الحياة قد نخسر القضايا لكننا لا نخسر أنفسنا، أراد شراء كلماتي لكنني لا أبيع صمتي.

-وضع قناع الهدوء وقال لي أراك غداً

تركته وأقفلت باب الماضي عليه وبثقة محارب توجهت للمستقبل

المصدر: جريدة الاتحاد