30 % تراجع توظيف المواطنيـــن في القطاع الخاص خلال 5 أشهر

أخبار

كشفت بيانات حديثة صادرة عن برنامج الإمارات لتطوير الكوادر الوطنية (كوادر)، عن تراجع فرص توظيف المواطنين في الدولة لدى القطاع الخاص بنسبة تصل إلى 30%، منذ مطلع العام الجاري، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، ما عزاه مسؤولون وخبراء في تدريب وتوظيف الكوادر المواطنة إلى «تخوف مؤسسات في القطاع الخاص من التوسع في تعيينات جديدة، بدواعي ترشيد الإنفاق، ضمن خطط تحوطية وعمليات تقشف».

فيما روى مواطنون كانوا يعملون في مؤسسات بالقطاع الخاص لـ«الإمارات اليوم»، قصصاً اعتبروها «مخيبة للآمال»، عاش بعضهم أشهراً من الإنكار وعدم الثقة بمؤسسات خاصة، أغرتهم للعمل لديها في البداية، ثم تخلت عنهم مع أول أزمة واجهتها.

وحمّل معنيون بتطوير الموارد البشرية، إدارات وأقسام للموارد البشرية لدى شركات في القطاع الخاص، مسؤولية الإسهام في التخلي عن مواطنين موظفين لديها، إذ «لا يتعدى الأمر من قبل مسؤولي الموارد البشرية تعبئة نموذج خروج موظف من العمل، حيث يتعاملون مع الأمر من منطلق إجراء روتيني ينتهي بلقاء مع الموظف ويوقع على النموذج، ويترك العمل، دون عروض جدية تثبت له أن الشركة ترغب فعلياً في الاحتفاظ به».

تخوف مؤسسات

وتفصيلاً، كشف رئيس الكوادر الوطنية، في برنامج الإمارات لتطوير الكوادر الوطنية، عيسى الملا، عن «تراجع فرص توظيف المواطنين في الدولة بنسبة تصل إلى 30%، منذ مطلع العام الجاري، مقارنة بالنسبة ذاتها من العام الماضي»، عازياً ذلك إلى «تخوف بعض مؤسسات القطاع الخاص في التوسع في تعيين موظفين جدد، أو إيقاف التوظيف الذي تم اعتماده في موازنات 2015/‏‏‏2016، بدواعي التحفظ في الإنفاق».

وقال الملا لـ«الإمارات اليوم»، إنه «في مقابل ذلك، فإن قطاعات العمل المختلفة في الدولة شهدت توازناً خلال الأشهر الأولى من العام الجاري، وهو أمر كفيل بإزالة مخاوف أصحاب العمل، فالتخوف الحالي لدى بعض المؤسسات في التوسع في استقطاب مواطنين للعمل لديهم ليس واقعياً، وتالياً عليهم ضخ مزيد من الاستثمارات في الكوادر البشرية المواطنة».

واعتبر أن «مؤسسات القطاع الخاص شريك مهم في الدورة الاقتصادية، وعليها أن تؤمن بأهمية الاستثمار في العنصر البشري الإماراتي، وألا تنظر إليه على أنه عبء على المؤسسة، وتسعى إلى تعزيز مبدأ الولاء الوظيفي لدى الموظف نفسه، وليس سعياً إلى إبلاغ جهات معنية بنسب التوطين لديها».

بداية المشكلة

وتبدأ المشكلة عند المواطن (ن.ز)، الذي حصل مؤهل جامعي من الولايات المتحدة الأميركية في العام 1998، وخاض تجربة العمل في قطاع الاتصالات في الدولة لفترة تناهز الخمس سنوات، بعدها حالفه الحظ في الحصول على وظيفة لدى بنك خاص في الدولة، بعد أن شجعته أسرته على العمل في هذا القطاع (كون الأسرة تحفل بالكوادر المصرفية)، وشجعه ذلك على الحصول على دبلوم عال في الدراسات المصرفية من الدولة.

وأضاف: «عملت لدى البنك، واكتسبت خبرة تزيد على خمس سنوات، وأثبت وجودي بعد أن بدأت في العمل بقسم المبيعات، وساعدني الاحتكاك بالكوادر الأجنبية في البنك على الحصول على خبرات مكثفة، أهّلتني للالتحاق بعمل آخر في بنك إقليمي يعمل في الدولة، وخلال ثماني سنوات تدرجت وظيفياً بين مدير فرع إلى مدير إقليمي، وطلبت مني إدارة البنك افتتاح فروع أخرى، وإجراء توسعات، وشُهد لي بالكفاءة».

وتابع: «فجأة، طلبت مني إدارة البنك تقديم استقالتي، على خلفية أزمة مالية تعرض لها البنك، بسبب قطاع تمويل الشركات، رغم أنني كنت أعمل في قطاع تمويل الأفراد، كما طلبت إدارة البنك عدم التقدم بشكوى ضدها في وزارة الموارد البشرية والتوطين، وأدبياً لم أتقدم بتلك الشكوى، والآن أجلس في المنزل بلا عمل منذ نحو 10 أشهر، في حين كنت في وقت من الأوقات أصغر مدير فرع مواطن في الإمارات».

ولفت إلى أن «بعض البنوك تستغرب سبب تركي العمل السابق، بعد أن كنت مديراً إقليمياً، في وقت يوظف فيه البنك نفسه موظفين جدداً من المقيمين، ما يمكن تفسيره بأن البنك يوظف موظفين أقل في التكلفة الإجمالية، ويعكس ذلك حالة من عدم الارتياح النفسي لدى المواطنين في قدرتهم على خوض تجارب عمل جديدة في القطاع الخاص».

والقصة الثانية لمواطنة (م.ب)، تعمل أيضاً في قطاع البنوك، قالت إن «أزمة مالية مر بها البنك تسببت في التخلي عن مواطنين، رغم أن الأزمة لم نكن متسببين فيها، ومع ذلك استغنى البنك عن خدماتي ومواطنَين اثنين آخرين، بدعوى أن رواتبنا مرتفعة، وكان أحد هذين المواطنين يدير فروع البنك كاملة في إحدى الإمارات».

وأضافت: «سأتوجه للبحث عن عمل في القطاع الحكومي، سعياً إلى الأمان والاستقرار الوظيفي، فالتخلي عن موظف بسبب أخطاء إدارية ليس له دخل فيها يُعد ظلماً».

ولم تختلف قصة المواطن (ح.ع)، كثيراً عن سابقيه، إذ يملك خبرة تتجاوز 18 عاماً في بنك، وكان مديراً على فروع إمارة الشارقة، وانتقل إلى بنك آخر إقليمي ليدير فروع الشارقة والمناطق الشمالية، وفجأة استدعته إدارة البنك لتبلغه بإنهاء خدماته، وطلبت منه أن يتقدم باستقالته.

أما المواطنة (ي.ع)، فهي تملك خبرة تناهز 22 عاماً في القطاع نفسه، طلبت منها إدارة مؤسسة تقديم استقالتها بدعوى إغلاق الفروع، وساقت مبررات أنها تتعرض إلى خسائر مالية، إلا أن تلك الخسائر كانت في قطاع إقراض الشركات، وهي تعمل في قطاع تمويل الأفراد، ما يعني أنها بعيدة عن أسباب ومظاهر المشكلة.

وقالت: «بعد أسابيع من انتهاء عملي مع البنك، فوجئت بأنهم يوظفون كوادر من جنسيات آسيوية، برواتب أقل من رواتب المواطنين، فالأجنبي يتسلم راتباً ما بين 35 و40 ألف درهم، بينما المواطن في الدرجة الوظيفية نفسها يحصل على 45 و50 ألف درهم، وهو ليس بفارق كبير تنتهي بسببه خدمات مواطن من عمله».

واعتبر الرئيس الأسبق للجنة المؤقتة للتوطين في المجلس الوطني الاتحادي، حمد أحمد الرحومي، أن «التوجه الحالي لدى الحكومة يتمثل في دعم المواطن في القطاع الخاص، من حيث الأمان الوظيفي، وفروقات الامتيازات، وتحسين بيئة العمل، وشهدت الأشهر الماضية تولي وزارة الموارد البشرية والتوطين ملف عمل المواطنين في القطاع الخاص، ونتمنى لها التوفيق في هذا الإطار».

وأشار الرحومي إلى أن «المأمول في الفترة المقبلة، أن يلقى الضوء على الآليات الكفيلة بتحقيق الأمان الوظيفي للمواطن العامل في القطاع الخاص، والقوانين المنظمة للموضوع، المتعلقة بتنظيم سوق العمل، إذ ينبغي ردم الفجوة بين القطاعين الحكومي والخاص، والتي تؤدي إلى نفور المواطنين من العمل في القطاع الخاص لمصلحة الحكومي».

ولفت إلى أن «عبء العمل، والإجازات، وساعات الدوام، وجودة بيئة العمل كلها لا تحقق طموحات المواطنين في القطاع الخاص، إذ يواجه المواطن عمليات (تطفيش) ممنهجة، وأعتقد أنه بعد تفويض وزارة الموارد البشرية والتوطين بهذا الملف، أخيراً، سينقذ المواطنين من تشتت الاختصاصات، فالأمر في حاجة إلى مركزية في القرار، وأن يؤخذ بعين الاعتبار لماذا يفلح المواطن العامل في الحكومة، ويفشل نظيره في القطاع الخاص؟».

وأشار الرحومي إلى أن «الكرة ليست في ملعب المواطن حالياً، بل انتقلت إلى المسؤول عن تأهيل هذا المواطن، وفتح آفاق الفرص أمامه في القطاع الخاص، بينما الأخير نفسه يقاوم مثل هذه التوجهات، أو يتحايل على التوطين بشكل صوري، والمفترض ألا يكون هناك تراجع في أعداد المواطنين العاملين في القطاع الخاص، بل المنطقي أنه في ظل المبادرات الحكومية المختلفة أن تزيد فرص المواطنين، لكن في واقع الأمر، فإن القطاع الخاص يشكل بيئة طاردة للمواطنين، والذين ينضمون إليه منهم ينضمون بصفة مؤقتة لحين الالتحاق بوظيفة حكومية».

عزوف مواطنين

فيما اعتبر عضو مجلس أمناء هيئة تنمية وتوظيف الموارد البشرية الوطنية (تنمية)، محمد خليفة الزيودي، أن «الصادم في هذا الأمر أن المواطنين شهدوا حالة عزوف عن العمل لدى القطاع الخاص خلال الفترة الماضية، بدليل أننا عرضنا نحو 700 وظيفة ضمن معرض للوظائف في إمارة الفجيرة، ولم يحضر إلينا سوى 150 مواطناً من المهتمين بالأمر والباحثين عن عمل».

وأضاف: «يشير ذلك إلى أن المواطنين غير مقتنعين بالعمل لدى مؤسسات القطاع الخاص، ويؤثرون البقاء في قوائم انتظار طويلة لدى المؤسسات المعنية بالتوظيف، على أن يعملوا في وظيفة لدى إحدى شركات القطاع الخاص، وهو مؤشر خطر يعكس سلبيات القطاع الخاص مقارنة بالقطاع الحكومي».

وأوضح «أجرينا استطلاعاً عن الدوام الطويل، وحالة عدم الاستقرار وتوصلنا إلى حلول ربما تنتهي بعد تدخل وزارة الموارد البشرية والتوطين المعنية بهذا الملف حالياً، والتي ستحقق استقراراً في سوق العمل الخاص للمواطنين، كما أنني أستطيع التأكيد أن القطاع الخاص يرحّب بأبناء الإمارات ضمن حوافز نسعى إلى تطويرها بشكل مستمر».

الاحتفاظ بالموظف

من جهة أخرى، اعتبر خبير الموارد البشرية، المشرف على استطلاع لدى شركة «ميرسر» للأبحاث، المتخصصة في تطوير الموارد البشرية، صقر أحمد المازمي، أن «أبرز النتائج اللافتة للاستطلاع الذي أجريناه كان يتمثل في أن ستة من بين 10 أشخاص يفكرون بجدية في تغيير وظائفهم، واللافت أنه في المقابل نلاحظ ظهور فجوة في قدرة المؤسسات على الاحتفاظ بموظفيها، إذ تفشل مؤسسات في الاحتفاظ بالموظف المستقيل أو الذي في طريقه إلى ترك العمل، بعدما تقدم له عروضاً دون المستوى».

وأضاف أن «الرواتب المنافسة، والامتيازات الوظيفية والمالية، إضافة إلى فرص التدريب والتطوير الوظيفي، مثلت أهم العوامل الحاسمة في قرار الموظف المواطن البقاء في أي عمل أو تركه، وهي نتيجة خلصنا إليها من إجابات لـ400 مواطن شاركوا في الاستبيان، لكن لا يمكن إغفال أن 60% من الموظفين الحاليين فكروا ويفكرون في ترك وظائفهم فعلياً، وهو مؤشر ينبغي أخذه بعين الاعتبار في تشكيل الممارسات المستقبلية».

ولفت المازمي إلى أن «مواطني الدولة في وقت سابق كانوا يقضون عقوداً من الزمن في العمل لدى جهة عمل واحدة، وينتظرون الترقية بصورة روتينية، الأمر الذي كان يستغرق سنوات، بينما الجيل الحالي لا يفكر بالطريقة ذاتها، بل يمتلك طموحات ذات سقف مرتفع، وإذا لم تستطع الشركة أو المؤسسة مجاراة طموحاته، فإنه يصبح أمام خيار ترك العمل».

وأشار إلى أنه «لا يمكن إغفال أن الراتب والمزايا المالية تشكل عنصر جذب من شركة إلى أخرى، وتمثل بالنسبة للموظف عامل استقرار في الوظيفة أو التخلي عنها».

المواطنون أكثر استعداداً لمعرفة ظروف السوق

أفرز استطلاع أجرته شركة «ميرسر» العالمية المتخصصة في استشارات الموارد البشرية، ومقرها دبي، انتهى الأسبوع الماضي، وشمل وجهات نظر نحو 500 مواطن من طلاب جامعات، و52 مؤسسة، و318 موظفاً، أن «المواطنين سواءً كانوا من الباحثين عن فرص عمل أو من الذين مازالوا على رأس عملهم حالياً، باتوا أكثر استعداداً لاتخاذ قرارات مستنيرة قائمة على معرفتهم بظروف السوق».

المصدر: الإمارات اليوم