علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

وتبقى السكاكين واحدة

الإثنين ٠٤ أبريل ٢٠٢٢

لا أعرف من أين جاء الإلهام للزعيم الثوري الفرنسي جورج دانتون، الذي قال وهو يساق إلى المقصلة من قِبَل رفاق الأمس، إن «الثورة تأكل أبناءها». كان دانتون محامياً وخطيباً بارعاً من زعماء الثورة الفرنسية وواحداً من الذين أنشأوا محاكم الثورة، ولكنه اختلف مع روبسبير على كثرة الإعدام والعنف المبالغ فيه، فكلفه ذلك حياته. اتُهم زوراً بأنه يتآمر لإعادة الملكية، وكان من الذين اتهموه بذلك روبسبير، فقُطِع رأسه بالمقصلة في السادس من شهر إبريل عام 1794 وهو في السادسة والثلاثين من عمره. بعد أقل من 3 شهور كان روبسبير نفسه يقاد إلى المقصلة مع 100 من أتباعه ليُعدَموا جميعاً، بعد أن وصل عدد الذين أُعدِموا على يده إلى ستة آلاف شخص في ستة أسابيع. ذهب دانتون وبقيت مقولته الشهيرة «الثورة تأكل أبناءها»صحيح أنها كانت ليلة، ولكنها ليست مثل أي ليلة، ففيها تتحدد مصائر وتُكتَب حياة لأناس وتُسلَب حياة من أناس. إنها ليلة الحسم الذي إنْ لم يأتِ في وقته فإنه لن يأتي أبداً. «ليلة السكاكين الطويلة» هو الاسم الذي أُطلِق على الليلة التي تخلص فيها الزعيم الألماني أدولف هتلر من رفاقه الذين أوصلوه إلى السلطة، بعد أن علم أنهم يخططون للإطاحة به في ليلة هم الذين أطلقوا عليها هذا الاسم، فإذا بالسكاكين التي أعدوها للقضاء عليه تصل إلى رقابهم هم قبل…

«مشان الله» لا تتاجروا بمعاناة الأطفال

الثلاثاء ١٥ فبراير ٢٠٢٢

أعادت وفاة الطفل المغربي ريان، عليه رحمة الله، إلى الواجهة مرة أخرى، مأساة الطفل السوري فواز، وصرخاته هو يبكي متوسلاً لخاطفيه أن يتوقفوا عن ضربه، قائلاً لهم: «مشان (من أجل) الله لا تضربوني». في حادثة الطفل المغربي ريان، ظلت أعصاب العالم مشدودة، على مدى خمسة أيام، وهو يتابع عمليات محاولة إخراجه من البئر التي سقط فيها، يحدوه الأمل في أن يتم إخراجه منها سالماً، رغم أن هذا الأمل كان يتضاءل بمرور الوقت، حتى كانت الفاجعة بإعلان وفاته بعد إخراجه من البئر مباشرة. كان حادثاً مأساوياً بحق، صرف أنظار العالم مؤقتاً عن متابعة الأخبار السياسية، وأنباء الحروب والصراعات، التي ما فتئت تدور على سطح الكرة الأرضية، ليوحدها وهي تتابع أخبار طفل صغير، وقع في بئر مهملة، في قرية لم يكن الكثيرون يعرفونها، حتى وقوع هذا الحادث. لقد كانت لحظة مواتية، كي يقوم الساسة والعسكريون، وكل الذين يشعلون الحروب في كل مكان، بمراجعة أنفسهم قليلاً، والالتفات إلى الجانب المضيء الذي نسوه أو أهملوه أو تجاهلوه من نفوسهم، ليعودوا بشراً أنقياء، كما خلقهم ربهم قبل أن يغيروا فطرته، وكما أراد لهم خالقهم أن يكونوا، لا كما تدفعهم إليه نفوسهم الأمارة بالسوء، حيث الجانب الأكثر سواداً وظلمة منها، وحيث إراقة الدماء، ونشر الخراب بمختلف الحجج. ثمة جوانب كثيرة جميلة وباعثة على التفاؤل، ظهرت أثناء…

الارتطام بسقف الطموح

الإثنين ٠٩ أغسطس ٢٠٢١

ما الذي يدعو سيدة منحدرة من عائلة إقطاعية، تلقت تعليمها في جامعتي هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكية وأكسفورد بالمملكة المتحدة، إلى التضحية بحياة الرفاهية التي كان يمكن أن تعيشها، وقضاء سنوات عمرها بين السجون والمعتقلات والإقامات الجبرية والمنافي، والتعرض لمحاولات الاغتيال كي تقضي نحبها وهي في الرابعة والخمسين من عمرها، بعد أن سجلت اسمها أول امرأة تنتخب لرئاسة الحكومة في دولة إسلامية؟ كان هذا هو السؤال الذي ظل يلح عليّ وأنا أقرأ كتاب «ابنة القدر.. بنازير بوتو.. سيرة ذاتية»، الذي يسلط الضوء على حياة السيدة التي تولت رئاسة الوزراء في باكستان مرتين، والذي صدر بعد اغتيالها بثلاث سنوات. كان من المفروض أن يكون مستقبل بنازير، أو «بي نظير» كما يكتب البعض اسمها، مشرقاً بعد أن تلقت تعليمها في أرقى جامعتين غربيتين، لولا تحوُّل مسار حياتها بعد الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال ضياء الحق عام 1977 ضد والدها ذوالفقار علي بوتو، الذي شغل منصب رئيس الجمهورية عام 1971 بعد الحرب بين باكستان والهند وانفصال باكستان الشرقية عن الغربية وتقديم الرئيس يحيى خان استقالته. ثم شغل منصب رئيس الوزراء عام 1973 بعد إقرار الجمعية الوطنية للدستور، قبل أن ينقلب عليه رئيس أركان جيشه الجنرال ضياء الحق عام 1977م، ثم يحكم عليه بالإعدام وينفذ الحكم في 4 أبريل 1979، رغم المناشدات الدولية العديدة بعدم…

تونس تصحّح الصورة

الإثنين ٠٢ أغسطس ٢٠٢١

مثلما انطلقت الشرارة الأولى من تونس في شهر ديسمبر 2010 عندما أحرق محمد البوعزيزي نفسه في الحادثة الشهيرة التي أطلقت عاصفة النيران التي أشعلت المنطقة العربية، تعود تونس بعد عقد من الزمن لتصحح الصورة، فكيف لنا أن نفسر ما حدث على مدى عشر سنوات عاصفة، وكيف لنا أن نتوقع ما سيحدث في ضوء بصيص الأمل الذي لاح لإعادة عربات القطار إلى المسار الصحيح بعد أن سقطت الأقنعة وانكشفت النوايا؟صحيح أن أحداً لم يتوقع أن تجري الأحداث على النحو الذي جرت عليه منذ ذلك التاريخ، وصحيح أن أكثر الناس قدرة على التوقع لم يتصور أن تتهاوى بعض الأنظمة العربية وتتداعى بهذه السهولة مثل أحجار الدومينو. ربما كان وراء ما حدث نيات طيبة أخرجت غالبية الناس إلى الشوارع لتصحيح الأوضاع التي كانت تسير نحو الانحدار، لكن الحقيقة أن هناك أصحاب نيات خبيثة استغلوا ما حدث لتحقيق أجندات خفية وقفزوا إلى السلطة. لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً، إذ سرعان ما انكشف المشهد عن جماعة كانت تختبئ في الحقول المجاورة بانتظار اللحظة المناسبة لجني الثمرة، وكانت الثمرة هذه المرة أكبر مما تصورت الجماعة، إلى درجة أنها أطارت عقول قادتها، وأفقدتها الحذر الذي تحلت به طوال عقود من الزمن. ربما لم تكن فكرة الوصول إلى سدة الحكم في البداية واردة في أذهان قادة الإخوان، بدليل…

أحجار صبر أخرى لأفغانستان

الإثنين ٢٦ يوليو ٢٠٢١

يبدو أن الأفغان على موعد مع المزيد من الأعمال الروائية عن بلدهم أفغانستان بعد قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن مغادرة القوات الأمريكية لأفغانستان نهائياً بحلول 11 سبتمبر من هذا العام، في الذكرى السنوية العشرين للهجمات التي شنها تنظيم القاعدة بمساعدة جماعة طالبان على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 2001. فبعد عشرين عاماً من الحرب التي تكبدت الولايات المتحدة وحلفاؤها فيها خسائر بشرية ومادية كبيرة، قررت الرحيل عن أفغانستان، تاركة الأمن للحكومة الأفغانية التي يعلم الجميع أنها عاجزة عن القيام بهذا الدور، بدليل أن حركة طالبان قامت باجتياح عشرات المقاطعات وسيطرت على العديد من مناطق العبور، قبل أن تكمل القوات الأمريكية وقوات الحلفاء الانسحاب من الأراضي الأفغانية، وسط مخاوف من اندلاع حرب أهلية جديدة، في إعادة لسيناريو ما قبل الحادي عشر من سبتمبر 2001. تعيدنا الأوضاع الراهنة والتوقعات المستقبلية إلى روايات مهمة من الأدب الأفغاني لكتّاب أفغان رسموا صورة قاتمة للأوضاع في بلدهم، والصراعات التي جرت على أرض أفغانستان بين الجماعات المسلحة التي تشكلت منها منظومة التركيبة الأفغانية العرقية والدينية والسياسية في أفغانستان بعد رحيل السوفييت عنها عام 1989م، والتي انعكست واقعاً مأساوياً على أوضاع الكثير من أفراد المجتمع الأفغاني وفئاته المختلفة، هذا الوضع الذي صورته روايات مثل «ألف شمس مشرقة» لخالد حسيني، و«حجر الصبر» لعتيق رحيمي، وقبلهما رواية…

طعم البسكويت

الإثنين ٠٧ يونيو ٢٠٢١

«ذهبنا للبحث عن وطن آمن، فوجدنا أنفسنا خرفاناً ستموت داخل كونتينر». هكذا وصف طالب اللجوء، السوري حمزة يونس، تجربته للسفر إلى أوروبا من موريتانيا. كان حمزة قد هاجر من مدينته إدلب إلى موريتانا، لدراسة الطب البشري، هرباً من الحرب الدائرة في وطنه. وعده شخص، هو وعشرة سوريين آخرين معه، بتسفيرهم إلى أوروبا عن طريق البحر، على متن باخرة. دفع كل واحد منهم 3000 دولار. عندما وصلوا إلى الميناء، طُلِب منهم الدخول في كونتينر مغلق. رفض حمزة وثلاثة من الشباب الذين كانوا معه الدخول في الكونتينر، بينما وافق الباقون. هكذا بدأ حمزة رواية معاناته لبرنامج «قارب نجاة»، على «سكاي نيوز عربية بودكاست». ذكرتني هذه الحكاية برواية الأديب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني الشهيرة «رجال في الشمس». تدور أحداث الرواية، التي نُشِرت عام 1963، حول ثلاثة فلسطينيين اضطرتهم ظروف ما بعد أحداث عام 1948، إلى البحث عن رزقهم خارج الوطن المحتل. اتفقوا مع مواطنهم سائق صهريج الماء «أبو الخيزران»، على تهريبهم من العراق إلى الكويت، وذلك بالاختباء داخل الخزان الكبير، الذي في مؤخرة الصهريج، عند المرور بنقاط التفتيش على الحدود، ثم الخروج منه بعد تجاوزها. نجحت الفكرة عند نقطة الخروج من البصرة، ولكن عند نقطة الدخول إلى الكويت، مكث «أبو الخيزران» وقتاً طويلاً، وهو يتحدث إلى الجنود، بينما الثلاثة مختبئون في الخزان تحت…

مناضلون في بِدَل إيطالية

الإثنين ٢٤ مايو ٢٠٢١

لا أعتقد أن ثورة حظيت بتقدير واحترام العالم في العصر الحديث مثل ما حظيت به الثورة الفيتنامية. تعرضت فيتنام لسلسلة من الغزوات العسكرية من قبل فرنسا حتى أصبحت جزءاً من مستعمرة الهند الصينية الفرنسية. ومعروف أن أسوأ احتلال هو الاحتلال الذي لا يسيطر على مقدرات وخيرات الشعوب التي يحتل بلدانها فقط، وإنما يفرض على مجتمعاتها أنماطاً ثقافية تحدث تغييراً في هويتها الوطنية. وعندما قامت الحرب العالمية الأولى، استولت الإمبراطورية اليابانية على الهند الصينية الفرنسية، وقامت باستغلال موارد فيتنام الطبيعية. هنا تشكلت حركة «فيت مين» بقيادة «هو تشي منه» للتخلص من الاحتلال الياباني. وبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها وأعلنت الإمبراطورية اليابانية استسلامها، سعت فرنسا إلى استعادة مستعمرتها، فلقيت مقاومة من الحركة، وشكلت هزيمة القوات الفرنسية في معركة «ديان بيان فو» نهاية الاستعمار الفرنسي للهند الصينية. ومع بداية اشتعال الحرب الباردة في خمسينيات القرن الماضي، حدث انقسام بين دول الغرب ودول الشرق، فقدمت الصين والاتحاد السوفييتي دعمهما لجمهورية فيتنام الديمقراطية التي أسسها «هو تشي منه» جاعلاً من هانوي عاصمة لها، بينما قدمت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا الدعم لدولة فيتنام التي عاصمتها سايغون. لكن الحرب الباردة سرعان ما تحولت إلى حرب ساخنة، وشهدت تصعيداً من قبل الرئيس الأمريكي جون كيندي أدى إلى تورط الولايات المتحدة في المعارك…

الأشياء التي تبدو لنا صغيرة

الإثنين ٠٥ أبريل ٢٠٢١

دكتورة في إحدى الجامعات، تكتب في «تويتر»: أشفق على طلبة «الأونلاين»، وعلى ضياع أيامهم التي قضوها أمام الأجهزة بعيداً عن أروقة الجامعة، ممراتها، كؤوس القهوة الصباحية، تجمعات الرفاق، المحاضرات التي تم «تطنيشها»، أزمة الباصات، حر الصيف وبرد الشتاء الماطر. هي أمور لا تشترى، هي ذكريات تعاش وحسب. طالب في السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية يقول: لا أصدق أنني سأحصل على شهادتي الثانوية من أمام شاشة كمبيوتر. لا أتصور أنني لن أذهب إلى مدرستي لأرى زملائي قبل أن أغادر المدرسة نهائياً. كنت أعدّ نفسي لهذه السنة، التي هي بسنوات الدراسة كلها. تابعت بشغف أخي الذي حصل على الشهادة قبلي بثلاث سنوات. سجلت في ذاكرتي كل الحفلات التي نظمتها المدرسة لهم، أو نظمها الطلاب لأنفسهم طوال عامهم الأخير، كي أقوم وزملائي باستنساخها في سنتنا الأخيرة. كل هذا تبخر، وأصبح في خانة الأحلام التي لم تتحقق، ويبدو أنه سيتكرر في الجامعة أيضاً. تفاصيل الحياة الجامعية التي تحدثت عنها الدكتورة الجامعية في تغريدتها تلك، قد تبدو في ظاهرها صغيرة، لكنها ليست كذلك. لأروقة الجامعة وممراتها رائحة تمتزج بألق سنوات الشباب، التي نخطو بها في تلك الأروقة والممرات، ولكؤوس القهوة الصباحية في «كافيتريا» الجامعة، مذاق يعبق بأجواء الدراسة الجامعية، التي لا تشبهها أجواء أخرى، ولتجمعات الرفاق في حرم الجامعة، أبواب تنفتح على صداقات، تتكون مع…

للأفكار أجنحة تطير بها

الإثنين ٢٢ مارس ٢٠٢١

لا أعرف إن كانت المصادفة البحتة هي التي قادتني إلى قراءة كتابين ومشاهدة فيلم سينمائي عن بائعي الكتب خلال أقل من أسبوعين، ربما كان شهر القراءة مارس، هو الذي قادني إلى فعل ذلك، ولكن أياً كان السبب، فقد اكتشفت أن معارك بائعي الكتب متشابهة في كل مكان، حتى لو اختلفت الأماكن والبلدان. في الكتاب الأول، وهو رواية «مقتل بائع الكتب» للروائي العراقي سعد محمد رحيم، يتعرض بائع الكتب محمود المرزوق للاغتيال في وضح النهار بمدينة بعقوبة العراقية، العائد إليها بعد هجرة قسرية تنقل خلالها بين براغ وباريس، بدأت من ستينيات القرن الماضي، في مرحلة تاريخية اتسمت بمطاردة المثقفين وأصحاب الأفكار، والزج بهم في السجون وإعدامهم. ورغم عدم انتماء المرزوق إلى أي حزب سياسي في العراق حينها، فإنه كان واحداً من ضحايا هذه المرحلة، تعرض للاعتقال والسجن، ثم محاولة القتل، إلى أن انتهى به الأمر مهاجراً في براغ ثم باريس، قبل أن يعود إلى مدينته «بعقوبة» بعد احتلال العراق وسقوط التمثال، حيث لم يتغير الحال إلا من سيئ إلى أسوأ. وعندما بدأ الصحفي ماجد بغدادي تتبع آثار مقتل محمود المرزوق بتكليف من شخص مجهول، تكشفت لنا جوانب شخصية المرزوق عبر كثير من الوسائل والطرق والرسائل التي نسجت خيوطاً تشكلت منها ملامح تلك الشخصية متعددة الجوانب والمواهب، وقادتنا إلى وطن تضيع ملامحه…

ملعقة شاي

الإثنين ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٠

تمنيت لو أن عالم الرياضيات الأسترالي مات باركر، لم يختر ملعقة الشاي كي يقدّر بها كمية فيروس «كورونا» المستجد التي أصابت البشر في جميع أنحاء العالم حتى الآن. تمنيت لو أنه اختار ملعقة قهوة أو سكر، أو ملعقة دواء كحة أو سعال على سبيل المثال. الشاي هو مشروبي ومشروب ملايين البشر المفضل، فلماذا قدّر مات باركر كمية فيروس «كورونا» المستجد التي غيرت وجه الحياة على سطح الكرة الأرضية منذ بداية هذا العام بملعقة شاي؟ عالم الرياضيات الأسترالي أكد أن الكمية الإجمالية للفيروس، التي أصابت أكثر من 53 مليون شخص حول العالم، تبلغ نحو 8 ملليلترات فقط، أي ما يعادل حجم ملعقة شاي تقريباً. باركر وضع افتراضات عدة للتوصل إلى هذه النتيجة، وعلق قائلاً: كل الفوضى الواقعة في العالم الآن تعود إلى كمية فيروس بحجم ملعقة صغيرة. وكان باركر قد قام بإجراء تقييم على 300 ألف حالة إصابة جديدة يومية في جميع أنحاء العالم، من خلال تقدير عدد الخلايا في كل مصاب بالفيروس بناءً على المسحات الطبية والأبحاث، وبافتراض أن كل حالة جديدة أصيبت لمدة 14 يوماً. ثم قام بعد ذلك بحساب عدد الأشخاص الذين يحملون الفيروس حالياً، وتوصل في النهاية إلى أن الكمية الإجمالية للفيروس التي أصابت أكثر من 53 مليون شخص حول العالم تبلغ نحو 8 ملليلترات. جهد مقدَّر…

وغاب العابد عن المحراب

الإثنين ٢٦ أكتوبر ٢٠٢٠

لا أحب مقالات الرثاء، فهي تعني أن كاتبها فقد عزيزاً، لكن فقد إنسان بقامة الراحل إبراهيم العابد، عليه رحمة الله، وبمكانته في قلبي وقلوب كل الذين عرفوه مثلي عن قرب، لا يمكن أن يمر دون طرق هذا الباب، وإن كنت لن أفي العابد حقه. كان الزمان نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، عام 1980 على وجه التحديد، وكنت وقتها حديث التخرج في الجامعة، أتطلع لاستثمار ما درسته وما مارسته من عمل في مجال الإعلام، عندما كنت طالباً على مقاعد الدراسة الثانوية، وتسخيره لخدمة وطني الذي كان يستعد لدخول العشرية الثانية بعد تأسيس الدولة. تقدمت بأوراقي إلى دائرة الخدمة المدنية، التي كانت مسؤولة عن توظيف المواطنين وقتها، فجرى تعييني في وزارة الإعلام والثقافة. كانت رغبتي هي العمل في وكالة أنباء الإمارات، التي كانت قد تأسست حديثاً، لكن إدارة شؤون الموظفين في الوزارة ألحقتني بالتلفزيون، الذي كان هو والإذاعة تخصصي الأكاديمي، ومجال خبرتي القصيرة آنذاك. التحقت بالعمل في تلفزيون الإمارات العربية من أبوظبي، رئيساً لقسم الأخبار لأجد أن ما يفصل بين مبنى التلفزيون ووكالة أنباء الإمارات جدار فقط، حيث يتجاور المبنيان، ويتصل عملهما بشكل مباشر في مجال الأخبار المحلية الرسمية، التي كان مصدرها الوحيد هو وكالة الأنباء التي كان إبراهيم العابد يتولى وقتها إدارتها بالوكالة. منذ ذلك التاريخ، قبل أربعين عاماً، عرفت إبراهيم العابد،…

حتى الأغاني لم تعد ممكنة

الإثنين ١٩ أكتوبر ٢٠٢٠

«علّي صوتك بالغنا.. لسّه الأغاني ممكنة». هكذا رفع الفنان محمد منير صوته بالغناء في فيلم «المصير» للمخرج يوسف شاهين، كاسراً جدار اليأس والصمت، ثم أكمل: «.. ولسه يا ما في عمرنا». لكنّ هناك من يحاول أن يقنعنا بأن الأغاني لم تعد ممكنة في زمن «كورونا»، فقد اتخذت بعض المدارس البريطانية قراراً منعت بموجبه الطلاب من الغناء داخل الفصول الدراسية، والاكتفاء بالاستماع إليها عبر «يوتيوب»، أو الصمت خوفاً من انتشار رذاذ أفواههم في الهواء، ونقل فيروس «كورونا» داخل محيط الفصول والمدارس، في الوقت الذي فرضت السلطات فيه قيوداً جديدة في بعض مناطق الشمال ذات المستويات العالية من حيث عدد الإصابات والوفيات، مع معاودة الفيروس نشاطه، والانتشار بشكل واسع تزامناً مع انخفاض درجات الحرارة واقتراب فصل الشتاء. القرار الذي يهدف إلى حماية الأطفال من الإصابة بالفيروس وجد معارضة لدى بعض أولياء الأمور، الذين دعوا إلى تمكين أطفالهم من العودة إلى بيئة طبيعية وداعمة، بعد أن عانوا بما يكفي من الغياب عن المدارس. هذا ما عبّرت عنه كريستين بريت، الرئيسة المشاركة لرابطة أولياء الأمور في كامبريدج، والتي قالت إن حظر الغناء هو أحد الإجراءات الضارة العديدة التي يتم اتخاذها في المدارس، إضافة إلى تقييد الوصول إلى دورات المياه. وليس الغناء وحده الذي تم منعه في المدارس البريطانية، فقد حظرت بعضها كعكات أعياد الميلاد…