إدريس الدريس
إدريس الدريس
كاتب سعودي

هل السكوت عن “داعش” علامة الرضا؟

الإثنين ٠٤ أغسطس ٢٠١٤

لكأن الملك عبدالله بن عبدالعزيز ـ يحفظه الله ـ يستظهر ما في دواخلنا، عندما التفت إلى العلماء والمشايخ وقال: إنه فيكم كسل وصمت. مشيرا بذلك إلى الصمت المطبق حول الأفعال الشنيعة والإرهاب الذي يمارسه تنظيم "داعش"، ويدعي أن ما يقوم به من أفعال شنيعة ومشينة تمثل الإسلام، ومعلوم أن دين السلامة والسماحة يرفض هذه الأفعال تحت أي ظرف، وتجاه أي إنسان مهما كان دينه أو طائفته. كلما تقاطرت على هاتفي وسائط مرئية لبعض أفعال هذه الطغمة المارقة من حزّ للرؤوس، وقطع للرقاب، وقتل للمجاميع البشرية دونما رحمة، ودون أي محاكمة، ثم يعقب تلك الأفعال تكبير وتلاوة لبعض الآيات القرآنية الكريمة، التي يتم اعتسافها وإخراجها من سياقها والاستشهاد بها على أفعالهم التي ينبذها القرآن الكريم الذي به يستشهدون. كنت بعد تلك المشاهد المروعة أتساءل داخل نفسي: عن دور العلماء في دفع هذه الأفعال، والتشنيع بها، وردع المتقولين بنسبة هذا التوحش إلى دين الإسلام. كنت أنتظر، وكثيرون غيري، أن يتولى العلماء تباعا توضيح الحكم في مثل هذه السلوكيات الخارجة عن سماحة الإسلام، والإعلام بحجم الجرم الذي يرتكبه مثل هؤلاء في حق هذا الدين، الذي تشوهه مثل هذه التصرفات، التي تنسب إليه، خاصة ما ينتج عن انتشار مثل هذه "الأفلام" في العالم، فتكون هذه التصرفات حجة على عنف الإسلام وإرهابه. كنا، نحن المواطنين،…

البيض الذي فقس الإرهاب

الإثنين ٣٠ يونيو ٢٠١٤

يقول لي صديقي الخبير في الشأن السياسي إنه يختلف معي في النتيجة التي وصلت إليها في مقالي السابق عن إيران وأهدافها التوسعية وصولا إلى تصدير ثورتها. سألته: أين تختلف معي؟ قال لي: في مقالك إيحاءات بأن إيران تكسب من خلال إنتاجها سياسة الانتشار والتوسع العشوائي الذي يندفع وفق هاجس ديني/ طائفي، وأرى - يقول صديقي - إن هذا الانتشار إنما يتم قسرياً وفق منطق الترهيب الذي لا يتسق مع ضرورة الاحتكام للعقل والمنطق. قلت لصديقي: إيران لا تهتم بالوسيلة الموصلة بغيتها لكنها في المحصلة والنتيجة نراها تكسب وتحقق أهدافها، لاحظت عند هذه النقطة أن وجه صديقي تغير بما يعكس اختلافه مع رؤيتي ولهذا قاطعني وهو يسأل: فلنحتكم للنتيجة كما تقول: ها هي إيران تخسر في لبنان فقد انحسر مد المؤيدين المتعاطفين مع حزب الله الذي كان قد حقق شعبية معتبرة في لبنان والوطن العربي لكنه الآن يحصد الغضب والكراهية في لبنان والوطن العربي، وصار يُنظر إلى حزب الله باعتباره "عصا إيران" وأنه حزب طائفي بغيض. أيضاً فإن إيران تخسر في سورية بعد أن كانت سورية ونظامها مسيرة وفق توجيهات إيران تحقيقا لمصالحها، فإنها اليوم لم تعد تملك تلك الميزة بعد اشتعال النار؛ حيث خرجت سورية من سلطة بشار ولم تعد بالتالي- سورية أو لبنان- تدار كما كان سابقاً من قبل…

السائقون في شوارعنا سكارى وما هم بسكارى!

الأربعاء ٢٨ مايو ٢٠١٤

دار بيني وبين صديقي هذا الحوار: الصديق: لاحظت في كثير من مقالاتك أنك تجلد ذاتك وذواتنا، خاصة في حال مقارنتنا مع غيرنا، فهل هي عقدة "الآخر" المتمدن والحداثي الذي رغم كل شيء فإنه لا يخلو مثلنا من العيوب والمآخذ؟! أنا: معك حق، لكنني في مقالاتي أتعمد رصد بعض أخطائنا وبعض مزايا الآخر وأسلط عليها الضوء من باب "انظر حولك". الصديق: لكنك لا ترى فيهم إلا المزايا! أنا: بل قل إنني لا أنقل إلا المزايا عندهم، التي نفتقدها وأترك لغيري ترصد أخطائهم وتضخيمها! على أنني في المجمل أضع المجهر على أصول التمدن وطرائق الأخذ بأسباب الحضارة التي كانوا ولا زالوا أربابها ومبدعيها وصانعيها، إذ علينا أن نطبق مشروع الحضارة دون انتقاء إلا ما يتعارض طبعا مع ثوابتنا الدينية. الصديق: وهل نحن لا نفعل ما تقول؟ أنا: على الإطلاق، فنحن فقط نأخذ الهيكل والمظهر، إذ نبني الناطحات ونؤسس شبكات الطرق، ونستورد أحدث وأغلى السيارات لكننا لا نحسن ـ مع ذلك ـ التعامل مع هذه المستجدات. الصديق: كيف؟ أنا: سأقصر كلامي على الطرق واستخداماتها وسأطرح عليك مجموعة من الأسئلة الاستنكارية ولا أنتظر منك إجابتها لأنها معروفة لدي. الصديق: طيب، تفضل. أنا: هل نحن نرعى أنظمة المرور واستخدامات الطرق وهل نحترمها؟ وهل نقود السيارة وفق الحارات المقسمة في الطريق، أم أننا نقودها كما نفعل…

تسجنون الوزير.. ما هذا التهور؟!

الإثنين ٢٦ مايو ٢٠١٤

"أورد جوال منطقة الرياض الخبر التالي: السجن ثلاثة أعوام لوزير التجارة العماني السابق بتهمة الفساد" ليتك عزيزي القارئ رأيت حالتي أثناء قراءتي هذا الخبر.. حواجبي ارتفعت إلى أعلى نقطة في جبهتي، ثم وضعت يدي على عقالي حتى لا يسقط.. تمكنت من ضبـط نفسي، ثم واصلت إعادة قراءة الخبر مندهشا. كيف يحدث هذا في منطقتنا؟! وكيف تمس الذات العالية لمعالي الوزير؟! ما هذا التهور يا عمان؟! ما الذي سيبقى لهذا الوزير من قيمة بعد سجنه؟ أين الحصانة.. والمصانة.. والرصانة التي تعطى عندنا للوزير، وتبقى كحق مكتسب لا يزول حتى لو زال المنصب؟ أجل.. مازلت أعرف رجالا أكل عليهم دهر التقاعد وشرب، ومازالوا يتمسكون باللقب، حتى ولو كانت فترة صاحب المعالي الوزارية من أقل الفترات إنتاجا وأكثرها تعاليا. وعليه، فإن سجن وزير التجارة العماني السابق ثلاث سنوات بتهمة الفساد، سابقة خطيرة تدنس قداسة المنصب وعلو المرتبة والمقام، بل إن هذا الإجراء سيجر إلى ويلات لا أول لها ولا آخر، فمن ذلك أن الأداء الحكومي من بعد هذا القرار سيضعف؛ بسبب الحذر والارتباك الذي سيصيب بقية أصحاب المعالي من الوزراء، مما يعطل عجلة التنمية والسؤال الكبير الذي يبطح نفسه: كيف سيبدعون في بيئة "مقيّده" وعيون مفتحة؟ ورقابة حازمة؟ وعقوبة جازمة؟ كيف بالله عليكم سينتجون في بيئة عمل ليست مطمئنة؟ كان عليكم التأني وتقديم…

فوضى المرور.. حين يقتل بعضنا بعضا

الإثنين ١٤ أبريل ٢٠١٤

وقع أول من أمس، حادث مروري مريع، تمثل في سقوط سيارة بمن فيها من كوبري "عتيقة" في الرياض، مما نتج عنه وفاة أربعة من ركاب السيارة، يرحمهم الله، ونقل البقية إلى المستشفى نسأل الله لهم الشفاء، وقد هرب المتسبب في الحادث، وتم القبض عليه لاحقا بعد مطارة مثيرة ولا تسيطر على المجالس السعودية هذه الأيام إلا حوادث المرور وما ينتج عنها من وفيات وإعاقات وأحزان، أعيت معظم النفوس التي ليس لها حول ولا قوة أمام هذا الوباء، وقبل هذا الحادث "الطازج"، ما زلنا نتذكر حادثة المطاردة بين بعض رجال الهيئة وإحدى السيارات وما نتج عنها من وقوع سيارة المطارد من فوق الجسر، وما زالت الحادثة رهن التحقيق ثم محزنة "الدكتور البشري" وأبنائه. وهذه نماذج كثيرة من الوقوعات المرورية التي تحصد لدينا الآلاف يوميا وتخلف كثيرا من الإعاقات والتشوهات، التي تحرز فيها المملكة رقما عالميا متقدما، والواقع أن قيادة السيارات في مدن المملكة لا تخضع لقانون مروري ولا لنظام منضبط ينظم انسياب وتدفق السيارات في الشوارع، بل إن القيادة عندنا تعبر عن همجية بشرية تبرز فيها الأنانية الفردية بشتى صورها؛ فكل سائق يريد أن يكون الأول والأسبق والأحق، ويريد أن يصل قبل الآخرين حتى ولو كبحت رغبته الإشارة الضوئية الحمراء، لكنه يريد أن يكون في مقدمة الواقفين عند الإشارة، وإن لم…

انتبه .. ترى هذا مباحث

الإثنين ٠٧ أبريل ٢٠١٤

دعوني في بداية هذه المقالة أروي لكم هذه الواقعة الطريفة التي حدثت قبل أكثر من ثلاثين عاماً، حيث تم استدعاء رئيس تحرير إحدى الصحف المحلية "مات قبل فترة قريبة - يرحمه الله - إلى "المباحث" للتحقيق معه وبقي محجوزاً طوال الليل في غرفة ضيقة، وبقي ساهراً حتى انبلاج الصبح ومعه تم إخراجه من هذه الغرفة لمقابلة مدير المباحث ومن فوره بادر رئيس التحرير صارخاً في وجه مدير المباحث يلومه على سوء المعاملة وقلة التقدير على النحو التالي: رئيس التحرير: "دحين رئيس تحرير بطوله وعرضه وشحمه ولحمه وتقوم تحجزه في هادا المكان الضيق!! فين الاحترام.. وفين التقدير.. وفين ...؟" لكن مدير المباحث قاطعه بتريقة وسخرية مريرة: "سامحنا يا أستاذ. والله معاك حق واحنا آسفين جداً على اللي حصل بس والله ما فيه مكان تاني، كل السويتات محجوزة!" تذكرت هذه الحكاية في هذه الأيام وأنا أقرأ كلاماً إيجابياً لأحد الكتاب ممن كان في فترة شبابه مصاباً بهاجس المطاردة والظن اليقيني بأنه مستهدف من المباحث لا لشيء حقيقي، وإنما لأن كثيرا من المثقفين في ذلك الحين يتزينون بالسير عكس التيار ويتبنون المغايرة حتى ولو كانت تخالف قناعاتهم الداخلية، وفي ظنهم أن الخروج عن النسق العام الذي يرتع فيه الأكثرية يجعلك تدخل قائمة النخبة أو الأنتلجستيا ويزيد من ذلك أن تيار اليسار في فترة…

إنه مجرد قضاء و”قطر”

الأربعاء ١٢ مارس ٢٠١٤

ما الذي يحدث للشقيقة قطر، وما الذي يحدث منها؟ مرت قطر بعدة تحولات منذ الانتقال من حكم الأب خليفة إلى حكم الابن حمد ثم أخيرا من حكم الوالد حمد إلى حكم الابن تميم. كانت قطر "جزيرة" هادئة ومستكينة، ثم بدا لها من بعد تولي حمد بن خليفة أن تنزع عن نفسها حالة المسكنة لتؤوب إلى مرحلة مغايرة تماما لما كانت عليه من قبل، وقد نبذت السكون وجعلت لنفسها منصة يتقاطر إليها الآبقون والمتذمرون المنصفون، وغير المنصفين، يردحون ويشطحون ويمارسون الصراخ واللطم والشتم، حتى علا الصوت والضجيج، وأقلق الجوار وأزعج الكبار، وكان نزق قطر يؤخذ على أنه من شقاوات الصغار، ورغم استدامة الصخب، فإن المنزعجين في المشرق والمغرب أطالوا غض النظر عما يحدث من أختهم الصغرى "قطر" مما حسبت معه هذه الشقيقة أن هذا "التطنيش" أو التسامح نابع عن ضعف وعجز، وهكذا فإن إخوتها الراشدين لما قاموا بنصحها وإرشادها قالت: إنما أوتيته على علم عندي، وهكذا تغررت الصغرى وتكبرت ثم نظرت وقالت: إنني قطر. من حق كل أحد أن تكون له السيادة في بيته وأهله، لكن في حدود ما لا يتجاوز المكان والمكـانة، وله الحـق في ممارسة كل التصرفات في حدود ما لا يتصادم مع حقوق الآخرين. ولقطر الحق كل الحق أن تلعب دورا يتسق وإمكاناتها المادية، وينسجم مع تطلعاتها لتكون…

النوم على وسادة التاريخ وشتم أميركا

الإثنين ١٧ يونيو ٢٠١٣

يمكث العرب كثيراً في الماضي، ويتعلقون في حالة وجدانية مفرطة بالتاريخ الذي لم يعايشوه، ولكنهم يقرؤونه عبر الكتب التي تبالغ وتكتب بمزيد من العاطفة، وينحاز الفرد العاجز والفاشل إلى الاعتداد بوالده أو جده أو أسرته أو قبيلته، المهم لديه هو أن يجد مشجباً يفتخر به أمام فشله مما يحقق لنفسه سلاماً داخلياً، وهكذا هم العرب جميعاً أقواماً وأفراداً يركنون إلى التاريخ يستخرجون منه أمجادهم بما يحقق لهم الرضا أمام عجزهم في الحاضر عن مواكبة العصر وأمام تخلفهم قياساً بتقدم الأمم الأخرى. وما لم يتخلّ العرب عن خاصية الركون إلى الماضي وسرد ما كان من الأمجاد فإنهم سيبقون عالة على أنفسهم ولقمة سائغة لغيرهم. الولايات المتحدة الأميركية هي أفضل مثال على دولة تتصدر دول العالم، وهي بلا تاريخ سابق أو ماض مشرف، وإنما هي تجربة بشرية ومغامرة إنسانية قادت إلى تشكل هذه الدولة من أعراق وديانات ولغات متعددة، لكنها جميعاً انصهرت في مصلحة مشتركة وأهداف واحدة على نحو جعلها تقود العالم المتحضر. وفي المقابل فإن دولة عربية مثل مصر تركن في زيادة دخلها القومي إلى تاريخ ولى وعلى أحجار تقف شاهدة على حضارة فرعونية عريقة، وكان على مصر أن تجعل البراعة التاريخية حافزاً لحاضرها، لكن ما يحدث هو عكس ما يجب، حيث تعاني مصر من ترهل بيروقراطي يضغط بثقله على الخدمات…

“وش بقى في راسك” من الدراسة؟

الأربعاء ٠٦ مارس ٢٠١٣

مطفوق: هل جربت تشيل شنطة المدرسة لأحد عيالك؟ أنا: قصدك أنها ثقيلة صح؟ مطفوق: طبعاً صح، مليانة كتب. وهذه الكتب مليانة "حشو" ومليانة "دش"، ويشيلونها العيال كل يوم ليقوم المعلم والمعلمة بحقن عقولهم الصغيرة بهذا الهذر الفظيع من الكلام. وعلشان ينجح الطالب فعليه أن يحفظ أكبر قدر ممكن من هذه الصفحات، لكن الفهم والاستيعاب ـ وهو الأهم ـ غير موجود، وغير ضروري، وسترى أن كل هذه "الحشوات" العلمية لأكثر المواد ستنقشع مثل السراب وتسقط بمجرد انتهاء الدراسة والدخول في العطلة الصيفية، لأنها قص ولزق. قل لي بالله عليك أنت وخلال 12 سنة تعليم عام (ابتدائي وإعدادي وثانوي)، وقد تسلمت أكثر من كتاب، وفي كل كتاب 200 صفحة على الأقل، ولو افترضنا أن لديك عشر مواد دراسية كل سنة فهذا يعني 2000 صفحة في السنة، بما يعني 24000 ألف صفحة خلال 12 عاما.. الآن بعد أن غادرت مقاعد الدراسة منذ زمن طويل، ماذا بقي لك من هذه الآلاف المؤلفة من الصفحات؟ ماذا تتذكر؟ وماذا نسيت؟ أنا: بقي لي في الذاكرة يمكن خمس صفحات محفوظة، وثلاث قصائد تساقط معظم أبياتها من الذاكرة، وشيء من نواقض الوضوء، وبعض العواصم العربية والأجنبية التي صرت أعرفها أكثر بواسطة نشرة الطقس في التلفزيون. كما أنني ما زلت أحفظ من جدول الضرب الأرقام المتقابلة المضروبة في بعضها…

هذا زمن “الكنادر”

الأربعاء ١٣ فبراير ٢٠١٣

غريب ما يحدث!! كان الحذاء أكثر الملبوسات والمفردات اللغوية امتهانا ثم بقدرة قدراء صار صيغة تعبير وأسلوب اعتراض. لقد دخل الحذاء إلى المنابر والمؤتمرات الصحفية والبرلمانات الكبرى حيث تصدى لكثير من المتحدثين ورد عليهم بلطمة أو حتى تهويشة. ربما أن الناس في أزمات قمع حريات التعبير كانوا حفاة ثم لما سادت الحرية وبسطت رواقها لبس الناس الأحذية لكي يعبروا ويعترضوا لكن ربما أيضا ومن زاوية أخرى أن الناس كانوا أحراراَ لما كانوا حفاة ولم يكن ثمة مقيدات تربط أرجلهم ولا أيديهم ولا ألسنتهم ومن هنا انتفت حاجتهم للانتعال الذي تأتي حاجته ساعة الانفعال، أي بمعنى آخر أنه لما جاء زمن الدكتاتورية جاءت الحاجة تمشي على قدميها ليكون الحذاء من بعد ذلك كلمة معبرة وبالغة الإيجاز تغني عن أي كلام وإسهاب والحذاء مدلل في اللغة العربية بأكثر من مفردة بعضها عربي أصيل، وبعضها دخيل فهناك ما يسمى البسطار، وهو الحذاء الثقيل يلبسه العسكر وفي القاموس هو جزمة الأكراد. أما في سورية والجزائر فيعرفون الحذاء بالسباط وفي فلسطين وسورية يعرف أكثر بالصرماية، وأحيانا يعبر عن الجزم والعزم بالسير قدما نحو هدف ما ولهذا سمي بالجزمة! والكندرة من الأسماء الدارجة للعربية من اللغة التركية وجمعها كنادر وتنطق في العراق هكذا "القندرة" وتتحول المفردة بكافة صيغها وتحولاتها إلى شتيمة فيقال يا نعال أو يا…

الكلام في الفساد.. فساد في الكلام: “غمأستني التغبشه”

الثلاثاء ٠٥ فبراير ٢٠١٣

طمرقتني قبل يومين حالة من التشاحم والتذونح فاستعذت بالله من الشيطان الرجيم، فلما كانت البارحة غمأستني موجة التغبشة التي أزرت بحواقلي وحوالقي فمضيت إلى النطاسي، وكان به عرض من العطاسي، فما كان مني إلا أن انصرفت حتى تمحرج أنفي وتلاوذت مسامعي وقد طفق الماء يخرج من الخوالج والتراسيب، فلج مني العرق حتى تمألست وتنامشت بواذلي وتداعت مناقعي وتماحشت الخلائب فصار حالي مثل حال الخرقعي الذي لا تخجله المرقعة ولا يتوقف عن الصرقعة. وحدث أن مر بي "رفيق" وأنا في الطريق فقال لي: (أنت فيه مريز جلجال أنت سعودي مسكين لازم راحة تيقة) لكنني تركت هذا الفذلكي وامتطيت كدلكي وكان سقف الأرض يسكب المدد المستسقى منذ تبالج المشارق وحتى آذن الله بانكفاء المشعه وغيابها، والماء ينهمر والطرقات تكشف عوراتها، وهكذا اختلط ماء السماء المبارك بماء المجاري، وانقشع الأسفلت وطفت السيارات كالجواري في البحار، وانقطع الحال بين الناس الذين غرقوا والذين سرقوا، لأن من غرقوا ماتوا أما الذين سرقوا فقد مرقوا كما يمرق السهم من الرمية، كما تبخر الغلاة من ذوي الجيوب المنتفخة وغيض الماء واستوت جدة على الجودي، وهب الناس يتلاومون وينتظرون القصاص لكن الفساد خارج السيطرة، فقد تخالط عند الناس فلم نعد نميز الصالح من الطالح، وتداخل الشبقي مع الخورقي وصار بينهما تمازج وتماحج وأقبلت مجاميع العواذل متطابرة تريد أن…

50 عاما من “البربرة” والكلام الفاضي

الإثنين ٢٨ يناير ٢٠١٣

ها قد مضى خمسون عاماً وأبناء العرب يجتمعون ويتناقشون.. يضربون لملتقياتهم موعداً محدداً من كل عام يكونون فيه ضيوفاً على أحدهم، مرة عند الأخ الأكبر ومرة عند الأصغر، وأخرى يحلون ضيوفاً على أخيهم الأرعن الذي يراهم أقل شأناً.. وفي سنة تالية يجرجرون خطواتهم للاجتماع عند أخيهم صاحب الصرعات، الذي به مس من الهوس وجنون العظمة، وهو الذي عليك أن تتوقع منه ما ليس بالحسبان، وفي العام الذي بعده يلتقون عند أخ لهم هو الأكثر صبراً وحلماً، يترفع عن نزق بعض الأشقاء وإملاءات البعض الآخر وتسول البقية، وهم يسعون قدر الإمكان ألا تتكرر هذه الملتقيات الدورية في مكان واحد أكثر من مرة، وهكذا مرت العقود والسنوات وأبناء العائلة العربية من الإخوة الأشقاء يلتقون في كل عام مرة أو مرتين لسبب طارئ يتجادلون ويتطارحون الهموم ويتعاتبون، لكنهم لا يصدقون مع بعضهم، بل إن منهم من يكيد للآخر. تراهم يتصافحون ويتعانقون، لكنهم يضرسون ويضمرون الشر لبعضهم. لم تكن نواياهم صافية تجاه بعضهم الآخر. تراهم يتبسمون لبعضهم أمام الكاميرات، والله يعلم ما تخفي صدورهم. كان الكبير فيهم لا يريد لأخيه الأصغر أن يتعلم ويتطور، بل يريده أن يبقى عالة ومتكلاً على غيره. وكان الأقحاح من هؤلاء الإخوة، الذين يعتمرون الغترة والطاقية، يتسمون بالصبر والروية ويتجاوزون عن تجاوزات إخوانهم الذين خرجوا قبل مئات السنين من…