الجمعة ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٢
آخر مرة في شتاء عام 2021 أخبرني صديق لي أن شيخنا عبد العزيز المقالح أَبَلَّ من مرضه العضال. أرسل الشيخ إلينا جميعاً قصيدته التي يقول فيها: أنا هالكٌ حتماً فما الداعي إلى تأجيل موتي؟! وتوفّي شيخنا أخيراً وبدون مرضٍ ولا إنذار، وما درى أننا جميعاً، نحن الذين عاصرناه وعاشرناه منذ آمادٍ وآمادٍ، إنما كنا نربط بحياته، رحمه الله، حياة اليمن. فقد مات زميله الأكبر الشاعر البردّوني وكنا نربط حياة اليمن بحياته. وتوفي السياسي اليمني الكبير عبد الكريم الإرياني وكان هذا شأننا معه؛ فكيف لا يستولي اليأس وقد غاب آخر المعالم لأصل العرب من أصل العرب، صاحب ديوان: لا بد من صنعاء، وديوان: عودة وضّاح اليمن! يقولون إنّ شعراء اليمن كلهم قوميون عرب. لكنْ لعروبة المقالح وأساتذته وزملائه وتلامذته ومريديه، طعم آخر تماماً لم نعرفه لقوميي الشام والعراق. فعندما ذهبت للتدريس بجامعة صنعاء عام 1988 وكان المقالح مديرها، ما رأيت في مجلسه على مدى سنوات غير شعراء العرب وأدبائهم وروائييهم وفنانيهم. وقال له مرة أحد عروبيي الشام، وقد أفاض في ذكر محاسن أدونيس: أدونيس يحب صنعاء، لكنه يكره العرب! فابتسم المقالح وقال: من أحبّ صنعاء أحبّ العرب، وإن خفي عليه ذلك، ألا ترى إلى محمد أركون صاحب رضوان وخصمه والذي كان عندنا بالأمس فحاكمتموه دون رحمة، فقال بعد طول صبر: لو…
الجمعة ٣٠ سبتمبر ٢٠٢٢
ما قصدتُ من عنوان «الانقضاء» الشماتة أو التشفّي، وليس لديّ سبب لذلك. لكنّ الرجل كان طوال 3 عقودٍ وأكثر عنوان حقبة، باعتباره أحد أكبر الناطقين والممثلين للإسلام الصحوي والثقافي والسياسي، وأحياناً الجهادي! ويرجع ذلك لـ4 أسباب؛ الاندفاع مع الأفكار الشائعة التي تجتذب الجمهور وتحوله إلى مرجع، وقد صار كذلك بالفعل - وكثرة كتاباته، ثم برنامجه الطويل العمر في «الجزيرة» (= الشريعة والحياة) ما جعل آراءه وفتاويه على كل شفة ولسان وعلى مشهدٍ ومرأى من كل ذي عينين - واعتماده على مدى عقود على مصدر مادي ثابت، وجهة سياسية مرموقة - وقيامه على عددٍ كبيرٍ من مؤسسات التأثير والتدبير في البيئات الإسلامية الإعلامية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية. ولكي أبدأ مع السبب الأول؛ اعتناق الآراء الشائعة؛ أذكر أنني كنت عائداً مع الراحل الأستاذ حسن حنفي من مكتبة الإسكندرية عام 2009 أو 2010 بسيارة إلى القاهرة؛ فضربني على كتفي وقال؛ لماذا يملك الشيخ القرضاوي هذا التأثير ولا نمتلكه نحن؟ ويومها كان القرضاوي يزور الرئيس بشار الأسد بدمشق بعد أن زار العقيد القذافي عام 2007. وكان قصد حنفي أنّ القرضاوي وزملاءه يزورون الحكام العرب داعمين، ومعروفٌ أنهم ضد الدول الوطنية، وبخاصة أنظمة الضباط، فلا يؤثر ذلك في شعبيتهم، ونحن نكتب ونسعى ونعمل مؤتمرات فلا نجد لذلك صدى، مع أننا «مبدئيون» لا نزور الحكام ولا نمتدحهم!…
الجمعة ٢٩ يناير ٢٠٢١
شاركتُ قبل ثلاثة أيام عن بُعد في ندوة علمية أقامتها اللجنة الفاتيكانية للحوار مع الديانات الأخرى (برئاسة الكاردينال أيوزو)، موضوعها: «التطرف الديني: المسيحيون والمسلمون في الفهم والتعاون والاستجابة». وقد شارك في الجلسات الست زهاء العشرين متحدثاً من آسيا وأفريقيا وأوروبا، من المسلمين والمسيحيين، واثنان أو ثلاث من أميركا. وفي حين انصرف البعض من الباحثين المشاركين، وبينهم أساتذة ورجال دين وسياسيون (زعيم جمعية نهضة العلماء بإندونيسيا مثلاً) إلى التأريخ والتصنيف، انصرف البعض الآخر بعد التشخيص إلى اقتراح سياسات. ما انتهت ظواهر العنف وممارساته الناجمة عن التطرف، والدليل على ذلك الأحداث بالعراق وفرنسا وفي دول الساحل الأفريقي ونيجيريا. وفي حين ما تزال المواجهة في هذا الجانب أمنية تقوم بها الجيوش والجهات الشرطية؛ فإنّ الوجه الآخر للظاهرة ذاتها أنّ هناك مرحلة جديدة في استخدام العنف (وباسم الإسلام أو من دون) لأسباب جيوسياسية واستراتيجية، ومن جانب الدول التي صارت تتدخل مباشرة أو تقود ميليشيات ومرتزقة. أما الهمُّ الآخَر الذي يعني الجهات الدينية مثل الفاتيكان والأزهر أكثر، فهو الانكفاء والانعزال الديني وعدم المشاركة في حياة المجتمعات وقيمها. وهذا النوع كان موجوداً من قبل لكنه صار بارزاً وأحياناً غالباً على التوجه الآخر العنيف فيزيقياً وميدانياً. وقد نبّهت إليه الجهات الدينية من قبل. لكنّ الرئيس الفرنسي ماكرون بتصريحاته ومقترحاته للقوانين وإعلاناته أعطى هذه الظاهرة تقدماً بارزاً في…
الجمعة ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٠
تعاظمت قصة المعارض نافالني الروسي - البريطاني المتكأكئة من عدة سنوات بادعاء أن الاستخبارات الروسية حاولت تسميمه، ونجّاه الطب البريطاني من الموت. المحكمة البريطانية اتهمت ضباط مخابرات روسية بالعملية، وأصدرت على اثنين منهم أحكاماً غيابية. ودول الاتحاد الأوروبي سارت وراء بريطانيا في فرض عقوبات ذات طبيعة دبلوماسية على روسيا الاتحادية. والآن وليس عندما ثبتت الادعاءات بحكم المحكمة، أجابت روسيا بإجراء مماثل على دبلوماسيّي الدول التي تضامنت مع بريطانيا، وهو الأمر الذي تظلمت منه ألمانيا الاتحادية باعتبار أنه لا دخل لها في النزاع! في العادة، فإن العقوبات المتبادلة وخلال الحرب الباردة وما بعدها، كانت تجري في العالم الغربي بين الولايات المتحدة وروسيا السوفياتية ثم الاتحادية. إنما في العقدين الأخيرين تعددت المشكلات الأمنية والسياسية بين روسيا والأوروبيين، ومن جورجيا وأبخازيا وإلى المشكلتين المهمتين الأخيرتين في أوكرانيا وشبه جزيرة القرم وإلى روسيا البيضاء. وتقع كل هذه المشكلات بحسب المحللين تحت عنوان: عودة روسيا الدولة العظمى بمصالحها الاستراتيجية الباقية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. وهو الأمر الذي بدا أيضاً في قضية ناغورنو قره باغ أو الخصومة بين أذربيجان وأرمينيا. فقد تدخلت روسيا هذه المرة لصالح أذربيجان، وفرضت وقفاً لإطلاق النار، وأشركت معها في الحسْم تركيا بدلاً من مجموعة مينسك الأوروبية التي تترأسُها فرنسا! هناك مصطلح فرنسي لهيبة الدولة هو Raison d’état، وليس له مقابل بالعربية،…
الأحد ١٣ ديسمبر ٢٠٢٠
العلاّمة ابن بيه يمضي بالقوة الاقتراحية التي امتلكها بالتوصيف والتشخيص إلى مقاربةٍ أخلاقيةٍ كبرى هي: حلف الفضول أو الفضائل ---------------------------- يُقْدم الجميع على التفكير في الفعل والترك بعد أن تُزيل اللقاحات وباء كورونا أو تخفّف من فتكاته. ويتجه التفكير المتبصر باتجاهين: إعادة تنشيط الاقتصاد وقطاعات الأعمال وبخاصةٍ في المؤسسات الخاصة والجهات الحرة لاستعادة فُرَص العمل، واستعادة الإنتاجية والنمو.. والاتجاه الآخر: الاهتمام بالقطاعات الصحية والتعليمية، وقد كانت (خاصة القطاع الصحي) الأكثر تأثراً وخسائر. وهذان التوجهان بالذات يستدعيان إنفاقاً كثيفاً وإدارات رشيقة وعالية الكفاءة. وفي معظم دول آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، فإنّ الأمرين غير متوافرين. ومن هنا تأتي ضرورات الإصلاح الداخلي للتأهل للقيام بهذه المهمات المصيرية لكل دولة، ومن جهةٍ أُخرى: التعاوُن الدولي الضروري بحيث يساعد القادرون غير القادرين لجهات إعادة بناء أو تقوية قطاعات الصحة والتعليم ومجالات الإصلاح. إنها قطاعاتٌ منتجة، لكنْ في الأمدين المتوسط والبعيد، وهي تتطلب استثمارات كثيفة الآن وليس غداً، ولا تتوافر هذه الاستثمارات إلاّ بالتعاون الدولي، وبعمل المؤسسات الدولية التي تسيطر فيها الدول الكبرى القادرة ذاتها. المؤتمر السابع لمنتدى تعزيز السلم بدولة الإمارات العربية، فكّر في هذا الأمر بالذات، وإنما من وجهة نظر دينية وإنسانية. فعنوان المؤتمر: «القيم في عالم ما بعد كورونا، التضامن وروح رُكّاب السفينة». يستنهض العلاّمة عبد الله بن بيّه رئيس منتدى تعزيز السلم…
الخميس ٠٢ أبريل ٢٠٢٠
اجتاحت العالم كله، على وقع انتشار وباء كورونا، نهضةٌ دينيةٌ ما أتت هذه المرة من جانب رجال الكنائس والوعاظ، بل من عامة الناس، وقد بلغ من ذُعْر بعض ذوي المراتب الكَنَسية من تعبيرات الذين سَرَتْ في صفوفهم هذه الموجة أن سمَّوها: Fetechism، أي أنها من صنف البدائيات السابقة على الديانات الكبرى، مع أنّ الرموز التي استخدمتها الجماهير في استغاثاتها من الوباء تعبيراتٌ دينية، لقد اندفعت العامة حاملةً رموزها باتجاه الكنائس، التي أُقْفلت في وجوههم بأوامر من من إدارات الكنائس والكاتدرائيات، وبأوامر رسمية. فالتجمعات، سواء داخل الكنائس أو خارجها، اعتُبرت بين أسباب انتشار الوباء، والجميع نصحوا الناس بالبقاء في منازلهم، وهي المرة الأولى منذ العصور الوسطى، التي لا يستطيع فيها المذعورون من الأوبئة أو الغزوات الخارجية، أن يتخذوا من أماكن العبادة ملجأً ليحسُّوا بشيء من الأمن. المفكر الألماني وفيلسوف الدين Otto ذهب في كتابه «المقدَّس»، في عشرينيات القرن الماضي، إلى أنّ الدين الذي اعتُبر منتهياً بسبب تحوله إلى مؤسَّساتٍ ضخمة عمدت إلى «رَوتنة المقدس» واستخدامه، لم ينته في واقع الأمر، لا في أوروبا ولا في غيرها، لأنّ «التدين» غريزةٌ إنسانيةٌ تتجاوز العلمانيات الصاعدة، وبينما انصرف كثيرون وقتها لقراءة عمل Otto قراءةً استطلاعيةً ونقدية، أصرَّ الأكثرون على أنّ الموجة الدينية العامة آنذاك علتُها الهزيمة الألمانيةُ في الحرب الأولى، والاضطراب السياسي بالبلاد، والدليل…
السبت ٠٧ مارس ٢٠٢٠
توفي الدكتور محمد عمارة بالقاهرة قبل أيامٍ عن عُمرٍ عالٍ قضاه ليالي وأياماً في الكتابة والتأليف. فقد ترك الدكتور زهاء الثلاثمائة كتاب، متفوقاً بذلك على مثقفين مصريين آخرين مثل عبد الرحمن بدوي وحسن حنفي، على اختلاف الأصول الثقافية والسياسية. وقد أفاد جيلنا وجيل تلامذتنا من تلك الهمة العالية والنشاط الهائل لعمارة في الستينات والسبعينات من القرن الماضي عندما أقبل على جمع كتابات النهضويين العرب مثل جمال الدين ومحمد عبده وعلي مبارك والكواكبي وقاسم أمين في صعيدٍ واحدٍ، والتقديم لها بمقدماتٍ مبسوطة، تتضمن استنتاجاتٍ شاملة، وتضعهم جميعاً في قالبٍ واحدٍ أو متشابه: قالب النهوض العربي والإسلامي في مواجهة الغرب وحداثته واستعماره الثقافي والسياسي. وقد كانت لي معه فيما بين السبعينات والتسعينات مواقف تصاعد فيها الجدال بيننا، لكنه كان طيّب الخلق، عفّ اللسان، وما أظنه حمل في نفسه شيئاً ضدّي. كانت المشكلة معه سياسة الأبيض والأسود والتي لا تُفرّق بين المراحل والأفكار والأبعاد، وتبدو في مجملها دفاعاً عن الإسلام، وعن العربية، وعن ماضي الأمة وحاضرها ومستقبلها، رغم المراحل الفكرية التي مرَّ بها: من اليسار إلى القومية العربية فإلى الإسلام. فعندما كان يسارياً كان ابن رشد والمعتزلة وأحمد بن حنبل والأشاعرة وابن تيمية كذلك. وعندما غلبت عليه النزعة القومية غلبت في نظرته إليهم جميعاً الرؤية الأصالية والعربية في وجه اليونان وفي وجه الشعوبية.…
الأحد ٢٥ فبراير ٢٠١٨
زار ساترفيلد، المسؤول الكبير في وزارة الخارجية الأميركية، لبنانَ قبل زيارة وزير الخارجية تيلرسون وبعدها. وشاع أنه كانت هناك وساطة أميركية بين لبنان وإسرائيل على أمرين: الجدار الذي تبنيه الدولة العبرية على الحدود البرية مع لبنان والحدود البحرية مع فلسطين، والتي يريد لبنان البحث عن النفط والغاز فيها (بلوك 9)، وتزعم إسرائيل أنها مختلفةٌ مع لبنان على حوالى الثلاثمائة كيلو متر بحري منها. وقد قال المسؤولون اللبنانيون إنهم رفضوا الاعتداءات الإسرائيلية في البر والبحر، ورفضوا خط الأميركي فريدريك هوف باعتباره حلاً وسطاً بين الطرفين. وقد عاد ساترفيلد من إسرائيل ليقول للبنانيين إنّ الإسرائيليين مصرون على الاستمرار في الجدار، ويعتبرونه داخل «حدودهم»، أما الحدود البحرية فهم مستعدون للتنازل إلى حدود 15% من المطالب بدلاً من 25%، وهو أمر رفضه اللبنانيون. إنما بين ذهاب ساترفيلد إلى إسرائيل وعودته، كان «نصرالله» قد ألقى خطاباً قال فيه إنه لا يحمي استثمارات لبنان البحرية غير صواريخ «حزب الله»، باعتبار أنّ الجيش اللبناني لا يملك صواريخ (!)، وأنه مستعدٌ لوضع قوته الصاروخية في تصرف لبنان إذا قرر المجلس الأعلى للدفاع تكليف الحزب بذلك! وهناك عدة أمور غريبة في هذا الأمر بالذات. فلبنان تحمي حدوده البرية والبحرية القرارات الدولية، وبخاصةٍ القرار رقم 1701. وبمقتضى القرار هناك نحو 15 ألف عسكري دولي، وعشرة آلاف جندي لبناني على الحدود…
الجمعة ٠١ ديسمبر ٢٠١٧
كان تفجير جامع الروضة هو الأفظع من حيث عدد الضحايا. بيد أن فظاعته تتجاوز الأعداد إلى أمورٍ أُخرى لا تقل عن ذلك فظاعة. فهو مسجدٌ، والضحايا، كباراً وصغاراً، حضروا لصلاة الجمعة والجماعة. والهجوم لا يستهدف الجيش وقوات الأمن مَثَلاً، بل هم مدنيون لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم. وهذا أدى إلى استقصاد القتل أكبر عددٍ ممكن. كما هو المعروف عن إدارة التوحش لدى «داعش» وأشباهه من مجموعات الإجرام الهمجية. مضت على مصر قرابة السنوات الأربع في العاصفة الأخيرة من عواصف الاستهداف للدولة المصرية والمجتمع المصري. وهي الفترة ذاتها التي هبّت خلالها عواصف مشابهة على سوريا والعراق وليبيا والجزائر ومالي ونيجيريا. والتشبيه يتعدّى الأعداد الغفيرة من الضحايا، وطرائق الهجمات، إلى محاولة الاستيلاء على مناطق والتحصن بها. وفي كل مرة بعد إحدى الهجمات المتوحشة، تنطلق جوائح اللوم على القوى الأمنية لأنها لم تتوقع الهجوم فلم تستعد له. كما ينطلق الهجوم على الأزهر، لأنه لا يكفّر قوى الإجرام هذه التي تكفّر الجميع، وتقتلهم. لا يمكن لقوات الأمن وضع حراساتٍ على المائة ألف مسجد بمصر. ولذلك فإنّ على الجماعات المحلية أن تلعب دوراً في حماية دور عبادتها، وأماكن تجمعاتها في الأفراح والمآتم. والدولة المصرية منذ آمادٍ وآماد، لا تقبل تكوين ميليشيات أو الاستنصار بجماعاتٍ محلية، التي ما تلبث أن تجد لنفسها وظيفة أُخرى أو وظائف…
الجمعة ٢١ يوليو ٢٠١٧
حضرتُ في منتدى أصيلة التاسع والثلاثين محوراً من ندواتٍ أو وُرَش عملٍ ثلاث (17 – 20 / 7 /2017) بعنوان: المسلمون في الغرب. والندواتُ والأعمال عن هذه المسألة المتفجرة كثيرة بل طاغية في الأعوام الأخيرة، بعد التفجر الثاني أو الثالث للعلائق على حواشي افتراس الدواعش وإيران وروسيا وأميركا لحركات التغيير العربية. إنما على كثرة الأعمال والاستطلاعات وعدم جدية أكثرها أو تحيزاتها؛ فإنني حرصتُ على الحضور والكلام في محور منتدى أصيلة عن هذا الموضوع الخطير، للجدية التي تتميز بها أعماله في كل ما يقوم به بريادة وقيادة الأستاذ محمد بن عيسى الوزير السابق للثقافة والخارجية بالمملكة المغربية. وبالفعل فقد تحدث أو علّق نحو الثلاثين من الباحثين المتخصّصين، والآخرين من الضيوف الحضور المهتمين. إنّ أولَ ما حرض الباحثون في الندوات عليه هو عدمُ الغرق في التاريخ الخاصّ بهذه العلاقة وإشكالياتها إلاّ بقدْر ما يعين ذلك على فهم التفجر الحالي. فالهجرة القديمة إلى أوروبا جاءت على وجه الخصوص من طرف شعوب المستعمرات الأوروبية في آسيا وأفريقيا. وهذا يسري على سائر تلك البلدان، حتى بعد قيام الدول الوطنية المستقلة في تلك الأقطار، ولو بعد نضالٍ وطني وحروب تحرير كما حصل في الجزائر وكينيا وإثيوبيا... الخ. لماذا استمرت الهجرة أو تعاظمت بعد الاستقلال إذن؟ يُصرُّ نقّاد الخطاب الاستعماري من اليساريين على إدانة سياسات الدول الاستعمارية…
الأحد ١٦ يوليو ٢٠١٧
احتفل العبادي من الموصل بتحريرها من «داعش». وفي الوقت نفسه كان الجنرال سليماني يخطب من طهران، فيتحدث عن الجيش العراقي، وعن «الحشد الشعبي» وجهوده، وعن حسن نصر الله وإنجازاته. أما نصر الله فأثنى على العراقيين ليس لأنهم حرروا الموصل، بل لأنهم استعصوا على الأميركيين، وخالفوا توجيهاتهم، لذلك تحقق التحرير(!). أما التحالف الدولي فاهتمّ بهذه المناسبة ليس بتحرير الموصل فقط، بل وبتحذير العراقيين من ظهور «داعش»-2 إن لم تكن هناك مصالحة وطنية. هل هناك افتراق بين هذه الأطراف؟ يصعُب تجاهل الفروقات والافتراقات. إنما لا يمكن حتى الآن تقدير المديات. ومن ناحيةٍ أُخرى، لا يمكن اعتبار العبادي فريقاً مستقلاً، فقد كان جهده الأكبر منصباً على عدم ظهور الخلاف بين الطرف الإيراني والتحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة. لكن الأميركيين كانوا يقصدون من وراء نصائحهم أمرين: الحيلولة دون ظهور مناخ تهجير وقتل يؤدي إلى ظهور تطرف آخَر، وعدم إيصال الخلاف مع الأكراد إلى نقطة اللاعودة، والذي حصل في الأمْرين أنّ الأجواء مهيئة بسبب تصرفات سليماني وحشوده لتسممٍ آخر لا تُدرَك عواقبه حتى الآن، إذ هناك خمسة ملايين مهجَّر عراقي منذ عام 2013. وهناك ألوف قُتلوا أو خُطفوا ومصيرهم غير معروف، وبعض ذلك من تصرفات الجيش والشرطة العراقيين، بيد أنّ معظم التهجير والتقتيل يعود لـ«الحشد الشعبي»، فالأميركيون مُحقُّون لهذه الناحية عندما يحذرون من «داعش»-2. وقد…
الإثنين ٠٨ مايو ٢٠١٧
حصل أستاذ الجيلين الرائد المفكر عبد الله العروي على جائزة الشيخ زايد لعام 2017 في القسم المميز منها، «شخصية العام الثقافية». وقد سميتُه أستاذ الجيلين لأنّ المصريين كانوا يسمون أحمد لطفي السيد، الشخصية الفكرية والليبرالية المعروفة فيما بين العشرينيات والخمسينيات من القرن العشرين، أستاذ الجيل، ويقصدون بذلك ريادته إلى جانب محمد حسين هيكل وطه حسين وآخرين في التعريف بالفكر الليبرالي والنهضوي الأوروبي في تلك الحقبة. وما كان عنده تلاميذ كثيرون لأنه ما درّس طويلاً بالجامعة الوطنية المصرية. أما العروي فهو أستاذ الجيلين: جيل الزملاء، وجيل التلامذة (من السبعينيات وإلى مشارف القرن الـ21). لقد عرفناه جميعاً في كتابيه الأولين: «الأيديولوجيا العربية المعاصرة» (1970)، و«العرب والفكر التاريخي» (1973). وقد كتب كثيرون ومنذ سبعينيات القرن الماضي عن هيغليته، وعن المفاهيم التي تحكم مقارباته، خاصة مسألة الفوات التاريخي. أما أنا، وقد كنتُ أُتابع دراساتي العليا بجامعة توبنغن بجمهورية ألمانيا الاتحادية، فقد لفتني في كتاباته أمران: النزوع لمقاربة الحالة أو الموقف من خلال الفهم أو التعقل، والنزوع للتحديد المفهومي من أجل النمذجة، وبالتالي التعددية والشمول. وهاتان الخاصيتان كنتُ أتعلمهما وقتها عن ماكس فيبر (1864-1920) السوسيولوجي الألماني الكبير، والذي لم يكن هيغلياً بالطبع. وعلى أي حال، ومنذ ذلك الحين وإلى اليوم، تمايز العروي في تفكيري واعتباري هو وهشام جعيط عن الجابري وأركون وآخرين من عشاق الفهم…