سناء العاجي
سناء العاجي
كاتبة وباحثة مغربية

“حدث في البحرين”

الإثنين ٢٧ نوفمبر ٢٠١٧

اسمحوا لي اليوم أن أتحدث عن تجربة إنسانية شخصية عشتها. منذ بضعة أيام، شاركت في فعاليات المنتدى الثقافي الذي ينظمه مركز الشيخ ابراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث بالبحرين، والذي يمتد من سبتمبر إلى مايو من كل سنة، وذلك عبر ندوة اخترت لها عنوان: "أن تكون امرأة في جغرافيات مسيجة". ... وكانت رحلتي الأولى إلى مملكة البحرين. وكان الحب من أول نظرة... لبلد تشعر بمجرد وصوله كم هو مفتوح للبحر وللبشر وللحب وللجمال. شعب مضياف وبلد منفتح على الآخر باختلافه، وعلى الثقافة والإعلام والفكر والفن. لكن المشكلة ليست هنا... ما حدث معي في البحرين قد يحدث معنا في الكثير من بلدان العالم: أن تسافر لبلد للمرة الأولى وأن تقع في حبها، أرضا وشعبا... المشكلة أنني اكتشفت أنني أنا نفسي، المعارضة بشراسة لأحكام القيمة عن الآخر المختلف، جمعت رحالي وسافرت لأحفاد حضارة الدلمون وأنا أحمل في حقيبتي أغراضي الشخصية... والكثير من الصور النمطية والأحكام، حتى بشكل لا شعوري. ففوجئت ببلد يختلف عن تصوري الذهني له بشكل شبه مطلق. اكتشفت في البحرين أننا، مهما بلغت قناعاتنا بالانفتاح على الآخر المختلف، فنحن نجد أنفسنا في الكثير من الحالات، مسيجين، حتى بشكل لا شعوري، بأحكام قيمة قد تكون جغرافية وقد تكون ثقافية وقد تكون إنسانية. فنحكم على البحريني وعلى الفلسطيني وعلى المغربي وعلى…

” في الحرب، لا تُحوِّلونا إلى أرقام”

الثلاثاء ٢٣ يونيو ٢٠١٥

سمعت في أخبار الصباح عن مقتل شاب فلسطيني. فكرت: أين كان متوجها؟ لأي برنامج كان يخطط؟ فكرتُ بوالديه: كيف سيقضيان أول أيام رمضان؟ بشكل يومي، صرنا نسمع عن القتلى بالعشرات في دول كليبيا وفلسطين والعراق وسوريا واليمن. صار الموت مجرد رقم بالنسبة إلينا. كيف تتحول الأحلام والمشاريع إلى أرقام باردة نحصيها ونستمر في اقتراف الحياة؟ ذلك الشاب السوري الذي قتل منذ أشهر... كانت له حبيبة في حلب. سيشتريان بيتا بحديقة. سينجبان ثلاثة أطفال... ذلك اليمني الأسمر. كانت له طفلة يحبها. مشاكسة. مراوغة. يحلم بأن يراها تكبر أمام عينيه. تدرس. تتخرج. تشتغل. تنجح. قتل ولم يعرف شيئا عن مصير الطفلة الصغيرة. وتلك الشابة الفلسطينية التي قتل زوجها في قصف بينما كانت في زيارة لقريبتها. ماذا ستقول للطفل الذي في أحشائها حين سيسألها عن أبيه؟ كيف ستشرح له أن أباه ولد في الحرب ومات في الحرب، وأن هذا سيكون ربما قدرَه أيضا؟ ذلك الرجل الليبي الذي عاد إلى بيته ليجده حطاما، وتحته دُفنت زوجته وأمه وأطفاله وما تبقى من عقله وقلبه. تلك الطفلة العراقية التي قتلت وهي في طريقها إلى بيت جدها... توقفت عن الدراسة لأن الحياة اليومية ارتبكت في العراق. كانت تحلم بأن تصير مؤلفة مشهورة تسافر عبر العالم لتتحدث عن الحب وعن الوطن... تلك المرأة السورية التي قابلتها بالأمس تتسول…

التطرف لم يولد من فراغ

الجمعة ٢٤ أكتوبر ٢٠١٤

على الفايسبوك، كتب أحد الأصدقاء مثالا وجدته جد معبر عن واقعنا الحالي: تخيل أن يكون لديك طفل تُعَلمه منذ الصغر بأن حيوان الكوالا سيء جدا وقذر وعنيف تجب محاربته. تخيل أن يكبر طفلك وأنت ترسخ لديه تدريجيا هذه الفكرة. في أحد الأيام، تذهب الأسرة إلى بيت الجيران. تجد لديهم كوالا. يضربه الطفل بعنف ويحاول طرده أو رميه من النافذة. يشعر الوالدان بالحرج أمام تصرف ابنهما. يعتذران للجيران وهما يعنفان الصغير لأن تصرفه غير سوي. هذا بالضبط ما يحدث لدينا اليوم. نعتقل المشجعين لداعش ونندد بهم وبسلوكهم "غير الإسلامي"، في حين أننا، أُسرًا ومؤسسات، ساهمنا في تكوين النسق الفكري لهؤلاء الأفراد. نعلم الأطفال في المدارس بأن الجهاد في سبيل الله واجب على كل مسلم. بأن الدين عند الله الإسلام وبأن من هم دوننا كفار سيشكلون حطب جهنم. نعلمهم في المدارس بأن النصارى واليهود هم المغضوب عليهم وهم الضالون. بأن المسلم وحده يملك الحقيقة. لا، بل وأكثر من ذلك: بأن المسلم السني وحده يملك الحقيقة. بأن الشيعة حرّفوا الدين. بأن المسيحيين واليهود زوّروا كتبهم المقدسة في حين حمى الله كتابنا المقدس دونا عن غيره من الكتب السماوية. نجعل من مراسيم ذبح الخرفان حفلا كبيرا يحضر له الصغار قبل الكبار. يرتبط في ذهنهم ولاشعورهم الصغير بأن الذبح عملية احتفالية. بأن الرجل الحقيقي هو…