د. توفيق السيف
د. توفيق السيف
باحث سعودي

أن تكون مساويا لغيرك

الثلاثاء ١٤ أكتوبر ٢٠١٤

من النادر جدا أن تسمع زعيما يدعو للشدة في معاملة الناس. جرت عادة الزعماء والعلماء على القول إن اللين هو السنة الصحيحة. ويستشهدون على هذا بآيات وأحاديث، وينقلون روايات تاريخية عن ملاينة الزعيم أو العالم الفلاني لمعارضيه، فضلا عن أتباعه. لكن مفهوم "اللين" لا يفيد كثيرا في العلاقات غير الشخصية، سيما مع المخالفين. مبدأ الملاينة صحيح في علاقة محددة بينك وبين شخص آخر، أو في علاقتك مع أتباعك والأشخاص الذين تجمعك وإياهم قناعة مشتركة ومفهوم واحد للحياة والعالم. أما المعيار الناظم للمواقف العامة والعلاقة مع المخالفين فهو مبدأ "التسامح". التسامح هو الإقرار بأن لكل إنسان حقا في اختيار ما يراه مناسبا لشخصه، من فكرة أو اعتقاد أو طريقة عيش أو منظومة علاقات اجتماعية أو موقف سياسي أو تصور عن المستقبل. أرضية هذا المبدأ هي الإيمان بعقلانية الإنسان وحريته، وكونه قادرا على حساب عواقب قراراته وأفعاله، وتحمل المسؤولية المترتبة عليها. نحن ننظر للناس كعقلاء يتبعون ما توصلوا إليه بعقولهم. أنت تؤمن بعقلك وحقك في اختيار معتقدك ونمط عيشك ومواقفك، وترفض أن يلزمك الآخرون بما لا تريد وما تظنه غير معقول، رغم أنهم يرونه معقولا وصحيحا. هذا حقك ولا غبار عليه. لكن عليك أن تعلم أن الآخرين، الذين يتفقون معك والذين يخالفونك، يملكون نفس الحق. وإذا مارسوه فسوف يتوصلون إلى خيارات مخالفة…

درس عراقي لليمن

الثلاثاء ٣٠ سبتمبر ٢٠١٤

طيلة 30 عاما (1978-2012) حاول الرئيس السابق علي صالح استعادة السيطرة على المناطق القبلية التي كانت- تقليديا- خارج سلطة الدولة، لكنه في نهاية المطاف نجح فقط في جعل نفسه القوة الأكبر بين قوى متعددة، وإقناع الجميع بأنه الخيار الأقل سوءا بين مجموع المتنافسين على السلطة. كانت الثورة الشعبية فرصة لتغيير هذا الميزان الذي استقر نسبيا منذ 1994، حين أثمرت الحرب الأهلية عن إضعاف أبرز منافسي الرئيس، أي الحزب الاشتراكي اليمني في الجنوب وحزب الإصلاح في الشمال. يعرف دارسو العلوم السياسية أن الثورات الشعبية والصراعات الأهلية تؤدي دائما إلى قلب موازين القوى: أقوياء الأمس يضعفون وضعفاء الأمس يستقوون، كما تولدت قوى جديدة من رحم الصراع. حصل هذا في مصر وليبيا وتونس وسورية والعراق، وجميع الأقطار التي مرت بتجارب مماثلة. لكن هذا التغيير يبقى غالبا في الشارع، ولا ينعكس على تشكيل الحكومة. ذلك أن النخب القديمة وحلفاءها في الإعلام والجيش والاقتصاد وحتى في المؤسسات الاجتماعية يعيدون إنتاج قوتهم السياسية في إطار يناسب التحولات الجديدة. تتمتع النخب القديمة بخبرات متراكمة في العمل السياسي والقيادة. أما القوى الجديدة فتحسن تنظيم الاحتجاجات، لكنها لا تجيد ترجمتها إلى قوة انتخابية. في مصر مثلا، كان الشباب صناع ثورة كانون الثاني (يناير) 2011 ووقودها، لكنهم فشلوا في تحقيق أي مكسب مهم في الانتخابات التالية للثورة. كذلك الحال في…

قصة مغامرة

الثلاثاء ١٦ سبتمبر ٢٠١٤

يوم تخرج شريف في كلية الصيدلة كان همه الوحيد هو البحث عن وظيفة مثل سائر الشبان. بعد تسعة أعوام من النجاح على مستوى الراتب والمكانة، سأل نفسه يوما: هل أستطيع تأسيس شركة مثل التي أعمل فيها؟ هذا السؤال استدعى جدلا داخليا حول احتمالات النجاح والفشل، مقارنة بوظيفته المريحة نسبيا. الذين سمعوا شريف يتحدث عن فكرته، أخبروه عن تجارب من سبقوه وانتهى أمرهم إلى الإفلاس. بالنسبة لأولئك فإن الوظيفة تعني الأمان على المدى البعيد، دون تحمل مسؤوليات أو خوض مغامرات. لكن هذا الشاب الذي اختبر سوق الدواء نحو عقد من الزمن أدرك - مثل قلة من الأذكياء المغامرين - أن طريق النجاح لا يمر عبر الأساليب العتيقة ولا قصص الفاشلين. ثمة دائما فرصة في مكان ما تنتظر من يخرط شوكها كي يجني ثمرها. البداية الصحيحة هي الانطلاق من المعرفة التي تجنيها في سنوات الدراسة. المعرفة التخصصية بموضوع العمل هي الجزء الأهم من رأس المال الذي تحتاج إليه. بعد أربع سنين من تأسيس مشروعه الخاص اقتنع شريف أن تركه الوظيفة السابقة كان ربما أفضل قرار أقدم عليه في حياته. فهو الآن على بعد أسابيع قليلة من افتتاح مصنع جديد، حصل على معظم تمويله من "أرامكو"، وهو مصنع يفخر شريف بأنه سيسد حاجة ملموسة في القطاع الصحي وسيسهم في تنمية بلده. المسألة ببساطة…

ابتكار المستقبل

الثلاثاء ٠٩ سبتمبر ٢٠١٤

الحصول على وظيفة في الإدارة الحكومية أو القطاع الخاص هو الهدف المحوري لكل طالب. وهو أيضا محور العملية التعليمية منذ بداية التعليم الرسمي، في المملكة ومعظم البلدان العربية. لقد اعتدت على سؤال الشباب عن مشروعاتهم الحياتية بعد التخرج، ووجدتهم جميعا متفقين على جواب واحد هو "البحث عن وظيفة". كنت أسألهم دائما: لماذا لا تنشئ مشروعك الخاص؟ فيعتذر أغلبهم بعدم توافر رأس المال الكافي. لكني أعلم أن هذا ليس سببا حقيقيا في أغلب الحالات. ثمة مئات من الأعمال يمكن إطلاقها برأس مال صغير جدا، وثمة ــــ إلى جانب هذا ــــ عدد معقول من مؤسسات الإقراض التي تدعم المشاريع الصغيرة. في سوق نشطة وسريعة التوسع مثل السوق السعودي، يمكن للشبان الأذكياء أن يجدوا 100 فرصة وفرصة، لو بحثوا عنها. المشكلة تكمن في النسق المعيشي وفي فلسفة التعليم والعرف الاجتماعي، وهي جميعا تفترض ــــ على نحو ضمني أو صريح ــــ أن نضج الفرد وانضمامه إلى الحياة العامة يبدأ بالعمل أجيرا عند الدولة أو عند شركة قائمة. يرتبط هذا بغياب مفهوم الاختيار والابتكار في ثقافتنا العامة، الذي يعني ــــ في وجهه الآخر ــــ ذهنية المغامرة وتحمل المسؤولية الكاملة للخيارات الشخصية. أظن أن معظم الناس في بلدنا لا يربون أبناءهم على مواجهة التحديات واختيار طريقهم بأنفسهم، وتحمل أعباء قراراتهم. النظام التعليمي هو الآخر لا يعزز…

في بغض الكافر

الثلاثاء ١٩ أغسطس ٢٠١٤

تفسيرات ابن خلدون للتحولات الاجتماعية والسياسية التي لخصها في مقدمته المشهورة، أثرت في كثير من كتاب العرب المعاصرين، سيما الإسلاميين منهم. ومنها مثلا ما قرره عن ميل الأمم المغلوبة إلى تقليد الغالب في كل شيء. لا أعلم إن كان الفقهاء قد تأثروا أيضا بهذه الآراء، لكني طالما وجدت نفسي حائرا إزاء ميل أغلبهم للتأكيد على الحدود الفاصلة بين المسلمين وغيرهم من أمم العالم. وأذكر نقاشا أجريته قبل زمن بعيد مع المرحوم محمد طاهر الخاقاني وهو فقيه معروف بحسن استنباطه، وإن لم يشتهر بين الناس، سألته عن سبب تشدده في أحكام العلاقة مع أهل الكتاب، فأخبرني أنه يفتي بذلك لعامة الناس، تلافيا لتأثرهم بثقافة الغالب ونمط حياته. وذكر لي رأي ابن خلدون، ولم أكن مطلعا عليه قبل إذن. فيما بعد وجدت معظم الفتاوى المتصلة بغير المسلمين ــــ بل حتى بالمسلمين المخالفين في المذهب ــــ ميالة إلى القطيعة معهم والتحذير منهم. وهذا سلوك عام عند فقهاء المسلمين على اختلاف مذاهبهم. سبب استرجاع هذه المسائل التي ضاعت في تلافيف الذاكرة، هو ما شهدته من ردود فعل علماء المسلمين على الفظائع التي ارتكبتها داعش في حق المسيحيين والإيزيديين في شمال العراق. فقد لاحظت أن معظم من استنكر تلك الأفعال الشنيعة، برر رفضه لها بكونها مسيئة لصورة الإسلام في العالم، وليس بكونها في ذاتها أفعالا…

العنف السياسي .. 3 عوامل رئيسة

الثلاثاء ١٢ أغسطس ٢٠١٤

العنف السياسي ظاهرة اجتماعية متعددة الأشكال. لكن معظمها يرجع إلى واحد من ثلاثة عوامل: أ) عامل سيكولوجي يظهر خصوصا عند الشباب الذين يعيشون المرحلة الانتقالية بين المراهقة والرجولة. وهي مرحلة يسودها ميل شديد لاكتشاف الذات وتحقيق الذات. فشل الشباب في تحقيق ذواتهم ضمن إطارات سليمة في البيئة المحيطة، يجعلهم عرضة للانزلاق في سلوكيات متوترة، تتمظهر في صورة عنف سياسي أو إجرامي. ب) عامل اجتماعي - اقتصادي يتلخص في عجز الفرد عن التكيف مع ظروف المعيشة المتغيرة، مما يعزز ميله لمنازعة المجتمع الذي يحمله مسؤولية إخفاقه في مجاراة الآخرين. ويظهر هذا العامل بصورة أجلى بين المهاجرين الجدد من الريف إلى المدينة، أو الذين يعيشون في بيئات فقيرة نسبيا، على حواشي المدن غالبا. ج) عامل ديني - سياسي يتمثل في شعور الفرد بأن هويته تواجه تهديدا جديا من جانب أطراف قوية. أكثر الشباب عرضة لهذا العامل هم الملتزمون بحضور الاجتماعات الدينية التي يكثر فيها الحديث عن التهديد الغربي والمؤامرة الدولية على الإسلام. تتفاعل هذه العوامل فيما بينها بشكل وثيق. فالذين يواجهون عسرا اقتصاديا - اجتماعيا "العامل ب" يميلون إلى تصديق الدعاوى القائلة بتباعد المجتمع عن الإسلام، ويرون في مظاهر الحياة الحديثة دليلا على ذلك. وهذا الميل يقودهم إلى تقبل فكرة التهديد الخارجي للهوية "العامل ج". كما أن الشباب الذين يواجهون عسرا في…

المدرسة كأداة لمقاومة العنف

الثلاثاء ٠٥ أغسطس ٢٠١٤

بعد أيام يعود شبابنا إلى مدارسهم، في ظرف مليء بالهموم. ثمة اتفاق ــــ فيما يبدو ــــ بين شرائح واسعة من المثقفين ونخبة البلد على الدور المحوري للتعليم في تفكيك الحاضن الاجتماعي للعنف ودعاته. ولاتقاء الإفراط في التوقعات، ينبغي التأكيد على أن هذا جهد وقائي يحجم دعوات العنف، لكنه لا يقضي على المجموعات القائمة. هذه مهمة تقوم بها جهات أخرى بوسائل مختلفة. لا أملك تصورا عمليا كاملا حول كيفية قيام المدرسة بتلك المهمة. لكني سأنطلق من فرضية الحاجة إلى تغيير الباراديم أو فلسفة العمل السائدة في نظامنا التعليمي، وأضع بعض الأفكار التي أظنها مفيدة في هذا السياق. أولى وأخطر المهمات في رأيي هي تعزيز قابلية الشباب لمقاومة الأفكار الهدامة، ومفتاحها تربية العقل النقدي الذي يحاور ويجادل ويتأمل ولا ينبهر ببليغ الكلام أو التصوير. هذا يقتضي تخصيص جانب من وقت الصف للنقاش في المنهج أو خارجه. تعويد الشباب على النقاش يرسخ ثقتهم بذواتهم وأهليتهم لنقد الأفكار ومجادلتها. الثانية: نشر احترام الحياة والإنسان والزمن. ومفتاحها التركيز على تدريس العالم المعاصر بدل التاريخ القديم. ومحاولة فهمه وفهم الفرص التي وفرتها تجارب البشر وإبداعاتهم، وكيفية استثمارها لتحسين مستوى المعيشة وتحقيق الطموحات. لقد جرت عادتنا على تقديم تاريخ انتقائي لشبابنا، يركز على الجوانب المشرقة لماضي المسلمين دون التعرض لتكلفتها المادية والمعنوية والإنسانية، ودون الإشارة إلى الجانب…

«داعش» قد تظهر في غزة

الثلاثاء ٢٩ يوليو ٢٠١٤

لا أظن أن معركة غزة ستفضي إلى تحولات استراتيجية في المشهد الفلسطيني. سيكون المسار على الأرجح شبيها بما جرى في 2012 وقبلها. ويبدو أن المطلب الرئيس لحماس وحلفائها هو إحياء اتفاق 2012 الذي رعته القاهرة، والذي كان أهم مكاسبه هو فتح معبر رفح. إسرائيل ــــ على الجانب الآخر ــــ تريد تجريد غزة من صواريخها وتدمير الأنفاق التي استخدمت لكسر الحصار، لكن ليس مرجحا أن تحصل إسرائيل على هذا المطلب، فلا حماس ولا غيرها قادرة على ضمانه. فتح معبر رفح لن يفيد الفلسطينيين كثيرا، ولا سيما في ظل تردي العلاقة بين حماس والقاهرة، وعدم توافق القاهرة مع حركة حماس. أظن أن على الفلسطينيين والعرب المطالبة بفتح ميناء غزة، ليكون البوابة الرئيسة للقطاع المحاصر. نعلم أن إسرائيل كانت ترفض أي بحث في هذا الموضوع، لكني أظن أن الظروف الراهنة في المنطقة تسمح بالإصرار على هذا المطلب. وأظن أن العالم العربي وحلفاءه قادرون اليوم على فرض خيار كهذا. عنصر القوة الرئيس في الموقف الفلسطيني هو صمود المقاومة وسلاحها الذي أربك الحياة في إسرائيل طيلة أيام الحرب، ومنع جيشها من اجتياح غزة كما تمنى قادتها. وفي جانب الحلفاء نشير إلى استعداد بعض الدول الإسلامية لإرسال سفن إغاثة عبر الميناء المحاصر. وعلى المستوى الدولي شهدنا تعاطفا مع الغزاويين لم يسبق له مثيل في الأعوام السالفة.…

احتواء الخطاب المتطرف

الثلاثاء ١٥ يوليو ٢٠١٤

ستمر بضعة أسابيع ثم تتراجع الموجة الداعشية، كما حدث لأخواتها من قبل. هذه طبيعة الأمور في بلدنا وفي سائر البلدان. لكن هذه ليست نهاية القصة. فكل حادث يخلف أثرا في النسيج الاجتماعي، سطحيا أو عميقا. ويهمنا اليوم التأمل في الإجراءات الوقائية التي تتناول بصورة خاصة البيئة الاجتماعية التي يحتمل أن تمد تيار العنف بالقوة البشرية والمادية. طبقا لما نعرفه عن المجموعات العنيفة التي ظهرت في منطقة الشرق الأوسط ككل، فان أبرز نقاط قوتها تتمثل في القدرة على استثمار نسق أيديولوجي، وخصوصا دينيا أو مذهبيا، استثمار مقولاته بإعادة تفسيرها على نحو يبرزها كجواب عن عوامل الإحباط القائمة في المحيط. بعبارة أخرى فإن الإحباط والأيديولوجيا يتفاعلان لإنتاج أمل جديد يعيد للشاب المحبط ثقته بنفسه وقدرته على تحقيق مراداته. الداعية المتطرف لا يقول للشاب إن الصلاة في المسجد هي التي ستجعله ناجحا، بل يعرض له نماذج عن الأشخاص الذين اكتشفوا ذواتهم وتحولوا من أصفار على هامش الحياة إلى أرقام في قلب المجتمع والحياة، حين انضموا إلى الجماعة المتطرفة. اكتشاف الذات وتحقيق الذات يأتي هنا متوازيا مع شعور داخلي عارم بالرضى عن الذات، وضمان رضا الله أيضا. مهمة دعاة التطرف ليست صعبة، لأنهم يستثمرون القناعات الدينية التي يجري شحنها في عقول وقلوب الشباب منذ الطفولة حتى آخر العمر. بعبارة أخرى فالشاب يسمع ذات اللغة…

في مواجهة التيار الداعشي

الثلاثاء ٠١ يوليو ٢٠١٤

إعلان "داعش" دولتها وتنصيب زعيمها خليفة للمسلمين، يمثلان نقطة تحول كبرى تستدعي حسم الخيارات: مع نمط الحياة الذي يمثله التيار الداعشي أو نمط الحياة الذي اختاره المجتمع بإرادته. لقد جربنا العيش كما نريد وعلمنا عن نمط العيش الذي أرادته "داعش" في العراق وسورية وشقيقتها "طالبان" من قبلها. "داعش" ليست فزاعة صنعتها طهران أو دمشق أو واشنطن كما حاول البعض إيهامنا. حوادث العقدين الماضيين علمتنا أن هذا التيار لا يستطيع العيش إلا منفردا متحكما في محيطه. لا يتعلق الأمر بهزيمة الشيعة كما يود البعض، ولا بالمشاركة في السلطة كما يتمنى آخرون. اجتهد الجزائريون عقدا كاملا لإقناع زعماء هذا التيار بترك العنف والمشاركة في الحياة السياسية. كذلك حاولت الحكومة الأفغانية لما يزيد على ثماني سنوات. وتكرر الأمر في الصومال. لكن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل التام. هذه تجارب تكفي لاستنتاج أن التيار الذي تمثله "داعش" لا يرى نفسه مدينا لأحد ولا شريكا لأحد ولا جزءا من أي عملية سياسية طبيعية. هذا تيار يتمثل مقولة أسامة بن لادن المشهورة في 2001 "هذه الأحداث قسمت العالم بأسره إلى فسطاطين، فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط كفر أعاذنا الله وإياكم منه". والرسالة التي ينطوي عليها هذا القول هي ببساطة: إما أن تكون جنديا في صفوفنا وإلا فأنت في فسطاط الكافرين. قبل بضعة أيام نشرت على…

مصائر المجتمعات الفاشلة

الثلاثاء ٢٤ يونيو ٢٠١٤

إذا اختار العراقيون رئيس حكومة غير نوري المالكي فسيتحول العراق إلى دولة كونفيدرالية بطريقة لينة نسبيا. وإذا عاد المالكي إلى رئاسة الحكومة بعد تشكيل البرلمان الجديد، أو تعذر التوافق على رئيس حكومة يحظى بالإجماع، فسيتحول العراق إلى دولة كونفيدرالية أيضا، لكن بطريقة صعبة ومؤلمة. لقد اعتدنا تعليق آثامنا على مشاجب الآخرين. الأزمات المتنقلة من الصومال إلى ليبيا ومصر والسودان واليمن والعراق وسورية ولبنان لم تستورد من خارج الحدود، فهي صناعة محلية بدءا واستمرارا. لعل الأغراب قد ساهموا فيها، في مرحلة من المراحل، لكن أليس مستهجنا مرور السنين تلو السنين وأهل البلد عاجزون عن علاج علتهم؟ لقد مر ربع قرن على انقسام الصومال، وما زال الوضع على حاله، وخسر السودان نصفه الجنوبي بعد عقد كامل من اتفاق على تلافي مسببات الانفصال. كذلك الأمر في العراق الذي انقسم شماله – واقعيا - منذ 1991، وتم الإقرار به دستوريا في 2003. وفي هذه الأيام يبدو العراق متجها إلى تعميق هذا الانقسام بالتحول – دستوريا أو كأمر واقع – إلى دولة كونفدرالية من ثلاثة أقاليم على الأقل. هذا المصير نفسه ينتظر سورية وليبيا، وربما اليمن التي يطالب كثير من سكان جنوبها باستعادة دولتهم التي كانت مستقلة حتى نهاية الثمانينيات من القرن المنصرم. هذا ليس فعل الأجانب، بل هو فعلنا، أو هو ثمرة عجزنا عن…

قانون حماية الوحدة الوطنية

الثلاثاء ٠٦ مايو ٢٠١٤

بلادنا ليست جزيرة معزولة عن العالم وصراعاته. مجتمعنا مثل كل مجتمعات العالم، لا يخلو من جماعات تستثمر النزاعات الأهلية كي تعزز نفوذها الاجتماعي. يعتقد الكثير من الشخصيات العامة في المملكة أن النصح والتوعية علاج ناجع لحالة التنازع والفرقة، لا سيما تلك التي تتلبس عباءة الدين. وقام بعضهم مشكورين ببذل المستطاع في دعوة الناس إلى الإخاء وتعزيز المشتركات بين أبناء الوطن. تجربة الحوار الوطني كشفت أيضا عن إمكانات كبيرة لتجاوز دواعي الخصام. لكنا نعلم أن هذه الجهود الخيرة لم تحقق الثمار المرجوة. لم ننجح كما لم ينجح غيرنا في البلدان الأخرى. الكويتيون مثلا اقتنعوا بضرورة إقرار "قانون حماية الوحدة الوطنية" الذي ينظم التعامل مع تجار الكراهية. تجربة بريطانيا انتهت بصدور قانون المساواة العرقية وإنشاء هيئة تتولى تطبيقه، حددت مهمتها بدمج الأطياف الاجتماعية ومعالجة ظواهر ومسببات الانقسام الاجتماعي. نحن في حاجة إلى تفعيل الإمكانات القانونية المتوافرة لدينا. وأشير خصوصا إلى المادة 12 من النظام الأساسي للحكم التي تنص على أن "تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام". هذا النص الصريح يمثل أرضية مكينة لاستراتيجية تشارك فيها الدولة والمجتمع بهدف ترسيخ الوحدة الشعورية وتعزيز الهوية الوطنية الجامعة. المجتمع السعودي لم يعد بسيطا كما كان قبل نصف قرن. الدعوات الأخلاقية والدينية لم تعد كافية لتصحيح الأخطاء. لا بديل عن…