السبت ١٣ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: كنا على وشك التقاط صورة سريعة، وطلبت مني ابنتي الانتظار حتى تختار (فلتر لكي تكون أحلى)! كانت المرة الأولى التي يكون فيها الأمر بكل هذا الوضوح، وكشفت لي تلك اللحظة إلى أي مدى أصبحنا أسرى للشكل المعدَّل؛ لدرجة أننا لم نعد نتقبل أنفسنا حتى في اللقطات الحياتية العابرة التي نحب توثيقها، والتي لا تستحق الكثير من التنميق أمام العدسة! وبدأت انتبه إلى انعكاس هذه الفكرة على نظرة ابنتي لنفسها! وانزعجت جدًا من الموضوع، مع اعترافي بأنني ساهمت فيه بقدرٍ ما عندما كنت أجاريها أحيانًا في انتقاء فلترٍ ما! ما السبب الحقيقي الذي يجعلنا أسرى للفلتر؟! ما المخاوف التي تجعلنا ننتفض أمام اعتقادٍ زائف ومبالغ فيه أن صورتنا ليست جميلة بما يكفي بدونه؟! لماذا أصبحنا غير راضين عن أشكالنا، ونسعى دومًا للبحث عن صورة كمالية (بلا غلطة) كما نعتقد؟! وكأن خطًّا عمريًا هنا أو حبةً هناك…
الجمعة ١٢ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: “في الشرق حين نريد أن نفهم جيراننا، نسأل الغرب.” قبل أشهر، وجدتُ نفسي في نقاش مع صديق حول العلاقات الخليجية-الهندية وأهمية الهند الاقتصادية المتصاعدة. كنا نتحدث بثقة عن "السوق الهندية" و"الفرص الاستثمارية"، حتى سألني سؤالاً بسيطاً: "هل قرأت كتاباً واحداً لمفكر هندي معاصر؟" صمتُّ. لم أكن أملك جواباً. كنا نحلل دولة بأكملها دون أن نعرف شيئاً عن عقلها. نعرف لندن أكثر من نيودلهي، ونتابع واشنطن أكثر من إسطنبول. القرب الجغرافي للدول لا يعني قرباً معرفياً؛ الجيران الذين هم على بُعد ساعات، لكننا نعاملهم كأنهم في قارة أخرى. تخيل أنك تعرف أصوات جيرانك وروائح أطعمتهم، لكنك لا تعرف ملامح عقولهم ولا ما يقلقهم. هذه حكايتنا مع الهند وإيران وتركيا وباكستان وأفغانستان. شعوب تربطنا بها شبكات معقدة من التجارة والجغرافيا، بعضها حليف وبعضها خصم. ومع ذلك، حين نسأل: "ماذا نعرف عنهم فعلاً؟"، يصير الجواب محرجاً. نحن نعيش مفارقة غريبة. قد…
الخميس ١١ ديسمبر ٢٠٢٥
لطالما كانت المدن مرآةً لحضارات الأمم، فهي فضاءات حيّة تعكس طموحات الشعوب، وتترجم قدرتها على تحويل الأفكار إلى أنماط عيش ومعايير جودة حياة، واليوم، في عالم تتسارع فيه التحولات البيئية والرقمية والاجتماعية، تتجدد أمامنا أسئلة مصيرية: أي مدن سنورّثها للأجيال المقبلة؟ وبأي نموذج سنصوغ مستقبلها؟ الإجابة على هذه الأسئلة تجعلنا نسير بخطى أكثر ثباتاً، وتجعل الرؤية أمامنا أكثر وضوحاً، فمعيارنا لقياس مدن الغد ليس أنماط العمران وحجمها، وإنما قدرة المدن نفسها على أن تكون أكثر إنصافاً للإنسان، وأعمق التزاماً بالاستدامة، وأقدر على صون الهوية الأصيلة للمجتمعات وهي تنفتح على كل ثقافات العالم، وتستجيب لاقتصاد المعرفة والتحولات التي تفرضها ذهنية الابتكار. ما يجعل تصوّر المستقبل ضرورة هو التحديات التي نواجهها اليوم، فهنا يمكن القول: إن المستقبل يحتاج إلى مدن تجعل البيئة جزءاً من بنيتها، حيث تشكّل الطاقة النظيفة وإعادة التدوير والتخطيط البيئي الذكي مكونات أساسية للنمو، فمن خلال هذا الوعي البيئي، تتحول التنمية إلى استثمار…
الخميس ١١ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: أود أن أتناول موضوع استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال الإبداعي، لا من جانب النتاج الذي قُتِل بحثًا، فقد أمكن للذكاء الاصطناعي بالفعل مجاراة ومحاكاة الإبداع الإنساني في الكتابة والرسم والموسيقى والتصميم… إلى آخره من المجالات، وكل يوم يطالعنا المزيد، والمقارنات لا تهدأ، والخوف من الخطر والتهديد وفقد الوظائف لا يستكين. لكن ما أود الحديث عنه هو فعل الإبداع ذاته، أيًّا كان، كحاجة إنسانية خالصة، كفعل تشافٍ وتعافٍ واستقرار نفسي ونمو قيمي ومعرفي وثقافي مستمر.. الاستسلام لتفوّق النتاج الإلكتروني مهما بلغ، يشكّل كارثة حقيقية في هذا الجانب الفائق الحساسية والأثر. ثم إنني لا أدري عن غيري، لكن الشيء يفقد قيمته في نظري، واستشعره بلا روح ولا حياة، إذا كان من صنع الـ AI؛ لا أرغب في قراءة مقال أو رواية أو كتاب – أيًّا كان موضوعه – من هذا النتاج. أنظر إلى الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا إجمالًا كوسيلة فعّالة ومساندة، لا كمصدر…
الأربعاء ١٠ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: يعتبر العاشر من كانون الأول/ ديسمبر اليوم العالمي لحقوق الإنسان وفق الأمم المتحدة، وهو يختتم حملة إنهاء العنف ضد المرأة التي تسبقه بمدة 16 يوماً من كل عام. في عامنا هذا خصصت الحملة للعنف الرقمي ضد النساء، أي كل ما يتعلق بالاعتداءات القائمة على الصور والتنمر الإلكتروني والتحرش عبر الإنترنت وخطاب الكراهية والاستدراج والاستغلال الجنسي وما إلى ذلك، إضافة لدور الأنظمة الذكية في تفاقم العنف ضد النساء. وباعتبار أن الأمم المتحدة معنية بكل دول العالم، فإن الحملات تواكب ما هو أكثر رواجاً، إنما قد لا يبدو من المبالغة القول أن مجتمعاتنا تجمع كل أنواع العنف ضد المرأة، قديمها وحديثها، التقليدي والجديد، من الضرب والقتل إلى الجرائم الإلكترونية، فنحن نواكب العصر مع الاحتفاظ بما هو أكثر بدائية. ولنتوخى الدقة علينا تفنيد بعض ما يندرج تحت مفهوم العنف، إذ ليس بالقتل وحده تعنف النساء: ما إن تأتي الأنثى…
الثلاثاء ٠٩ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: يشهد العالم اليوم تحوّلًا استراتيجيًا كبيرًا في شكل النظام الدولي حسب السياسات التي يفرضها الواقع والمصالح المشتركة سواء على المستوى السياسي وغيره، مع بروز ملامح تحالف شرقي متنامٍ بين روسيا والصين والهند، والذي يهدف إلى إعادة تشكيل موازين القوى العالمية ووضع حد للهيمنة الأحادية التي تسيّدت المشهد لعقود طويلة من الزمن بقيادة الولايات المتحدة. هذا التحالف الذي يجمع قوى ديموغرافية تتجاوز 2.7 مليار نسمة، واقتصادات صاعدة تمتلك التكنولوجيا والصناعة والطاقة والموارد الطبيعية والبشرية، يمثل هذا التحالف قاعدة صلبة لبناء قطب عالمي جديد يتجاوز مجرد التعاون التقليدي إلى مشروع ذي أبعاد سياسية واقتصادية وأمنية عميقة متعدد الأطراف. وتتحرك الدول الثلاث وفق رؤية مشتركة ضمن مصالحها وتسعى إلى تعزيز عالم متعدد الأقطاب كما كانت تفعل أمريكا من خلال هيمنتها على العالم، وإنتاج نظام مالي وتجاري خاص قادر على كسر احتكار الدولار كما تفعل الصين مع شركائها، وهو ما يتجسد من خلال نشأة…
السبت ٠٦ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: بعض الأماكن نسكنها وتسكننا، تتسلل إلى أعماقنا حتى تصبح جزءاً من هويتنا. حين أنظر إلى المرآة اليوم، وأرى ما فعلته العشرون عاماً الماضية في ملامحي، أدرك يقيناً أن الإمارات لم تكن مجرد محطة عابرة في سجل أيامي، أو مكاناً للعمل والإقامة فحسب. لقد كانت، ولا تزال "المعمل" الذي أُعيد فيه تشكيل روحي ورؤيتي للعالم. فمن يعيش هنا، مواطناً كان أو مقيماً، يدرك سريعاً أنه ليس مجرد ساكن في رقعة جغرافية متطورة، بل شريك في مشروع إنساني حضاري استثنائي، صاغته قيادة آمنت بأن العمران لا قيمة له إن لم يرتفع بموازاة ارتفاع قيمة الإنسان. يخطئ كثيرون حين يقرأون التجربة الإماراتية بلغة الأرقام والأبراج، وهذا اختزال يظلم “الروح” التي تدير هذا الاقتصاد. فالاقتصاد القوي قد يصنع ناطحة سحاب، لكنه وحده لا يصنع "الطمأنينة". العمق الحقيقي لهذه البلاد يكمن في قدرتها على زراعة الأمل، وفي إيمانها بأن التنمية الحقيقية هي تلك التي تستثمر في "الرأسمال البشري" قبل الحجر. الإنسان…
الخميس ٠٤ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: في الشرق الأوسط، ليست الفوضى هي ما يثير الغضب… بل الدولة التي تنجو منها. منذ سنوات وأنا أراقب الحملات المستمرة على الإمارات، وأسأل نفسي: لماذا كل هذا التركيز على دولة قررت ببساطة أن تعمل بجد وبهدوء؟ لماذا يتحول نجاحها إلى مصدر إزعاج؟ المسألة بالعموم ليست لغزًا. نحن نعيش وسط صراع بين مشروعين لا ثالث لهما: مشروع “الدولة” بمؤسساتها وقانونها، ومشروع “اللا-دولة” الذي يقتات على الميليشيات والشعارات. الإمارات اختارت بوضوح أن تكون دولة، لا ساحة. وهي تدرك جيدًا أن الفوضى قد تصنع ضجيجًا، لكنها لا تبني مستقبلًا. وهذا يختصر لك مواقفها في كل الملفات الإقليمية تقريبًا. وفي كل هذه الجغرافيا المضطربة ، ظلّت البوصلة واحدة: دعم منطق الدولة، لا منطق الانهيار؛ مهما اختلفنا في التفاصيل. ومع الوقت، تحول السؤال في المنطقة من “ماذا تفعل الإمارات؟” إلى “من تكون هذه الدولة؟”. كيف لبلد صغير بالجغرافيا أن يسبق دولًا عريقة بقرون؟…
الخميس ٠٤ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: تتداخل الحسابات السياسية مع دخان المعارك في المشهد السوداني لتزيده تعقيدا فوق ما هو معقد، وتتطاير الاتهامات في كل الاتجاهات، وفي خضمّ هذه الفوضى، يصبح من السهل أن تشوه الحقائق وأن تُزَجّ بأسماء دول ليست طرفاً في هذا الصراع الأهلي وداخل معركة جذورها أعمق من حدود الجغرافيا، وأقدم من أي وساطة إقليمية ومن اي ثأر اهلي او قبلي. فالسودان اليوم يعيش حرباً داخلية بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان والإخوان من طرف وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) من طرف آخر في صراع (سوداني ـ سوداني) وكل ما عدا ذلك مجرد تفاصيل. ورغم الاتهامات التي توجه للإمارات بين فترة وأخرى، إلا أن مراجعة بسيطة للسلوك السياسي لدولة الإمارات تكشف أنها تتعامل مع الملف السوداني بوصفه ملفاً إنسانياً وسياسياً يحتاج إلى تهدئة لا تأجيج، ويتطلب مسار تفاوض لا مسار عناد، فالإمارات جزء من الرباعية الدولية، إلى جانب السعودية، الولايات المتحدة، ومصر، وهي مجموعة تشكلت من اجل…
الأربعاء ٠٣ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: مع مرور الوقت، يُصاب الإنسان بما يمكن تسميته "تبلّد الامتنان"، حين يتعايش مع مستوى من الرفاه والراحة حتى يصبح المألوف في حياته أمرًا عاديًا لا يُقدّر، بل وقد يتحول إلى مادة للشكوى. وفي الإمارات، يتجلى هذا التبلد بوضوح؛ إذ كثير من المقيمين يتذمرون من تفاصيل صغيرة، بينما يغفلون عن الأساسيات التي يبحث عنها ملايين البشر حول العالم. فعندما تسأل أحدهم عن منغصات يومه، تتوقع أن تسمع عن مخاوف مرتبطة بالأمن، أو عن مصاعب معيشية حادة، أو عن خدمات عامة تعاني البيروقراطية، لكن القائمة غالبًا ما تبدأ بالازدحام المروري، وتمر بارتفاع طفيف في أسعار بعض السلع، وتنتهي عند تأخر المقاول في تسليم المنزل الجديد، بل قد يشكو البعض من تعطل تطبيق حكومي لثوانٍ، أو من نفاد بطارية الهاتف خلال تجديد الرخصة على التطبيق. هذه “الشكاوى” ليست سوى انعكاس لحياة تتوافر فيها الأساسيات بشكل كامل، حتى أصبح الهامشي محور الحديث. والحقيقة أن…
الأربعاء ٠٣ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: ليس مقدّرًا لهذا المقال أن يكون ذا نبرة حيادية، لا يعلو فيه صوتي ويهبط ويتكسّر مثل موجة على شاطئ.. ذاك لأنني أتحدث عن تجربة ذاتية مع النهايات.. نهاية العام تحديدًا؛ الأسابيع الأخيرة منه، تلك التي قُدّر أن تجتمع فيها مناسبات حزينة موجعة ينفطر لها الفؤاد، وأخرى سعيدة مشوبة بالفخر والاعتزاز.. دعوات رسمية، وفعاليات، وأنشطة، ومهرجانات… وامتحانات أيضًا؛ حرفيًّا لا مجازًا، امتحانات فصل دراسي حاسم، وإجازات لها عناوين رئيسية وفرعية، ومخططات وحقائب وحجوزات وتذاكر وبرامج حافلة. وكأن كل هذا لا يكفي، لتطالعنا أيضًا تخفيضات هائلة تحمل أسماء أيام بعينها من الأسبوع مقرونة بألوان بيضاء وسوداء وبنفسجية! وحُمّى شراء وخوف من الفوات، إن لم يُصبك أصاب باقي أفراد العائلة. ثم تمامًا كما لو أن كل العزّاب تنبّهوا إلى أن ثمة قطارًا خاطفًا سيفوتهم، فتسابقوا إلى ركوبه في اللحظات الأخيرة، وليتهم فعلوا ذلك من دون إقحامك في حفلات خطبة وعقد قران وتوديع عزوبية وزفاف لا يكتمل بدونك؛ أنت الفقير…
الأربعاء ٠٣ ديسمبر ٢٠٢٥
* وزير المالية السوداني السابق خاص لـ هت بوست : مقدمة في مقالنا السابق الموسوم "المشروع الوطني لليوم التالي: البرنامج الإسعافي لإعادة الإعمار والانتقال النهضوي"(1)، قدّمنا تصوراً اقتصادياً متكاملاً لمرحلة ما بعد الحرب يقوم على أربعة مكونات رئيسية: استعادة الأمن والعون الإنساني؛ تعبئة الموارد الذاتية والدولية المجمّدة؛ تشغيل الشباب عبر برامج "النقد مقابل العمل"؛ وإعادة بناء الخدمة المدنية من خلال منهج "التشبيب" والمصافحة الذهبية. ويرتكز هذا المشروع على ثلاث دعائم اقتصادية ضرورية لإعادة الإعمار، هي: الانتقال من التقشف إلى النمو؛ التحول الهيكلي في الزراعة وبناء ممرات الإنتاج حول المدن الكبرى؛ وإنشاء صناديق الحماية الاجتماعية الشاملة والتحويلات النقدية. ولأن أي برنامج جاد لإعادة الإعمار والانطلاق نحو التحولات التنموية الكبرى ليس وصفة تقنية معزولة، بل جزء من مشروع وطني أشمل، فقد أكدنا في مقالات سابقة أهمية خمس مرتكزات سياسية ومؤسسية حاكمة لنجاحه: الشرعية الاقتصادية؛ النظام الرئاسي - البرلماني الهجين؛ الانتقال من نظام الولايات إلى نظام الأقاليم والمحليات حول المدن الكبرى؛ حكومات…