آراء

الذكاء الاصطناعي والكسل العقلي

السبت ٠٨ نوفمبر ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست: قرأتً ذات يوم عبارةً مقتَبَسَة تقول: "القراءة تصنع إنسانًا كاملًا، والمناقشة تصنع إنسانًا مستعدًا، والكتابة تصنع إنسانًا دقيقًا." فما هو نوع الإنسان الذي يصنعه الـ ChatGPT؟!! لا يخفى أن الذكاء الاصطناعي أصبح جزءًا من حياتنا، وبطبيعة الحال لا يمكن إغفال التسهيلات التي يقدمها لنا في كافة المجالات، لكنني أصل إلى ميدان الكتابة والإبداع فأتوقف؛ حيث أجدني عاجزةً عن فتح الباب لهذا القادم الجديد، وأرى في نفسي مقاومةً للسماح له بالتطفل على عالمٍ يفترض أن تكون أدواته قائمة على أساس الجهد والذائقة والإبداع الإنساني. بالطبع لا تفوتني قدرته الهائلة على البحث وتقديم المعلومات، وربطها وتحليلها واقتراح نتائج لها، لكنني ما زلت عاجزة عن استساغة السماح له بمزاحمتنا في الإبداع الثقافي والأدبي، ويسوؤني جدًا أن أقف أمام نصٍ باذخ لأكتشف لاحقًا أنه (نصٌّ اصطناعي)، وأخشى أننا مقبلون على حالةٍ من استمراء الكسل العقلي التي ستتضافر بلا شك مع تراجع الاهتمام باللغة العربية والذي أصبح طابعًا عامًا للكثير من…

شعر دياحين مطير.. الوجدان القبلي وتجليات الفروسية في الذاكرة البدوية

الأربعاء ٠٥ نوفمبر ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست:        يشكّل الشعر في البادية العربية مرآةً للذات الجماعية، وسجلاً لأحداثها وقيمها، ولئن كان لكل قبيلة صوتها الشعري المميز، فإن شعر الدياحين من قبيلة مطير يبرز بوصفه نموذجاً متفرّداً يجمع بين فروسية القول وصدق الشعور، ويختزن في لغته ملامح الأصالة والكرامة والوفاء، إنّه شعرٌ يتجاوز المديح والفخر إلى بناء سردٍ جمعيٍّ يحفظ الذاكرة، ويعيد صياغة الهوية في زمنٍ تتقاطع فيه القيم وتتشظى الانتماءات، كما يشكّل نصاً ثقافياً يعبّر عن روح البادية ليس بصورتها السطحية فحسب، بل ببنيتها النفسية والعقلية التي تكوّن جوهر الإنسان البدوي.       وليس من الإنصاف أن أشرع في تعداد شعراء الدياحين، أو أن أذكر نماذج من شعرهم ففي التعداد إجحاف بمن يغيب اسمه عن ذاكرتي، وفي الانتقاء ظلم لتجربةٍ أعمق من أن تُختصر في أسماء أو بعض أبيات، غير أنهم اتفقوا في اتجاهات شعرهم على الجمع بين الفروسية والنبل والكرم، وبين حكمة البادية ونبض الصحراء، فشكّلت قصائدهم وجداناً نابضاً بالحياة، مفعماً بالتغني بالمجد،…

حكاية معرض

الثلاثاء ٠٤ نوفمبر ٢٠٢٥

لا أنتظر من الكلمات أن تكون مطواعةً عندما يتعلّق الأمر بكمّ المشاعر والحنين ودفق الذكريات التي يأتي بها مجرّد ذكر معرض الشارقة الدولي للكتاب؛ ذكرياتٌ لها لونٌ برتقاليٌّ وهاج، تختلط فيها رائحة الكتب بالقهوة وحلوى غزل البنات، وضحكاتٌ وضجيجُ أطفالٍ يحتضنون كتابهم الأوّل، وزحامٌ محبّبٌ لثقافاتٍ ولغاتٍ ولهجاتٍ وسُحناتٍ يجمعها حبّ الحرف والكلمة والكتاب. المعرض الذي ارتبط في ذهني برحلاتٍ مدرسيّةٍ إلى الإمارة الباسمة، تستقبلنا عبارتها: «ابتسم، أنت في الشارقة». يعلو قلبي ويهوي مع منحنيات جسورها، مشهد الزخارف الزرقاء في السوق الإسلامي، وروحانية منارات المساجد الوضّاءة، وخُضرة المنتزَه البهيج، ومياه الخليج الصافية التي تُكمل جلال اللوحة. هو كلّ هذا وأكثر؛ فحتى وإن كان في بدايات الثمانينات مجرّد قاعةٍ ضمّت عددًا محدودًا من دور النشر، فقد كان من الواضح والجليّ أنّه مشروعٌ مكتمل الأركان، وُجد ليبقى ولينمو، وليحقّق أهداف ورؤى سموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي الذي قالها واضحة: «الثقافة هي الأساس في بناء الحوار الإنساني، وخلق التفاهم والوئام بين…

جمال الشحي
جمال الشحي
كاتب و ناشر من دولة الإمارات

زمن الكتابة قبل أن يكتب الذكاء نصوصنا

الثلاثاء ٠٤ نوفمبر ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست: لم نعد نخوض حربًا، بل نعيش علاقة حذرة بين الكاتب وأدوات الذكاء الاصطناعي. خطوة إلى الأمام، وأخرى إلى الوراء، في مشهدٍ لا يشبه سباقًا بقدر ما يشبه مفاوضةً صامتةً بين الخيال والآلة. في زمنٍ يُكتب فيه النص بلمسة زر، يطل السؤال الذي يؤرق كل كاتب: هل فقدنا أصالة الكتابة؟ وهل أصبح هناك كاتب ما قبل الذكاء الاصطناعي وكاتب ما بعده؟ كان الكاتب القديم يكتب من عمق تجربته، بخيباتها وانتصاراتها، معتمدًا على حصيلته المعرفية وذائقته اللغوية. كان نصّه يحمل بصمة بشرية خالصة، تُضاف إلى الذاكرة الإنسانية لا إلى ذاكرة الخوارزميات. كانت الكتابة آنذاك ولادةً جديدة، لا استنساخًا لما قيل من قبل. أتواصل يوميًا مع عدد كبير من الكتّاب، وألاحظ التغيّر في نصوصهم قبل الذكاء الاصطناعي وبعده، بل واعترافاتهم الخفية بأنهم لا يستطيعون الاستغناء عنه تمامًا. حتى أولئك الذين يكتبون بأيديهم، يدفعهم الفضول لوضع نصوصهم في محادثة رقمية، فقط لمعرفة رأي الذكاء فيها. لأن الكاتب، حين يكتب، لا…

العاطفة في شعر الأمير خالد الفيصل..جدلية الوعي والوجدان

الإثنين ٠٣ نوفمبر ٢٠٢٥

         خاص لـ هات بوست:      يُعدّ شعر الأمير خالد الفيصل ظاهرةً جماليةً وفكريةً متفرّدة في الشعر العربي الحديث، لكونه ينتمي إلى الوعي قبل الانتماء إلى المدرسة، فهو لا ينشغل بتقنيات القول بقدر انشغاله بالمعنى الكامن في التجربة الإنسانية، تتجاوز قصيدته العاطفةَ لتلامس الوعي الأخلاقي والفلسفي، إذ تتحول اللغة إلى مرآة للذات الباحثة عن توازنها، إنّ القيمة الحقيقية لشعره تكمن في القدرة على تحويل البساطة إلى تأمل، والوجدان إلى فكر.        إنّ (دايم السيف) شاعر يمارس الشعر كفعلٍ معرفيٍّ، وكأن القصيدة عنده أداة تفكير وجوديّ، تُسائل الإنسان لا تُزيّنه، وتواجهه لتقدم فلسفة عميقة، فباتت كلماته تؤسس لحالةٍ معرفية يتماهى فيها الحدّ الفاصل بين الحلم والوعي، كأن لغته الحالمة نفسها تفكّر في يقظتها ومنامها، لتتحول بعد بزوغها إلى نور يضيء زوايا النفس، وإلى موجٍ يهمس في صمت الزمن، في قصائده التي تنساب عبيراً يليق بألق عاطفته لم تكن مجرد نص تنقصه الروح ، بل رحلة بين أفق الذات وعمق…

الفاشر.. القاتل والمقتول وجه واحد

الإثنين ٠٣ نوفمبر ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست: بعد تحوّل الوطن إلى ساحةٍ تتنازع فيها لغة السلاح وانعدام الولاءات للوطن، وتتقاطع المأساة مع الصراع الأليم، لا يبدو المشهد وليد اللحظة، بل خلاصة عقودٍ من التراكمات التي حوّلت في الماضي دارفور إلى بؤرة صراعٍ دائم، تتغيّر فيها الأسماء والرايات، بينما تبقى الأسباب ذاتها: السلطة، والهوية، وغياب الحكمة السياسية وولاء الحزبية. اليوم، يتواجه أبناء الأرض الواحدة في حربٍ لا منتصر فيها، ولا خاسر إلا الشعب، حربٍ تنتمي إلى الماضي أكثر مما تنتمي إلى المستقبل. تعيش مدينة الفاشر في السودان، واحدة من أكثر الفترات مأساوية في تاريخ السودان الحديث، بعدما تحوّلت إلى بؤرةٍ لصراعٍ دموي لا يمكن اختزاله في مواجهة عسكرية بين طرفين، بل في أزمة هوية وشرعية وغياب مشروع وطني جامع للكلمة السودانية العربية. فما يجري في الفاشر اليوم هو انعكاس مباشر لانهيار منظومة الدولة الوطنية، وتفكك مؤسساتها، وتحوّل الولاءات من الوطن إلى السلاح والفكر الإخواني، ومن الفكرة إلى الحزبية. في جوهر الأزمة، يقف الصراع على…

بين التكريم والاستعباد

السبت ٠١ نوفمبر ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست: نؤمن نحن المسلمون أن الإسلام كرّم الإنسان، بل إن معنى إنسانيته تجلى بتكريمه عن جميع المخلوقات الأخرى، حين اصطفى الله تعالى آدم كجنس بشري لينفخ فيه من روحه ويؤهله ليصبح كائناً حراً مسؤولاً عن حياته، يملك زمام نفسه، ضمن خطوط رئيسية ناظمة للكون، تشكل القدر. والإنسان في الإسلام ذكراً وأنثى، أكد التنزيل الحكيم أن الخلق كان منهما، لا بل من "نفس واحدة" ربما كانت خلية أنثوية هي البداية، ولست هنا بصدد مناقشة ذلك، إنما حين قال تعالى {وَلقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} (الإسراء 70) لم يقصد أولاده الذكور، إنما أبناءه في الإنسانية ذكوراً وإناثاً. وأن يكون الإنسان مكرماً يعني أن يتمتع بحق الحياة فلا يقتل ولا يهان ولا يستباح، وبالتالي لا يغتصب. يقودنا هذا الكلام إلى مصطلح، لطالما كان ملتبساً وهو "ملك اليمين"، من هم؟ أم من هنّ؟ إذا عدنا للنصوص "الشرعية" وجدنا أن ملك اليمين هم العبيد والإماء، الذكور والإناث، الذين يؤخذون من الحروب المشروعة ويصبحون…

منطق اللغة أو منطق الخطاب؟ نحو تأسيس جدلي لمفهوم التماسك النصي

الأربعاء ٢٩ أكتوبر ٢٠٢٥

     خاص لـ هات بوست:      يُعَدّ التماسك النصي أكثر من مجرد روابط لغوية تُحكِم اتصال الجمل والفقرات، فهو مبدأ فلسفي يكشف عن منطق خفي يحكم اللغة في لحظة انبثاقها خطاباً، فالخطاب لا يتأسس إلا حين تتجاوز اللغة مستوى التراصف اللفظي إلى مستوى البنية الكلية التي تُولِّد المعنى وتُؤسِّس للوعي، ومن -هنا- يصبح التماسك النصي آلية كاشفة عن العلاقة الجدلية بين منطق اللغة الذي يضبط انتظامها الداخلي، وفلسفة الخطاب التي تمنحها أفقها التداولي والمعرفي.         ومصطلح (التماسك النصي) من أكثر المفاهيم اللغوية تركيباً وإثارةً للجدل، لأنه يقف عند حدود العلاقة بين النظام اللغوي بوصفه منطقاً حاكماً للقول، والخطاب بوصفه ممارسة فكرية وثقافية تنتج المعنى في سياقات متغيرة، فإذا كان منطق اللغة يسعى إلى ضبط انتظام البنية وفق قوانين النحو والدلالة وتنوع السياقات المعرفية والوظيفية، فإن فلسفة الخطاب تتجه إلى مساءلة هذا الانتظام، وكشف ما يتخلله من توتر بين اللغة والفكر، لذا فإن التماسك النصي لا يُفهم على أنه…

جمال الشحي
جمال الشحي
كاتب و ناشر من دولة الإمارات

خداع الذات: وهم التطهير النفسي

الأربعاء ٢٩ أكتوبر ٢٠٢٥

خاص لـ هات_بوست:      كم مرة صدّقنا كذبة صنعناها بأيدينا؟ لا أبالغ إن قلت إن الحقيقة كانت دائمًا أقسى من أن نحتملها. لنتفق: نحن لا نخدع الآخرين بقدر ما نخدع ذواتنا، كلما حاولنا إنقاذ صورتنا الداخلية من الانكسار. الأمر ليس أننا أشرار. ببساطة، نحن نخاف المرآة. يصبح الوهم هنا ملاذاً مؤقتاً، نوعاً من الهدنة مع قسوة الوعي وعبء الاختيار. وكما قيل، "إننا لسنا ما نقول بل نحن ما نفعل." – جان بول سارتر كان محقاً في ثقل هذه الكلمات. نحن نصنع سرديات صغيرة، ونصدقها حرفيًا، فقط لأن العقل لا يطيق التناقض بين ما نفعله وما نؤمن به. هذه هي "التنافر المعرفي" الذي يتحدث عنه علماء النفس، ذلك الشعور المزعج الذي يضربنا حين نعيش بطريقة تخالف قناعاتنا الجوهرية. ولكي نوقف هذا الصداع، يخلق الإنسان غطاءً نفسياً خفيفاً، يبرر به تصرفاته. يعيد كتابة القصة بالكامل ليبدو فيها بطلاً مضطراً، لا شخصاً خان نفسه. أتذكر كم مرة قلت لنفسي: "الظروف دفعتني، لم…

ثنائية الحضور والغياب

الأربعاء ٢٩ أكتوبر ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست: طوال أسبوعٍ كاملٍ أرقّني سؤالٌ واحد: هل حقًّا يشغلنا الغياب أكثر من الحضور؟ وإذا كانت الإجابة في حالاتٍ عديدة: نعم، فما الأسباب الكامنة وراء ذلك؟ يبدو، بطريقةٍ ما، أن في فطرة الإنسان نزعةً خفيةً تجعله لا يرى قيمة الأشياء إلا حين تفلت من يده. وكأننا لا نتقن التقدير إلا من زاوية الغياب، حين يتحوّل الحضور إلى ذكرى، ويصبح ما كان مألوفًا استثنائيًا لمجرد أنه لم يعد موجودًا. وتلك ظاهرةٌ نفسيةٌ قبل أن تكون سلوكية؛ تُرجعها دراسات علم النفس إلى ما يُعرف بـ«تكيّف المتعة» Hedonic Adaptation، وهو ميل الإنسان إلى التعود السريع على النعم والمكتسبات حتى تفقد تأثيرها العاطفي مع مرور الوقت. هل تذكر تلك اللوحةَ الرائعة الجمال التي سعيتَ لامتلاكها، وأفردتَ لها زاويةً أثيرةً في منزلك؟ كم مضى من الوقت قبل أن تغدو وتروح بجوارها دون أن تشعر بوجودها؟ وماذا عن ذاك المنتجع السياحي الذي حلمتَ بقضاء عطلتك الصيفية فيه؟ شهقتَ لجمال الإطلالة، للخُضرةِ اليانعة والمياه…

جوهر اللغة في الخطاب القرآني.. تأمل في فلسفة التجلي اللغوي

الأحد ٢٦ أكتوبر ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست: منذ أن وعى الإنسانُ نفسه بوصفه كائنًا ناطقًا، ظلّت اللغة موضع سؤالٍ فلسفيٍّ لا ينقضي: أهي أداةٌ للتعبير أم مرآةٌ للوعي؟، وبينما انشغل الفكرُ الغربيّ طويلًا بتحديد طبيعة العلاقة بين اللغة والفكر، جاء الخطاب القرآني ليقلب هذا المنظور من جذوره، مقدِّمًا فلسفةً مغايرة للغة، فلسفةً ترى في الكلمة فعلًا وجوديًّا، لا وسيلةً نفعية.       فالقرآن الكريم —في جوهره اللغوي والفكري— لا يتعامل مع اللغة بوصفها اختراعاً بشريّاً محايداً، بل يتشكل فيها الحيّز اللغوي في أعلى مقاماته، إذ لا شيء في النص القرآني يُقال اعتباطًا، ولا لفظ يُلقى خارج نظام المقاصد، بل إنّ الكلمة القرآنية تنشئ معناها وهي تُقال، فتتحوّل من صوتٍ إلى كشف، ومن تركيبٍ إلى حدث، و-هنا- تتجلّى المفارقة الكبرى: الوحي لا يستخدم اللغة، بل يُعيد تعريفها.      إنّ دراسة الخطاب القرآني فلسفيًّا ولسانيًّا ليست بحثًا في اللغة فحسب، بل في لغة النص القرآني بوصفه أعلى المستويات اللغوية الممكنة، هذا النص لا يتحدث عن العالم…

العجلة التي لا تقود إلى مكان

الأحد ٢٦ أكتوبر ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست: أتعرّفُ عندما يكون الهامستر في عجلته مسرعًا جدًا؟ عليه أن يبقى في الدرجة نفسها من السرعة؛ فإن أسرع أكثر، خرج عن الإيقاع وسقط، وإن تباطأ قليلًا، انجرف داخل العجلة. القرارُ بالخروج منها لا يعني التوقّف، بل يعني أن يقف بثباتٍ وبقوّة، أن يختار وعيَه على دورانِه. العجلةُ التي يدور فيها الهامستر ليست قفصًا، بل مرآة. يظنّ أنه يجري نحو الحرية، نحو الأهداف، ويحيا الحياة، بينما هو يعيد الخطوة نفسها في اتّجاهٍ دائريٍّ مغلق. سرعته تمنحه شعورًا بالقدرة، لكنها في الحقيقة تمنعه من الملاحظة. لو أسرع أكثر، سيُقذَف خارجها بقوة، ولو تباطأ قليلًا، سيسقط في مركزها — حيث لا حركةَ ولا اتّجاه، بل يسقط جسده على قضبانها وهي لا تزال تحرّكه. في العجلة، كلّ شيءٍ يتحرّك… إلا الوعي. يركض الهامستر، يلهث الزمن، ويُدوَّر الهواءُ نفسه آلافَ المرّات. السرعة تغرّيه بوهم السيطرة، وبوهم القوة، لكن في عينيه خوفٌ من السقوط أكثر من رغبةٍ في الوصول. فقط عندما يتوقّف بإرادته،…