السبت ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: مرَّت منذ بضعة أيام الذكرى السادسة لرحيل الدكتور محمد شحرور رحمه الله. وكما كان في حياته، لا يزال الرجل محل جدل، والسجالات بين مُحبيه ومنتقديه لا تنتهي؛ بل ظلت تراوح مكانها، تخبو تارةً وتشتعل تارةً أخرى. على الصعيد الشخصي، أحمل لهذا الرجل الكثير من الامتنان وأعترف بفضله عليّ؛ فقد كان منذ سنوات واحدًا ممن وسّعوا مداركي، ونبهوني إلى فضيلة إعمال العقل التي غابت عن أذهان معظمنا في مرحلةٍ ما من مراحل حياتنا. ورغم أنني لم أنطلق في رؤيتي له من باب الاتباع، ولم أعتبره قدوةً مطلقةً في كل ما طرحه من أفكار، ولكن الذي لا جدال فيه أن الدكتور محمد شحرور شكّل إضاءة ناصعة وحجرًا ثقيلًا في بركة الركود والركون الفكري الذي كنت أعتقد أنني مطمئنة فيه. ومن خلال متابعتي أستطيع أن أجد هذا الأثر لدى البعض؛ حيث إنه فتح الأعين وأعاد توجيهها للنص القرآني تفكّرًا وتدبّرًا، وهو…
الخميس ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: في أحد المطاعم الفاخرة، رأيت رجلًا يتحدث مع النادل. لم يكن يصرخ، ولم يكن فظًا. لكن كان هناك شيء في طريقته: مسافة غير مرئية، نبرة تحمل تعليمات لا حوارًا، ونظرة تمر عبر الإنسان دون أن تراه. ثم أدركت أنني أفعل الشيء نفسه مع الآخرين. أحيانًا، لا أشعر برغبة في الحديث مع بعض من يعملون معي، كأن الوظيفة تكفي لتعريفهم. أتعامل باحترام، لكن دون فضول حقيقي، ودون محاولة لرؤيتهم خارج إطار العمل. وحين يخبرني أحد الموظفين أن له طفلًا لم يره منذ سنتين، أومئ برأسي بلطف، ثم أعود لهاتفي. لا قسوة في المشهد، فقط تجاهل مهذّب. هذه هي الطبقية التي لا نعلنها. الطبقية ليست نظامًا اقتصاديًا فقط، بل طريقة نتعامل بها مع عالم معقّد. في مجتمعاتنا، نعيش وسط تراتبيات تضع البشر في خانات شبه ثابتة بناءً على أصولهم، لهجاتهم، أو مهنهم. هذا التعقيد يرهقنا، فنختصر ونبسّط. نضع كل إنسان في خانة جاهزة تريحنا…
الأربعاء ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٥
في الأشهر الأخيرة، تزايدت الأسئلة حول موقف دولة الإمارات من السودان، ومن قضايا المنطقة عموماً، لا سيما في ظل حملة إعلامية غير مسبوقة تتعرض لها الدولة، تقودها جهات معروفة، وأخرى قريبة لم يكن متوقعاً أن تنخرط في هذا المسار. هذه الضجة تستدعي قراءة هادئة للموقف الإماراتي، بعيداً عن السجال والانفعال، ومن خلال فهم السياق الاستراتيجي الذي يحكم سياسة الدولة الخارجية خلال السنوات الأخيرة. منذ عام 2018 دخلت السياسة الخارجية الإماراتية مرحلة تحول واضحة، تمثلت في إنهاء الدور العسكري المباشر ضمن التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية الشقيقة في اليمن، بعد أن أدت القوات الإماراتية دوراً محورياً في معارك مفصلية، من تحرير عدن، إلى مواجهة تنظيم «القاعدة» في المكلا، وتأمين الساحل الغربي. كان ذلك العقد أحد أكثر الفترات تعقيداً في تاريخ المنطقة، تحمّلت فيه الإمارات مسؤولياتها كاملة في مواجهة فوضى عارمة هددت أمن الإقليم. ومع انحسار العمل العسكري، انتقلت الدولة إلى مرحلة يمكن وصفها…
الأربعاء ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: لقد آليتُ على نفسي، منذ اندلاع هذه الحرب الماحقة، أن أكتب عن "اليوم التالى" بعد أن تضع أوزارها، انطلاقاً من قناعة راسخة بأن واجب اللحظة لا يقتصر على إدانة الحرب أو السعي لوقفها فحسب، بل يمتد - وبإلحاح أشد - إلى التفكير الجاد في ما أعددناه لإعادة بناء السودان دولةًً ومجتمعاً، وترميم لُحمة شعبه ونسيجه الاجتماعي الذي مزقته هذه الكارثة أو كادت تقضي عليه. غير أن المؤسف حقاً أن الغالبية العظمى من كتّاب المقالات والرأي انغمسوا فى تناول يوميات الحرب ومساعي السلام الآنية - على أهميتها، دون أدنى تدبر منهجي أو فكري في سؤال: ثم ماذا بعد الحرب؟ والأسوأ من ذلك، أن المجال العام بات رهينة لسرديات سطحية مدمرة تُضخ عبر "اللايفات" ومنصات التواصل الاجتماعي، على ألسنة أنصاف مثقفين و"فلاسفة" افتراضيين لا يجيدون سوى نفخ كير الحرب، وإذكاء نوازع العنصرية والجهوية، وإعادة إنتاج خطاب الكراهية والانقسام. وفي هذا السياق، الذي يمكن اعتباره…
الثلاثاء ٢٣ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: للموت حكاية قديمة مع الإنسان، حكاية لا تشيخ ولا تتعب، تعود كل مرة بثوبٍ جديد، وتترك في القلب ندبة لا تندمل. لكنه حين يطرق باب المبدعين، لا يأخذ جسدًا فحسب، بل يطفئ ضوءًا، ويكسر جملة لم تُكمل بعد. هكذا جاء رحيل الكاتب والروائي السعودي أحمد أبو دهمان، موجعًا على نحوٍ خاص، كأن الفقد هذه المرة يعرفنا واحدًا واحدًا، وينادي أسماءنا بصوتٍ خافت. رحم الله الأخ والصديق أحمد أبو دهمان، الذي لم يكن كاتبًا عابرًا في مشهد السرد العربي، بل كان حالة إنسانية وثقافية متفردة. كان محفّزًا على الكتابة كما لو أنها فعل حياة، وعلى الترحال كما لو أنه شكلٌ من أشكال المعرفة، وعلى السؤال الدائم عمّا يختبئ خلف الجبال التي تحيط بقرى الجنوب وبلداتها. لم يرَ في الجبل نهاية الطريق، بل بدايته، ولم يتعامل مع القرية كحدٍّ ضيق، بل كبوابة مفتوحة على العالم. كان أحمد، أو “أبو نبيلة” كما…
الثلاثاء ٢٣ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: مشكلة الإعلام اليوم ليست أنه سيئ، بل أنه ناجح بالطريقة الخاطئة. وهذا ليس حكمًا بقدر ما هو توصيف لحالة. ماذا نريد من الإعلام اليوم؟ هل نكتفي بنجاح الأرقام، أم نبحث عن المعنى؟ الخلاف لم يعد حول التمويل أو الدعم—هذه متوفرة اليوم أكثر من أي وقت مضى. التحوّل الحقيقي حدث حين انتقل الإعلام من كونه رسالة تُقاس بقدرتها على التأثير والبقاء، إلى قطاع مُنتِج يُدار بمنطق السوق ويُقاس بمنحنيات المشاهدة. هذا التحول، في حد ذاته، ليس خطأ. الخطأ أن يحدث دون إعادة تعريف واضحة لمعنى النجاح. المشكلة أن هذا النجاح صار وهمًا مريحًا. برنامج يحقق ملايين المشاهدات، يُحتفى به في اجتماعات التقييم (اجتماعات طويلة، بالمناسبة)، ثم بعد شهرين لا تتذكر اسمه. لكن حين تُطرح أسئلة عن الأثر، يُدافع عن هذا النجاح باستماتة. لماذا؟ لأنه نجاح في التنظيم، في الأرقام، في الإدارة، لكن ليس بالضرورة في المحتوى أو في المعنى. ربما لا يعكس…
الثلاثاء ٢٣ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: في لحظات التحوّل الكبرى التي تعيشها المجتمعات الإنسانيّة، لا تعود اللغة مجرّد أداةٍ للتواصل، بل تغدو ساحةً لصراع المعاني، وميزاناً تُقاس به قيمة الإنسان وموقعه في العالم. فاللغة، بوصفها وعاء الفكر ومرآة الوعي الجمعيّ، ليست محايدةً ولا بريئةً؛ إنّها تحمل في بنيتها رؤى الوجود، وتُعيد تشكيل العلاقة بين الإنسان ونفسه، وبينه وبين الآخر، وبينه وبين الزمن الذي يعيش فيه. وحين تتبدّل الأزمنة وتتصاعد أسئلة الحداثة، يصبح السؤال اللغويّ سؤالاً أخلاقيّاً بامتياز: أيّ لغةٍ نستخدم، وكيف نعبّر، وما القيم التي نمرّرها من خلال الكلمة. إنّ الجمال في اللغة ليس ترفاً أسلوبيّاً ولا زينةً خطابيّةً، بل هو تعبيرٌ عن انسجامٍ داخليّ بين المعنى والموقف، وعن احترامٍ عميقٍ لعقل الإنسان وكرامته. فالكلمة الجميلة ليست تلك التي تُبهر السمع فحسب، بل التي تُنصف المعنى، وتُقيم العدل في التعبير، وتفتح المجال أمام المحبّة والحرّيّة والمساواة بوصفها قيماً إنسانيّةً حيّةً، لا شعاراتٍ مجرّدةً. ومن هنا، تتحوّل اللغة إلى…
الثلاثاء ٢٣ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: أضحى مفهوم النص في الدراسات اللسانية المعاصرة مفهوماً إشكالياً مقلقاً، ليس بسبب غموضه الاصطلاحي فحسب، بل نتيجة تشظّي المرجعيات النظرية التي حاولت الإحاطة به وضبط حدوده الدلالية والمنهجية، فالنص لم يعد وحدة لغوية منغلقة، ولا امتداداً خطياً للجملة، بل غدا فضاءً تفاعلياً مركّباً تتقاطع داخله اللغة مع الخطاب، والبنية مع التداول، والدلالة مع السياق، في شبكة علاقات مضطربة تتجاوز التصورات اللسانية الكلاسيكية، وأسهم هذا التحوّل في نقل البحث النصي من منطق التحديد البنيوي الصارم إلى أفق الانفتاح التأويلي، الأمر الذي عمّق الإشكال بدل أن يحسمه. وانطلاقاً من هذا التعدّد المرجعي، تبرز إشكالية مركزية حول إمكانية تعريف النص تعريفاً جامعاً مانعاً دون الوقوع في الاختزال أو الصراع المفاهيمي، كيف يمكن للنص أن يحتفظ باستقلاله البنيوي، وفي الوقت نفسه هو منفتح على سياقات إنتاجه وتلقّيه، ومتداخل مع أصوات وخطابات وثقافات متعددة؟ إن هذه الإشكالية لا تمسّ المفهوم نفسه فحسب، بل تمتدّ إلى المنهج وآليات التحليل،…
الثلاثاء ٢٣ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: عندما يقارب عام ما على الرحيل أخشى أن أودعه من دون أن أكون قد استوعبت أهم دروسه فلا أحب أن أعيد اختبار نفس الدرس و كأنه يمر علي للمرة الأولى فيكون أصعب و أثقل على نفسي. أعلم أن فهمي للدرس لن يمنع تكرار الإمتحان و لكنه بالتأكيد سيجعله أخف و أسهل لأني سأكون وقتها قد تعلمت التعامل الأنسب و أين أقف بالضبط و ما الذي يجب التركيز عليه من قبل ومن بعد. عام 2025 كان عاماً كثيفاً بالنسبة لي و كأنه حمل معه خلاصة أعوام كثيرة، مسكت قلمي لألتقط أهم النقاط التي لا يجب علي نسيانها لألاحظ أن ما علمتني معناه التجربة كان قد نبهنا الرسول صلى الله عليه وسلم عنه قبل أن نحتاج إلى ادراكه! وهو ما ورد في الحديث الشريف ((اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ : شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك.)) …
الأحد ٢١ ديسمبر ٢٠٢٥
يرحل بعض الكتّاب بصمتٍ لا لأنهم قلّة قيمة، بل لأن المشهد اعتاد أن يصفّق لمن يرفع صوته لا لمن يرفع المعنى... في زمنٍ بات فيه النجاح يُقاس بعدد المتابعين لا بعمق الأثر، يتحوّل الكاتب الجاد إلى كائنٍ مُحبط، يقف على الهامش، يشاهد السطحيين يُصدَّرون بوصفهم «نجوم المرحلة»، بينما تُدفع التجارب الأصيلة إلى الظلّ. هذا التهميش لا يصنعه الجهل وحده، بل غشومة إعلام يبحث عن السهل، ونخب اختارت الأمان بدل الموقف، وشلل تشخصن المواقف لتنتقم… فحين يُعقد مؤتمر للفلسفة ولا يُدعى كاتب مثل الكاتب سعد البازعي، اتفقنا او اختلفنا معه، تعرف أن هناك خللاً، بل تُستدعى الشِّلل، نفهم أن الإقصاء لم يعد خللاً عابراً بل سياسة! وحين يُقام مؤتمر للاستثمار الثقافي بلغةٍ مستعارة، وكأن الثقافة لا تفكّر إلا بالإنجليزية، يصبح من المنطقي أن نغسل أيدينا من الادّعاء، لا من الثقافة نفسها! وحين تقام بعض المؤتمرات الإعلامية ويتصدر المشهد الفاشينستات ومشاهير التيك توك والكتاكيت تغسل يدك…
السبت ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: يذهب الكثيرون إلى أن تجديد الفكر الإسلامي جاء - حصرًا - لمواجهة الفكر المتشدد والتنظيمات الإسلاموية المتطرفة التي وظّفت بعض التأويلات والروايات لخدمة مشروعها التخريبي، والحقيقة أنني أرى الأمر أبعد من هذا؛ من حيث أنه يطال عموم المسلمين كافة في كل مناحي الحياة وأشكال المعاملات، ومن حيث أنه يحقق الأصل الذي يجب أن تقوم عليه رؤيتنا وفهمنا للدين تعقّلًا وتدبّرًا. كان التنوير في نظر البعض من بني جلدتنا محل جدل؛ فالتشكيك فيه من ناحية والتوجّس منه من ناحية أخرى، واستدعاء تطبيقاته الغربية على الرغم من اختلاف السياقات التي ظهر فيها! في حين أن التنوير بمعناه البسيط - كما أفهمه - هو تفعيل العقل وتوظيفه بشكلٍ بنّاء ينعكس على حياة الفرد والمجتمع، ومن صور هذا التفعيل إعادة النظر في بعض الآراء والاجتهادات والتأويلات بالقدر الذي يراعي واقع اليوم المختلف عن واقع الأمس القريب والبعيد. بعبارةٍ أخرى: "عدم الاكتفاء بالوقوف أمام ما…
السبت ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: لا أعلم؛ هل أبدأ من الملتقى الذي أُقيم في المكتبة؟ أم من المكتبة التي أُقيم فيها الملتقى؟ إذا كنتَ تعرفني فستدرك بسهولة كيف تمارس المكتبات سحرها على عقلي وفكري ووجداني، بلا أدنى وجل؛ فما بالك إذا كانت مكتبة محمد بن راشد، ذاك الصرح الحضاري المدهش، الذي يشبه حلماً استحال إلى حقيقة. بدءًا من روعة تصميمه الأشبه بكتاب مفتوح على كل التكهنات والآفاق، وقد عرفتُ أنه صُمِّم وبُني ليتوافق مع الخطط والاستراتيجيات التي تنتهجها إمارة دبي للتحول نحو الاستدامة، ويفي بالتزامات الحفاظ على البيئة؛ إذ يوفّر نسبة من طاقته عبر الألواح الشمسية الموجودة على سطحه، ويقنّن استهلاك مياه الري بإعادة تدويرها، ويستخدم مواد صديقة للبيئة، وتقنيات عالية للعزل والتظليل. تقع المكتبة في منطقة الجداف على خور دبي الساحر، وقد فتحت أبوابها للجمهور منتصف عام 2022 كمشروع ثقافي ومعرفي هائل يهدف إلى تعزيز ثقافة القراءة والبحث وتمكين المعرفة في المجتمع. …