سامي الريامي
سامي الريامي
رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم

هيكل متضخّم غريب!

آراء

إذا كانت حكومة دبي تنفق 33% من ميزانيتها، البالغة 56.6 مليار درهم، على الصحة والتعليم والإسكان والتنمية الاجتماعية والابتكار، فإن نصيب الأسد من هذه الـ33%، لاشك في أنه مخصص للصحة وتطوير الخدمات العلاجية والطبية، فالحكومة تدرك تماماً أن الخدمات الصحية – المقدمة حالياً – تحتاج إلى كثير من التحسين والتطوير، وتحتاج إلى مليارات الدراهم لاستقطاب أفضل الكفاءات الطبية العالمية، والاستعانة بأفضل الأجهزة والمعدات الطبية، فهذان المحوران تحديداً هما أساس تطور الخدمات الصحية والعلاجية.

لكن، ومن خلال نظرة سريعة على هيكل هيئة صحة دبي الجديد، فإن من الملاحظ وبوضوح أن هناك ملايين الدراهم ضلّت طريقها عن التوجه نحو التطوير الحقيقي لهذا القطاع المهم، لتذهب نحو تضخم إداري لا يخدم أبداً أساس العمل الصحي والطبي، فهذا الهيكل لا يصبّ في تطوير القطاع الصحي والخدمات الطبية والعلاجية، ولا يتماشى مع فرضية تطوير العمل الأساسي الذي يجب أن تهتم به الهيئة، وهو صحة الإنسان وتوفير أفضل الخدمات العلاجية له، فالتطوير يجب أن يبدأ من المكان الصحيح والرئيس، والمكان الصحيح والرئيس هنا المستشفيات، وما عداها من قطاعات ومؤسسات وإدارات ومديرين تنفيذيين، ما هم إلا معاونون للدكاترة وأعضاء الهيئة التمريضية في المستشفيات! لذا لا يفترض الاهتمام الزائد، وإنفاق الأموال على مناصب إدارية ومزايا، لمن يقدمون الخدمات المساندة والمساعدة، بل يفترض توجيه الإمكانات والأموال لتطوير ما يعرف في الإدارة بالـ«كور بيزنس»، أو قطاع الأعمال الرئيس للهيئة!

في الهيكل الجديد لهيئة الصحة، انقلبت الآية رأساً على عقب، بكل ما تحمله الكلمات من معانٍ، حيث تضخم الهيكل بشكل معقد وغير طبيعي، لتظهر لنا مؤسسات وقطاعات ومديرون تنفيذيون ومديرو إدارات جديدة وأقسام جديدة، وبشكل «إداري» متشعب ومتضخم يطغى على الهدف الرئيس، والعمل المهم، والهدف الأسمى الذي يفترض أن يكون هو صُلب عمل الدائرة وهو الجانب «الصحي»، وبذلك سيطر الإداريون على 90% من الوحدات الإدارية في الهيكل، وتقزّمت المستشفيات لتتحول إلى مكاتب في ذيل الهيكل التنظيمي.. وبشكل غريب جداً!

خطورة هذا الوضع باختصار تكمن في ضياع أكثر من 80% من ميزانية هيئة الصحة، حيث ستتجه نحو رواتب ومزايا مديري المؤسسات والقطاعات والإدارات والأقسام الجديدة، وبذلك بدلاً من استقطاب كفاءات طبية عالمية تساعد على تطوير الخدمات الصحية، فإن المليارات ستذهب إلى مزايا مديرين إداريين جدد، بعيدين كل البعد عن تطوير الخدمات العلاجية التي يحتاجها المريض، ذلك المريض الذي ينتظر موعداً، أو تشخيصاً طبياً صحيحاً أو علاجاً ناجحاً في أقسام الطوارئ أو العيادات الطبية!

وحسب الهيكل الجديد، فإن هناك ثلاثة مكاتب، وخمس إدارات و16 قسماً، تتبع فقط المدير العام، منفصلة عن بقية القطاعات والإدارات في الهيئة، وهناك خمسة قطاعات ضخمة ومؤسستان، وطبعاً لكل قطاع ومؤسسة مدير تنفيذي، لا يقل راتبه ومزاياه عن 150 ألف درهم شهرياً، بالإضافة إلى المديرين التنفيذيين لأربعة مستشفيات، وتضم القطاعات الخمسة والمؤسستان 26 إدارة، و16 مكتباً، برواتب ومزايا تراوح بين 60 و90 ألف درهم لكل مدير شهرياً، وهذه الإدارات تضم أكثر من 96 قسماً، يديرها 96 رئيس قسم برواتب ومزايا تراوح بين 30 و50 ألف درهم لكل منهم شهرياً، نحن هنا نتحدث عن جيش من المديرين ورؤساء الأقسام!

وهذا تضخم لا يخدم رؤية وتوجه واستراتيجية حكومة دبي إطلاقاً، وبه تضارب كبير في عمل ومسميات الإدارات والأقسام والوحدات التنظيمية، وهناك قطاعات ثانوية لا معنى لها، متضخمة بشكل أكبر بكثير من أنشطة رئيسة كالمستشفيات والرعاية الصحية، فما معنى وجود إدارات وأقسام كثيرة جداً تتبع للمدير العام، ووجود الإدارات والمسميات ذاتها في إدارات أخرى في القطاعات والمؤسسات، ألا يفترض أن الجميع بشكل عام يتبع للمدير العام أيضاً؟!

والتضارب مستمر في وجود مؤسسة كاملة ضخمة تُعنى بالضمان الصحي، وتضم قسماً للمطالبات التأمينية، مع وجود قسم آخر لمتابعة المطالبات التأمينية في إدارة الضمان الصحي التابعة لمؤسسة دبي للرعاية الصحية! ولا ينتهي التضارب والتكرار عند هذا الحد، بل هناك الكثير من التشابه لأن الهيكل الجديد جعل الهيئة جُزراً منفصلة تعمل بشكل منفصل، ولاشك في أن هذا الأسلوب له سلبيات كثيرة ستؤثر في مستقبل الخدمات الصحية بدبي!

المصدر: الإمارات اليوم