الأمين عام لهيئة البيئة - أبوظبي
كثرت في السنوات الأخيرة، المؤتمرات واللقاءات والدعوات للحفاظ على الطبيعة. وللخوض في هذا المجال، من الضروري التوصل إلى تعريف لكلمة «الطبيعة». سأسوق هنا نموذجين يمثلان طرفي طيف واسع من الآراء المختلفة، وربما تكمن الحقيقة في مكان ما في الوسط.
قد ينظر بعضهم للطبيعة على أنها مخزون هائل من الموارد الجاهزة للاستهلاك أو الاستخدام عند الحاجة لمنفعة الجنس البشري، ويُعرِّف مفهوم «الاستخدام» هذا بالمنهج «النفعي». أو قد ينظر بعض آخر إليها على أنها جزء لا يتجزأ من الإنسانية ذاتها، حيث أن البشر بصفتهم كائنات بيولوجية هم جزء من الطبيعة، فيُعرِّف هذا المفهوم بمنظور «القيمة الذاتية».
طبقاً للمنهج النفعي، يجب الحفاظ على الطبيعة من أجل تلبية حاجات البشر التي تضمن نمونا وتطورنا وبقاءنا على قيد الحياة. وإذا استهلكنا الموارد الطبيعية بسرعة كبيرة أو فشلنا في توفير الحماية اللازمة للموارد الضرورية لبقائنا، فإننا نعرقل فرصتنا في البقاء والازدهار. من هذا المنطلق، فإننا نهتم بالحفاظ على الطبيعة، لأنها أساسية لبقائنا على قيد الحياة. ومع ذلك، فقد لا نهتم بأن نحافظ على كل مكونات الطبيعة لأن كثيراً منها ليس ضرورياً لاستمرارية حياتنا.
ومن جهة أخرى، وبدلاً من النظر إلى قيمتها المادية، يمكن للمرء أن ينظر إلى الطبيعة على أن لها قيمة في حد ذاتها من دون النظر إلى العوامل الأخرى. وبينما يعتبر المنهج «النفعي»، ضمنياً، أن الطبيعة منفصلة عن البشر، فإن منظور «القيمة الذاتية» يرى الطبيعة كجزء لا يتجزأ من الوجود الإنساني. وفي الواقع، وطبقاً لهذا المنظور، لا يمكن فصل البشر عن الطبيعة. الطبيعة ليست شيئاً يتم استخدامه، وإنما هي معنوية ولا يمكن الاستغناء عنها. من هذا المنظور، فإن السؤال عن أهمية الحفاظ على الطبيعة يصبح جدالاً لا معنى له. إن لم تحافظ على الطبيعة، فأنت لا تحافظ على البشر، فالبشر هم جزء من نظام طبيعي أكبر كثيراً حتى لو اعتقدنا أنه يمكننا التحكم به. من هذا المنظور، ليس على البشر «إنقاذ» الطبيعة، بل وقف عملية التصحر من الناحيتين.
يمكننا القول إن واضعي السياسات على الأرجح يتبنون المنهج «النفعي»، وأن دعاة الحفاظ على البيئة على الأرجح يتبنون منظور «القيمة الذاتية». ولكن باعتباري من واضعي السياسات ومن دعاة الحفاظ على البيئة في الوقت ذاته، فإنني أحاول توضيح وجهتَي النظر. ومن هذا النهج الثنائي، أرى الطبيعة كجزء لا ينفصل عني كإنسان، فالبشر جزء من الطبيعة مثلهم مثل وحيد القرن ومياه المحيطات، وخنافس الجرف الصينية. لذا، يجب حماية الطبيعة تماماً مثلما نحمي أنفسنا.
ومن جهة أخرى، هناك 7 بلايين شخص على الأرض يحتاجون إلى الطعام والنوم والعيش طبقاً لمعايير إنسانية معينة. لا يمكن حماية المناطق كافة، لكن يمكننا استغلال المناطق التي تم تطويرها بالفعل وتلك التي يتم تطويرها، بشكل أفضل. وأود في هذا السياق أن أطرح بعض الأسئلة:
هل نبالغ في تقدير أهمية الحفاظ على التنوع البيولوجي؟
يعتمد هذا الأمر على وجهة النظر التي نتبناها. من وجهة نظر المنهج «النفعي»، قد يكون الجواب لا. هل نحن بحاجة إلى بقاء خنافس الجرف الصينية أو ضفادع توغو الزلقة كي يزدهر مجتمعنا على مدى المئة جيل المقبلة؟ ربما لا.
على الجانب الآخر، إذا أخذنا منظور «القيمة الذاتية»، فإن الإجابة بالطبع هي أننا لا نبالغ في تقدير أهمية التنوع البيولوجي. فعندما نفقد التنوع البيولوجي، فإننا نفقد أنفسنا. خلال فصل الصيف، كان من المقلق جداً أن نشهد نفوق السلحفاة «جورج الوحيد» وهي آخر سلحفاة من نوعها كانت تعيش في إحدى جزر أرخبيل غالاباغوس. لن يكون هناك سلحفاة أخرى من النوع ذاته، وهذا خطأنا نحن.
ماذا يعني التنوع البيولوجي بالنسبة للتنمية؟
من وجهة نظر المنهج «النفعي»، لا يعني التنوع البيولوجي الكثير بالنسبة للتنمية، فالمواد الخام اللازمة للتنمية فقط هي الضرورية. وتنوع الحياة مهم فقط كمصدر يمكن استغلاله عند الحاجة. ومن منظور «القيمة الذاتية»، لا بد للمرء أن يسأل إذا كنت ترغب في أن تعيش في عالم غير متنوع بيولوجياً. هل تستطيع أن تعيش من دون سحر البحر أو عجائب صحارى شبه الجزيرة العربية، أو من دون الأنواع المهاجرة التي تزورنا لفترة قصيرة؟
هل يمكن أن تتحقق التنمية من دون الطبيعة؟
من وجهة نظر المنهج «النفعي»، يمكن أن تتحقق التنمية من دون حاجة لكل مكونات الطبيعة، فنحن بحاجة فقط إلى المواد الخام اللازمة للنمو والبقاء على قيد الحياة. بخلاف ذلك، فالطبيعة غير ضرورية. أما من منظور «القيمة الذاتية»، فأود أن أستشهد هنا بدرس بليغ تعلمناه من الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في مقولته التالية:
«إننا نولي بيئتنا جلّ اهتمامنا لأنها جزء عضوي من بلادنا وتاريخنا وتراثنا. لقد عاش آباؤنا وأجدادنا على هذه الأرض وتعايشوا مع بيئتنا في البر والبحر، وأدركوا بالفطرة وبالحسّ المرهف، الحاجة للمحافظة عليها، وأن يأخذوا منها قدر حاجاتهم فقط، ويتركوا منها ما تجد فيه الأجيال المقبلة مصدراً ونبعاً للعطاء».
المصدر: جريدة الحياة