عائشة سلطان
عائشة سلطان
مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان

الحياة خارج المعنى

آراء

يقول الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه «لم يعد هناك مثال يحرك مسار العالم، بل هناك فقط ضرورة الحركة من أجل الحركة»، تماماً كالدراجة التي عليها أن تتقدم للإمام دائماً كي لا تقع براكبها، أصبحنا جميعاً وأصبح هذا العالم كالدراجة المندفعة دون علم مسبق بهدفها، الكارثة ليست في الحركة، ولكن في عدم معرفة الغاية!

إننا نفقد قدرتنا على الإمساك بحركة هذا العالم وتوجيهه كما نريد، لذلك فإن علينا دائماً أن ننخرط في اشتراطاته كل لحظة دون أن نسأل أو نعرف أو نتوقف، فالمهم أن نفعل كما يفعل الجميع، أن نشتري جهاز هاتف جديداً كل ستة أشهر دون أدنى حاجة حقيقية، وأن ننغمس في عالم افتراضي باستمرار، ونتابع الحروب العبثية، والكذب العالمي، دون أن نفكر في المغزى والغاية، أي أن تصير فرداً في جماهير غوستاف لوبون وتندفع للأمام معهم!

هذا العالم الذي نعيش فيه لا يفلت من أيدينا فقط، ولكنه يصبح مجرداً من المعنى والإنسانية يوماً بعد يوم، والآن إذا قررت أن تمتلك آخر التقنيات، وتسير مع الجموع، وتصفق لمهرجانات الكذب السياسي، وتصمت عن كل ما تلاحقه عيناك، ماذا سيحصل لك ولحياتك؟ هل ستصبح أكثر ذكاء؟ أكثر سعادة؟ أكثر قدرة على الحركة والتواصل؟

يسأل الفيلسوف الألماني هيدغر: إن هذا التقدم الآلي المدفوع بالجهد من أجل البقاء، هل يمكن أن يشكل مشروعاً عظيماً ينتمي لهدف إنساني أعظم؟ إنه ينفي ذلك بشكل قاطع، وعليه فهو يقول إن أسوأ مساوئ العولمة ليس في أنها تضاعف الغنى وتزيد من أعداد الفقراء وتدمر البيئة، ولكن في «أنها تنتزع من الإنسان كل سلطة له على التاريخ، كما أنها تجرده من كل هدف ذي معنى». وهذا بالضبط ما تعارف عليه تيار شهير في الإعلام عرف بنظرية الحتمية التقنية!

لسنا مخيرين أمام سطوة التقنية، كما أن المسألة ليست مسألة حاجة أو ذوق أو حرية، أنت مجبر على مسايرة هذه التقنية وكفى، فهل هناك من حل آخر؟

المصدر: البيان